ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقًا لمسؤولين عرب وأوروبيين، فإن الدول العربية التي نبذت الرئيس السوري بشار الأسد في يوم من الأيام تعرض عليه الآن صفقة من شأنها أن تعيد إحياء العلاقات بين دمشق ومعظم دول الشرق الأوسط وفي الوقت نفسه كبح نفوذ إيران.
في المحادثات التي قادها الأردن في البداية، اقترحت الدول العربية تقديم مساعدات بقيمة مليارات الدولارات للمساهمة في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب الأهلية التي استمرت 12 سنة، وتعهدت بالضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن حكومة الأسد – وذلك حسب ما أفاد به مسؤولون مطلعون. في المقابل، كان على الأسد – وفقا لما أفاد به المسؤولون – إدماج المعارضة السياسية السورية، وقبول أن يكون اللاجئون العائدون تحت حماية القوات العربية، ومكافحة تهريب المخدرات، ومنع إيران من توسيع وجودها في البلاد.
قال مستشار للحكومة السورية ومسؤولون عرب وأوروبيون مطلعون على المحادثات إنها لا تزال في مراحلها الأولى، ولم يُبدِ الأسد أي اهتمام بالإصلاح السياسي أو استعدادًا للترحيب بالقوات العربية. ومن جهتها، لم تظهر القوى الغربية نية إلغاء العقوبات الصارمة التي فرضتها على سوريا لانتهاكها حقوق الإنسان. ولكن يرى المسؤولون أن الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا، وأسفرت عن مقتل حوالي 6000 شخص في سوريا، أعطت المحادثات زخمًا حيث يسعى الأسد للاستفادة من الكارثة الإنسانية لإنهاء عزلته الدولية.
قال المسؤولون إن دعم المملكة العربية السعودية قد عزز هذه المحادثات باعتبارها أقوى دولة عربية وكونها من بين الدول التي عارضت التقارب مع الأسد بشدة. وفي الشهر الماضي، دعا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى إنهاء القطيعة مع سوريا للاستجابة إلى أزمتها الإنسانية طويلة الأمد.
وافقت المملكة العربية السعودية مؤخرًا على تطبيع العلاقات مع إيران في صفقة توسّطت فيها الصين، مما يشير إلى أن المملكة منفتحة على تغيير مسار التوافق الجيوسياسي للمنطقة. ولعلّ انفراج أزمة العلاقات مع الأسد أحد أكثر الأمثلة جرأة على إعادة ترتيب واسعة النطاق لخارطة التوازنات في الشرق الأوسط في ظل تلاشي التوترات التي انبثقت عن الربيع العربي وتغير مصالح القوى الأجنبية في المنطقة.
كان الجيران العرب يعملون لسنوات على إعادة بناء العلاقات ببطء مع سوريا، بينما قاوم الأسد بمساعدة روسيا وإيران المتمردين الذين كادوا أن يطيحوا به. وحاليًا تسيطر حكومة الأسد على جزء كبير من البلاد باستثناء بعض الأراضي في الشمال الشرقي التي يسيطر عليها الأكراد وآخر معقل للمتمردين في محافظة إدلب شمال غرب البلاد.
تظل روسيا وإيران شريكين رئيسيين للنظام السوري. وقد وصل الأسد إلى موسكو يوم الأربعاء لإجراء محادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين تهدف إلى تطوير التعاون التجاري والإنساني بين البلدين.
علقت جامعة الدول العربية، التي تضم 22 دولة، عضوية سوريا في سنة 2011 وفرضت عقوبات على الأسد على خلفية الحملة الوحشية على الاحتجاجات التي بدأت خلال انتفاضة الربيع العربي وسرعان ما تحولت إلى مقاومة مسلحة. كما فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات صارمة على الحكومة السورية والشركات المرتبطة بعائلة الأسد.
في الوقت الراهن، ستكون إعادة إدماج سوريا المحتملة في المنطقة وإعادة إعمارها على أجندة قمة جامعة الدول العربية المقبلة التي ستنعقد في المملكة العربية السعودية، وذلك وفقًا لمسؤولين أوروبيين وعرب.
وبينما لا يزال العديد من المسؤولين العرب ينبذون الأسد وأفعاله، فإنهم يقولون إن السياسات الدولية التي تعزل سوريا ثبُت أن لها نتائج عكسية مع مرور الوقت، مما يعزز نفوذ إيران في المنطقة. وعلى حد تعبير أشخاص مطلعين على مواقف بعض الدول العربية، من شأن تحسين العلاقات مع الأسد أن يساعد في تقويض نفوذ إيران على أحد حلفائها الرئيسيين في المنطقة.
في الأسابيع الأخيرة، أرسل الأردن ومصر وزيري خارجيتهما إلى دمشق في أول زيارة دبلوماسية لسوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية في سنة 2011. لقد جعلت الإمارات العربية المتحدة إعادة الأسد إلى الحظيرة العربية أولوية، حيث استضاف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الرئيس السوري في أبو ظبي السنة الماضية، وتقوم الشركات الإماراتية باختبار أرضية الأعمال التجارية هناك.
قال مسؤول إماراتي ردًا على أسئلة تم إرسالها إلى وزارة الخارجية الإماراتية إن دولة الإمارات ترى “حاجة ملحة لتعزيز الدور العربي في سوريا”، مضيفًا “يجب تسريع البحث عن حلّ سياسي للأزمة في سوريا لتجنب عودة الإرهاب والتطرف، اللذين انتشرا خلال الصراع المستمر في سوريا”.
لن يكون إقناع الولايات المتحدة وأوروبا برفع العقوبات عن الأسد وشركائه سهلاً على الدول العربية، حتى بالنسبة لمن يعتبرون حلفاء أقوياء للولايات المتحدة. وقد صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن العقوبات المفروضة على سوريا “لها تصاريح طويلة الأمد تسمح بتمرير المساعدات الإنسانية”. وأضاف “نُوجّه تركيزنا في هذا الوقت من الأزمات على إنقاذ الأرواح ومساعدة الشعب السوري على التعافي من الزلزال، ونشجع شركاءنا الإقليميين على اتباع النهج ذاته”.
مباشرة بعد ما شهدته المنطقة من زلازل الشهر الماضي، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: “نشجّع التطبيع” فقط إذا نفّذ نظام الأسد خريطة طريق تقضي بإجراء انتخابات حرة. من جهته، لا يزال الاتحاد الأوروبي يشعر بالقلق إزاء سجل حقوق الإنسان في سوريا وعدم رغبة نظام الأسد إجراء انتخابات حرة، واستبعد دعوة الحكومة السورية لمؤتمر للمانحين من المقرر انعقاده خلال الأشهر المقبلة لإعادة بناء المناطق التي تضررت من الكارثة، وذلك حسب ما أفاد به مسؤولون أوروبيون.
سمحت الولايات المتحدة وأوروبا بإجراءات استثنائية إنسانية واسعة من العقوبات لفتح الطريق أمام المساعدات الموجهة إلى شمال غرب سوريا المتضرر من الزلزال، مع تأكيد أن الزلازل لا ينبغي أن تكون ذريعة لتغيير جذري في السياسة المتبعة تجاه ديكتاتور يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه مسؤول عن مقتل مئات الآلاف من السوريين باستخدام الأسلحة الكيميائية.
تمتد المعارضة إلى دول عربية مثل قطر والكويت والمغرب، التي لم ترسل مساعدات إلى المناطق التي تخضع لسيطرة النظام. كما أن الحصول على اعتراف دبلوماسي ومساعدة اقتصادية أمر ملح بالنسبة للأسد في ظل تدهور الوضع الاقتصادي على الصعيد المحلي.
في السادس من شباط/ فبراير، بعد ساعات فقط من وقوع الزلازل، طلبت مستشارة اتصالات الأسد بثينة شعبان من مسؤولي وزارة الخارجية والصحة الاستفادة من التعاطف الناتج عن الكارثة للضغط على الرأي العام الدولي لإنهاء العقوبات واستخدام المساعدات لتحسين العلاقات مع الدول العربية، لاسيما المملكة العربية السعودية التي قاومت حتى الآن أي تقارب رسمي مع النظام، وذلك حسب ما أفاد به أحد مستشاري حكومة الأسد ومسؤول أوروبي، وكان الهدف من ذلك استغلال هذه الأزمة.
في 12 شباط/ فبراير، طلب وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد من الأسد السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون عبر المرور بالمناطق التي تخضع لسيطرته، وذلك وفقًا لبعض المسؤولين الأوروبيين والعرب ومستشارين من الحكومة السورية.
أوضح مسؤولون أوروبيون ومستشارون للحكومة السورية أن الإماراتيين رأوا في هذه الخطوة وسيلة للأسد لتبييض صورته الدولية. لقد سمح الأسد بدخول المساعدات لكن المنطقة التي تخضع لسيطرة المتمردين رفضت قبولها خشية أن تستخدمها دمشق من أجل الدعاية.
في 20 شباط/ فبراير، سافر الأسد إلى سلطنة عمان للقاء السلطان هيثم بن طارق. وقد أشار مسؤولون أوروبيون وخليجيون إلى أن الأسد طلب من السلطان الضغط على الدول الغربية لرفع العقوبات مؤقتًا مقابل إبقاء المعابر إلى مناطق المتمردين مفتوحة.
وأردف مسؤول أوروبي ومستشار للحكومة السورية أن الأسد طلب من السلطان التوسط بين السعودية وإيران للتوصل إلى مذكرة تفاهم تقضي بموافقة طهران على أن يكون للرياض وجود اقتصادي في سوريا. في المقابل، لم ترد وزارة الخارجية العمانية على طلب التعليق.
رحّبت إيران، التي تشهد أزمة مالية واضطرت لقطع الوقود والإمدادات الطبية عن سوريا، بالتقارب العربي حتى اللحظة الراهنة، لكنها لم تظهر أي مؤشر على تقليص وجودها العسكري في المنطقة. من جانبه، وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني التقارب بين سوريا والعالم العربي بأنه “نهج واقعي” و”خطوة إيجابية نحو التضامن الإسلامي”.
يتمتع الأسد ببعض النفوذ في المفاوضات التي تهدف للحصول على مساعدة مالية من الدول العربية لأن سوريا هي المنتج والمهرب الرئيسي للمخدرات غير مشروعة المسببة للإدمان المعروفة باسم الكبتاغون – الذي أصبح من العقارات الشائعة في الشرق الأوسط. ويبلغ حجم صناعة هذا العقار 10 مليارات دولار في سوريا ويحتل صدارة الصادرات في البلاد.
وقد أثار مسؤولون من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن قضية الكبتاغون خلال اتصالات أجروها مع نظرائهم السوريين قبل حدوث الزلزال، وذلك حسب مسؤولين أوروبيين ومسؤولين من الشرق الأوسط. ولم ترد وزارتا الخارجية الأردنية والسورية وديوان الرئاسة السورية على طلبات التعليق.
المصدر: وول ستريت جورنال