يشهد معبر عون الدادات بريف حلب الشرقي المخصّص لعبور المدنيين بين مناطق السيطرة السورية، ويفصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني في جرابلس ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في منبج، ازدحامًا شديدًا، بعدما تمَّ إيقاف عبور المدنيين بين المنطقتَين صباح الجمعة 17 مارس/ آذار الجاري.
تنتظر مئات العوائل القادمة من مختلف المحافظات السورية، التي يسيطر عليها نظام الأسد وميليشيا “قسد”، في العراء في مدينة منبج دون وجود مأوى منذ أكثر من 3 أيام على التوالي، ريثما يتم افتتاح المعبر أمامهم للدخول إلى مناطق الجيش الوطني بريف حلب الشمالي والشرقي.
وافتتحت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة المعبر أمام المدنيين لتسهيل عبورهم بين المناطق السورية، مطلع فبراير/ شباط الماضي، بعد إغلاقه لأكثر من عام، وذلك بهدف الحدّ من عمليات تهريب البشر التي تجري على طول خطوط التماسّ بين مناطق السيطرة المختلفة، وتشرف عليها جهات عسكرية من كافة الأطراف، ما يعرّض السوريين إلى خطر الألغام والاستغلال.
شروط العبور إلى مناطق الوطني
أعلنت الحكومة السورية المؤقتة عن افتتاحها معبر عون الدادات في يناير/ كانون الثاني الماضي، أمام المدنيين للتنقل بين مناطق السيطرة السورية، ضمن آلية مخصّصة للعبور إلى المنطقة تشرف عليها الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني.
منعت الشرطة العسكرية الذكور الذين أعمارهم بين 18 و30 عامًا مغادرة مناطق سيطرة الحكومة السورية المؤقتة باتجاه مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة “قسد”.
بدورها، وضعت الشرطة العسكرية في وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة عدة شروط لإمكانية عبور السوريين إلى مناطق سيطرتها، مع افتتاح المعبر في 1 فبراير/ شباط الماضي، بهدف تنظيم عبور المدنيين إلى المنطقة وتحديد فترة إقامتهم.
ويتطلب من الشخص الذي يريد العبور إلى مناطق سيطرة الوطني، تسجيل اسمه لدى إدارة الشرطة العسكرية من خلال الفرد أو العائلة التي ستستقبله في الشمال السوري، ويشترَط في تقديم الطلب وجود كفيلَين يحملان هوية شخصية صادرة عن أحد المجالس المحلية لكل فرد منهما، إلى جانب معلومات تفصيلية عن كل كفيل، أما الكفيل العسكري يجب أن يكون حاصلًا على هوية عسكرية.
كما يحتاج الشخص مقدّم الطلب تحديد درجة القرابة وصورة هوية الوافدين، وتحديد مدة الزيارة التي تدرج أقل من شهر ضمن الإقامة المؤقتة وأكثر من شهر ضمن الإقامة الدائمة، إضافةً إلى التعهُّد بعدم دخول تركيا، وفي حال حدث ذلك تفرض بحقه غرامة مالية.
وفي حال الدخول الدائم، يعطى ورقة للمجلس المحلي لاستخراج هوية شخصية، ويلزم الأشخاص الذين يريدون العبور دفع رسوم مالية تصل إلى 200 ليرة تركية، بحسب مصدر محلي في منطقة جرابلس بريف حلب الشرقي.
ومنعت الشرطة العسكرية الذكور الذين أعمارهم بين 18 و30 عامًا مغادرة مناطق سيطرة الحكومة السورية المؤقتة باتجاه مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة “قسد”.
وتعدّ الشروط تعجيزية كما وصفها الأهالي، إلا أنهم بادروا بالتسجيل لدى الشرطة العسكرية بهدف زيارة أقاربهم لفترة قصيرة أو الإقامة في الشمال السوري، لكن ذلك لم يدُم لفترة طويلة بعدما تم إغلاق المعبر أمامهم، ما أدّى إلى احتجازهم في المنطقة التي ذهبوا إليها.
إغلاق المعبر يعرّض المدنيين للاستغلال
بالقرب من معبر عون الدادات في الطرف الواقع تحت سيطرة الجيش الوطني، ينتظر عشرات المدنيين أقاربهم وذويهم العالقين في مدينة منبج للعبور إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني، بعدما قاموا بتسيير أمورهم وفق الشروط التي حددتها الشرطة العسكرية.
محمد عقيل قادم مع أسرته من مدينة حلب التي يسيطر عليها نظام الأسد إلى ريفها الشمالي، بعدما قام أحد أقاربه بتسيير أمور دخوله وفقًا لشروط التسجيل المخصّصة لدخول المنطقة، لكنه فوجئ بإغلاق معبر عون الدادات أمامه، حيث ينتظر مع مئات العائلات افتتاح المعبر في مدينة منبج منذ 3 أيام.
وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: “حاولت خلال العام الماضي الدخول إلى مناطق ريف حلب، لكن طرق التهريب تكلف مبالغ مالية طائلة تصل إلى 400 دولار أمريكي، وفي الوقت ذاته خطرة بسبب وجود الألغام في خطوط التماسّ، وعندما علمتُ عن افتتاح المعبر بشكل رسمي وآمن بادرت بالتسجيل للقدوم إلى المنطقة”.
وأضاف أن زيارته لأقاربه ستكون لفترة أقل من شهر، وفي حال استطاع إيجاد عمل لإعالة أسرته فإنه سيبقى في المنطقة للعيش فيها، لكن إغلاق المعبر أجبره على البقاء في مدينة منبج، بعدما تكبّد عناء السفر من مناطق سيطرة النظام حتى مناطق “قسد”، ودفع مبالغ مالية كبيرة للسرفيس بغية الوصول إلى منبج.
وخلال الفترة الأولى من افتتاح المعبر ذهابًا وإيابًا من جرابلس إلى منبج والعكس، دخل عشرات الأشخاص وبقوا عالقين على الطرفَين، ومن بينهم عائلات قدمت لزيارة أهاليها في الشمال السوري وبعضها حالات إنسانية، حسب ما أوضح الإعلامي في مدينة جرابلس حسن المحمد.
وقال المحمد خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن إدارة المعبر من الشرطة العسكرية أغلقته صباح الجمعة ومنعت دخول الأهالي ذهابًا وإيابًا، أما “قسد” أغلقته مساء السبت وشددت من خلال دورياتها على خطوط التماسّ، بهدف منع عمليات التهريب التي تتم بين مناطقها ومناطق الوطني”.
وأضاف: “دفع إغلاق المعبر عددًا من المدنيين إلى العبور عبر خطوط التهريب الواقعة على خطوط التماسّ ضمن القرى، لقاء مبالغ مالية تصل إلى 100 دولار أمريكي مقابل عبور الشخص الواحد، حيث يضطر العديد منهم إلى دفع تلك المبالغ بعدما علقوا في حال كانت زيارتهم قصيرة”.
ورغم إعلان الحكومة المؤقتة افتتاح معبر عون الدادات، إلا أنه لم يكن مغلقًا بشكل كامل، إنما كانت عمليات تهريب البشر تتم من خلاله، حيث يدفع الشخص الواحد للعبور من جرابلس حتى منطقة منبج مئات الدولارات، لكن بعدما تمَّ جعله معبرًا رسميًّا تشرف على إدارته الشرطة العسكرية في الجيش الوطني، انخفضت الرسوم المالية إلى 10 دولارات أمريكية ما يعادل 200 ليرة تركية.
أهمية المعبر للسوريين
يعدّ معبر عون الدادات من المعابر المخصصة لعبور المدنيين بين مناطق سيطرة الجيش الوطني وقوات سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرة النظام، كما يتمتع بأهمية كبيرة لدى الأهالي الراغبين في الحصول على العلاج في المشافي، أو زيارة ذويهم في مختلف مناطق السيطرة.
وخلال السنوات الماضية، تعرّض المعبر للإغلاق بشكل متكرر من قبل الوطني في جرابلس و”قسد” في منبج، ما أدّى إلى بقاء مئات العائلات من ريف حلب في مناطق سيطرة النظام و”قسد”، وبعضها الآخر في مناطق المعارضة، ما دفع البعض منها إلى العبور عبر طرق التهريب رغم تكاليفها وخطورتها.
محمد الكوسا من ريف حلب الشمالي اضطر إلى الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام قبل عامَين من معبر عون الدادات لتلقي العلاج، لكن المعبر أُغلق بشكل كامل بعد فترة من ذهابه، ما دفعه إلى البقاء في مدينة حلب لأكثر من عامَين.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن معابر التهريب موجودة وتكلّف مبالغ مالية كبيرة ليس بمقدوري تأمينها، ما دفعني إلى البقاء عند أقاربي في حي بستان القصر، وانتظرت أكثر من عامَين حتى تم افتتاحه قبل شهر”.
وأضاف: “عرقلت كارثة الزلزال عملية التسجيل حتى الأسبوع الماضي، حيث أجرى أحد أقاربي معاملة التسجيل لدى الشرطة العسكرية، ليغلق مجددًا”.
لا يختلف حال الرجل عن باقي العائلات التي ازدادت معاناتها بعد إغلاق المعبر، وبقيت لـ 3 أيام عالقة تنتظر لحظة افتتاحه، لأنه ليس لديها أقارب في مدينة منبج بريف حلب الشرقي بغية قضاء عدة أيام عندهم ريثما يعود المعبر إلى العمل.
ويشكّل معبر عون الدادات أهمية كبيرة لدى السوريين المقيمين في مختلف مناطق السيطرة السورية، وذلك بهدف تبادل الزيارات والعودة إلى منازلهم أو لتلقي العلاج، لا سيما الحلات الإنسانية منها، كما يحفظهم من الاستغلال المالي، وخطورة الألغام التي تنتشر على خطوط التماسّ، في حال تمّت إدارته بشكل إنساني لا تجاري.