أعلنت جماعة الإخوان المسلمين (جبهة إبراهيم منير في لندن) انتخاب صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد العام، وفي بيان لها نشرته على موقعها الرسمي الإلكتروني في 19 مارس/ آذار الجاري، قالت: “تعلن جماعة الإخوان المسلمين انتخاب الدكتور صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد العام الدكتور محمد بديع، خلفًا للأستاذ إبراهيم منير، قائدًا جديدًا لدعوة الإخوان المسلمين”.
وأوضح البيان أن “مجلس الشورى العام انتخب عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين، ليصبح بذلك هو المسؤول الأول بالجماعة”، وأنه حصل على تأييد مجلس الشورى المصري والعالمي للإخوان بإجماع الأصوات كقائد جديد للجماعة، كذلك “تمَّ انتخاب هيئة إدارية عليا جديدة لإدارة شؤون الجماعة في نهاية يناير/ كانون الثاني 2023”.
وكان نائب رئيس الهيئة الإدارية العليا لإدارة شؤون الجماعة، محيي الدين الزايط، هو القائم بتسيير أعمال المرشد العام بشكل مؤقت، عقب وفاة نائب المرشد والقائم بالأعمال، إبراهيم منير، في لندن في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وذلك لحين اختيار قائم رسمي بالأعمال.
وتواجه الجماعة أزمة انقسام كبيرة منذ اعتقال القائم بأعمال المرشد، محمود عزت (الذي قاد الجماعة منذ عام 2013)، في 28 أغسطس/ آب 2020، بين جبهة لندن التي كان يقودها الراحل إبراهيم منير، وجبهة إسطنبول التي يقودها محمود حسين، الذي تعتبره الجبهة القائم بأعمال المرشد حتى اليوم.
وبهذا الاختيار يصبح صلاح عبد الحق القائم الثالث بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان (بعد محمود عزت وإبراهيم منير)، منذ اعتقال المرشد العام للجماعة محمد بديع في أعقاب الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر عام 2013، وسط رفض قاطع من قبل جبهة إسطنبول لمثل تلك الاختيارات.
تعلن جماعة الإخوان المسلمين انتخاب الدكتور صلاح عبد الحق قائماً بأعمال فضيلة المرشد العام الدكتور محمد بديع، خلفاً للأستاذ إبراهيم منير رحمه الله تعالى. قائدا جديدا لدعوة الإخوان المسلمين المباركة.
والله أكبر ولله الحمد
جماعة الإخوان المسلمين #مصر #الاخوان #الاخوان_المسلمين pic.twitter.com/L8nYyNs4NA
— المتحدث الإعلامي (@MBSMOfficial) March 19, 2023
من هو صلاح عبد الحق؟
التحق صلاح المولود في القاهرة عام 1945 بجماعة الإخوان عام 1962 وهو في المرحلة الثانوية، بعد أن تأثر بأفكار مؤسّسها حسن البنا، وكان للطلاب السوريين المنتمين للجماعة، والذين قدموا للتعليم في الجامعات المصرية بعد إعلان الوحدة بين البلدَين عام 1958، تأثيرهم الكبير عليه في الانبهار بتلك الأفكار والاقتناع بها، ومن ثم إعلان الرغبة في الانضمام إلى صفوفها.
وفي عام 1965 تعرّض الشاب الذي لم يتجاوز عمره الـ 20 عامًا لتجربة اعتقال قاسية، حين زُجّ به في السجن الحربي في أعقاب حملة الاعتقالات الشهيرة التي قام بها الرئيس المصري جمال عبد الناصر ضد الإخوان، ليقبع 9 سنوات كاملة داخل السجون، وهناك رافق محمد بديع (المرشد العام للجماعة والمعتقل حاليًّا في السجون المصرية) ومحمود عزت (نائب المرشد والمعتقل أيضًا).
وكان خروجه من السجن عام 1974 نقطة انطلاق حقيقية للعمل العام داخل الجماعة، حيث نشط من خلال العمل الإسلامي الطلابي داخل الجامعات خلال فترة الثمانينيات، حتى تخرُّجه في كلية الطب بجامعة عين شمس عام 1976، ليبدأ بعدها مساره المهني كطبيب للأمراض الجلدية، ثم أكمل الماجستير عام 1982 في التخصُّص ذاته.
تشديد الخناق الذي كان يمارَس ضد الجماعة في مصر دفعه للسفر إلى السعودية عام 1985، حيث عمل هناك طبيبًا بأحد المراكز المتخصصة، وهناك تزوّج من ابنة القيادي في الإخوان عبد الرحمن رأفت الباشا، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود، وأحد مؤسسيها.
تقلّد عبد الحق العديد من المناصب التنفيذية داخل الجماعة وخارجها، حيث تولى مسؤولية “المنتدى الإسلامي العالمي للتربية” لأكثر من 15 عامًا، كما اُختير عضوًا بمجلس الشورى العام لجماعة الإخوان، وممثّلًا عن رابطة الإخوان المسلمين المصريين في الخارج في فترة قيام الراحل إبراهيم منير بأعمال المرشد العام.
الالتزام بالخطّ السلمي وإحياء دور الجماعة
يعدّ عبد الحق أحد الأصوات الهادئة داخل الجماعة، حيث يميل إلى التعقل في حسابات المواقف والتوجهات رغم سمته الحازم، وواحد من أكثر الملتزمين بعباءة حسن البنا الفكرية، ويتفق المقرّبون منه على أنه يتمتع بقوة الطرح، ويتميز حديثه بعمق الفكرة، وتدفُّق الأفكار، وأدبيات الدعوة الإسلامية، رغم أنه لا يحب الظهور في الغالب.
وفي أول تعليق له بعد انتخابه قائمًا بأعمال المرشد، أوضح أن أولوياته في المرحلة المقبلة هي إعادة التعريف بالجماعة وتعزيز مكانتها ولمّ شملها، والاهتمام بملف المعتقلين وأُسرهم، وتمكين الشباب لإدارة المرحلة.
وأكّد في الوقت ذاته على أن حرية الشعب المصري هي السبيل الوحيد لاختيار ما يريد، وهو الهدف الذي تسعى إليه الجماعة التي كشف أنها “لن تكون أداة لصراع داخلي، وستكون دائمًا في خدمة قضايا الأمة”، مستمسكًا بالخطّ السلمي للجماعة الذي تلتزم به منذ انطلاقها ولن تحيد عنه.
وأضاف في بيان له: “الإخوان جزء وفصيل مهم من الشعب المصري لا ينفصل عنه، يهتم لهمومهم ويألم لآلامهم.. ومن مدَّ إلينا يدًا فلن تضيع ولن يجد منا إلا الشهامة والوفاء”، وتابع: “نحن على خطى حسن البنا، نريد أن نتحدث إلى الجميع، وأن نتصل بالجميع، وأن نجمع شتات الجميع”.
وتأكيدًا على الخط الفكري العام للقائم الجديد بأعمال مرشد الإخوان، الهادف إلى إحياء جذور الجماعة اجتماعيًّا، والالتزام بالمنهجية القيمية التوعوية التي كانت السمت الأبرز للإخوان طيلة العقود الماضية قبل الانخراط في العمل السياسي، قال المتحدث الرسمي باسم الجماعة (جبهة لندن)، صهيب عبد المقصود، إن “أولوياتنا هي إصلاح أحوال الشعب وإنقاذ مصر وليس الصراع على السلطة”.
جماعة واحدة وقائمون بأعمال المرشد
على موقعها الرسمي على الإنترنت، نفت جماعة الإخوان (جبهة إسطنبول) صحّة ما وصفته بـ”الادعاءات التى نشرتها اليوم بعض وسائل الإعلام بخصوص انتخاب صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال فضيلة المرشد العام”، مؤكدة في بيان لها أن “تلك الأخبار كاذبة، وأن الصفحات التي نشرتها لا تعبّر عن الإخوان في مصر بأي صفة”.
وأوضحت الجبهة في بيانها الذي نشره المتحدث الإعلامي باسمها، حسن صالح، أن “المحاولات المتجددة لاستحداث كيانات موازية لمؤسسات جماعة “الإخوان المسلمون” الرسمية، أو تسمية أشخاص بمهام ومسميات مدعاة بعيدًا عن المؤسسات الشرعية للجماعة تحت دعاوى مختلفة، لن تفرض أمرًا واقعًا ولن تجدي نفعًا”.
منوّهة أن “الجماعة لها مجلس شورى عام من الداخل والخارج، وقد اختار الدكتور محمود حسين قائمًا بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة “الإخوان المسلمون”، وشكّل هيئة إدارية جديدة في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وكل هذا شأن مصري خالص تمَّ وفق قواعد ولوائح الجماعة المعتمدة”، مشددة على أنها ستواصل الانطلاق بمسيرتها دون اكتراث بأية محاولات تسعى لإعاقتها أو إحداث بلبلة في صفوفها.
ووفق هذا البيان، أصبح لجماعة الإخوان المسلمين قائمَين بأعمال المرشد العام، صلاح عبد الحق لدى جبهة لندن ومحمود حسين لدى جبهة إسطنبول، لتواصل الجماعة السير في نفق الانقسامات الذي ولجته عام 2016، حين ظهرت إرهاصاته الأولى بين القائم بأعمال المرشد حينها محمود عزت وعضو مكتب الإرشاد محمد كمال، الذي تولّى رئاسة اللجنة الإدارية العليا، المنوط بها إدارة شؤون الجماعة داخل مصر، والتي كانت بديلًا لمكتب الإرشاد، ومنذ ذلك الحين توالت الانقسامات التي تجاوزت حاجز الاختلافات الفكرية إلى الخلافات البنيوية التنظيمية.
جماعة “الإخوان المسلمون” في مصر تنفي صحة الإدعاءات بانتخاب قائم بأعمال جديد . pic.twitter.com/obNECskIiJ
— Watan TV-تلفزيون وطن (@watanegypt) March 19, 2023
ونجحت القبضة الأمنية في مصر في الإيقاع بين التنظيم وأعضائه، خاصة بين القادة والشباب، الأمر الذي شتّت الجماعة وقسمها إلى 3 جبهات رئيسية، جبهة محمود حسين في إسطنبول، وجبهة إبراهيم منير في لندن، ثم جبهة المكتب العام أو فيما أُطلق عليه تيار التغيير، فيما مُنيَ الشباب بحالة فقدان ثقة بشأن رموز الجماعة المشتّتين بين السجون والخارج.
وأسفر هذا الانقسام عن تخلي الجماعة عن سياقها التنظيمي العام، فالخلافات لم تعد تحل داخل أروقة المطبخ السياسي البنيوي للحركة، ليخرج التباين في وجهات النظر إلى العلن بشكل كبير، هذا التباين الذي لم يعد يقتصر على أدوات العمل فقط، لكن بات يرتبط بشكل واضح بالجانب الفكري.
ففريق يستمسك بالسلمية مع الإبقاء على الطموحات السياسية، وآخر يميل نحو المقاومة واسترداد الحقوق المسلوبة بالقوة، وثالث يلتزم السياق الفكري القيمي بعيدًا عن العمل السياسي، ونتيجة لهذا الانقسام والتباين فشلت كافة مبادرات الصلح المقدمة للتقريب بين تلك الجبهات.
وفي ظل التحديات الإقليمية الراهنة، والمأزق الذي تواجهه الجماعة الأكبر والأكثر تماسكًا وحضورًا خلال العقود التسعة الماضية، ارتفع منسوب الأمل لدى عقلاء التنظيم بشأن ملاءمة البيئة الراهنة لحدوث توافق وانسجام ووحدة صف بين الجبهات المتناحرة، ومحاولة إنقاذ التنظيم المهدد بالتفسُّخ والانهيار الكامل.
غير أن انتخاب جبهة لندن صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد العام من المتوقع أن يزيد الجرح نزيفًا، ويصعّب من مهمة الالتئام، في ظل الرفض القاطع من قبل الجبهة الأخرى، لتبقى الجماعة في انتظار معجزة تنتشلها من مستنقع الصراع الداخلي وإعادة بوصلتها مرة أخرى.