وأخيرًا تمكّن طرفا الصراع في اليمن من تحقيق اختراق في ملف الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفيين قسرًا، خلال المشاورات التي انتهت الاثنين الماضي بالإفراج ولو عن عدد محدود من الأسرى بينهم قيادات كبيرة، فضلًا عن الإفراج عن الصحفيين الذين حُكم عليهم بالإعدام.
انتهت الجولة السابعة من المفاوضات بين جماعة الحوثيين والحكومة اليمنية بالقرب من العاصمة السويسرية برن، والتي انطلقت في الـ 11 من الشهر الجاري برعاية الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وأعلنت الحكومة اليمنية المعترَف بها وجماعة الحوثيين التوصُّل إلى صفقة لتبادل الأسرى، تشمل في هذه المرحلة إطلاق سراح أكثر من 880 أسيرًا ومحتجزًا لدى الطرفَين.
وفي السياق ذاته، أكّد رئيس وفد الحوثيين في مفاوضات تبادل الأسرى، عبد القادر المرتضى، اختتام المفاوضات المنعقدة في سويسرا بالاتفاق على تنفيذ صفقة تبادل واسعة تشمل 706 من أسرى الجماعة، في مقابل 181 أسيرًا ومحتجزًا من التحالف الحكومي بينهم 15 سعوديًّا و3 سودانيين، وأشار إلى أنه سيتم تنفيذ الصفقة بعد 3 أسابيع، على أن يتمَّ عقد جولة أخرى بعد شهر رمضان لاستكمال تنفيذ بقية الاتفاق.
وبحسب أعضاء الوفد الحوثي المفاوض، فإن من ضمن المشمولين بالاتفاق المعتقلة اليمنية في سجون حزب الإصلاح بمأرب سميرة مارش، والمختطفون من آل الأمير وعدد من اليمنيين المحكوم عليهم بالإعدام من قبل السعودية.
في المقابل، أكّد عضو الوفد الحكومي، ماجد فضائل، أن الصفقة الحالية شملت الصحفيين الأربعة القابعين في سجون الحوثيين والمحكوم عليهم بالإعدام، إضافة إلى شقيق الرئيس السابق اللواء ناصر منصور هادي، ووزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي، وأولاد نائب الرئيس السابق الفريق علي محسن، وكذا نجل وشقيق نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح.
وأضاف: “شملت الصفقة أيضًا عددًا من القادة العسكريين والمدنيين وعشرات من المحكومين الآخرين، وعددًا من أسرى التحالف العربي”.
أُنشئت اللجنة الإشرافية لدعم الأطراف في الوفاء بالتزامها بموجب اتفاق ستوكهولم للإفراج عن جميع المحتجزين لأسباب مرتبطة بالنزاع.
وأوضح أنه تمَّ تأجيل الإفراج عن السياسي البارز والقيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح، محمد قحطان، للمرحلة الثانية، نافيًا حصولهم على معلومات رسمية بموته، ومؤكدًا أنه سيتم عقد المزيد من جولات التفاوض وصولًا إلى الإفراج الكلّي على أساس قاعدة الكل مقابل الكل.
أكّد ماجد فضائل أن مطالبهم وعروضهم لم تخضع لأي تمييز أو انتقاء أبدًا وشملت الكل، بما في ذلك الجنرال فيصل رجب والسياسي محمد قحطان، وكافة المعتقلين والمختطفين من سياسيين وأكاديميين وإعلاميين، فضلًا عن الأسرى من كافة الجبهات بما في ذلك جبهات حجور في محافظة حجة شمال غربي اليمن.
مؤكدًا على أن ما تمَّ التوصل إليه من اتفاق بالإفراج عن 887 أسيرًا ومعتقلًا ومختطفًا هو جزء من كل، وستتم خلال الفترة المقبلة عقد جولات أخرى من المفاوضات وصولًا إلى الإفراج عن الجميع.
وتعليقًا على ذلك، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبيرغ، في ختام الاجتماع السابع للجنة الإشرافية لتنفيذ اتفاق تبادل المحتجزين، والمنشأة بموجب اتفاقية ستوكهولم لدعم الأطراف للوفاء بالتزاماتها بالإفراج عن جميع المحتجزين لأسباب تتعلق بالنزاع، أعلن انضمامه لمئات الأسر اليمنية في تطلعهم إلى التنفيذ العاجل والسلس لعمليات الإفراج.
اتفاق تبادل الأسرى شمل الإفراج عن الصحفيين المحكوم عليهم بالإعدام، عبد الخالق عمران وتوفيق المنصوري وحارث حميد وأكرم الوليدي
بحسب البيان الصحفي، جاء اجتماع ممثلي الأطراف في إطار عضويتهم للجنة الإشرافية لتنفيذ اتفاق تبادل المحتجزين، ويشترك في رئاستها مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وقد أُنشئت اللجنة الإشرافية لدعم الأطراف في الوفاء بالتزامها بموجب اتفاق ستوكهولم، للإفراج عن جميع المحتجزين لأسباب مرتبطة بالنزاع.
وتحقيقًا لهذه الغاية، اتفقت الأطراف في اجتماعات سابقة للجنة الإشرافية على اعتماد نهج مرحلي للإيفاء بالتزامها في الإفراج عن الكل مقابل الكل، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020 اجتمعت اللجنة الإشرافية واتفقت على إطلاق سراح أكثر من 1000 محتجز من الجانبَين.
بناء الثقة
رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لدى اليمن، دافني ماريت، من جانبها قالت إن “هذه الخطوة الحاسمة ستنهي معاناة العديد من العائلات التي تشتّت شملها، وتسهم في بناء الثقة بين الأطراف، آملةً أن تؤدي إلى مزيد من عمليات الإفراج”.
وأكّدت ماريت أن “اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقف على أهبّة الاستعداد لمواصلة دورها كوسيط محايد، وتيسير الزيارات الإنسانية البحتة لأماكن الاحتجاز، والمساهمة في استعادة الروابط العائلية، ودعم الإفراج عن المحتجزين المرتبطين بالنزاع ونقلهم وإعادتهم إلى أوطانهم، حتى يتسنى لآلاف آخرين العودة إلى ديارهم”.
وكان الكثير ينتظر أن يشير البيان المشترك إلى موعد تنفيذ خطة تبادل المحتجزين، وتنفيذ عمليات الزيارة المتبادلة لأماكن الاحتجاز، منتظرين أن يتم إعلان ذلك في القريب العاجل.
وكان التوقيع على اتفاق تبادل الأسرى بين وفد الحكومة ووفد الحوثيين في سويسرا قد شمل الإفراج عن الصحفيين المحكوم عليهم بالإعدام، عبد الخالق عمران وتوفيق المنصوري وحارث حميد وأكرم الوليدي.
ترحيب واسع
إلى ذلك، لقيَ الاتفاق على الأسرى بين الحوثيين والحكومة اليمنية صدىً واسعًا في الأوساط اليمنية، وتمنى المواطن عصام عبد الله، الذي ينتمي إلى محافظة إب وسط اليمن، أن يكون شقيقه المعتقل في سجون الحوثيين منذ 5 أعوام ضمن الأسرى المفرج عنهم.
وقال لـ”نون بوست” إن هذا الاتفاق التاريخي لإطلاق الأسرى جعل الفرحة فرحتَين، كونه يأتي بالتزامن مع حلول شهر رمضان المبارك، مؤكدًا أنه يتعذب وأسرته نفسيًّا ليل نهار في انتظار الإفراج عن أخيه الذي كان يقاتل في صفوف القوات الحكومية بمحافظة مأرب، متمنيًا إطلاق سراح الأسرى بأسرع وقتٍ ممكن، فحالة والدته الصحية لم تعد تحتمل.
فيما يؤكد الشاب محمد علي القاطن في منطقة الجندية بمحافظة تعز، والواقعة تحت سيطرة الحوثيين، أن إطلاق الأسرى هي مسألة إنسانية أولًا وأخيرًا، راجيًا من جميع الأطراف المتصارعة التعجيل بإطلاق سراح الأسرى، لعل والده الذي كان يقاتل في صفوف الحوثيين في محافظة تعز ضمن الصفقة، فإخوته الأربعة ووالدته يعيشون في وضع نفسي سيّئ للغاية، فالانتظار الطويل منذ 6 سنوات يعذبهم.
فيما يتفاءل المعلم لمادة اللغة العربية عبده صالح من محافظة إب بأن نجاح اتفاق تبادل الأسرى سيفضي إلى إطلاق رواتبهم المنقطعة منذ 7 أعوام، بل يذهب تفاؤله إلى أبعد من ذلك لوقف الحرب في البلاد/ والتي تدخل عامها التاسع.
وتترقب الكثير من العائلات اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية والحوثيين، وبفارغ الصبر والدموع، لحظة إعلان أسماء الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم ضمن هذا الاتفاق، علّه يكون هناك أحد أقاربهم.
يقول السبعيني ناجي علي، الذي بالكاد يتحسّس طريقه لضعف شديد في بصره، إن ابنه الثلاثيني فواز أسره الحوثيون في محافظة الضالع عام 2016، وأنه لا يعلم إن ما زال على قيد الحياة، متمنيًا وبدموع باكية أن يكون ضمن الأسرى المفرج عنهم، موضّحًا أن أكثر ما أفقده بصره هو حزنه على ابنه فواز الذي طال غيابه.
ويقابل إطلاق أسير واحد من القوات الحكومية عدة أسرى من الحوثيين، حيث يقول أصيل السقلدي، مدير المركز الإعلامي لألوية العمالقة الجنوبية التابعة للقوات الحكومية، إن هذه الصفقة تبخس الحوثيين، وأنهم ليسوا من بخسوهم، لكن الحوثي ومشروعه هو من جعله بهذا القدر على حدّ قوله.
الأهم في الاتقاق أن هناك شخصيات محورية في ملف الأسرى، وزير الدفاع السابق وشقيق الرئيس السابق هادي وغيرهما، وهي المرة الأولى التي يُتوصّل فيها إلى اتفاق لاطلاق عدد من الشخصيات الكبيرة
وأضاف صلاح في تغريدة على تويتر، أن أبرز الأسرى المتفق على الإفراج عنهم في الصفقة الموقعة في سويسرا هم اللواء الركن محمود الصبيحي، ووزير الدفاع واللواء الركن ناصر منصور هادي شقيق الرئيس السابق، والعميد الركن محمد عبد الله صالح ابن اخ الرئيس الراحل، والعميد عفاش طارق محمد عبد الله الابن الأكبر لرئيس المقاومة الوطنية، والعميد أحمد علي محمد عمر الدماني أبو قصي، والقيادي صدام حسين العولقي، وأولاد الفريق علي محسن الأحمر، وكوكبة من قوات التحالف العربي.
الحكومة اليمنية من جهتها باركت نتائج اجتماع اللجنة الإشرافية المعنية باتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين، وأكدت في بيان لها نشرته وكالة “سبأ” الرسمية أن فريقها في اللجنة الإشرافية قد تعامل بجدّية ومسؤولية كاملة مع هذا الملف الإنساني الهام، لإطلاق أكبر عدد ممكن من الأسرى والمحتجزين بهدف لمّ شمل مئات الأُسر بذويهم الذين طال انتظارهم.
ودعا البيان إلى استمرار عمل اللجنة المشتركة واستكمال الاتفاق على تفاصيل ما تبقّى من الأسرى والمختطفين، عملًا بمبدأ الكل مقابل الكل، وشدّد على ضرورة السماح بالزيارات المتبادلة للجميع دون استثناء، وعلى رأسهم من تبقى من المشمولين بقرار مجلس الأمن رقم 2216، وضرورة الكشف عن مصير المخفيين قسريًّا.
ووقّعت الأطراف اليمنية على ملف تبادل 15 ألف أسير من الجانبَين (الكل مقابل الكل) في العاصمة السويدية ستوكهولم، في العام 2018، وتبادلت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين قوائم بأسماء المعتقلين، إلا أن هذا الاتفاق ظلَّ حبرًا على ورق، وربما بدأت الأطراف المتصارعة بتنفيذه الآن.
مقدمة جادّة لوقف الحرب
المحلل السياسي اليمني رياض الزواحي، أكّد أن مسألة إطلاق الأسرى التي تمّت تعتبر تطورًا إيجابيًّا يعكس بوادر للبحث عن حلول أكثر نجاعة في هذه المرحلة، وسوف تؤسّس هذه الخطوة لإطلاق كافة الأسرى من الطرفَين، وهذا يعتبَر من استحقاقات السلام الذي تحاول جميع الأطراف البحث عنه في هذه الفترة التي يمرّ بها اليمن والعالم بشكل عام، وبالتالي هناك تفاؤل بأن تكون هذه الخطوة الإيجابية مقدمة لخطوات أكثر شجاعة وصبر لدى الأطراف كافة، لعمل حلول أكثر وإيقاف الحرب في اليمن والتأسيس لسلام دائم.
ويضيف الزواحي لـ”نون بوست” أن خطوة إطلاق الأسرى بين حكومة صنعاء والحكومة اليمنية تمهّد لإطلاق الكل مقابل الكل، وتؤسّس لسلام عادل يضمن حقوق اليمنيين بشكل عام، وهي مقدمة جادة للبحث عن حلول جذرية لإنهاء الحرب في اليمن.
الزواحي ختم مداخلته بأن الاتفاق يعدّ بادرة إيجابية يجب أن تُدعَم، وأن يتم وضع ضوابط معيّنة لإيقاف اعتقال الصحفيين، لكن الأهم في الاتقاق أن هناك شخصيات محورية في ملف الأسرى، وزير الدفاع السابق وشقيق الرئيس السابق هادي وغيرهما، وهي المرة الأولى التي يُتوصّل فيها إلى اتفاق لاطلاق عدد من الشخصيات الكبيرة.