ترجمة حفصة جودة
أصبحت العلاقة الهندية الإسرائيلية متعددة الجوانب اليوم، فقد امتدت من التدفق السنوي للسياح الإسرائيليين الشباب الذين يأتون إلى شواطئ غرب الهند بحثًا عن الاسترخاء بعد أداء تجنيدهم الإجباري، إلى التعاون في الزراعة بالتنقيط ثم بيع الأسلحة المتطورة.
في العقود القليلة الماضية، توسعت هذه العلاقة وأصبحت أعمق بشكل بارز، خاصة تحت حكم رئيسيّ الوزراء اليمينيين: ناريندرا مودي وبنيامين نتنياهو.
كان لهذه العلاقة الوثيقة عواقب بارزة على السياسات الإقليمية والعالمية، فقد مكّنت تلك العلاقة ثنائية الجانب كلا الطرفين من أداء دور أكبر في الشرق الأوسط خاصة في الخليج الفارسي، يبدو ذلك واضحًا بشكل متزايد في مشاركتهما بالمجموعة الرباعية الجديدة “I2U2” والمصممة للحد من نفوذ الصين في المنطقة، وكذلك لطمأنة الحلفاء باستمرار الالتزام الأمريكي في المنطقة.
تاريخيًا، كانت العلاقة الهندية الإسرائيلية أبعد ما تكون عن أي تقارب، فالحركة القومية الهندية كانت حذرة في دعم دولة بُنيت على أساس دين معين، خشية أن يمنح ذلك الشرعية للأسس الأخلاقية لمنافستها باكستان.
الأكثر من ذلك، أن أجزاء من مؤسسة السياسة الخارجية الهندية كانت متعاطفة مع العالم العربي بسبب تجربة مواجهة الاستعمار المشتركة، كما أن القيادة السياسية في نيودلهي كانت حساسة تجاه أكبر أقلية دينية في الهند، وهم المسلمون الذين كان أغلبهم معارضين لـ”إسرائيل”.
نتيجة لذلك، وفي أثناء الحرب الباردة بعد استقلال الهند عام 1947، كانت علاقتها بـ”إسرائيل” معتدلة وسرية، ففي عام 1947 صوتت الهند ضد خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني.
قدمت “إسرائيل” إمدادات عسكرية مهمة للهند، رغبة منها في التحرر من العزلة الدبلوماسية في الشرق الأوسط، بدأ ذلك مع الحرب الحدودية بين الصين والهند عام 1962
وبعد أن أعلنت “إسرائيل” استقلالها عام 1948، صوتت الهند مرة أخرى ضد الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم تعترف بها إلا عام 1950.
في خضم الحرب الباردة، حافظت الهند – متعمدة – على مسافة علنية من “إسرائيل”، ولم تطبع علاقتها معها إلا بعد انتهاء الحرب الباردة وإقامة مؤتمر مدريد للسلام.
يتحدث كتاب الصحفي آزاد عيسي “أوطان عدائية: التحالف الجديد بين “إسرائيل” والهند” عن شراكة الهند المتنامية مع “إسرائيل” والقائمة على التقاء وجهات نظر إيدولوجية عرقية قومية، كما يغطي ما نعرفه بالفعل عن تطور العلاقة، لذا فالمطّلعون على تلك الشراكة قد لا يجدون شيئًا مميزًا بالكتاب، ومع ذلك صقل عيسى حجته بمجموعة من المصادر الأكاديمية والشعبية.
يريد عيسى في هذا الكتاب أن يكشف أن الشراكة الإستراتيجية المتنامية بين الهند و”إسرائيل” تتضمن التخلص من جميع العقبات الأخلاقية، بالإضافة إلى العلاقات المادية ذات المنفعة المتبادلة عبر مختلف المجالات من التجارة وحتى الدفاع.
لكن حجته دقيقة جزئيًا فقط، لأن تعزيز العلاقات الهندية الإسرائيلية بدأ قبل صعود القوى الحكومية العرقية القومية في كلا البلدين.
ورغم التحفظات تجاه “إسرائيل” سمحت الهند لها بافتتاح سفارتها في مومباي عام 1953، لكنها كانت ولا تزال تُظهر عدم رغبتها في علاقات دبلوماسة كاملة مع الدولة اليهودية، ومع ذلك فقد اعتمدت على “إسرائيل” في المساعدة العسكرية وإن كان بشكل خفي.
قدمت “إسرائيل” إمدادات عسكرية مهمة للهند، رغبةً منها في التحرر من العزلة الدبلوماسية في الشرق الأوسط، بدأ ذلك مع الحرب الحدودية بين الصين والهند عام 1962، بهدف تلطيف الموقف الدبلوماسي الهندي، قدمت “إسرائيل” المساعدة للهند أيضًا في أثناء حروبها مع باكستان عامي 1965 و1971، لكنها ظلت سرية.
وبينما استمرت تلك الاتصالات السرية، رفضت الهند توطيد العلاقت علنًا مع “إسرائيل”، لكن الأمر وصل إلى نهايته بعد الحرب الباردة وبعد مؤتمر مدريد عام 1991، الذي صُمم لتعزيز التقارب السياسي بين “إسرائيل” والدول العربية الكبرى، التي تقيم الهند و”إسرائيل” معها علاقات دبلوماسية كاملة.
منذ وصول مودي إلى السلطة عام 2014 أصبحت الهند أقل دعمًا للقضية الفلسطينية بشكل ملحوظ، حتى لو بدا أنها ملتزمة بها علنًا
منذ ذلك الحين، كانت العلاقة تتصاعد بشكل ثابت، بغض النظر عن الحكومة المسؤولة في نيودلهي، لكن في أواخر التسعينيات ومع هيمنة حزب بهاراتيا جاناتا اليميني على الحكومات التالية، تطورت العلاقات بشكل ملحوظ، وبالطبع كانت “إسرائيل” حريصة على المساعدة لأن الهند سوقًا مربحة محتملة.
وقع هذا التحول تحت قيادة حزب بهارتيا جاناتا، لأنه بخلاف حزب المؤتمر الهندي الوطني، لم يكن لديه نفس الالتزام الإيدولوجي تجاه القضية الفلسطينية والعالم العربي، والأكثر من ذلك، أنه لم يكن لديه نفس المخاوف بشأن الناخبين المسلمين في الهند.
واليوم، تتمع الهند بعلاقة متعددة الجوانب مع “إسرائيل” من تبادل سياحي شامل إلى استحواذات عسكرية قوية، فمنذ وصول مودي إلى السلطة عام 2014 أصبحت الهند أقل دعمًا للقضية الفلسطينية بشكل ملحوظ، حتى لو بدا أنها ملتزمة بها علنًا.
على سبيل المثال، في عامي 2015 و2016، امتنعت الهند عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يحيل “إسرائيل” إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم حرب ارتكبتها في أثناء حرب غزة عام 2014.
تتمثل حجة عيسى الرئيسية في أن الشراكة الأمنية بين الهند و”إسرائيل” تبلورت في العقد الماضي، خاصةً تحت حكم مودي، وأنها أصبحت أكثر ظهورًا بسبب تصاعد القوى العرقية القومية القوية في كلا البلدين.
لا شك أن هذه الحجة صحيحة تمامًا، ففي الهند يتمثل هذا التوجه في تشكيل كتيبة “هندوتفا” (“الهندوسية” حرفيًا) تحت حكم مودي وحاشيته، حدثت عملية مشابهة في “إسرائيل” مؤخرًا وتتمثل في استعداد حزب الليكود اليميني بقيادة نتنياهو لمشاركة السلطة مع الأحزاب اليمينية المتطرفة بما في ذلك الحزب الصهيوني الديني المتطرف المناهض للعرب.
يرى عيسى أنه رغم الموافقة السطحية على حفظ حقوق الأقلية، فإن مودي ونتنياهو يرغبان في تحويل بلادهما إلى ديمقراطية عرقية تمنح الأفضلية لمجتمع الأغلبية
ما تشترك فيه الحكومتان: الهندية والإسرائيلية هو نذرهما العداء تجاه الأقلية السكانية: المسلمون في الهند والعرب ذوو الأغلبية المسلمة في “إسرائيل”، يرى عيسى أنه رغم الموافقة السطحية على حفظ حقوق الأقلية، فإن مودي ونتنياهو يرغبان في تحويل بلادهما إلى ديمقراطية عرقية تمنح الأفضلية لمجتمع الأغلبية، هذا المنطق لا يمكن التشكيك فيه، فمع استمرار الحكومتين في العمل، تساعد تلك السمة المشتركة في دعم العلاقة.
مع ذلك، هناك عدة مزاعم أخرى في كتاب عيسى، تاريخية ومعاصرة، كبيرة وصغيرة، تفسد جودة تحليله وتحول الكتاب إلى جدال هجومي، هذه المزاعم ليست مقتصرة على أي من البلدين فقط، رغم أن تأكيداته بشأن الهند معيبة بشكل خاص.
أحد الأمثلة الصارخة على ذلك، رؤية عيسى أحادية الجانب لضم ولاية جامو وكشيمر المتنازع عليها إلى الهند عام 1947، فلم يذكر عيسى تورط باكستان الصارخ في دعم التمرد ضد آخر حاكم للولاية، المهراجا هاري سينغ.
بدلًا من ذلك، يصدّق عيسى على رواية باكستان الضعيفة التي تقول إنه يجب ضم الولاية إلى باكستان بسبب أغلبيتها المسلمة، يقوض ذلك حجته بشأن العلاقة مع “إسرائيل”، لأن الهند قدمت التزامًا واضحًا بالعلمانية في الأيام الأولى من استقلالها.
ومع ذلك، يقترح عيسى أنه رغم التزامها بالعلمانية في أثناء حكم نهرو، فإنها الآن لم تعد تحترم حقوق المسلمين.
للأسف، لم يكن ذلك نقاش عيسى الوحيد المضلل، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2008، شنت جماعة “لشكر طيبة” الجهادية المدعومة من باكستان، هجمات إرهابية ضد عدة أهداف في مومباي تسببت في مقتل أكثر من 100 شخص، ومع ذلك تجنب عيسى الإشارة إلى أفراد الجماعة بالإرهابيين وفضلّ استخدام مصطلح “المهاجمين”.
في هذا الأمر أيضًا، لم يناقش عيسى استخدام باكستان طويل المدى لوكلاء إرهابيين ذوي تأثير مميت ضد الهند، سلّط عيسى الضوء على هجمات مومباي 2008 لينتقد قرار الهند بالتوجه إلى “إسرائيل” للمساعدة في مكافحة الإرهاب، بعد ردها الفاشل على الهجوم الإرهابي.
لا شك في أن الشراكة الهندية الإسرائيلية خضعت لتحول بارز تحت قيادة مودي وصعود نتنياهو، فمن المؤكد أن المشروعين القوميين العرقيين لكلا القائدين قد عززا التقارب بين البلدين
وأخيرًا، فكتاب عيسى يضم الكثير من التلميحات والتعريضات التي لا تصمد أمام الفحص الدقيق، فبدلًا من الاعتراف بأن الدول تحصل على الأسلحة المتطورة من أي مورّد مستعد لتوفيرها مقابل سعر مناسب، يرى عيسى أن علاقة تبادل السلاح الهندية الإسرائيلية المزدهرة نذير شؤم.
ركز عيسى تحديدًا على نقل المستشعرات الإلكترونية التي يمكن نشرها بطول الحدود لكشف المتسللين، ونظرًا لخبرة “إسرائيل” الكبيرة في هذا المجال، والمشاكل الحدودية المزدوجة للهند مع باكستان والصين، فإن قرار الهند بالاستحواذ على تلك التقنيات ليس مفاجئًا، عندما تتوافق الاعتبارات البرغماتية للأمن القومى والتقارب الإيدولوجي، فإن صفقات السلاح تلك تصبح أمرًا مألوفًا.
ومن ناحية أخرى، فشراء الهند ونشرها لمعدات المراقبة المحلية تلك من شركة خاصة إسرائيلية “بيغاسوس” التي ظهرت للعلن في يوليو/تموز 2021، يثير تساؤلات جادة بشأن التزام حكومة مودي بحماية الحريات الخاصة والمدنية للمعارضين والمعارضة السياسية في الهند.
ناقش عيسى هذه النقطة باختصار وأكد أن امتلاك هذه التكنولوجيا مثال آخر على عدم اكتراث كلتا الحكومتين بالحريات المدنية، رغم أنها كانت صفقة تجارية وليست تبادلًا تقنيًا بين حكومتين.
أسهب عيسى في حديثه عن الجماعات الموالية للهندوس في الولايات المتحدة وعلاقتهم بالمنظمات القوية الموالية لـ”إسرائيل، لا شك في وجود هذه العلاقات بالطبع، ومع ذلك فمن غير الواضح تأثيرهم في تشكيل وبلورة الشراكة الإستراتيجية الهندية الإسرائيلية كما يقترح عيسى، فهو يؤكد تحديدًا أنهم طوروا علاقة مريحة من التوافق المشترك، حيث دعمت كل جماعة الروابط بين الحكومات اليمينية في الهند و”إسرائيل”.
لا شك في أن الشراكة الهندية الإسرائيلية خضعت لتحول بارز تحت قيادة مودي وصعود نتنياهو، فمن المؤكد أن المشروعين القوميين العرقيين لكلا القائدين قد عززا التقارب بين البلدين، من المؤسف أن تضعف حجة عيسى الجوهرية الدقيقة بسبب استنتاجاته الواقعية ومزاعمه الجدلية.
المصدر: فورين بوليسي