أثار التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الخميس الماضي الكثير من التساؤلات والنقاشات في الجزائر والمغرب، بعد أن شمل وزارة الخارجية التي أُسندت لأحمد عطاف، وهو الوزير السابق الذي كان قد قدّم في التسعينيات تقريرًا للرئاسة الجزائرية يوصي بغلق الحدود مع المغرب، بعد أن علّقت الرباط وقتها منح التأشيرة للجزائريين.
ولقيَ هذا التغيير الوزاري تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر والمغرب، لعلّ أبرزها تداول فيديو لعطاف على نطاق واسع يتعلق بمساهمته في قرار غلق الحدود مع المغرب التي تدعو اليوم إلى فتحها، لكن الجزائر تشترط معالجة أسباب غلقها أولًا.
عودة
لا تعدّ حقيبة الخارجية جديدة على أحمد عطاف، فالدبلوماسي الذي يوصف من قبل البعض بـ”المحنّك” شغل هذا المنصب من قبل، وبتعيينه على رأس الدبلوماسية الجزائرية يكون عطاف (69 عامًا) قد عاد إلى منصب كان قد شغله بين عامَي 1996 و1999، أثناء حكم الرئيس الأسبق اليمين زروال، قبل أن يتوارى عن الأنظار في عهد الرئيس بوتفليقة الذي لم يخفِ انتقاده له، لمّا التحق بحزب طلائع الحريات الذي أسّسه رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس.
وسبق لأحمد عطاف الذي كان طالبًا بالمدرسة الوطنية للإدارة التي تخرّج منها أغلب المسؤولين الجزائريين، منهم الرئيس تبون نفسه، أن شغل أيضًا منصب سفير لدى عدة بلدان، أهمها يوغوسلافيا سابقًا والهند والمملكة المتحدة، ما يجعله لا يقلّ كفاءة عن سلفه رمطان لعمامرة، سوى أن الأخير تولى مسؤوليات أممية وأفريقية.
ونقلت مجلة “لوبوان” الفرنسية عن مصدر دبلوماسي جزائري قوله إن عدة أسماء طُرحت على طاولة الرئيس تبون لخلافة لعمامرة، إلا أن الحاجة الحالية تتعلق بتعيين “دبلوماسي له خبرة دولية ويمكنه أيضًا إعادة ترتيب البيت”.
وأضاف الدبلوماسي نفسه: “هذه اللؤلؤة النادرة، عُثر عليها في شخص أحمد عطاف، الرئيس الجديد للدبلوماسية الجزائرية، وهي حقيبة سبق له توليها تحت رئاسة اليمين زروال من عام 1996 إلى عام 1999، عندما كانت الجزائر تعمل على الخروج من عزلتها الدولية التي أحدثتها حربها ضد الإرهاب في التسعينيات من القرن الماضي”.
اهتمام
لا يخفي عطاف في تصريحاته الصحفية القليلة نظرته الدبلوماسية التي تعطي للمجال المغاربي والأفريقي أهمية كبيرة، والذي قد يعود إلى شغله سابقًا لمنصب وزير مكلف بالشؤون الأفريقية والمغاربية.
ووفق تصريحات عطاف، يظهر أن آراءه كانت تحظى بثقة لدى صانع القرار في البلاد لمّا يتعلق الأمر بالمغرب العربي، فقد قال عطاف في تصريحات سابقة لقناة “الشروق نيوز” الجزائرية الخاصة “إنه من كتبَ مذكرة للرئيس الجزائري السابق، اليمين زروال، حثّه فيها على ضرورة غلق الحدود الغربية للبلاد المتاخمة للمغرب”.
وقررت الجزائر غلق حدودها مع المغرب في 24 أغسطس/ آب 1994، ردًّا على قرار أحادي الجانب من الملك المغربي الراحل الحسن الثاني بعد تفجيرات فندق أسني بمراكش، في محاولة لتلفيق التهم إلى جهات أمنية في الجزائر بالادّعاء أنها من قامت بتدبير الاعتداء الإرهابي، وهو ما رأته السلطات الجزائرية أنها محاولة من الرباط لإلباس الجزائر ثوب مصدّر للإرهاب، وزيادة عزلتها الدولية وقتها بسبب الأزمة الأمنية التي كانت تعيشها.
وحسب مصدر دبلوماسي جزائري، فإن الحكم على نجاح عطاف في عمله مرتبط بإدارته للملفات الساخنة الحالية، منها ملف العلاقات مع المغرب.
يظهر أن الرجل غير راضٍ عن بعض مستوى العلاقات الدبلوماسية للجزائر مع بعض الدول، وبالخصوص خلال فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وقال عطاف لدى تسلُّمه مهام منصبه الجديد إن “الهدف الأساسي يظل الارتقاء بالدبلوماسية والسياسة الخارجية للجزائر إلى مستويات الفعالية والتأثير”، مبيّنًا أن بلاده “تعيش تحولات مهمة تفرض على سياستنا الخارجية التكيُّف مع كل مقتضياتها”.
ويفهَم من هذا التصريح ألّا تكتفي الجزائر بالتفاعل مع التطورات الدولية والتعامل معها فقط، إنما التأثير فيها وصياغتها وفق المنظور الجزائري، وبالخصوص لمّا يتعلق الأمر بالملفات المغاربية والأفريقية والعربية.
وأضاف عطاف أن “العالم مثقل بالأزمات، وهناك أزمة في الوضع الدولي في ما يسمّى ببنية الأمن الجماعي، وما تنذر به من اختلالات في منظومة العلاقات الدولية، والظرف مفعم بالتحديات الكبرى، والمرحلة مثقلة بالأخطار والمخاطر”.
وبالعودة إلى تصريحات سابقة لعطاف، يظهر أن الرجل غير راضٍ عن بعض مستوى العلاقات الدبلوماسية للجزائر مع بعض الدول، وبالخصوص خلال فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
إذ إنه استنكر على سبيل المثال عدم تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستويات أعلى ممّا هي عليه، ما جعل، بحسبه، واشنطن أقرب إلى المغرب أكثر من الجزائر، حتى إن كانت ضمن تنازلات لا يمكن أن تقبل بها الجزائر مهما كانت الظروف، والمتعلقة بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ترقُّب
اهتمت الصحافة المغربية إلى أوسع الحدود بالوافد الجديد إلى وزارة الخارجية الجزائرية، بالنظر إلى أن ذلك ينعكس على الصراعات الدبلوماسية بين البلدَين على المستوى الإقليمي والدولي، حيث كتب موقع “ميدل أيست أونلاين” المحسوب على المغرب أن أحمد عطاف “معروف بعدائه للرباط”، على حد تعبير الموقع نفسه.
وبدورها، قالت مجلة “جون أفريك” القريبة من القصر المغربي إن اسم عطاف ارتبط “بموجة عداء للمغرب سابقًا حين شغل منصب وزير الخارجية في السنوات ما بين عامَي 1996 و1999، وهو الذي كان من بين المؤيدين لغلق الحدود البرية بين بلاده والمغرب سنة 1994”.
وجاء في موقع “اليوم 24” المغربي أن “أحمد عطاف يعدّ من أشد المدافعين ومنفّذي قرار إغلاق الحدود البرية مع المغرب”.
وزعم المحلل السياسي المغربي محمد زين الدين، في تصريحات صحفية، أن تعيين أحمد عطاف يفسَّر بأن “الجزائر تبحث عن مزيد من التصعيد ضد المغرب، وهو ما يتماشى مع الأطروحة الرسمية للجزائر القائمة على معاداة المغرب”، على حد قوله.
لكن هذا الوصف يتنافى مع تصريحات أحمد عطاف السابقة التي قال فيها إن “المغرب بلد شقيق“، مبيّنًا أن “هذه النظرة موجودة في جميع التقارير الدبلوماسية للخارجية الجزائرية منذ عهد الرئيس هواري بومدين، وهو ما لم يتغيّر مطلقًا”، وفق تأكيده.
ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إسماعيل دبش، أن للجزائر عقيدة دبلوماسية متوارثة، لا تتغير بتغيُّر الأشخاص، مبيّنًا أن عطاف رجل دولة، سيسير في ضوء خطة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي تعود إليه مهمة تحديد المواقف الدبلوماسية للجزائر.
وأكّد دبش أن عودة عطاف على رأس الدبلوماسية الجزائرية لا ترتبط بأي حقبة أخرى، أو بأي قرار كان اتخذه في إطار معطيات تلك الحقبة.
وإلى حدّ الآن لم تعلق المغرب رسميًّا على تسلُّم عطاف مهام الوزارة الجزائرية، لكن الحيز الذي أخذه في وسائل إعلامها، وبالخصوص تلك القريبة من المخزن، تثبت أن الرباط تقود حملة مسبقة ضد الجزائر بالنظر إلى المواعيد الدبلوماسية المهمة المنتظرة.
وتتمثّل هذه المواعيد في مواصلة طرد “إسرائيل” من عضوية مراقب في الاتحاد الأفريقي، والاجتماع الوزاري المقبل لمجموعة من دول حركة عدم الانحياز بالجزائر، والاجتماع الأمني الجزائري الأوروبي المقرر قبل نهاية السنة الجارية، وهي مواعيد ينتظر أن يشكّل موضوع الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية حيزًا كبيرًا منها، والتي سيجريها المسؤولون الجزائريون مع شركائهم الإقليميين.
شرخ كبير
من المتعارف عليه في العلاقات الدبلوماسية أنه في السياسة لا توجد عداوة دائمة أو صداقة دائمة، إنما توجد مصالح دائمة، إلا أن هذه النظرة السياسية لا يمكن إطلاقها على المرحلة الحالية التي تمرّ بها العلاقات الجزائرية المغربية، بالخصوص بعد تطبيع النظام في المغرب مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي أصبح مسؤولوه يطلقون تصريحات ضد الجزائر من أراضي الرباط.
وفي الحقيقة، رغم الجفاء الذي كان يطبع العلاقات بين البلدَين وصراعهما الدائم، إلا أنه كان من المعتقد في الجزائر في السنوات الماضية أن الحدود البرية مع المغرب ستُفتح من جديد، إلا أن تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي نسف كل الاحتمالات المتعلقة بهذا الفتح.
وعزز التطبيع المغربي مع الصهاينة قناعة لدى الجزائريين بأن الخلاف مع المغرب لا يتعلق فقط بحادثة 1994، وقضية الصحراء الغربية، وتدفُّق المخدرات المغربية إلى الجزائر، إنما يتعلق بالأساس باختلاف في فكر تشكيل الدولة.
فإذا كان التحرر من الاستعمار هو أساس قيام الدولة الجزائرية ومبدأ دبلوماسيتها، فإن طموح التوسع والاحتلال يشكّل عقيدة استمرار النظام في المغرب، بحسب المتابعين الجزائريين، والذي يترجَم في حرب الرمال واحتلال الصحراء الغربية، وأوهامه الجديدة بشأن استعادة أجزاء من الصحراء الجزائرية يقول إنها تابعة لمحيطه، ويجب استرجاعها.
كل المؤشرات في الوقت الحالي تصبّ في خانة عدم الانفراج القريب بين المغرب والجزائر، بالنظر إلى أن الجزائر ترى أن هذه المسألة يجب أن تعالج بين البلدَين دون أي وساطة خارجية.
ويتأكد هذا القلق الجزائري في تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون، الذي قال في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن قطع العلاقات مع المغرب صيف العام 2021 كان “نتيجة تراكمات منذ العام 1963”.
وأضاف تبون أن “النظام المغربي هو من سبّب المشاكل وليس الشعب، فهناك 80 ألف مغربي يعيشون في الجزائر بكرامة”، مبيّنًا أن “قطع العلاقات مع المغرب كان بديلًا للحرب معه، والوساطة غير ممكنة بيننا”.
ورغم الجدل الذي أُثير حول عودة عطاف إلى وزارة الخارجية، فإن رسم الدبلوماسية الجزائرية يبقى من صلاحيات رئيس البلاد لا من صلاحيات وزير الخارجية، الذي تتمثل مهمته في تطبيق برنامج الرئيس، وذلك دون إهمال أهمية خبرة وحنكة من يتولى هذه المهمة في ربح المعارك الدبلوماسية، التي أصبحت لا تنتهي في الوقت الحالي.
من المؤكد أنه يصعب على أي مراقب التكهُّن بمستقبل العلاقات الجزائرية المغربية، إلا أن كل المؤشرات في الوقت الحالي تصبّ في خانة عدم الانفراج القريب، بالنظر إلى أن الجزائر ترى أن هذه المسألة يجب أن تعالَج بين البلدَين دون أي وساطة خارجية.