تأجل الحوار الذي كان مقررًا عقده في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري بمدينة غدامس في نسخته الثانية إلى السادس عشر من نفس الشهر، وذلك لمحاولة التخفيف من الضغوط التي يحاول كل طرف فرضها على الآخر، والتي تمثلت في ضغط المؤتمر الوطني العام قبل الدخول في عملية الحوار بضرورة الاعتراف بحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية القاضي بعدم دستورية فقرة في التعديل الدستوري السابع الذي أقره المؤتمر الوطني العام تحت ضغط إنهاء مهمة المؤتمر الوطني العام.
وقدم برناردينو ليون مقترحًا بعقد الجلسة الأولى للحوار بمدينة أوجلة جنوبي بنغازي 400 كم، الأمر الذي دعا رئيس المؤتمر الوطني العام إلى استشارة أمنيين حول مكان عقد الجلسات خاصة أنها منطقة مؤيدة لما يعرف بعملية الكرامة، وللواء المتقاعد خليفة حفتر.
لكن مراقبين قللوا من أهمية وجدوى عقد جلسات الحوار بمدينة أوجلة، مستدلين بنسخة الحوار الأولى بغدامس التي جرت في التاسع والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي، وهي مدينة يخضع مطارها لسيطرة كتائب الزنتان من القعقاع والمدني والصواعق، إلا أن ليون يرى أن مدينة أوجلة مناسبة لعقد جلسات الحوار كونها بعيدة عن المناطق الساحلية التي تشهد اشتباكات مسلحة خاصة تلك القريبة من بنغازي.
كما يقطن مدينة أوجلة خليط من قبائل “المغاربة” التي جزء منها موال ومؤيد لحفتر، وكذلك قبيلة “زويا” القريبة من المؤتمر الوطني العام؛ ما يخلق توازنًا يمنع حدوث ما يعكر صفو المحادثات إذا تم إجراؤها بأوجلة، إضافة إلى أن حراكًا إنسانيًا ظهر بالمدينة بعد نشوب حرب بنغازي بين قوات حفتر والأخرى المعارضة لها، حيث استقبلت العديد من الأسر النازحة من بنغازي، وقام نشطاء بها بتسيير قوافل إغاثة مواد غذائية وأغطية وأدوية لبنغازي.
هذا وقد منح ليون نفسه فرصة كافية لتقريب وجهات النظر بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب المنحل بطبرق شرقي ليبيا، في التأجيل الذي أعلنه، حيث يرى مراقبون أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة استعجل في إعلانه انطلاق جلسات الحوار في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
في الوقت الذي يعتبر فيها البعض أنها الفرصة الأخيرة لبرناردينو ليون لإثبات نجاعة محاولته جمع الأطراف السياسية والأمنية الليبية حول طاولة مفاوضات، إلا أن المجتمع الدولي يرى بحسب وجهات نظر متداولة أن الوضع السياسي والأمني الليبي الشديد الانقسام قد يكون أكبر من أي محاولة لعقد مفاوضات دخلت في معارك صفرية، حيث إن كل طرف يتمسك بروايته الخاصة به وبرؤيته شبه الجذرية، ففي الوقت الذي يعتبر فيه اللواء المتقاعد خليفة حفتر أن حربه أشبه بالحروب المقدسة، كونها جاءت بهدف محاربة الإرهاب والتطرف وإعادة الاستقرار وتمكين مؤسسات الدولة من فرض هيبتها، يرى معارضوه أن حفتر يقود ثورة مضادة من خلال مجلس النواب المنحل والحكومة المنبثقة عنه برئاسة عبد الله الثني، من خلال وضع كل معارضي حفتر ومجلس النواب في سلة واحدة وعدم التمييز بين المكونات الرافضة لحفتر، بل واستعداء المجتمع الدولي للتدخل العسكري في ليبيا.
مع امتداد رقعة المواجهات العسكرية ودخولها في مرحلة السيطرة على حقول ومرافئ النفط، وفشل محاولة تقريب وجهات النظر، والقصف الجوي الذي لم يتوقف كبادرة حسن نية، يبدو أن نتائج أوجلة في حال عُقد بها الحوار، سيكون مصيره كمصير غدامس 1 وهو الانتهاء إلى لا شيء.