ترجمة حفصة جودة
إننا في الصومال أكثر عرضة لتغيرات المناخ، رغم أننا نساهم بالكاد في انبعاثات المناخ، لذا إذا كان لزامًا علينا أن نتأقلم مع ذلك، فنحتاج إلى العدالة في هيئة تمويل، لقد شهدنا الجفاف من قبل، لكن ليس لـ 6 مواسم متتالية، ونعرف النزوح، لكن ليس للحدّ الذي يتسبّب في نزوح 3 ملايين شخص داخليًّا.
كنا على حافة المجاعة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لكننا نجونا بشقّ الأنفس، والآن نواجه الظروف نفسها اليوم، حيث يحتاج 8.3 ملايين شخص إلى مساعدات عاجلة.
عند إطلاق خطة الاستجابة الإنسانية في مقديشو بشهر فبراير/ شباط، تعهّدت وكالات الأمم المتحدة بتقديم 2.6 مليار دولار، حيث يقول المنسق الإنساني للأمم المتحدة، آدم عبد المولى: “أصبح عدد ضخم من الشعب الصومالي يعتمد على المساعدات الإنسانية”.
لكن المساعدات الإنسانية ليست الحل، يمكنها فقط أن تكون إجراءً مؤقتًا عندما تقع الأزمة، فقد أُنفق حوالي 8 مليارات دولار على تمويل المساعدات الإنسانية منذ مجاعة 2011، وما زلنا نواجه حتى اليوم أزمات مماثلة كل عام.
يجب أن يكون هناك نقلة نوعية جادة في كيفية إنفاق أموال المساعدات التي تصلنا.
لذا أين تكمن المشكلة؟ هل الحكومة السبب؟ أم وكالات توصيل المساعدات؟ لقد حان وقت المساءلة بكل صدق وشفافية، إن الاعتماد على الطعام القادم كمساعدات حلقة قاسية، والوكالات الإنسانية لا تساعد في كسر تلك الحلقة.
إذا أنفقنا تلك الـ 8 مليارات -أو حتى ثلثها- في أنظمة مرنة ومشاريع مثل خزانات للمياه والري وعلف الماشية، وبديل نظيف للطاقة مثل الطاقة الشمسية، لكنا أقدر الآن على تخفيف الآثار المدمرة لأزمة المناخ في مجتمعاتنا.
لكن بمجرد تخصيص تلك الأموال للمساعدات الإنسانية، فإنه يُحظر استخدامها لأي غرض آخر، حتى لو كان هذا الاستخدام مرتبطًا بالأزمة، لذلك يجب أن يكون هناك نقلة نوعية جادة في كيفية إنفاق أموال المساعدات التي تصلنا.
كان من المفترض أن يكون أبريل/ نيسان شهرًا سعيدًا، فهو موسم الأمطار الطويلة في القرن الأفريقي، لكننا في تلك الأيام أصبحنا نخشى قدومه، فبدلًا من الأمطار لا نجد سوى الغبار والأجواء الحارقة.
إذا كنا قد نجونا من مجاعة أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي عندما فشل هبوط الأمطار للعام الخامس، فإنها الآن تطرق أبوابنا من جديد، وأكثر من أخشى عليهم كبار السن والمرضى الذين يعانون من آثار الجفاف بالفعل.
هذا الجفاف هو الأسوأ الذي يضرب البلاد منذ 40 عامًا، حيث 6 مواسم جفاف متتالية أضعفت المجتمعات القروية واستنزفت القليل الذي ادّخره الناس.
عندما زرت مدينة أدادو -في المناطق الوسطى- رأيت ماما دهبو التي يتجاوز عمرها 80 عامًا، نازحة من قرية دوماي التي تبعد 250 كيلومترًا عن المخيم الذي لجأت إليه، حيث نزحت ماما دهبو بسبب المحنة المزدوجة للجفاف وهجمات الجماعات الإرهابية، لذا طالبت وكالات المساعدة الدولية بالاستجابة الفورية بمساعدات منقذة للحياة.
في مخيمات ومستشفيات مؤقتة أخرى، وجدت أطفالًا يعانون من سوء التغذية الحاد وأمهات مرضعات ضعيفات، رأيت أطفالًا على حافة الموت، وحوالي 500 ألف طفل يواجهون خطر الجوع، بينما يعاني بعضهم من سكرات الموت بالفعل.
هذا الجفاف هو الأسوأ الذي يضرب البلاد منذ 40 عامًا، حيث 6 مواسم جفاف متتالية أضعفت المجتمعات القروية واستنزفت القليل الذي ادّخره الناس، وتشير التنبؤات إلى استمرار ظروف الجفاف تلك خلال عام 2023.
من المزعج أن ترى كبار السن يتحمّلون وطأة الجفاف الطويل، لقد وعدت محمد الحايل ذا الـ 90 عامًا -يعاني من إعاقة بصرية-، والذي التقيت به في أحد المخيمات، أنني سأدافع عن محنة كبار السن، وأنني سأشارك قصته وسيستجيب العالم الأخلاقي لذلك سريعًا، لكن للأسف لم تأتِ أي استجابة مناسبة.
كان حايل قد فرّ من الجوع والصراعات التي داهمت قريته، والآن يعيش في خيمة مؤقتة، لكن يبدو أننا خذلناه وخذلنا مئات آلاف الأطفال، فلم يكن هناك أي استجابة دولية حاسمة.
تحتاج الدول المعرّضة لتغيرات المناخ مثلنا إلى العدالة في شكل تمويل يمكّننا من تطبيق التحول الأخضر الذي يسمح لمجتمعاتنا بالتكيُّف مع واقع المناخ الجديد.
تكمن مأساة الصومال في أن شعبنا يعاني من آثار مناخ لا يرحم، رغم أننا لم نساهم في تلك الانبعاثات التي تسبّبت في أزمة المناخ، إن قصص دهبو وحايل تمثل تذكيرًا صارخًا بالحاجة العاجلة إلى معالجة جذور الأزمة في الصومال، ألا وهي انهيار المناخ.
هؤلاء المسؤولون عن المشكلة لا يدركون أصلًا أن أفعالهم تتسبّب في سوء أوضاع البدو الرحّل في الصومال، هناك نقص حاد في المياه، حتى أن نهر شبيلي يعاني من الجفاف الآن.
إننا مجبرون على التعامل مع تقلبات الطقس كل عام، لذا تحتاج الدول المعرضة لتغيرات المناخ مثلنا إلى العدالة في شكل تمويل يمكّننا من تطبيق التحول الأخضر الذي يسمح لمجتمعاتنا بالتكيُّف مع واقع المناخ الجديد.
بهذه الطريقة، لن ينزح كبار السن وسط الأجواء الحارقة، وسيذهب الأطفال إلى المدارس بدلًا من التواجد في المخيمات والاعتماد على حزم المساعدات الإنسانية، التي تضم أطعمة مرتفعة السعرات الحرارية.
إنني أناشد المانحين الدوليين الاستجابة لتقديم مساعدات إنسانية قدرها 2.6 مليار دولار، لكنني أطالب أيضًا بخطة مناسبة من الوكالات المنفذة، فلو أننا خططنا بشكل أفضل للـ 8 مليارات التي أُنفقت في مجاعة 2011، لكنا قد تجنّبنا الكثير من الحالات الطارئة التي وقعت منذ ذلك الحين، إن تحمّل المسؤولية أصبح أمرًا ضروريًّا الآن بقدر الحاجة العاجلة إلى الاستجابة لتلك الأزمة.
المصدر: الغارديان