حزب السعادة التركي هو حزب سياسي إسلامي محافظ تأسّس عام 2001، ويعتبَر خليفة لحزبَي الرفاه والفضيلة اللذين أسّسهما الراحل نجم الدين أربكان، قبل أن يتم حظرهما من قبل الحكومة التركية بزعم انتهاكهما للمبادئ العلمانية للجمهورية التركية.
تستند أيديولوجية الحزب إلى تعاليم الإسلام، وتسعى إلى تعزيز القيم والتقاليد الإسلامية في البلاد، ويؤكد برنامج الحزب على أهمية القيم الأسرية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، مع الدعوة إلى سياسة خارجية أكثر حزمًا واستقلالية.
سعى حزب السعادة إلى تحدي السردية السائدة للعلمانية في السياسة التركية وتعزيز رؤية أكثر إسلامية للبلاد، لذلك حاول البقاء خارج الواقع السياسي العلماني، إلا أن خلافاته مع حزب العدالة والتنمية وسياسات الرئيس رجب طيب أردوغان خلال السنوات الأخيرة، دفعته إلى الانخراط في تحالف يمثّل العلمانيين الجزء الأساسي فيه.
السياق التاريخي
يعود ظهور حزب السعادة في تركيا إلى تاريخ صعود الإسلام السياسي في البلاد، والتوترات التي سادت بينه وبين النظام العلماني الذي أرسى دعائمه مصطفى كمال أتاتورك، بهدف فصل الدين عن السياسة وتعزيز التحديث على النمط الغربي.
بعد إغلاق حزب الفضيلة من قبل المحكمة الدستورية عام 2001، تمَّ تأسيس حزب السعادة من قبل نجم الدين أربكان ومحمد رجائي قوطان، ويعدّ حزب السعادة أحد أحزاب “الرؤية الوطنية (Millî Görüş)” أو ما يعرَف بـ”الأربكانية“، وهي أيديولوجيا إسلامية وحركة سياسية أسّسها أربكان عام 1969 واستمرّت حتى يومنا هذا.
ويتبنّى حزب السعادة رسميًّا أيديولوجيا “الرؤية الوطنية” القائمة على الولاء لأربكان، وتهدف إلى توحيد الدول الإسلامية في العالم وإقامة “عالم جديد عادل”، أهم شعارات أربكان منذ تسعينيات القرن الماضي.
شهدت حركة “الرؤية الوطنية” في مطلع القرن الـ 21 انقسامًا حادًّا بين تيارَين، بسبب الاختلاف حول نهج السياسة الخارجية لأربكان الذي يتكون بالكامل من الاعتبارات الأيديولوجية، وهما التيار الأبوي التقليدي الذي يقوده نجم الدين أربكان، وتيار الشباب الذي يضم مجموعة من قيادات حزب الفضيلة المنحل، أبرزهم رجب طيب أردوغان والرئيس التركي السابق عبد الله غول وأحمد داوود أوغلو، حيث يتبنّى التيار الأخير رؤية براغماتية في مجال السياسة الخارجية ومنح الأولوية للاقتصاد ودعم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
أدّت انتقادات أربكان الشديدة لحكومة حزب العدالة والتنمية إلى خلق مساحة حرة داخل قواعد حزب السعادة لانتقاد الحكومة بشكل أكبر، ما ساهم في استياء عامّ من ممارسات حزب العدالة والتنمية في أوساط مؤيدي حزب السعادة.
في هذا السياق، لا يعتمد مصدر الانتقادات لحزب العدالة والتنمية فقط على الفلسفة والأولويات الرئيسية للرؤية الوطنية، لكن أيضًا على التعبير عن الغضب تجاه أولئك الذين شكّلوا حركة جديدة، من خلال الانحراف عن الخط الرئيسي لحركة الرؤية الوطنية عام 2001.
وتجدر الإشارة إلى أن حركة الرؤية الوطنية انبثق عنها عدة أحزاب، أهمها حزب النظام الوطني عام 1970، وحزب السلامة الوطني عام 1972، وحزب الرفاه عام 1983، وحزب الفضيلة عام 1997، وحزب السعادة عام 2001، وحزب الرفاه من جديد بقيادة فاتح أربكان عام 2018.
مع ذلك، يعتبَر نهج السياسة الخارجية لحزب الفضيلة هو الأكثر واقعية وشمولية ووضوح وابتكار من بين جميع أحزاب الرؤية الوطنية حتى الآن، ويجادل برنامج حزب الفضيلة بضرورة اتّباع سياسة خارجية نشطة من أجل خلق “نظام جديد وعادل”، مع الأخذ في الاعتبار التوازنات الحالية في العالم، وتعزيز العلاقات القائمة مع الدول الإسلامية.
الأيديولوجيا والبرنامج السياسي
إن أيديولوجيا حزب السعادة متجذرة في المبادئ الإسلامية، وتسعى إلى تعزيز القيم والتقاليد الإسلامية في المجتمع التركي، ويدعم حزب السعادة المبادئ والممارسات الديمقراطية، لكن بتركيز واضح على القيم والتقاليد الإسلامية.
يدعو برنامج الحزب إلى إقامة نظام سياسي يقوم على مبادئ العدل والإنصاف، ويسعى إلى ضمان احترام إرادة الشعب في جميع القرارات السياسية، ومع ذلك يرتبط مفهوم الحزب للديمقراطية ارتباطًا وثيقًا بالتعاليم والتقاليد الإسلامية، ما قد يحدّ من دعمه لبعض جوانب الديمقراطية الليبرالية.
كما ينتقد الحزب العلمانية التي يعتبرها تهديدًا للقيم الإسلامية، ويسعى إلى تحدي السردية السائدة للعلمانية في السياسة التركية، ويرى أن تركيا لا ينبغي أن تكون خاضعة لمصالح القوى الأجنبية، وأن عليها أن تنتهج سياسة تقوم على المصالح والقيم الوطنية، كما ينتقد أيضًا السياسة الخارجية الحالية لتركيا، والتي يرى أنها تركز بشكل كبير على الغرب وعلى مصالح النخبة الحاكمة.
مع ذلك، تميّز برنامج حزب السعادة بالاختلاف عن برامج أحزاب الرؤية الوطنية التي سبقته في مجال السياسة الخارجية، أبرز نقاط الاختلاف تأكيده على ضرورة إنشاء “نظام دولي عادل قائم على القانون”، والتأكيد على أن تركيا هي القوة التي ستؤدي إلى إقامة هذا النظام.
النقطة الثانية هي أنه سردَ التهديدات على السياسة الخارجية واحدة تلو الأخرى، ومن هذه التهديدات مشروع الشرق الأوسط الكبير وسياسات الغرب العدوانية ضد إيران ودول المنطقة الأخرى على أسُس مصطنعة.
كما يدعو إلى الحوار بدلًا عن الصراع، والعدالة بدلًا من المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية، وأن تصبح تركيا عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، والتخلي عن مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وبدلًا من ذلك إقامة علاقات ثنائية على قدم المساواة، لأن العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي تعني أن تركيا تتخلى عن استقلالها، وتسلّم نفسها للثقافة والحضارة الغربية.
إلى جانب ذلك، دعا حزب السعادة إلى الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية في إطار السلام والحوار والعدالة والمساواة، لكن ثمة مطالب من الولايات المتحدة بإنهاء الاحتلال في أفغانستان والعراق، والتوقف عن دعم الأنظمة القمعية.
يؤكد حزب السعادة على أهمية وجود سياسة خارجية مستقلة وقوية تعطي الأولوية للمصالح والقيم الوطنية، وتصوّر تركيا كدولة رائدة بدلًا من كونها تابعة لدول أخرى، ويعكس هذا الشعار موقف الحزب الأيديولوجي ورؤيته لدور تركيا في العالم.
يركز الحزب أيضًا على الصراع بين الحق والباطل، والصراع مع الصهيونية والأمبريالية، والتركيز على إرث الماضي، واتباع نهج جديد في علاقة تركيا مع جيرانها يقوم على إعطاء أهمية لهذه العلاقات، وإزالتها من السياق العاطفي ووضعها على أساس عقلاني من خلال مراعاة المصالح الوطنية.
مع ذلك، ظهر خلال السنوات الأخيرة تيار داخل حزب السعادة يتبنّى رؤية جديدة للابتعاد عن التقاليد السياسية الإسلامية، ما أدّى إلى قطيعة جديدة داخل الحزب، وتأسيس حزب الرفاه من جديد بقيادة فاتح أربكان عام 2018.
أبرز القيادات
أبرز قادة حزب السعادة السياسي البارز نجم الدين أربكان المعروف بتوجهاته الإسلامية، والذي تولى رئاسة وزراء تركيا عامَي 1996-1997 قبل الانقلاب عليه من قبل المؤسسة العسكرية، في ما عرَف بـ”انقلاب ما بعد الحداثة“.
إلى جانب أربكان كان محمد رجائي قوطان أحد مؤسّسي حزب السعادة، وهو شخصية بارزة في السياسة التركية، وعمل سابقًا كزعيم لحزب الفضيلة قبل إغلاقه من قبل المحكمة الدستورية، وتميزت قيادة قوطان بالالتزام القوي بالقيم والتقاليد الإسلامية، ولعب دورًا رئيسيًّا في تشكيل أيديولوجيا الحزب وبرنامجه السياسي.
شغل قوطان منصب وزير شؤون الطاقة والمصادر الطبيعية في حكومة نجم الدين أربكان الائتلافية، التي شكّلها حزب الرفاه بزعامة أربكان مع حزب الطريق القويم عام 1996.
في عام 2008 اُنتخب نعمان كورتولموش رئيسًا لحزب السعادة حتى عام 2010، حيث استقال من الحزب وشكّل حزب صوت الشعب الذي انضم لاحقًا إلى حزب العدالة والتنمية عام 2012، ويشغل كورتولموش حاليًّا منصب نائب رئيس حزب العدالة والتنمية وعضو اللجنة التنفيذية المركزية فيه.
بعد وفاة نجم الدين أربكان عام 2011، انتخب حزب السعادة مصطفى كمالاك زعيمًا جديدًا له، وشغل كمالاك في السابق منصب الأمين العام للحزب ولعب دورًا نشطًا في تشكيل سياسات الحزب واستراتيجياته السياسية، وأكّد الحزب تحت قيادة كمالاك على هويته الإسلامية والترويج لسياسة خارجية أكثر استقلالية وحزمًا لتركيا.
في عام 2016، انتخب حزب السعادة تمل كارامولا أوغلو زعيمًا جديدًا له، وهو شخصية بارزة في السياسة التركية سبق له أن شغل منصب عضو في البرلمان عن حزب السلامة الوطني (1977-1980) وحزب الرفاه (1996-2002).
تميزت قيادة كارامولا أوغلو بالتركيز على التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وسعى إلى توسيع جاذبية الحزب إلى ما وراء قاعدته التقليدية المحافظة والإسلامية، إضافة إلى اتباعه سياسة خارجية تتمثل في تعزيز العلاقات مع إيران، وانتقاد سياسة تركيا تجاه سوريا ودعمها المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد.
الأداء الانتخابي
لم يستطع حزب السعادة منذ تأسيسه عام 2001 اجتياز العتبة الانتخابية، ولم يحصل على أي مقعد في البرلمان التركي حتى الآن، ففي الانتخابات البرلمانية التي أُجريت عام 2002 حصل حزب السعادة على حوالي 2.5% من أصوات الناخبين، وفي انتخابات 2011 لم تتجاوز نسبة الأصوات التي حصل عليها 1.5%.
أما في انتخابات حزيران/ يونيو 2015 ارتفعت نسبة أصواته إلى 2.2%، وتراجعت هذه النسبة إلى 0.7% في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وإلى 1.3% في الانتخابات البرلمانية عام 2018.
كما حصل تمل كارامولا أوغلو في الانتخابات الرئاسية عام 2018 على 0.9% فقط من أصوات الناخبين الأتراك، وتعكس هذه النتائج محدودية عدد الناخبين الذين يمنحون أصواتهم لحزب السعادة، الأمر الذي دفعه إلى التحالف مع حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد ضمن “تحالف الأمة” الذي تمَّ تشكيله عام 2018.
سعى حزب السعادة في السنوات الأخيرة إلى إعادة تسمية نفسه كحزب أكثر تقدمية ووعيًّا اجتماعيًّا، مع التركيز على قضايا مثل الحد من الفقر والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة، ومع ذلك يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الجهود ستنجح في جذب مؤيدين جدد وتوسيع القاعدة الانتخابية للحزب.
دوره في السياسة التركية
تمَّ وضع حزب السعادة تقليديًّا في الطرف المحافظ والإسلامي للطيف السياسي في تركيا، ما يؤكد على أهمية القيم والمبادئ الإسلامية في الحياة العامة، ويدعو إلى رؤية أكثر تقليدية ومحافظة للمجتمع التركي.
قاعدة الدعم للحزب مستمدة إلى حدّ كبير من الناخبين المحافظين والمتديّنين، لا سيما في المناطق الريفية، وكان منتقدًا صريحًا للعلمانية وتأثير القيم الغربية في المجتمع التركي.
فيما يتعلق بعلاقاته مع الأحزاب وجماعات المصالح الأخرى، انتقد حزب السعادة عمومًا الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى في تركيا، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، واتهمهما بأنهما علمانيَّين للغاية ومتوافقَين بشكل وثيق مع المصالح الغربية، كما انتقد جماعات المصالح العلمانية مثل الجيش والقضاء، التي يرى أنها معادية للقيم والمبادئ الإسلامية.
من حيث تأثيره على صنع السياسة، كان لحزب السعادة تأثير محدود في السياسة التركية بسبب قاعدة دعمه الصغيرة جدًّا، لا سيما على المستوى الوطني، فلم يشغل الحزب أي مقاعد في البرلمان التركي منذ تأسيسه، ومع ذلك ساعدت انتقادات الحزب للأحزاب السياسية السائدة وجماعات المصالح في تشكيل النقاش العام في تركيا، وأثّرت على الخطاب السياسي حول قضايا مثل العلمانية والقيم الإسلامية.
ينتقد حزب السعادة السياسة الخارجية التركية الحالية، خاصة تجاه القضية السورية ودعم تركيا للمعارضة السورية، ويرى أن توتر علاقات تركيا مع جيرانها لأسباب مصطنعة يتعارض مع المصالح الوطنية التركية.
ساهمت مطالبات حزب السعادة بترشيح الرئيس السابق عبد الله غول كمرشح مشترَك لتحالف الأمة في انتخابات عام 2018، والنتائج التي تمخضت عنها بفوز أردوغان على مرشحي الأحزاب الذين خاضوا الانتخابات بشكل انفرادي دون الاتفاق على مرشح واحد، بدور حاسم في أخذ حزب السعادة بعين الاعتبار من قبل المعارضة الرئيسية، خاصة حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد في الانتخابات المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن نقد حزب السعادة للحكومة ذي المرجعية الإسلامية له بُعد وظيفي للمعارضة، حيث يُنظر إلى حزب السعادة على أنه جهة شرعية للمعارضة الرئيسية، التي أدركت أنه لا يمكن الفوز في الانتخابات في تركيا دون الحصول على أصوات الناخبين المحافظين.
على عكس حزب السعادة، يحاول فاتح أربكان وقادة حزب الرفاه من جديد، الذين ما زالوا خارج تحالف “الطاولة السداسية” وينتقدونه بشدة، تقديم صورة سياسية “حكيمة” تميزهم أيضًا عن كلا الجانبَين، وهو مؤشر واضح على أن أربكان ومن معه لا يريدون تحمل أعباء أخطاء الحكومة أو المعارضة في المستقبل، ويرغبون بممارسة السياسة في منطقة أكثر راحة.
ويبدو أن فاتح أربكان يطمح إلى أن يكون شخصية أكثر فاعلية حتى انتخابات 2028، لذلك فضّل الترشح للرئاسة في انتخابات 2023 رغم إدراكه عدم القدرة على منافسة المرشحَين الرئيسيَّين، أردوغان وكليجدار أوغلو.
لكن العقبة التي تواجه فاتح أربكان هي إنتاج خطاب سياسي جديد، وتطوير استراتيجية جديدة قادرة على تجاوز إرث والده نجم الدين أربكان، وعدم حصر حزبه في التجارب السابقة لحركة “الرؤية الوطنية”.
السياسة الخارجية والعلاقة مع إيران
ينتقد حزب السعادة السياسة الخارجية التركية الحالية، خاصة تجاه القضية السورية ودعم تركيا للمعارضة السورية، ويرى أن توتر علاقات تركيا مع جيرانها لأسباب مصطنعة يتعارض مع المصالح الوطنية التركية.
وبخصوص إيران، يرى الحزب أن إيران وتركيا دولتان “شقيقتان” ومتجاورتان على الحدود، لم تشهدا صراعات حدودية منذ ما يقرب من 400 عام، ويعارض العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة، ويعتبر العقوبات والتهديدات ضد إيران موجهة مباشرة إلى السلام في المنطقة.
كما انتقد الحزب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، ويرى أيضًا أنه يتوجّب على تركيا أن تنسّق مع إيران لحل جميع المشاكل الإقليمية الأخرى، خاصة القضية السورية.
في بداية عام 2021 أثار حضور حسن بيتماز، نائب رئيس حزب السعادة، كمتحدث رئيسي في برنامج نظّمته السفارة الإيرانية في أنقرة لإحياء الذكرى الأولى لاغتيال الجنرال قاسم سليماني، ردود فعل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا، حيث وُجّهت انتقادات كبيرة لحزب السعادة لمشاركته في هذا البرنامج، بسبب ما اعتبره البعض مسؤولية سليماني عن قتل الآلاف من الأطفال في سوريا.
من جانبه، قال حسن بيتماز في تصريحات لـ”إندبندنت التركية“: “نحن لسنا إيرانيين ولا طائفيين”، مشيرًا إلى أن قاسم سليماني -الذي يصفه حزب السعادة بشهيد المقاومة- كان دائمًا من مؤيدي قضية فلسطين والقدس، مضيفًا أنه التقى مع سليماني مرتين في طهران، الأولى عام 2011 والثانية عام 2014.
والحقيقة أن انتقاد حزب السعادة ووصفه بـ”الإيراني” لا يقتصر على رواد وسائل التواصل الاجتماعي، بل هناك العديد من الشخصيات الإسلامية المحافظة، منها رجل الدين البارز أحمد محمود أونلو المعروف باسم جوبّللي أحمد هوجا، التي تنتقد سلوك حزب السعادة وعلاقاته مع إيران، وتحالفه مع حزب الشعب الجمهوري وترشيحه كمال كليجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية المقبلة.
أحزاب “الرؤية الوطنية” وآخرها حزب السعادة بقيادة كارامولا أوغلو، حرصت على تطوير علاقات جيدة مع إيران، ووصل الأمر إلى تبني الرؤية الإيرانية في المنطقة والحرص على حضور كافة الفعاليات الإيرانية في تركيا وإيران.
وبتاريخ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، انتقد رئيس حزب السعادة تمل كارامولا أوغلو في تصريحات لصحيفة “تسنيم” الإيرانية، على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي الـ 35 للوحدة الإسلامية المنعقد في طهران، السياسة الخارجية التركية الحالية تجاه إيران، مشيرًا إلى أن العلاقات التركية الإيرانية يجب أن تكون أوثق.
وخلال مشاركته في حفل نظّمه السفير الإيراني في أنقرة، محمد فرازمند، بمناسبة يوم الجيش الإيراني في نيسان/ أبريل 2019، انتقد كارامولا أوغلو تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب السعادة تبنّى الموقف الإيراني ذاته من الثورة السورية، وعارض منذ البداية دعم تركيا للمعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد.
وسبق أن قام الرئيس السابق للحزب، مصطفى كمالاك، بزيارة إلى دمشق على رأس وفد يضمّ عددًا من قيادات الحزب في بداية عام 2012، حيث عبّر الوفد عن تضامنه مع النظام السوري خلال سلسلة لقاءات أجراها مع عدد من مسؤولي النظام، على رأسهم نجاح العطار نائبة الرئيس، ووليد المعلم وزير الخارجية السوري السابق.
مع ذلك، يشير البعض إلى أن تأثير إيران على المنظمات والهياكل الإسلامية في تركيا ضئيل وثقافي في الغالب، إذا ما تمَّ استثناء بعض المجموعات الإجرامية التي سبق أن نفّذت أعمالًا إجرامية في تركيا بتوجيه من المخابرات الإيرانية، خاصة ملاحقة أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، واغتيال عدد من الصحفيين الأتراك الكماليين المعارضين للثورة الإيرانية.
لكن الواقع يشير إلى إن أحزاب “الرؤية الوطنية”، وآخرها حزب السعادة بقيادة كارامولا أوغلو، حرصت على تطوير علاقات جيدة مع إيران، ووصل الأمر إلى تبنّي الرؤية الإيرانية في المنطقة، والحرص على حضور كافة الفعاليات الإيرانية في تركيا وإيران.
لذلك إن علاقات حزب السعادة مع إيران ليست جديدة، بل تعود إلى رؤية نجم الدين أربكان الذي قام بأول زيارة له بعد تسلُّمه رئاسة الوزراء عام 1996 إلى طهران، رغم طلب الولايات المتحدة منه رسميًّا عدم القيام بهذه الزيارة.
وساهمت أيضًا مشاركة السفير الإيراني في أنقرة في أمسية حول القدس بداية عام 1997، وإلقاؤه كلمة فيها، بإشعال الجدال في البلاد حول ماهية وهوية نظام الحكم في تركيا، وأدّى ذلك إلى انقلاب الجيش على حكومة أربكان في 28 فبراير/ شباط 1997 الذي عُرف بـ”انقلاب ما بعد الحداثة”.
التحديات والفرص
يواجه حزب السعادة العديد من التحديات والفرص في جهوده لبناء الدعم والتأثير على السياسة التركية، أحد أكبر التحديات التي تواجه الحزب هو جاذبيته المحدودة للناخبين الأصغر سنًّا والحضريين الذين قد لا يشاركون الحزب قيمه المحافظة والإسلامية، واعتمد الحزب تقليديًّا على قاعدة دعمه في المناطق الريفية وبين الناخبين الأكبر سنًّا.
رغم هذه التحديات، لدى حزب السعادة بعض الفرص للنمو والنجاح في السياسة التركية، تتمثل إحدى هذه الفرص في قدرته على بناء الدعم بين الناخبين المحافظين والمتدينين الذين قد يكونون غير راضين عن سياسات الأحزاب السياسية الرئيسية.
وسيعتمد دوره وتأثيره السياسي في السنوات المقبلة على مجموعة من العوامل، بما في ذلك الديناميكيات الاجتماعية والسياسية المتغيرة، وتغيير المواقف تجاه الدين والمحافظة، وقدرة الحزب على التكيُّف والاستجابة للتحديات والفرص الجديدة.
مع ذلك، لا يزال حزب السعادة يواجه تحديات كبيرة في التمثيل على الساحة السياسية بسبب قاعدته الانتخابية المحدودة، حيث تبنّى الحزب استراتيجية احتضان هوية “أقلية عادلة” في سياق لهجته الإسلامية وموقفه المبدئي في انتقاد سياسات حزب العدالة والتنمية، ودفعَ ناخبيه إلى انتقاد أردوغان وسياسته بشدة.
وقد وفّر ذلك غطاءً سياسيًّا لتحالف قادة حزب السعادة مع أحزاب أخرى خارج تقاليدهم السياسية الخاصة، لا تشاركه أجندته وأهدافه وجذوره المثالية مثل حزب الشعب الجمهوري، الأمر الذي شكّل تناقضًا بنيويًّا في الإطار العام للحزب.
شكّل إنشاء فاتح أربكان لحزب الرفاه من جديد فرصة لاستيعاب كوادر “الرؤية الوطنية” الذين كانوا غير مرتاحين لاستراتيجية حزب السعادة وخطابه وتحالفاته الجديدة.
ورغم أن حزب السعادة حاول البقاء خارج الواقع السياسي العلماني قدر الإمكان، إلا أن خلافاته مع حزب العدالة والتنمية دفعته إلى التحالف مع الأحزاب السياسية الأخرى التي تنتقد أردوغان وسياسته، وتبنّي استراتيجية تقوم على البقاء ضمن حدود الواقع السياسي العلماني.
ورغم الخطاب الإسلامي داخل الحزب، إلا أن الميل إلى الابتعاد عن التقاليد السياسية الإسلامية أصبح هو السائد، ما أدّى إلى انقسام جديد داخل الحزب عام 2018 عندما تأسّس حزب الرفاه من جديد بقيادة فاتح أربكان، نجل نجم الدين أربكان.
وبذلك، واجه حزب السعادة، الذي استمر في وجوده كممثل وحيد للرؤية الوطنية منذ عام 2001، أزمة جديدة مع ظهور حزب الرفاه من جديد، وأثار تركيز فاتح أربكان على نفسه باعتباره الشخص الذي يواصل الإرث الفكري لوالده نجم الدين أربكان، وتعريف حزبه على أنه الممثل الرئيسي للرؤية الوطنية، صراعًا خطيرًا وتنافسًا بين حزب السعادة والرفاه من جديد.
شكّل إنشاء فاتح أربكان لحزب الرفاه من جديد فرصة لاستيعاب كوادر “الرؤية الوطنية” الذين كانوا غير مرتاحين لاستراتيجية حزب السعادة وخطابه وتحالفاته الجديدة، ما أضاف تحديًا جديدًا أمام حزب السعادة الذي يعاني أصلًا من محدودية عدد ناخبيه، كما سمح بإيجاد حزب جديد لأنصار “الرؤية الوطنية” الذين كانوا غير راضين بشكل متزايد عن حزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة.
وبينما ينتقد فاتح أربكان الهيكلية الحكومية، يحرص على عدم تنفير الرئيس أردوغان أو الحكومة بشكل عامّ، فقد حظيَ نهجه بقبول واسع بين الأوساط المحافظة خلال وقت قصير.