أثار إعلان البرلماني المصري السابق، أحمد الطنطاوي، عودته إلى القاهرة في 6 مايو/آيار المقبل حالة من الجدل داخل الشارع المصري، خاصة مع تلميحه عزمه الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 2024، ممثلًا للتيار المدني الديمقراطي في مواجهة جنرالات المؤسسة العسكرية.
الرئيس السابق لحزب الكرامة الناصري المصري وعلى صفحته الشخصية على فيسبوك، برر عودته من بيروت التي غادر إليها في أغسطس/آب الماضي، بالاشتياق إلى الوطن الذي لم يغادر عقله وروحه ووجدانه، كذلك “لأقوم بواجبي في تقديم البديل المدني الديمقراطي الذي تحتاج إليه مصر، ويقدر عليه شعبها العظيم”.
ويعد الطنطاوي الذي خسر مقعده البرلماني خلال انتخابات 2020، التي شكك في نزاهتها وتقدم بمذكرة طعن قضائية لم يبت فيها حتى اليوم، واستقال من رئاسة الحزب في يوليو/تموز 2022، أحد الوجوه السياسية المعارضة التي فرضت نفسها على الساحة المصرية خلال الأعوام الأخيرة، وذلك لمواقفه المناوئة لسياسات نظام عبد الفتاح السيسي وحكومته وهي المواقف التي وضعته في مرمى الانتقادات المستمرة من أنصار النظام.
وأحدث تلميح البرلماني السابق صاحب العبارة الشهيرة “أنا لا أحب الرئيس ولا أثق في أدائه ولست راضيًا عنه، وهذا حقي كمواطن مصري قبل أن أكون نائبًا” انقسامًا داخل الشارع المصري، وردود فعل متباينة إزاء فكرة الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو التباين الذي يكشف إلى حد كبير التغيرات التي انتابت المزاج السياسي المصري الذي تم تأميمه لسنوات بواسطة القبضة الأمنية المحكمة.
رمضان كريم.. كل سنة وحضراتكم وكل أحبابكم بكل خير. pic.twitter.com/LjeIMYPFWV
— Ahmed Altantawy (@A_altantawy79) March 22, 2023
حجر في المياه الراكدة
مسألة أن يعلن أي شخص اعتزامه الترشح للانتخابات أمام السيسي خطوة إيجابية في حد ذاتها في ظل هذا الأفق السياسي المسدود الذي فرضه النظام الحاليّ، هكذا قرأ قطاع كبير من المصريين رسالة البرلماني السابق، بصرف النظر عن دراسة تفاصيل ترشحه وتقييمها من حيث المقومات والعراقيل والفرص والتحديات.
الشارع المصري اليوم بحاجة ماسة إلى مرشح مدني يتم التوافق عليه، هذا ما قاله السفير المصري فوزي العشماوي الذي وجه رسالة عبر صفحته على فيسبوك إلى ما أسماهم “الجماعة المدنية” ناشدهم فيها “بالاستقرار علي مرشح مناسب، من أحد الشخصيات الوطنية المتميزة، والتوافق عليه والتعهد بدعمه ومساندته، والإصرار على تهيئة الظروف والضمانات لخوضه منافسة انتخابية شريفة.. هذه الخطوة ستجعل الشعب (أو غالبيته) يلتف حوله، وستوفر أمام القوى الإقليمية والدولية البديل المناسب الذي يمكنها دعمه والمراهنة عليه، ما سيصعِّب من اتخاذ أي إجراء خشن تجاهه.. لقد آن الأوان لكي تخرج النخبة المدنية من سلبيتها وتشرذمها، وأن تنسى قليلًا خلافاتها ومصالحها وحساباتها الضيقة، وخوفها وترددها وإيثارها للسلامة”.
ودفع فشل نظام السيسي في إدارة المرحلة الحاليّة التي كان من مخرجاته تفاقم الديون وقفزات معدلات البطالة والتضخم المذهلة، والتهاوي غير المسبوق في قيمة العملة المحلية (الوطنية)، فضلًا عن غياب فقه الأولويات في النفقات، الذي أدى في النهاية إلى الزج بالملايين من المصريين إلى آتون الفقر، كل ذلك كان دافعًا للتفكير في التغيير – الذي بات ضرورة ملحة للخروج من عنق الزجاجة – عبر صناديق الانتخاب، شريطة التوحد خلف مرشح واحد توافقي يحظى برضا جميع التيارات السياسية، ويكون خارج العباءة العسكرية.
وقد أسفر التخندق داخل معسكر الجنرالات الذي يمارس كل أنواع الهيمنة على الساحة بكل مجالاتها، إلى وأد أي بصيص أمل في أن تكون هناك منافسة حقيقية أو مرشح قادر على المواجهة، ساعده على ذلك حملة المباخر من الإعلاميين والنخب وأدوات القوى الناعمة التي تحولت إلى سلاح السيسي الأقوى لتخدير الرأي العام وتجميل الصورة وإيهام متوسطي ومحدودي الدخل بأن ما حدث خلال السنوات السبعة الماضية معجزة بكل المقاييس لم تشهدها مصر في تاريخها الحديث والمعاصر، ومن هنا فإن خروج أي شخص – أيًا كانت هويته – معلنًا نيته في الترشح خطوة جيدة في المسار الصحيح نحو التغيير، هكذا يرى أنصار هذا الفريق.
أحمد طنطاوي يعلن العودة لمصر
يوم ٦ مايو القادم على متن طائرة مصر الطيران القادمة من بيروت للقاهرة الساعة ١٢:٣٠ ظهراسبب العودة : القيام بواجبه في تقديم البديل المدني الديموقرطي
هل ده اعلان ترشح للرئاسة ؟ أم تحدي جديد للسيسي ونظامه؟#احمد_طنطاوي #السيسي
— Osama Gaweesh (@osgaweesh) March 22, 2023
شبح الكومبارس يطل برأسه
في المقابل، هناك فريق آخر يتخوف من سيناريو “الكومبارس” الذي تكرر في المرتين السابقتين، الأولى حين ترشح السياسي اليساري حمدين صباحي أمام السيسي في 2014 والثاني زعيم حزب “الغد” موسى مصطفى موسى عام 2018، وكلاهما كانت مشاركته ليست أكثر من مسرحية هزلية أثارت سخرية الداخل والخارج.
هذا الفريق يخشى من أن يكون الطنطاوي البطل الثالث الذي يقوم بدور الكومبارس في الانتخابات القادمة، خاصة أن الأب الروحي له (صباحي) كان قد مارس هذا الدور قبل ذلك، هذا بخلاف السماح له مؤخرًا بالخروج للأضواء مرة أخرى وحضور لقاءات الرئيس والنخبة بعد سنوات من الانكفاء والعزلة.
ويستند أنصار هذا الفريق إلى بعض المؤشرات والشواهد التي اعتبروها تأتي في هذا السياق، على رأسها سفر الطنطاوي المفاجئ إلى بيروت قبل ستة أشهر وتخليه عن رئاسة حزب الكرامة الناصري، وعدم تعرضه للتوقيف في مطار القاهرة خلال رحلته أسوة بما يتم التعامل به مع المعارضين الآخرين، ما دفع البعض إلى التلميح بأن ما حدث لا يمكن أن يكون إلا بتفاهمات مع أجهزة الدولة المعنية، كذلك العودة، لا يمكنها أن تتم بسلاسة دون أي توقيف أو اعتراض دون التنسيق مع الجهات ذاتها، وهو ما أثار الكثير من الجدل.
هذا التخوف يتناغم مع ما ذكره موقع “عربي 21” نقلًا عن مصادره الخاصة بأن مدير المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي سابقًا، قد اجتمع مؤخرًا ببعض رموز “الحركة المدنية الديمقراطية” لترشيح 3 شخصيات مدينة يمكنها خوض انتخابات الرئاسة المقبلة، خشية تكرار سيناريو 2018 حين لم يجد السيسي مرشحًا منافسًا – لإكمال الديكور السياسي – إلا في اللحظات الأخيرة.
وبصرف النظر عن صحة ما ذكره الموقع الذي قوبل بنفي من الصفحة الرسمية للحركة المدنية على فيسبوك، هناك ضغوط خارجية قوية على نظام السيسي بفتح المجال نسبيًا للمشاركة السياسية والسماح للمعارضة المدنية بالتنافس في إطار ديمقراطي، وهي الضغوط التي يحاول النظام تلافيها خلال الاستحقاق القادم، لكنه في الوقت ذاته يخشى من المفاجآت غير المتوقعة، ما قد يدفعه لترتيب أوراقه مبكرًا والاتفاق على شخوص بعينها للقيام بهذا الدور نظير امتيازات ومنح سياسية ومادية، هكذا يفكر أبناء هذا التيار.
لما قلت ان #أحمد_طنطاوي بيجهز عشان يكون كومبارس الانتخابات القادمه امام #السيسى
هاجمني المتردية والنطيحه بحجة اصطفاف واي لحلحه للموقف
الناس عارفه ان طنطاوي نجح بأوامر امن الدولة في البرلمان وطرح نفسه كومبارس واتوافق عليه واليوم يعلنها انا راجع كبديل مدني في تمثيلية الانتخابات— ??? عمرو عبد الهادي (@amrelhady4000) March 22, 2023
هل يمكن للطنطاوي أن يكون البديل؟
في خضم معركة ردود الفعل المتأرجحة بشأن قراءة وتقييم إعلان الطنطاوي الترشح للانتخابات المقبلة، أطل تساؤل آخر برأسه باحثًا عن إجابة: هل البرلماني السابق مؤهل لأن يكون المرشح الرئاسي التوافقي؟ هل لديه الإمكانات والمؤهلات والخبرات وأدوات الاشتباك والمجابهة التي تمكنه من خوض هذا الغمار الصعب؟
وانقسمت الإجابات عن تلك الأسئلة إلى قسمين: الأول يرى أنه الشخص الملائم لتلك المرحلة، استنادًا إلى مواقفه السابقة داخل البرلمان، إذ كان الصوت المعارض الأبرز للنظام الحاليّ، وكانت تصريحاته المناوئة للسيسي ونظامه محل إعجاب وتقدير لكثير من المصريين ممن عانوا طويلًا من عقم سياسي وغياب لأي ملمح من ملامح المعارضة وانتقاد الرئيس.
الطنطاوي في آخر لقاء إعلامي له مع قناة “بي بي سي عربي” قبل ستة أشهر قال نصًا: “الأفضل لهذه السلطة أن ترحل عن حكم مصر، ويا حبذا لو كان ذلك قريبًا، ولا يوجد اتفاق غير مُعلن بيني وبينها، لأني حينها سأكون عميلًا لها”، معتبرًا أن أداءها “هو الأسوأ في تاريخ مصر خلال الـ200 عام الأخيرة على الأقل”، وأردف “هناك خلافات عميقة في وجهات النظر مع بعض الشركاء من تيار المعارضة، ولعلها واضحة، وكان أمامي خياران: الأول أن أتمسك بمبادئي، والثاني أن أغيّر قناعاتي، وهذا لم أكن مؤهلًا له”.
كما كان أحد الرافضين لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي وقعت في أبريل/نيسان 2018 وقضت بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، وعلى رأس المعارضين للتعديلات الدستورية التي جرت في 2018 بهدف تمديد فترة الحكم للسيسي حتى 2034، حينها قال: “قناعاتي الشخصية الراسخة المستقرة تجعلني أقول إن ما يحدث باطل دستوريًا طبقًا لموضعين في المادة 226 من الدستور، وليس من حق البرلمان أن يعدل مدد الرئاسة إلا بمزيد من الضمانات، ولا يستحدث مادة جديدة لأنها تفقد ثقة العموم والتجرد”.
فيما وصف الاستفتاء الذي جرى في مصر من 20 لـ22 أبريل/نيسان 2019 بأنه “الأسوأ في تاريخ مصر”، فالمشهد الذي تم فيه يعتبر “بائسًا”، على حد وصفه، وذكر أن أول يومين يمكن وصفهما بـ”البون والكرتونة” (في إشارة إلى تقارير تحدثت عن توزيع صناديق تموينية على أشخاص مقابل التصويت)، منوهًا أن الاستفتاء جرى وسط ترهيب و”شراء للأصوات”.
وحرص البرلماني السابق خلال فترة عمله بالمجلس على الانتصار لمصالح الفقراء والمهمشين، وكان صوتهم الأقوى داخل المجلس بعد تأميمه من المعسكر الموالي للنظام، فرفض قانون زيادة رواتب الوزراء والمحافظين في 2018 واعتبر ذلك نوعًا من الخلل في الأولويات، وأضاف “هناك موظفون بالستة أشهر لا يتقاضون أجورهم ومرتباتهم أقل من 700 جنيه، لذا فهم الأولى بالزيادة، وليس الوزراء والسفراء والمحافظين ونوابهم الذين تصل رواتبهم إلى 42 ألف جنيه معفية من الضرائب”، كاشفًا أن هناك أبوابًا أخرى يحصلون منها على دخل، وفقًا له.
وشن هجومًا حادًا على السياسات الاقتصادية للحكومة، محملًا إياها مسؤولية تفاقم الوضع، وعن مسألة أزمة الديون الخارجية قال: “الديون تتفاقم سنة بعد سنة، وتجاوزت حدود الخطر الاقتصادي، ووصلت لمرحلة تهديد السلم الاجتماعي، والتدخل في سيادة القرار الوطني”.
وفي نوفمبر/كانون الثاني 2019، قدم الطنطاوي مبادرة سياسية مكونة من 12 محورًا رئيسيًا لتغيير نظام الحكم، مطالبًا السيسي بمغادرة السلطة في 2022 واللجوء إلى انتخابات رئاسية مبكرة لا يكون هو مرشحًا فيها، لكنه فوجئ بطلب إحاطة مقدم من 95 نائبًا لإحالته إلى لجنة القيم داخل المجلس لتجرؤه على الرئيس ومطالبته بالتخلي عن الحكم بعد قضاء دورتين كاملتين كما ينص الدستور قبل تعديله.
أما القسم الثاني فيرى أن تلك المواقف لا يمكنها أن تشكل شخصية توافقية تخوض معركة رئاسة الجمهورية أمام شخص بحجم السيسي مدعوم من المؤسسة العسكرية، ويميل هؤلاء إلى أن خبرات الطنطاوي أقل من أن تسمح له بالمنافسة، هذا بخلاف خلفيته الأيديولوجية اليسارية – سيئة السمعة – التي سقطت قبل ذلك كثيرًا في مستنقع التفاهمات مع السلطة والقبول بدور الكومبارس لزعيمها الأكبر حاليًا وهو حمدين صباحي، فإن كان ذلك حال القائد فما بالك بالتابعين، كما يقول المعارضون له.
وبين هذا وذاك هناك من يرى أن الطنطاوي ألقى بأول حجر في مياه السياسة الراكدة، وفتح الباب أمام النقاشات الجادة بين التيارات المدنية لطرح شخصيات توافقية، أهل لثقة الجميع، غير طائفية، يمكنها أن تُجمع كل الأطياف السياسية على مائدة واحدة، وفق حسابات خاصة، ويمكنها استطلاع رأي الداخل والخارج قبل الاتفاق على أسماء بعينها لخوض تلك المعركة التي يجب الإعداد لها مبكرًا حتى تكون شرسة وتنافسية وإلا فالسيناريو الجاهز موجود، وما حدث في 2014 و2018 قد يتكرر في 2024، فالكرة الآن في ملعب التيار المدني.