تصدّر اسم بلدة حوارة الواقعة جنوبي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، المشهد الفلسطيني خلال الفترة الماضية، بعد سلسلة من الأحداث والعمليات شهدتها البلدة طالت جنودًا إسرائيليين ومستوطنين، ما أدّى إلى مقتل بعضهم وإصابة البعض الآخر.
ورغم أن الحدث الأكبر بالنسبة إلى حوارة والكثير من المتابعين خلال الشهر الأخير يدور حول المحرقة التي نفّذتها عصابات المستوطنين بحقّ البلدة وأهلها وممتلكاتها، إلا أن حضورها في العمل المقاوم والعسكري لفت الأنظار بشكل واضح وكبير.
وخلال الهجمة الأخيرة للمستوطنين التي كانت بحماية من جيش الاحتلال، وإن لم تكن معلنة بشكل مباشر، تكبّد أهلها قرابة 6 ملايين دولار أمريكي خسائر مادية، في الوقت الذي لا تحظى البلدة باهتمام رسمي من قبل مؤسسات السلطة.
وفي أقل من 30 يومًا، قُتل مستوطنان وأُصيب 3 آخرين بجراح متفاوتة من بينهم جنديَّين إسرائيليَّين في عمليات فردية وأخرى نفّذتها الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، كان آخرها عملية تبنّتها كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الذراع العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وتتزامن هذه العمليات مع دعوات من قبل أعضاء كنيست إسرائيليين ووزراء متطرفين، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتيرتيش، لمحو هذه البلدة وتهجير أهلها، في محاولة لتنفيذ نكبة جديدة بحقّ أصحاب الأرض الأصليين في محاولة لتعزيز الحضور الإسرائيلي.
وتعد بلدة حوارة واحدة من 56 قرية وبلدة تتبع مدينة نابلس، إحدى أكبر محافظات شمال الضفة الغربية، وتقع على بُعد 9 كيلومترات جنوبي مدينة نابلس على الطريق نابلس – القدس، ويديرها مجلس بلدي، فيما يعني اسمها باللغة السريانية “البياض” أو “الأرض البيضاء”.
حوارة جغرافيًّا
تتبع البلدة إداريًّا لمحافظة نابلس، وحسب اتفاق أوسلو عام 1993 صُنّفت أراضي حوارة بين مناطق “ب” الخاضعة إداريًّا وأمنيًّا للسلطة الفلسطينية، والمنطقة “ج” الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، فيما أُسّس أول مجلس قروي في البلدة عام 1965، وتحولت لاحقًا -بعد زيادة سكانها- إلى مجلس بلدي عام 1998.
ترتفع حوارة 520 مترًا عن سطح البحر، وتتأثر بطقس حار جاف صيفًا ومعتدل ماطر شتاءً، وتتوزّع تضاريسها بين الجبل والسهل، ويعلوها شمالًا جبل سلمان (الذي يُنسب إلى الصحابي سلمان الفارسي) وجنوبًا جبال رأس زيد والصبَّات وتلة النَّجَمي شرقًا، وفيها وادٍ وحيد يعرَف بوادي عينابوس.
تقدَّر مساحتها الإجمالية التي تشغلها الأبنية في البلدة بحوالي 1000 دونم، بينما تقدَّر مساحتها الإجمالية بنحو 10 آلاف دونم، ويزرَع سهلها بالحنطة والحبوب، ويعدّ ثاني أكبر سهل بعد مرج بن عامر شمال الضفة الغربية.
أصل بلدة حوارة يمتدّ إلى أكثر من 700 عام
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ عدد سكان حوارة 6 آلاف و659 نسمة في عام 2017، وارتفع عام 2022 إلى حوالي 7 آلاف نسمة، إضافة إلى 9 آلاف يعيشون خارج الوطن، معظمهم في الأردن والولايات المتحدة الأمريكية.
واشتهر سكان البلدة بهجرتهم إلى أمريكا التماسًا للرزق، وقد عاد بعضهم ومعهم زوجاتهم الأمريكيات وأولادهم، وعام 1944 أسلمت 20 سيدة منهن، وعام 1966 كان في البلدة 13 مسيحيًّا، لكن إحصاءات عام 2022 لا تظهر وجود مسيحيين.
أصل بلدة حوارة -وفق ما يتداوله أهلها- يمتدّ إلى أكثر من 700 عام، وموطنها خربة قوزة القريبة، ويعدّ بئر قوزة مصدرًا أساسيًّا لمياه البلدة، وخضعت البلدة كغيرها من المناطق الفلسطينية لحقب زمنية مختلفة قديمًا وحديثًا، فقد خضعت للحكم العثماني حتى مطلع عشرينيات القرن الماضي، ومن ثم الانتداب البريطاني حتى عام 1948.
وأعقب ذلك فترة الحكم الأردني الممتدّ حتى عام 1967، وهو تاريخ احتلال “إسرائيل” للضفة الغربية، وخضعت حوارة بعدها للسيطرة الإسرائيلية، إلى أن آلت إلى حكم السلطة الفلسطينية عقب اتفاق أوسلو في سبتمبر/ أيلول 1993.
حضور ثوري
شاركت حوارة في النضال الفلسطيني خلال مختلف المراحل التاريخية، وفي العصر الحديث يذكر لأبنائها مشاركتهم في ثورة عام 1936 ضد الإنجليز، واستشهاد 3 منهم هم محمود الحمور وماجد سعادة والسنوسي الحواري.
وبعد الاحتلال الإسرائيلي للبلدة عام 1967 وحتى مطلع عام 2023، سُجّلت أكثر من 800 حالة اعتقال بين أبنائها الذين تراوحت أحكامهم بين 18 يومًا و16 عامًا، بالإضافة إلى 25 شهيدًا بينهم 5 خلال انتفاضة الأقصى الثانية.
وشكّل موقع حوارة على الشارع الرئيسي الذي يسلكه المستوطنون صيدًا ثمينًا لمقاوميها، خاصة في الانتفاضة الأولى حين شنّوا فرادى وجماعات هجمات ضد المستوطنين.
وفيها مقاومون شكّلوا خلايا لمقاومة الاحتلال منهم نجم عوده، الذي ارتقى شهيدًا مع 15 مقاومًا آخرين في “ملحمة عين البيضاء” بالأغوار الفلسطينية الشمالية عام 1970، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثامينهم بمقابر الأرقام.
صادر الاحتلال 1100 دونم من أراضي البلدة لمصلحة الشارع الاستيطاني الالتفافي الجديد، الذي بدأ بشقّه بداية عام 2021 ليكون بديلًا عن شارع حوارة الرئيسي
يعتبَر الاستيطان أكثر العوامل الطاردة والقاهرة لأهالي حوارة، فقد نهشت مستوطنة يتسهار 1500 دونم من شمال البلدة وآلاف الدونمات من القرى المجاورة، بالإضافة إلى مستوطنة جفعات رونين الاستيطانية التي تفرعت منذ سنوات عن المستوطنة الأم هار براخا.
وإلى جانب المستوطنتَين استولى الاحتلال على المعسكر الأردني القديم (معسكر حوارة)، الذي أقيم قبل عام 1967 على أراضي عورتا وحوارة، فحوّله مقرًّا لجيشه ومركزًا للتوقيف والتحقيق مع الأسرى الفلسطينيين، مع مقرات للشرطة والمخابرات الإسرائيلية والارتباط العسكري، وأضاف مهبطًا للطائرات العمودية، ثم تحوّل جزء من المعسكر إلى إدارة مدنية من أجل “إدارة شؤون الفلسطينيين”.
وقرب المعسكر أقام الاحتلال حاجز حوارة العسكري عام 2000، ليشكّل مع حاجز زعترة جنوبًا على بُعد 5 كيلومترات فكَّي كماشة لشارع حوارة بأكمله.
وصادر الاحتلال 1100 دونم من أراضي البلدة لمصلحة الشارع الاستيطاني الالتفافي الجديد، الذي بدأ بشقّه بداية عام 2021 ليكون بديلًا عن شارع حوارة الرئيسي، الذي حوّله الاحتلال إلى ثكنة عسكرية عبر إقامته 15 برجًا عسكريًّا للمراقبة، وحواجز متحركة وثابتة بين طرفَي شارع حوارة.
حوارة اقتصاديًّا.. التجارة والزراعة
يعتمد اقتصادها على التجارة والزراعة، وتعتمد الزراعة فيها على مصدرَين أساسيَّين هما نبع ماء وبئر ارتوازي أحدهما في وسط البلدة وآخر داخل حدود البلدة التي تربطها بأودلا، يقع في الجزء الشمالي الشرقي منها.
يعرَف البئر باسم بئر أودلا، حيث يستخدَم هذان المصدران بالإضافة إلى مياه الأمطار في توفير مياه الشرب والري في الزراعة وتربية المواشي والدواجن.
أما في موضوع التجارة، يتميز تجّار حوارة بتجارة الذهب، حيث إن معظم تجّار الذهب في نابلس هم من أهالي البلدة، ولموقع البلدة الجغرافي، ووقوعها على طريق القدس – نابلس، تمتدّ المحال التجارية على جانبي الطريق من بداية البلدة حتى نهايتها، وهذا دفع عدة بنوك إلى افتتاح فروع ومكاتب لها في البلدة، ويوجد فيها مدينتان للملاهي.
النظرة الإسرائيلية لحوارة.. التهجير والسلب
لا ينفصل واقع حوارة عن بقية الأراضي الفلسطينية من ناحية الاهتمام الإسرائيلي بها، ومحاولة سلب جميع أراضيها لصالح الاستيطان والمستوطنين، ما أسهم في خسارة البلدة نحو 80% من أراضيها لصالح المستوطنات الإسرائيلية والشوارع التي تخدمها.
ومع التصريحات الأخيرة لكلّ من سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بشأن سلب البلدة بشكل كامل، فإنها ستكون تحت مجهر الأحداث خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع تصاعد العمل المقاوم فيها بشكلٍ لافت للأنظار في الفترة الأخيرة.
حوارة ستكون بؤرة لاهبة خلال الفترة الأخيرة، مع دخول الأذرع العسكرية واجهة الأحداث فيها بشكلٍ رسمي في أعقاب العملية الأخيرة
وتعكس العمليات الأخيرة، سواء الفردية منها أو الجماعية، حضورًا مميزًا للمقاومة العسكرية فيها، في الوقت الذي يخشى فيه الاحتلال الإسرائيلي من أن تصبح بؤرة جديدة للعمل المقاوم على غرار جنين ونابلس التي يتواجد بها كتائب عسكرية، مثل كتيبة جنين وعرين الأسود وغيرهما من المجموعات المسلحة.
كما يعكس انتقاد المراسلين العسكريين للمنظومة الأمنية والعسكرية في بلدة حوارة وما يجري منها حالة الخوف، لا سيما مع اعتبار بعضهم ما حصل فيها بمثابة نجاح 100% للمقاومين في البلدة، وفشل بالنسبة نفسها للمنظومتَين الأمنية والعسكرية.
ومع تصاعد عمليات الاقتحام والإغلاق والعقاب الجماعي لأهلها وأصحابها الأصليين، يمكن القول إن البلدة ستكون بؤرة لاهبة خلال الفترة الأخيرة، مع دخول الأذرع العسكرية واجهة الأحداث فيها بشكلٍ رسمي في أعقاب العملية الأخيرة.
في المقابل، يبحث الاحتلال عبر أدواته الخشنة المتمثلة في الاعتقالات والإغلاقات والحصار وغيرها من الأساليب الاستعمارية، عن إطفاء لهيب حوارة ومنع تطور المقاومة فيها، إلى جانب استعمال الأدوات الناعمة والتسهيلات كخيار آخر.