نجح تحالف إدارة الدولة في تمرير التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس المحافظات ومجلس النواب رقم 12 لعام 2018، فجر الاثنين، بعد سلسلة من الاعتراضات التي قدّمها النواب المستقلون والقوى المدنية، إلى جانب احتجاجات واسعة في محيط مجلس النواب، قادتها منظمات شبابية تابعة لتشرين، والتي رأت في القانون القديم/ الجديد تجاوزًا لدماء متظاهري احتجاجات تشرين 2019.
إذ يمثل توافق قوى الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السنّي، باعتبارها الأطراف الرئيسية لتحالف إدارة الدولة، صفقة سياسية جديدة لرسم المشهد الانتخابي المقبل، وكذلك محاولة لعدم السماح بتكرار سيناريو نتائج الانتخابات المبكرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
تشير عملية العودة مرة أخرى للعمل بنظام “سانت ليغو”، رغم الاعتراضات التي أثيرت حوله، إلى مدى التوافق السياسي بين مكونات تحالف إدارة الدولة، والتي تدرك أهمية تشكيل المشهد الانتخابي المقبل، قبل المضيّ بالإجراءات الفعلية لإقامة الانتخابات، خصوصًا أن التعديل الجديد قد حدّد يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 موعدًا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات.
فبعد نجاح هذه المكونات بالاستحواذ على مجلس النواب والحصص الوزارية، يبدو أن اهتمامها منصبّ الآن على السيطرة على مجالس المحافظات، إذ لن يتحقق هذا الأمر في حال إجراء الانتخابات وفق قانون 9 لعام 2020، والذي بموجبه أُجريت انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
عملية تمرير القانون الجديد جرت وفق صورة بوليسية أقدمَ عليها رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
يكمن الفارق الجوهري بين القانون الجديد رقم 12 لعام 2018 المعدّل والقانون الملغى رقم 9 لعام 2020، أنه بموجب القانون الجديد سيتم إجراء الانتخابات وفق الدائرة الواحدة، بعد أن كان القانون الملغى يجريها وفق نظام الدوائر المتعددة.
كما أن آلية احتساب الأصوات ستجري بالقانون الجديد وفق التمثيل النسبي، عبر تقسيم الأصوات على أعداد فردية تبدأ بالقاسم الانتخابي (1.7)، في حين أن بموجب القانون الملغى كان يكفي للمرشح أن يحصل على أعلى الأصوات كي يصبح عضوًا في مجلس النواب.
ممّا لا شك فيه أن القانون الجديد سيسمح للتحالفات الانتخابية الكبيرة، والكتل السياسية التي تحتكر السلاح والمال السياسي، أن تستحوذ على أغلب مقاعد مجالس المحافظات ومجلس النواب، في مقابل ذلك أنهى القانون الجديد آمال المرشحين المستقلين والتيارات المدنية في العمل ضمن بيئة انتخابية مناسبة، كونها ستفتقد المزايا التي وفّرها القانون الملغى، وأهمها حصر منافستها الانتخابية ضمن دوائر انتخابية صغيرة، إلى جانب سهولة التحكم بالموارد الانتخابية.
أظهرَ الضعف الذي ظهرت عليه القوة الاعتراضية للقوى المستقلة في مجلس النواب، والذين يتراوح عددهم بـ 80 نائبًا مستقلًا، أنهم لا يمتلكون وسائل تأثير مهمة لعرقلة تشريع القانون، بل إن عملية تمرير القانون الجديد جرت وفق صورة بوليسية أقدم عليها رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، عندما أمرَ قوة عسكرية مكلفة بحماية مبنى مجلس النواب بدخول قاعة المجلس وحجز النواب المعترضين على القانون، في مشهد يمكن توصيفه بأنه أقرب إلى انقلاب سياسي من تشريع قانون للانتخابات.
أين يقف الصدر؟
يمكن تفسير صمت زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على تمرير القانون الجديد، بأنه يأتي في سياق قراءة المشهد السياسي، وأن الصدر قد يشترك بالانتخابات المقبلة، حيث إن أية صيغة للانتخابات ستكون في صالح التيار، فالتيار الصدري له جمهور ثابت ونضج في إدارة العملية الانتخابية، كما أن قواعده الشعبية لا يمكن تفكيكها، وغير مواتية للمنافسة الانتخابية من قبل القوى الأخرى.
ورغم هذه المميزات، إلّا أن هناك تحديًا كبيرًا ينتظر التيار الصدري، يتمثل في أن الأغلبية التي حقّقها في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021 لا يمكن إعادة إنتاجها وفق القانون الجديد بسبب آلية احتساب الأصوات، ما يرجّح تكرار سيناريو انتخابات 2018.
أضِف إلى ذلك أن صمت التيار الصدري على تمرير القانون الجديد يمكن تفسيره أيضًا بأنه إجراء عقابي ضد القوى المدنية والتشرينية، التي رفضت دعمه خلال الأحداث التي شهدتها المنطقة الخضراء في أغسطس/ آب 2022، عندما احتدم الصراع بين مناصري التيار والإطار.
ورغم دعوات التيار للقوى المدنية والتشرينية للحاق به، إلّا أنها قابلت هذه الدعوات بشكوك كبيرة، ما دفع الصدر في النهاية إلى الانسحاب من العملية السياسية، وترك الساحة السياسية للإطار التنسيقي، الذي نجح حتى اللحظة في تشكيلها على مقاسه السياسي.
في حال بقاء الصدر صامتًا، فإن القوى التقليدية سوف تستعيد ما خسرته من أحجام انتخابية في أي انتخابات قادمة، أما إذا تدخل الصدر فسوف يكون العراق أمام معادلة جديدة يصعب التكهُّن بنتائجها.
تواجه قوى الإطار التنسيقي تعقيدات كثيرة، لا تتعلق فقط بتداعيات وتحركات الصدر في المرحلة المقبلة، إنما بكيفية تثبيت الوضع الحالي، وإبعاده عن أي مفاجآت قد يقدم عليها الصدر، ورغم أن الصدر قد نجح بالفعل في تغيير قواعد اللعبة السياسية، إلا أنه ما زال لا يمتلك اليد العليا في العراق حتى الآن.
فقوى الإطار نجحت خلال الفترة الماضية في تأسيس شبكة علاقات إقليمية، تمكّنت حتى الآن من خلالها تأمين وضع حكومة محمد شياع السوداني، فضلًا عن تفاهمات غير مباشرة مع الولايات المتحدة في العراق، إذ أسهمت هذه التفاهمات حتى الآن في خلق أجواء هادئة بين إيران والولايات المتحدة، وهي متغيرات ستلعب دورًا مهمًّا في تحجيم تحركات الصدر.
استثمرت القوى التقليدية بشكل أمثل صمت زعيم التيار الصدري حول مواقف واضحة ومحدَّدة منذ انسحابه من البرلمان والمشهد السياسي، ما جعل القوى التقليدية تمرر قانون “سانت ليغو” رغم اعتراضات المستقلين والقوى المدنية الذين حاولوا استنهاض الصدر وتياره العريض، للنزول معهم إلى الشارع لإجهاض تمرير القانون، لكن هذا لم يحصل حتى الآن.
ومع أن كل شيء لا يزال مفتوحًا على كل الاحتمالات، ففي حال بقاء الصدر صامتًا فإن القوى التقليدية سوف تستعيد ما خسرته من أحجام انتخابية في أي انتخابات قادمة، على صعيد مجالس المحافظات أواخر العام الحالي والبرلمانية لاحقًا، أما إذا تدخل الصدر فسوف يكون العراق أمام معادلة جديدة يصعب التكهُّن بنتائجها.