ترجمة وتحرير نون بوست
“الاختفاء خلف القضبان هو ما ينتظر أي شخص يطالب بحقوقه هنا، قطيف تحوي أكبر حقل نفط في العالم، ولكن ماذا حصلنا في النهاية؟ لا شيء سوى البيوت المتواضعة والفقر والجوع والتهميش”.
هكذا تكلم أحد الناشطين في شرق السعودية، حيث تجري موجة معارضة هي الأكبر في تاريخ البلاد منذ ثلاث سنوات، دون أن ينتبه لها أحد.
بيد أن الصحفية السعودية “صفاء الأحمد” قد أخذت على عاتقها مؤخرًا نقل الصورة من القطيف، والتي شهدت على الأقل مقتل 20 مدنيًا وضابطي شرطة منذ عام 2011، إذ صارعت لأكثر من عامين لتوثيق الأحداث الجارية في القطيف لصالح قناة بي بي سي العربية، لتُنتِج فيلمًا باسم “انتفاضة السعودية الخفية”، ومع ذلك، يبدو أن الإعلام الدولي قد تجاهل جهودها.
تقول صفاء، التي وُلِدَت ونشأت في السعودية، وتعمل الآن من إسطنبول، إن السعودية تحديدًا لا يجري نقل الأحداث فيها بشكل جيد، ولا حتى في الإعلام الغربي، “إنه أمر غير مقبول أن تكون تلك الصورة في أذهان الجميع عن السعودية، وكأنها بلد لا يمكن للاحتجاجات أن تنشأ به”.
تجاهل الإعلام الأجنبي
يقف فيلم صفاء بوضوح في وجه تلك التصورات بعد أن كان الفيلم الافتتاحي بمهرجان آن كورب في لندن في أكتوبر الماضي، ليعرض لمشاهديه من شتى بقاع الأرض الصراع الدموي والواسع الذي يجري في المنطقة الشرقية بالسعودية، والتي تُعَد غالبية سكانها من الشيعة (وهم 15٪ من السكان) الذين يعانون من طائفية النظام السني ضدهم، على حد قولهم.
يعاني الشيعة في السعودية من تهميش شديد، وهو ليس بأمر جديد، بيد أنهم تأثروا بما جرى أثناء الربيع العربي في 2011، ونزلوا إلى الشوارع بأعداد غير مسبوقة مطالبين بالإصلاح، كما يُظهِر لنا فيلم صفاء، والذي يجمع مقابلات مع شخصيات عدة، مع تصوير لفعاليات كثيرة تمت على مدى ثلاث سنوات، حاولت السلطات في السعودية تصوير الأمر باعتباره أزمة بسيطة ومحدودة، ولكن المشاهد المصوّرة، والتي تُظهِر بوضوح عنف الشرطة وقتلها للمتظاهرين، مع أعدادهم التي بلغت الآلاف وهتافاتهم لأول مرة بإسقاط النظام، تقول غير ذلك.
رُغم التوثيق العميق وغير المسبوق الذي قامت به صفاء، إلا أنها عانت كثيرًا لتتمكن من بث فيلمها، إذ رفضه الجميع في البداية، ولم تحصل على رد من أي جهة قامت بالتواصل معها، “بدأت أفكر فيما يحدث غير مصدقة، فالناس قد نزلوا إلى الشارع يهتفون بسقوط آل سعود، ولا أحد يريد أن يسمع أو ينقل كلمة في الإعلام الأجنبي! كان أمرًا غريبًا أن يتم تجاهل تلك الأحداث رغم التغطية المستمرة لما يجري في الجوار السوري والعراقي، إنها إهانة لمتابعي تلك المنابر الإعلامية وكذلك لأهل المنطقة ذاتها”.
مع ذلك، لم تستسلم صفاء، التي تقول بأن اهتمام الإعلام في الخارج ينصب دومًا على مسألة النساء في السعودية دون غيرها، خاصة مسألة قيادة السيارات، وهي رؤية ضيقة للغاية لحقوق الإنسان في البلاد رفضت أن تسير وفق خطوطها لتتمكن من إيصال صوتها، “أردت الاهتمام بأمور أساسية بشكل أكبر، مثل طبيعة العلاقة بين الحكومة والمواطنين، وحقوقهم في المطالبة بالتغيير، لا مجرد الحديث النمطي عن المشاكل المعروفة والمتداولة عن المرأة السعودية في الإعلام”.
بين الدولة والشعب
لم تكن رحلة صفاء الأحمد لتوثيق ما يجري على الأرض رحلة سهلة، إذ رفضت السلطات السعودية لأكثر من سنة طلبات البي بي سي للتعاون بشأن الفيلم الذي تريد تصويره؛ وهو ما دفع صفاء في النهاية إلى العمل بشكل سري، لاسيما وهي مواطنة سعودية تستطيع دخول البلاد بسهولة، فتواصلت مع العديد من قادة التظاهرات من المنطقة الشرقية المطلوبين للاعتقال، ليظهر بعضهم بشكل علني في الفيلم على عكس المتوقع، بينما طلب آخرون عدم الإفصاح عن هوياتهم.
أحد هؤلاء هو “مرسي الرابح”، ناشط شاب أعلنت الحكومة عن اسمه ضمن قائمة من 23 اسمًا للاعتقال في السعودية، وقد التقته صفاء بعد ساعات من مداهمة الشرطة لمنزله في 2012، بعد أن نجا منهم بصعوبة، وقد قال بأن هدفهم من العملية كان قتله بشكل واضح، إذ تمت إصابته، في يونيو 2013، تم قتل الرابح بالفعل بطلقات عدة أثناء محاولة أخرى لاعتقاله من قبل قوات الأمن.
التقت صفاء أيضًا عائلة رجل الدين الشيعي الشيخ “نمر باقر النمر”، والذي تم الحكم عليه بالإعدام مؤخرًا بتهمة التحريض، كانت السلطات في السعودية قد حاولت استمالة رجال الدين الشيعي ليساعدوها في احتواء التظاهرات التي اندلعت عام 2011، ولكن النمر ظل من الناقدين للنظام بشكل واضح، حيث ظهر بعد مقتل مسؤول حكومي سعودي في إحدى خطبه داعيًا أن يلحق به آل سعود وآل خليفة والأسد.
توثق صفاء كذلك لتزايد العنف من قِبَل المتظاهرين، بدءًا من استخدام زجاجات المولوتوف وحتى المسدسات، في مواجهة اشتداد عنف قوات الأمن السعودية، وتقول، “كانت هناك في البداية لحظة أمل بأن تنجح تلك التظاهرات السلمية في تحقيق الإصلاح المطلوب، ولكن رد الفعل الحكومي لم يترك للناس سوى اللجوء إلى هذه الأساليب، إذ إن التحول للعنف أسهل كثيرًا من الالتزام بالسلمية”.
أعداء النظام
يساعد عنف المتظاهرين في تعزيز ما تقوله السلطات السعودية بأن المعارضة ليست سوى جزء من حركة متطرفة طائفية مدعومة من إيران، ولكن الأهم من ذلك، أنه يؤدي إلى انقسامات في صفوف أهل القطيف، والذين يعاني بعضهم من عنف السلطات، في حين يجد غيرهم أن تلك الاحتجاجات لن تحقق أي تقدم ملموس فيما يخص الإصلاح الذي يطالبون به.
تقول صفاء إن نزول الناس إلى الشارع كان شجاعة غير مسبوقة، لاسيما وقد نزلوا دون محاولة إخفاء هوياتهم أو تغطية وجوههم، ولكن الكثير من الأهالي الآن يمنعون أبناءهم من النزول نظرًا لانزلاق الوضع إلى العنف الشديد مع الوقت، وهو أمر يُحزن الكثيرين ممن أملوا في البداية أن يحقق الحراك مرادهم.
رفضت السلطات السعودية التعاون مع صفاء كإعلامية، ورفضت التعليق على التظاهرات والسماح بالوصول إلى مصادر داخل المؤسسة الأمنية، بل وتواصل مع البي بي سي بعد عرض الفيلم في مهرجانات عدة لتعبر عن استيائها من الطريقة التي تم عرض الأحداث بها.
بدوره، قام الإعلام الرسمي السعودي بمهاجمة الفيلم باعتباره دعاية طائفية، وقال بأن من ظهروا فيه يدعمون الإرهاب القادم من الخارج، في حين اتهم بعض أنصار النظام صفاء الأحمد بالتلاعب الإعلامي والتحيّز، وقالوا إنها تعاطفت مع العنف الموجة ضد الشرطة والأمن، وصورت من قاموا به كأبطال، لم تكن تلك مجرد أصوات إعلامية رسمية، إذ وصلت لصفاء نفسها الحملة المضادة من أنصار النظام على الإنترنت بالهجوم على شخصها.
في نهاية المطاف، دفعت صفاء ثمن عملها كصحفية: أمرتها السلطات بألا تعود للسعودية مجددًا.
على العكس مما تحاول السلطات السعودية أن تروج له، وجدت صفاء الكثير من المؤيدين والمتعاطفين معها في الداخل والخارج، ورُغم أنها تعتبر الفيلم علامة فارقة في مسارها المهنى كإعلامية وصحفية، إلا أنها تصر أن الفيلم كان ليخرج بشكل أوثق وأقوى لو وافقت السلطات على التعاون معها بدلًا من استهجانها.
“هذا الفيلم هو ذروة حياتي كصحفية، لقد أردت أن أفهم وطني بشكل أفضل دون أن أصبح ذاتيًا جزءًا من القصة، وأن أفهم الناس عن طريق ربط الأحداث بما يدور خارجهم في المنطقة ككل، لقد كان قرارًا شخصيًا ضخمًا أن أجازف بنفسي، ولم أكن متأكدة من أن الأمر يستحق هذا العناء، ولكنني تأكدت الآن”.
بدورهم، لم يرد مسؤولو الحكومة السعودية علينا للتعليق على الفيلم، ولا على عرضه في بريطانيا.
Safa Al Ahmad's Our World film 'Saudi's Secret Uprising' wins AIBs International Investigate TV Current Affairs prize pic.twitter.com/YAtDg8fttu
— Sally Freestone (@sallyfreestone) November 5, 2014
Here's more on Sony Impact Award Finalist Safa Al Ahmad and her film, "Saudi's Secret Uprising"https://t.co/PrPrVoxFcF #RoryPeckAwards
— Rory Peck Trust (@rorypecktrust) November 19, 2014
Congrats @BBCArabic @bbcpersian Saudi's secret uprising best investigative doc. Proud being judge @bbcnews @AIBnews pic.twitter.com/k25zMV7Bp8
— Sven Herold (@svenherold) November 5, 2014
المصدر: ميدل إيست آي