تتجه تركيا في 14 مايو/ أيار المقبل إلى انتخابات حاسمة، في ظل انكماش اقتصادي كبير قد يؤثّر بشكل أو بآخر على خيارات الناخبين، إضافة إلى التداعيات التي خلّفها الزلزال المدمر الذي ضرب عددًا من المحافظات التركية في فبراير/ شباط الماضي، ففي ضوء النتائج التي ستتمخّض عن هذه الانتخابات، سيتقرر مصير النظام الرئاسي في تركيا؛ سيستمر أم لا.
تحاول هذه المقالة استعراض الإجراءات الخاصة بالعملية الانتخابية التي باتت واضحة حتى الآن، إضافة إلى التطرق إلى بعض المسارات التي لا تزال مبهَمة أو غير مؤكدة حول هذه العملية، وفي الوقت نفسه ستحاول المقالة توضيح استراتيجيات الأحزاب الانتخابية للفوز بالمقاعد البرلمانية، وتفادي مساوئ النظام الانتخابي.
دخلت تركيا العملية الانتخابية بشكل رسمي اعتبارًا من 18 مارس/ آذار، بموجب قرار الرئيس رجب طيب أردوغان الذي نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 10 مارس/ آذار، والمتضمن الدعوة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو/ أيار المقبل.
لذلك، سيتوجّه الشعب التركي في هذا التاريخ إلى صناديق الاقتراع ما بين الساعة الثامنة صباحًا إلى الخامسة مساءً، للتصويت على مرشحي الرئاسة ومرشحي البرلمان من الأحزاب أو المرشحين المستقلين.
المسار الرئاسي
بموجب النظام الانتخابي الحالي في تركيا، يمكن الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية بطريقتَين: الأولى أن تقوم الأحزاب الممثلة بالبرلمان بتسمية مرشحها لهذا المنصب، أما الطريقة الثانية فيمكن لأي شخص تتوافر فيه الشروط العامة للترشيح التقدم بطلب إلى المجلس الأعلى للانتخابات، ويشترط على هذا الشخص في هذه الحالة لكي يصبح مرشحًا رئاسيًّا أن يقوم بجمع 100 ألف توقيع من الناخبين.
ومع انتهاء المدة المحددة للترشُّح للانتخابات الرئاسية، أصبح من الواضح أن 4 مرشحين سيتنافسون على الانتخابات الرئاسية، ما لم ينسحب مرشح أو أكثر لاحقًا، وهؤلاء هم رجب طيب أردوغان، مرشح تحالف الشعب؛ كمال كيليجدار أوغلو، مرشح تحالف الأمة؛ سنان أوغان، مرشح تحالف آتا أو “الأجداد”؛ ومحرم إينجه الذي حصل على 114 ألف توقيع من الناخبين.
ومن الواضح أن التنافس على منصب الرئاسة سيتمّ بشكل أساسي بين مرشحَي تحالف الشعب وتحالف الأمة، ووفقًا للقانون فإنه في حال عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة المطلوبة للفوز في الجولة الأولى (50%+1)، سيتم تنظيم الجولة الثانية بتاريخ 28 مايو/ أيار 2023 بين المرشحَين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى، وينتخَب المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات الصحيحة في الجولة الثانية رئيسًا للجمهورية.
التحالفات والمسار البرلماني
أما بالنسبة إلى التحالفات الخاصة بالانتخابات البرلمانية، فقد قدّمت الأحزاب السياسية بروتوكولات واتفاقيات تحالفاتها إلى المجلس الأعلى للانتخابات اعتبارًا من 24 مارس/ آذار، مع ذلك يخوّل القانون الأطراف في هذه التحالفات الحق في الانسحاب حتى 6 أبريل/ نيسان، وهذا يعني أن الشكل النهائي للتحالفات سيظهر في 7 أبريل/ نيسان.
ومن خلال القراءة التحليلية للتحالفات التي تمَّ تشكيلها حتى الآن والأحزاب المنضوية تحتها، يمكن القول إن هذه التحالفات اتخذت شكلها النهائي ولن تطرأ تغييرات جوهرية عليها، وهذه التحالفات هي:
– “تحالف الشعب” الحاكم حاليًّا، ويتألف من حزب العدالة والتنمية (AK Parti)، وحزب الحركة القومية (MHP)، وحزب الاتحاد الكبير (BBP)، وحزب الرفاه من جديد (YRP).
أما بالنسبة إلى حزب الدعوة الحرة (HÜDA PAR) ذي الخلفية الكردية الإسلامية، فسيدعم المرشح الرئاسي لتحالف الشعب، وفي الانتخابات البرلمانية يُحتمَل أن يدخل مرشحوه ضمن القائمة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، بهدف الوصول إلى البرلمان وتجاوز العتبة الانتخابية.
– أما “تحالف الأمة” المعروف باسم “الطاولة السداسية” ويشكل أكبر مجموعة معارضة، يتألف من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، والحزب الجيد، وحزب السعادة (SP)، وحزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم (DEVA)، والحزب الديمقراطي (DP).
– “تحالف العمل والحرية” الذي يضم حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، وهو حاليًّا ثالث أكبر حزب في الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، إضافة إلى أحزاب صغيرة جدًّا، إذ أعلن تحالف العمل والحرية، وبالتالي حزب الشعوب الديمقراطي، أنهما لن يرشحا مرشحًا رئاسيًّا، وأعلنا أنهما سيدعمان مرشح تحالف الأمة كمال كيليجدار أوغلو.
– “تحالف أتا” أو “تحالف الأجداد” الذي يتألف من أحزاب صغيرة من غير المرجّح أن يكون لها تأثير واضح في خريطة النتائج الانتخابية.
ما فائدة التحالفات الانتخابية؟
يتضمن التعديل الذي أُدخل على قانون الانتخابات في 31 مارس/ آذار 2022 لوائح مهمة تتعلق بالانتخابات والتحالفات، فقد خفّض قانون الانتخابات الجديد عتبة دخول الأحزاب إلى البرلمان التركي من 10% إلى 7%، وبناءً عليه تعتبَر الأحزاب قد تجاوزت العتبة إذا تجاوز معدل التصويت الإجمالي للأحزاب في التحالف 7%.
يسمح هذا التعديل للأحزاب الصغيرة، التي لم تتمكن من تجاوز العتبة الانتخابية بمفردها، بتجاوز العتبة من خلال التحالف الذي انضمت إليه، بهذا المعنى يمكن القول إن هذه هي أكبر ميزة توفرها التحالفات الانتخابية للأحزاب الصغيرة بشكل خاص.
وبخلاف ذلك، لا يقدم قانون الانتخابات الجديد أي فائدة لأحزاب التحالف في الانتخابات البرلمانية، ولتوضيح ذلك لا بدَّ أن نشير إلى أن قانون الانتخابات ما قبل التعديل الأخير كان ينظر إلى مجموع الأصوات ككُلّ التي حصل عليها التحالف في إحدى المحافظات، وهذا له تأثير على المكاسب البرلمانية للحزب في تلك المحافظة.
لكن بموجب القانون الجديد، ستؤخذ الأصوات التي حصل عليها الحزب بدلًا من مجموع أصوات التحالف في الاعتبار، عند احتساب المقاعد البرلمانية المخصّصة لتلك المحافظة.
وهذا يعني أن الأحزاب التي لا تستطيع الحصول على عدد كافٍ من الأصوات لانتخاب نواب في محافظة ما، لن تتمكن من الحصول على أي مقعد في البرلمان عن هذه المحافظة، وهذا يعني أن بعض الأحزاب الصغيرة قد تتمكّن من الدخول إلى البرلمان من الناحية النظرية، بعد تجاوزها العتبة الانتخابية بفضل انخراطها في تحالف ما، لكن من الناحية العملية قد لا يكون لديها أي مقعد في البرلمان.
وبالنظر إلى مشاركة 36 حزبًا في الانتخابات، يمكن القول إن هذه الممارسة تصبّ بطبيعة الحال في صالح الأحزاب الكبيرة، وفي الواقع من الواضح أن هذا النظام يدعم التحالفات التي تذهب إلى الانتخابات بقائمة واحدة من أجل الفوز بمقاعد نيابية.
الغموض حول القوائم البرلمانية
من الواضح أن المسار الذي يجب أن تسلكه التحالفات فيما يتعلق بقوائم المرشحين البرلمانية، كما يقتضي القانون الجديد، هو محدد مهم للغاية في اكتساب المقاعد البرلمانية، حيث يمكن للأحزاب المدرجة في التحالف أن تدخل الانتخابات بأسمائها وشعاراتها إذا رغبت في ذلك، كما في حالة الأحزاب التي دخلت الانتخابات بمفردها، أو يمكنها التوصل إلى اتفاق مع أحزاب التحالف والذهاب إلى الانتخابات كقائمة واحدة.
وسيتضح هذا الوضع بشكل نهائي بعد أن تقوم الأحزاب والتحالفات السياسية بإبلاغ المجلس الأعلى للانتخابات بالطريقة التي ستشارك بها في الانتخابات في موعد أقصاه 9 أبريل/ نيسان، وتجدر الإشارة إلى أنه في حال قرر حزب ما ضمن أحد التحالفات خوض الانتخابات ضمن تحالفه مع الاحتفاظ باسمه وشعاراته، فعليه أن يدخل الانتخابات بهذا الشكل في 41 محافظة على الأقل.
استراتيجيات الأحزاب للفوز بالمقاعد البرلمانية
قد يدرج حزب العدالة والتنمية الأحزاب الصغيرة في تحالف الشعب في قوائمه الخاصة، من أجل التخفيف من مخاطر النظام الانتخابي وعدم خسارة الأصوات، لكن يبقى هذا احتمالًا حيث لا تزال المشاورات جارية بين قادة التحالف للاتفاق على الشكل الذي سيخوضون فيه الانتخابات.
على الجانب الآخر، لا تزال النقاشات والمشاورات حول قوائم المرشحين النيابية لتحالف الأمة، حيث أعلن الحزب الجيد وحزب الديمقراطية والتقدم (DEVA) في وقت سابق أنهما سيخوضان الانتخابات بأسمائهما وشعاراتهما.
ومع ذلك، في نظام الانتخابات الحالي يبدو أن القلق من أن الأصوات التي قد تضيع في محافظة ما، بعد الفشل في الوصول إلى مستوى كافٍ من الأصوات للحصول على مقعد في البرلمان، ما سيفيد الحزب الحاكم؛ دفع تحالف الأمة إلى البحث عن طرق مختلفة.
في هذا السياق، تتجه الأحزاب المحافظة الصغيرة في تحالف الأمة، وهي حزب السعادة وحزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم، إلى كسب المزيد من النواب من خلال الذهاب إلى الانتخابات بقائمة مشتركة وتجنُّب خسارة الأصوات.
إلى جانب ذلك، يتم طرح آراء مفادها أن حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد يجب أن يدخلا الانتخابات بقائمة مشتركة في المدن الكبرى، للحصول على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، لكن لا تزال هناك عقبات أمام دخول الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري بقائمة واحدة، ويعود السبب في ذلك إلى أن بعض قادة الحزب الجيد لم يتمكّنوا بعد من تقبُّل ترشيح كمال كيليجدار أوغلو كمرشح مشترَك للطاولة السداسية، والحوار الجاري بين تحالف الأمة وحزب الشعوب الديمقراطي، ما سيجعل من الصعب الوصول إلى رأي موحّد بين الحزبَين للدخول بقائمة مشتركة.
هذا الخلاف بدأ بالفعل بالظهور إلى العلن، حيث استقال النائب الحالي في البرلمان التركي عن محافظة إسطنبول، يافوز أغيرالي أوغلو، الذي شغل سابقًا منصب نائب رئيسة الحزب الجيد، وذلك احتجاجًا على الحوار الذي أجراه حزب الشعب الجمهوري مع حزب الشعوب الديمقراطي، ويعكس هذا حجم الخلافات بين الحزبَين الرئيسيَّين داخل الطاولة السداسية.
في الختام، رغم أن الرأي العام يركّز على انتخابات الرئاسة، إلا أن الحصول على الأغلبية البرلمانية أمر حيوي أيضًا للتحالفات، ويبدو أنه من الممكن لتحالف الشعب تأمين الأغلبية البرلمانية في حال حصوله على 41% على الأقل من إجمالي أصوات الناخبين، من خلال القائمة المشتركة واستراتيجيات الانتخاب التي سيتبعها.
في هذه الحالة، هناك صعوبات حول ما إذا كان تحالف الأمة سيدخل بقوائم مشتركة بطريقة مماثلة، وبناءً عليه فإن مصير النظام الرئاسي الحالي فيما إذا كان سيستمر أم لا، سيتحدد بمعرفة التحالف الذي يفوز بالأغلبية البرلمانية.