بدلًا من طحنون.. ماذا يعني تعيين نجل ابن زايد وليًا لعهد أبو ظبي؟

خالد بن زايد

أصدر رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأربعاء 29/3/2023، عدة مَراسِمُ من شأنها إعادة تشكيل منظومة الحكم في البلاد، ورسم ملامح ما هو قادم، أبرزها المرسوم القاضي بتعيين نجله الأكبر خالد وليًا لعهد إمارة أبو ظبي (بصفته حاكمًا للإمارة) مع إعادة تشكيل مجلسها التنفيذي برئاسة ولي العهد الجديد، وآخر بتعيين شقيقيه الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني، والشيخ هزاع بن زايد، نائبين لحاكم أبو ظبي.

وبالتزامن مع المرسومين السابقين أصدر مرسومًا ثالثًا بتعيين شقيقه الشيخ منصور بن زايد نائبًا لرئيس الدولة، إلى جانب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيس الوزراء حاكم دبي، وذلك بموافقة المجلس الأعلى للاتحاد (أعلى سلطة في الدولة ومكون من حكام الإمارات السبع وله صلاحية انتخاب رئيس الاتحاد ونائبه، من بين أعضاء المجلس. ويمارس نائب رئيس الاتحاد جميع اختصاصات الرئيس عند غيابه لأي سبب من الأسباب، بحسب المادة (51) من الدستور الإماراتي).

النقطة الأكثر إثارة في تلك التعيينات اختيار خالد بن زايد كولي لعهد أبو ظبي، واستبعاد شقيق رئيس الدولة طحنون بن زايد الذي كان المرشح الأقوى، وبحكم هذا المنصب الجديد بات من الأرجح أن خالد من سيخلف والده في رئاسة البلاد، لينقل محمد بن زايد خط الخلافة في إمارة الدولة من أشقائه إلى أبنائه، وهو ما يعد تغريدًا خارج سرب القواعد الضمنية المعمول بها بشأن تداول السلطة في الإماراة بين أبناء زايد بن سلطان آل نهيان.

من هو ولي العهد الجديد؟

تخرج خالد بن محمد المولود في 8 يناير/كانون الثاني 1982، في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية بالمملكة المتحدة، وهو أكبر أبناء رئيس الإمارات، استهل حياته العملية في جهاز أمن الدولة الإماراتي، حيث كان له دور كبير في السياسات الأمنية للدولة، في الداخل والخارج.

بحكم موقعه النسبي، كنجل ولي العهد ثم رئيس الدولة، صعد خالد بسرعة الصاروخ في مسار الترقي والنفوذ، فأصبح رئيس جهاز أمن الدولة (أخطر مؤسسة أمنية في البلاد) بدرجة وزير في 15 فبراير/شباط من عام 2016، أي كان عمره حينها لم يتجاوز 34 عامًا، وفي العام ذاته عُين في منصب نائب مستشار المجلس الأعلى للأمن الوطني بدرجة وزير أيضًا.

وبعد أقل من عامين بدأ ابن زايد في تهيئة نجله للعمل السياسي، مع الإبقاء على خلفيته الأمنية، وذلك حين أصدر مرسومًا بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني 2019 بتعيينه عضوًا بالمجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، ليعقبه مرسوم آخر في 7 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، أي بعد 9 أشهر فقط، بتعيينه رئيسًا لمكتب أبو ظبي التنفيذي، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته السياسية حين أصبح مسؤولًا عن كل ما يخص مجلس الإمارة التنفيذي، وفي الوقت ذاته شغل عضوية مجلس إدارة جهاز أبو ظبي للاستثمار وشركة بترول الإمارات (أدنوك).

خالد بن زايد بات المرشح لخلافة والده على الحكم، وهو الاختيار الذي يراه البعض مغايرًا لآليات نقل السلطة في الدولة، التي جرت العادة فيها أن تكون بين أبناء الرئيس المؤسس وليس بين أبناء الابن محمد

وكان خالد مع عمه طحنون على رأس المرشحين لمنصب ولي عهد أبو ظبي، وإن كان العم هو الأقرب بحكم نفوذه وشبكة علاقاته الممتدة، لكن الأشهر القليلة الماضية لوحظ بعض النشاطات المستحدثة في مسار نجل بن زايد، الذي بدأ في الظهور البارز في العديد من اللقاءات السياسية الخارجية المهمة، تزامن ذلك مع غياب نسبي لأبناء زايد عن مثل تلك اللقاءات، وهو ما فتح التهكنات بأن هناك محاولة لتلميعه سياسيًا من أجل تهيئته للمنصب الجديد.

ففي مايو/أيار 2022، اختار ابن زايد نجله الأكبر لتمثيل الدولة في العديد من المناسبات، كما اختاره للتوقيع بجانب رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في 26 سبتمبر/أيلول 20222، على هامش زيارته للعاصمة اليابانية، طوكيو.

وبعد يومين مثّل الإمارات في حفل الاستقبال الرسمي الذي أقامته جمعية الصداقة اليابانية الإماراتية، تزامنًا مع الاحتفال بمرور 50 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وترأس كذلك وفد بلاده في حضور مراسم تشييع جنازة رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو آبي، في طوكيو، وهي الجنازة التي حضرها عدد من قادة وزعماء دول العالم.

ومؤخرًا أشرف على جهود الإغاثة التي قدمتها الإمارات لمتضرري الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير/شباط الماضي وأسفر عن سقوط عشرات آلاف الضحايا، حيث تولى قيادة الفريق الإغاثي والجسر الجوي لنقل فرق البحث والمساعدات الطبيعة والمادية المقدمة.

لعبة الكراسي الموسيقية

في 24 مايو/أيار 2022 توقع موقع “إنتلجنس أونلاين” من خلال تقرير له أن ملف خلافة محمد بن زايد على ولاية عهد أبو ظبي ستشهد لعبة كراسي موسيقية، كاشفًا أن المنافسة تدور بين 3 أسماء دون غيرها، هم على الترتيب من حيث فرص كل منهم: طحنون بن زايد، شقيق “محمد”، وأحد الرجال الأقوياء بالإمارات، وخالد بن محمد بن زايد، نجل الرئيس الحاليّ وصاحب الصعود الصاروخي في مسارات الترقي والنفوذ، وخلدون المبارك، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي وأحد أقرب المقربين لرئيس الدولة، فيما استبعد التقرير الذي ترجمه “الخليج الجديد” الشقيق الثالث لرئيس الدولة، منصور بن زايد، من السباق، معتبرًا أنه خسر المعركة مبكراً بسبب سلوكياته التي أساءت للأسرة الحاكمة.

الموقع الاستخباراتي وضع طحنون بن زايد على قائمة الأقرب للمنصب، فالرجل بما لديه من نفوذ وما يمتلكه من أوراق وملفات مهمة تمس الأمن القومي للدولة ربما كان الأقرب لتولي ولاية العهد تمهيدًا لأن يكون الرئيس القادم، وكان هذا معتقد كثير من المقربين من دوائر صنع القرار والمراكز البحثية.

وكان طحنون أحد الأبناء المقربين من والده المؤسس، الذي عينه رئيسًا للدائرة الخاصة لرئيس الدولة خلال الفترة من 1996 وحتى وفاته 2004، ثم انتقل لتولي رئاسة هيئة الطيران الأميري بأبو ظبي ثم رئيسًا لهيئة طيران الرئاسة، وفي مارس/آذار 2013 صدر مرسوم اتحادي بتعيينه نائبًا لمستشار الأمن الوطني بدرجة وزير، ثم مستشارًا للأمن الوطني في 14فبراير/شباط 2016، وصولًا إلى القرار الأخير بتعيينه نائبًا لحاكم أبو ظبي.

ويعد شقيق الرئيس الإماراتي أحد صقور الدولة المقربين من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قضى سنوات دراسته هناك في سان دييغو، جنوب ولاية كاليفورينا، ووثق علاقاته مع الكثير من المسؤولين هناك، وكان أحد حلقات الوصل بين بلاده وواشنطن في كثير من الملفات، هذا بجانب نفوذه المتعمق داخل الملف الأمني، الداخلي والخارجي، مع الوضع في الاعتبار علاقته القوية بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي هاتفه في مايو/أيار الماضي، وفي الوقت ذاته خطوط الاتصال المفتوحة بقوة مع طهران.

اختيار شقيقيه، طحنون الذي كان مرشحًا بقوة لولاية العهد وصاحب النفوذ المتنامي مؤخرًا، وهزاع صاحب الثقل السياسي والأمني الكبير، لمنصب نائبي حاكم أبو ظبي، رسالة واضحة يود ابن زايد توصيلها للداخل والخارج بأن تعيين نجله جاء بالتوافق بين الجميع ودون خلافات محتملة بشأن ملف الخلافة

ويرافق طحنون في منصب نائب حاكم أبو ظبي، شقيقه هزاع، المولود في العين عام 1965، وأحد الأذرع الأمنية المهمة في البلاد، حيث التحق بجهاز أمن الدولة في سن مبكرة، في ثمانينيات القرن الماضي، فيما تولى منصب نائب رئيس الجهاز بين عامي 1982 و1992 ثم رئاسة جهاز أمن الدولة حتى عام 2006 حين صدر مرسوم اتحادي بتعيينه مستشارًا للأمن الوطني وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى فبراير/شباط 2016.

ويمثل هزاع الضلع الثاني مع طحنون في صياغة المنظومة الأمنية التي تعد أحد المرتكزات الأساسية في صناعة القرار السيادي للدولة، بجانب نشاطهما الملحوظ في مجالات الرياضة والترفيه، فكلاهما كان يتخذ من الرياضة سبيلًا لتعزيز حضوره بين الشباب وتعظيم نفوذه المجتمعي على المستوى الداخلي.

ماذا تعني تلك القرارات؟

ضمنيًا.. فإن المتعارف عليه في دولة الإمارات أن حاكم أبو ظبي يصبح رئيس الدولة، كما أن اختيار ولي العهد مسألة تخضع في النهاية لأهواء حاكم الإمارة الذي هو في الأساس حاكم الدولة، ولم يتطرق الدستور الإماراتي لتلك المسألة بشكل صريح ومباشر لتحديد آلية الاختيار وضوابطه، ومن ثم فالأمر شخصي بامتياز.

ومنذ تأسيس الدولة الخليجية لم يترأس الحكم فيها إلا حاكم من أبو ظبي، فيما حظيت إمارة دبي على منصب نواب الرئيس، ورغم عدم وجود سند دستوري أو قانوني لتلك التقسيمة، فإنها السائدة وفق الأعراف السياسية في الدولة، وهو العرف الذي يتوقع أن يستمر خلال السنوات المقبلة.

وعليه فإن خالد بن زايد بات المرشح لخلافة والده على الحكم، وهو الاختيار الذي يراه البعض مغايرًا لآليات نقل السلطة في الدولة، التي جرت العادة فيها أن تكون بين أبناء الرئيس المؤسس (أبرزهم: خليفة – محمد – طحنون – هزاع – منصور – سلطان – سيف – عبد الله – حمدان – نهيان) وليس بين أبناء الابن محمد.

كما أن اختيار شقيقيه، طحنون الذي كان مرشحًا بقوة لولاية العهد وصاحب النفوذ المتنامي مؤخرًا، وهزاع صاحب الثقل السياسي والأمني الكبير، لمنصب نائبي حاكم أبو ظبي، رسالة واضحة يود ابن زايد توصيلها للداخل والخارج بأن تعيين نجله جاء بالتوافق بين الجميع ودون أن خلافات محتملة بشأن ملف الخلافة، وهو الملف الذي يتوقع أن يثير الانشقاقات داخل الأسرة الحاكمة بعد الإطاحة بالأشقاء أصحاب النفوذ لأجل الأبناء.

وفي ضوء تلك القرارات التي من السابق لأوانه تقييم تداعياتها واستشراف ردود الفعل المحتملة مستقبلًا، فإنه من الواضح أن السياسة الإماراتية الحاليّة والخط العام الذي تسير عليه الدولة تحت قيادة ابن زايد سيقود البلاد لسنوات طويلة قادمة، وهو ما يمكن أن يكون له ارتداداته على توجهات الدولة إزاء حلفائها وخريطة العلاقات الإقليمية والدولية خلال المرحلة المقبلة.