ترجمة نون بوست
في الأشهر الأخيرة، كررت وسائل الإعلام المصرية مزاعم وزير الخارجية الروسية وغيره من مسؤولي الكرملين، بأنه عند فرض عقوبات على تصدير البضائع الروسية مثل الأسمدة، فإن الدول الأوروبية تبحث عن أي طريقة لمعاقبة روسيا، لكنها في الحقيقة تعاقب الدول الفقيرة.
وفقًا لتلك المزاعم، يحاول الغرب استخدام الصراع الأوكراني لشنّ الحرب على موسكو، هذا مثال واحد في الحقيقة على ترديد وسائل الإعلام المصرية الرواية الروسية عن الحرب في أوكرانيا.
زيادة شعبية قناة “آر تي” العربية
تعود جذور التعاون الروسي المصري في مجال المعلومات إلى الحرب الباردة، ومع ذلك تكرر الأمر مؤخرًا عام 2018 عندما انضمت وكالة “أخبار الشرق الأوسط” المصرية (MENA) إلى منصة “الأهرام” على الإنترنت -أقدم صحيفة في البلاد- في توقيع اتفاقية مع المسؤولين الروس، لتطوير التعاون والتوسع في البث الإعلامي في مصر وروسيا.
سبق الاتفاق ازدياد شعبية قناة “آر تي العربية” -وهي جزء من شبكة مملوكة لروسيا ومحظورة في الاتحاد الأوروبي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا-، لتصبح أكثر المواقع الإخبارية زيارة في البلاد بعد “اليوم السابع”، وهو موقع إخباري شبه رسمي يعيد نشر الأخبار الروسية بشكل متكرر.
موظفو قناة “روسيا اليوم” يستعدون لاستقبال الرئيس الروسي بوتين في مقرهم بموسكو.
أصبحت مصر أكبر جمهور لـ”آر تي العربية”، والتي هي بدورها أكبر قسم للغات في “روسيا اليوم” بعد الإنجليزية، الأسوأ من ذلك أن الاتفاقية تنذر بما كشفته ميتا وغيرها من المراقبين الدوليين، أن مصر أصبحت مركزًا لتصدير حملات المعلومات المغلوطة التي تستهدف ليبيا والسودان وغيرهما.
لكن يبقى السؤال إذا ما كان نظام عبد الفتاح السيسي يجد توافقًا أيديولوجيًّا حقيقيًّا مع وسائل الإعلام الروسية، أم أن التعاون مجرد ورقة مساومة لمحاولة البلاد الحصول على تمويل خارجي.
روسيا تروّج لاستثماراتها بأنها لصالح مصر
استثمرت روسيا بقوة في مصر في السنوات الأخيرة، من خلال قروض ضخمة لبناء مفاعل الضبعة النووي ومنطقة صناعية تجارية في السويس، ومع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا واتساع العقوبات التي تستهدف المستثمرين الروس، أعلن المسؤولون المصريون مؤخرًا تأخير الجدول الزمني لبعض المشاريع، لكن الاتفاق ما زال قائمًا.
تستورد مصر معظم قمحها من روسيا أكثر من أي وقت مضى، وقد ازدادت التجارة بين البلدَين، حتى أنهما ناقشا استخدام التجارة المباشرة بالعملات المحلية.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره المصري سامح شكري في مؤتمر صحفي مشترَك بروسيا.
تقول وسائل الإعلام الروسية، مثل “سبوتنيك”، للمصريين إن التجارة مع روسيا تحسّن النمو المحلي، لكنه تخمين خطير مع ذلك، فبعض الصفقات المصرية الروسية الأخيرة، مثل اقتراح بيع الطائرات الحربية الروسية أو تطبيق نظام الدفع بالبطاقات الروسي (MIR)، تشكّل تهديدًا للعقوبات المباشرة من أمريكا التي تعدّ أكبر شريك تجاري لمصر.
في الوقت نفسه، لا يوجد أي دلالة على أن استيراد البضائع الروسية الأرخص يساعد في مشكلة التضخم الذي تجاوز نسبة 20% الآن.
في الحقيقة، روسيا تصدّر الأيديولوجيا
السبب الأكثر إقناعًا لفهم سبب ضمّ مصر أصولها الإعلامية القوية إلى الدعاية الروسية هو “الأيديولوجيا”، فبالعودة إلى الربيع العربي عام 2011 سنجد أن وسائل الإعلام المصرية عملت على شيطنة الحركات الموالية للديمقراطية، وشجّعت على عودة الجيش للسلطة.
قوات مكافحة الشغب المصرية يأكلون المثلجات أثناء تأمين محكمة القاهرة.
وقد انضمت إلى روسيا في دعمها لنظام خليفة حفتر الوحشي في ليبيا، والنظام العسكري المضاد للثورة في السودان، الأكثر من ذلك أن وسائل الإعلام المصرية الآن تقدم عرضًا مباشرًا لعودة بشار الأسد والنظام السوري إلى الجامعة العربية بوساطة روسية.
حيث نشرت هيئة الإعلام الوطنية المصرية “ماسبيرو” مؤخرًا مقالًا يسلّط الضوء على دعم الرئيس السوري الأسد لروسيا في حربها ضد النازية المدعومة من الغرب.
الاتحاد الأوروبي وأمريكا يقاومان ذلك، لكن بإمكانهما فعل المزيد
رغم ذلك كله، يبدو أن الغرب ما زال ملتزمًا باستمرار علاقته بمصر، حيث تحاول واشنطن مقاومة الدعاية الروسية في مصر من خلال تحركات دبلوماسية عالية المستوى، مثل إصدار “البيان المشترك لـ 34 سفيرًا في القاهرة لدعم أوكرانيا” يوم 23 فبراير/ شباط.
أنصار السيسي يلوّحون بعلم مصر أثناء الاحتفال في ميدان مصطفى محمود.
كما نددت أمريكا وعدد من نظرائها الأوروبيين باستمرار استخدام روسيا لحملات المعلومات المغلوطة، ومحاولة تحويل اللوم على تداعيات الحرب نحو الآخرين، حتى من خلال الدبلوماسية العامة.
في شهر فبراير/ شباط، رعت وزارة الخارجية الأمريكية وفدًا من الصحفيين المصريين والمحررين الجدد لحضور برنامج International Visitor Leadership، بعنوان “مكافحة التضليل الخارجي لمصر”.
لكن بدلًا من التخلي عن معركة الخطاب العام للدعاية الروسية، كان على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشجيع مصر على فتح قطاعها الإعلامي والتوقف عن اضطهاد الأصوات المستقلة.
من الضروري القيام بذلك، لأنه إذا بدت الحرب الباردة الجديدة مثل القديمة، فإن مصر ستصبح مرة أخرى جزءًا حيويًّا من صراع الدول.
المصدر: يورو نيوز