ترجمة وتحرير: نون بوست
إن الولايات الـ 11 التي يتجاوز عدد سكانها 14 مليون نسمة وتعرّضت لأكبر كارثة طبيعية في تاريخ البلاد، تحتل مكانة هامة في الاقتصاد التركي. ورغم تقديرات المؤسسات الدولية حول آثار الزلزال، لا يمكن حصر الخسائر النهائية لا سيما أن المنطقة التي ضربها الزلزال تتمتع بقدرة إنتاجية عالية وتساهم بأكثر من 8 في المائة من صادرات البلاد. وقد بلغت صادرات الولايات المتضررة في سنة 2022 حوالي 20 مليار دولار وكان من المتوقع بلوغ هذا الرقم 22 مليار دولار هذه السنة. وفي هذا السياق، تشمل الخطوات المستقبلية مراجعة هذه التوقّعات من أجل التخفيض منها والتركيز على عمليّة إعادة الإعمار في المنطقة.
من المتوقع وصول الدخل القومي التركي 942 مليار دولار والصادرات 270 مليار دولار في سنة 2023. لكن تداعيات الزلزال كان لها تأثير جزئي على النسق الاقتصادي للبلاد. فوفقًا لصندوق النقد الدولي، من المرجح تقلص الدخل القومي لتركيا إلى 923 مليار دولار وتراجع قيمة الصادرات إلى 265 مليار دولار.
لكن بالنظر إلى القوة الإنتاجية وجهود إعادة الإعمار في تركيا، من الممكن زيادة دخل الفرد إلى 12 ألف دولار بحجم اقتصاد يبلغ تريليون دولار. ومن خلال ما لديها من إمكانات في مجال البناء والإنشاء وشركاتها، يمكن لتركيا أن تنعش اقتصاد المنطقة المتضررة في غضون سنة أو أكثر بقليل.
يمكن للاستثمارات في القطاع الخاص تقليل الخسائر
قدّمت العديد من المؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة تقديرات حول التكلفة الاقتصادية للزلزال. وحسب الأمم المتحدة، فإن الخسائر المتوقعة في حدود 100 مليار دولار، مقابل 34.2 مليار دولار حسب البنك الدولي، و18.8 مليار دولار بالنسبة لصندوق النقد الدولي. ومع ذلك، من الصعب تقدير الآثار الاقتصادية للزلزال بشكل دقيق نظرًا لأن ملايين الأشخاص غادروا المنطقة، فضلا عن أن عملية إعادة الإعمار الجارية والاستثمارات الجديدة من القطاعين العام والخاص في المدن المتضررة من شأنها التقليل من التكاليف والأضرار.
لا يمكن إنكار حقيقة أن التوقعات الدولية عادة ما تكون خاطئة مثلما حدث في زلزال شيلي (سنة 1965) وإندونيسيا (سنة 2004) والصين (سنة 2008) واليابان (سنة 2011). وفي سنة 2008، حدث زلزال في سيتشوان بشدة 9 درجات أدى إلى تشريد 15 مليون شخص. وفي غضون ثلاث سنوات أعيد إعمار المنطقة بفضل استثمارات بقيمة 200 مليار دولار من قبل الحكومة. وبقدوم المستثمرين الأجانب إلى المنطقة، زادت مقاطعة سيتشوان من دخلها وصادراتها وإنتاجها بأكثر من الضعف مقارنةً بما كانت عليه قبل الزلزال.
من جهتها، أعادت إندونيسيا بناء المدن المتضررة من الكوارث من خلال تعزيز التعاون بين صناديق الإغاثة والمنظمات الأخرى من أجل الانتعاش الاقتصادي بعد الزلزال. وفي فترة 5 سنوات، عززت المدن المبنية على الجزر مكانتها في اقتصاد البلاد من خلال العودة إلى مستويات الإنتاج القديمة. وقد اتخذت اليابان بدورها خطوات مشابهة وساهمت في بناء المنطقة المنكوبة من خلال التمويل العام.
تولت الدولة رعاية المتضررين من الكوارث الطبيعية
بعد الزلزال، اتخذت المؤسسات والهيئات الحكومية مجموعة من الإجراءات لتحقيق الاستقرار المالي في المنطقة: تم تخصيص 100 مليار ليرة تركية للمدن المتضررة بالإضافة إلى المساعدات النقدية للمواطنين المنكوبين. ومن جهته، اتخذ البنك المركزي إجراءات لتسريع التيسير النقدي من أجل تمكين الشركات من الحصول على قروض طويلة الأجل. وتم تخصيص 7.5 مليار ليرة تركية لتلبية احتياجات وزارة الصحة من الأدوية والمعدات الطبية. وتم تحويل 12 مليار ليرة تركية بناءً على طلب هيئة إدارة الكوارث والطوارئ الحكومية.
بالإضافة لذلك، لبّت الدولة احتياجات الوقود لمن أرادوا مغادرة المنطقة ودُفعت الرواتب للعاملين في القطاع العام قبل أجلها المحدد. وتم إيداع منحة إيجار قدرها 5 آلاف ليرة لأصحاب المنازل و3 آلاف ليرة للمستأجرين. وتم منح مساعدة نقدية بقيمة 100 ألف ليرة لتلبية الاحتياجات العاجلة لأقرباء المواطنين الذين فقدوا حياتهم.
وفي إطار نظام الضمان المدعوم من الخزينة، تم الترفيع في حزمة القروض البالغة 250 مليار ليرة تركية إلى 350 مليار ليرة تركية. وتم تقديم حزمة قروض بقيمة 11.3 مليار ليرة تركية لتغطية نفقات تشغيل الشركات في مناطق الزلزال، مع تأجيل القروض المدعومة بفائدة الخزينة المستخدمة من قبل المزارعين لمدة سنة دون فائدة. بدأ تقديم دعم الديزل والأسمدة المستخدمة في القطاع الزراعي نقدًا. وقد اتخذ مجلس الحبوب التركي قرارا بالتبرع بالدقيق والمواد الغذائية المماثلة في جميع أنحاء المنطقة.
حظر تسريح العمال، وتأجيل سداد الديون
بسبب هذه الكارثة الإقليمية، تم توفير بدل العمل لوقت قصير وتفعيل دعم الأجور بشكل نقدي، مع حظر تسريح العمال والموظفين في الولايات المتضررة، وتأجيل دفع الالتزامات الضريبية لمدة 6 أشهر وإتاحة إمكانية الدفع عن طريق الأقساط د. وبينما تم تقديم الإعفاء الضريبي للمساعدات المقدمة للمنطقة، تم التنازل أيضًا عن ضريبة الدمغة التي سيتم تحصيلها. وتم كذلك تخفيض الضرائب على الحاويات الجاهزة إلى 1 بالمئة. من جانبها، قامت وكالة التنظيم والرقابة المصرفية بزيادة الحد الأقصى لمبالغ التحويل اليومية في طلبات بطاقات الائتمان، وتأخير استحقاق الديون لمدة 6 أشهر للقروض الممنوحة من قبل أعضاء جمعية البنوك التركية وجمعية البنوك المشاركة في تركيا.
إلى جانب ذلك، تم توفير تسهيلات من قبل مؤسسة تنظيم ورقابة التأمين والمعاشات التقاعدية الخاصة للاستمرار في معاملات التأمين والحوادث. كما تتخذ تركيا تدابير لمنع تعطيل الأداء الاقتصادي في منطقة الأزمة، ويمكن توقع استمرار أعمال إعادة الإعمار بنسق سريع.
يتحمل القطاع العام مسؤولية كبيرة من حيث إعادة إعمار المدن التي شملتها الكارثة وإعادة الحياة إلى طبيعتها. ومن شأن التقليل من الأضرار والإنعاش الاقتصادي للمدن – كما هو الحال في الصين واليابان وإندونيسيا – تحسين الظروف الاجتماعية للمواطنين. ومع الاستثمارات العامة الإضافية بعد تشييد المباني، لا شك أن المنطقة ستتمتع بهيكل أكثر إنتاجية مقارنة بالسنوات السابقة.
ستلعب موارد تركيا الاقتصادية والمالية مع القوى العاملة المدربة دورًا رئيسيًا في إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد في المنطقة التي ضربها الزلزال. ومن خلال صندوق إعادة الإعمار بعد الكوارث يمكن ضمان إعادة التأهيل على مختلف الأصعدة.
المصدر: مركز الأبحاث السياسية والاقتصادية التركي