منذ نكبة 1948 لم يتوقف الفلسطينيون عن حمل قضيتهم إلى العالم ليحكوها بتفاصيلها دون تزييف، خاصة من طرد من بلدته قسرًا كحال الآلاف الذين سرقت “إسرائيل” بيوتهم وحرقت قراهم ليهاجروا إلى البلاد العربية وأوروبا والأمريكتين.
لم ينس فلسطينيو الخارج وطنهم ولو مرة، فتفاوت عملهم من أجل قضيتهم والتأكيد على حق العودة، وفي وقت النكبة وما لحقها من نكسة عام 1967 وجد اللاجئون في البلاد العربية مستقرًا لهم، لا سيما أن المنطقة وقتها كانت تشهد نوعًا من الاستقرار وكان البحث عن لقمة العيش فيها سهلًا.
كما شهد العمل الفلسطيني المقاوم أوجه في الأردن ولبنان، بينما في دول الخليج كان العمل النقابي والسياسي، لكن اتفاقية أوسلو عام 1993 التي أعقبت انتفاضة الحجارة عام 1987 أحدثت تراجعًا في ذلك، إذ بموجبها شهد العمل الفلسطيني في الخارج ضمورًا نتيجة الاعتقالات والملاحقة.
ظن فلسطينيو الداخل والخارج أن اتفاقية أوسلو ستكون معادلة جديدة تسهم في بناء دولتهم، لكن بعد سنوات قليلة اكتشف الكل الفلسطيني أن ما حدث هو خديعة، وهذه الاتفاقية ستساهم في شطب حقوق الفلسطينيين في المهجر الذين يقدر عددهم بنصف سكان الشعب الفلسطيني أي نحو 7 ملايين نسمة.
بعد ذلك أصبح هناك العديد من المحاولات لتفعيل دور فلسطينيي الخارج خاصة في أوروبا والأمريكتين، وشهدت معظم الساحات عملًا فلسطينيًا مناصرًا ومحافظًا على هويتهم وانتمائهم للوطن، واختلف هذا الدور من دولة لأخرى حسب نشاط الجالية وحجمها الديمغرافي.
بداية النشاط في الخارج
في بداية التسعينيات شهدت معظم العواصم الأوروبية مأسسة للعمل الفلسطيني، وأصبح هناك مؤسسات تمثل العودة واللاجئين وأخرى حقوقية وإغاثية، وكان العمل منظمًا في معظم الساحات الأوروبية والمنطقة العربية وفق ما يتاح من حريات.
وبعد عام 2000 أصبح هناك دور بارز للعمل الفلسطيني خاصة في أوروبا لأن اللاجئين يعتبرون جددًا، لا سيما بعد الهجرة من الأراضي المحتلة والمخيمات الفلسطينية في لبنان ومنطقة الخليج، وأصبح ظاهر للعيان أن هناك نشاطًا مميزًا ظهر في المؤتمرات والاعتصامات التي أدت دورًا مهمًا في لم الشمل الفلسطيني وحفظ الهوية وتعزيز الانتماء لدى الأجيال الفلسطينية المنتشرة في الغرب.
يقول زياد العالول المتحدث باسم المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج إن لهم دورًا في إسناد الداخل الفلسطيني وأيضًا حفظ الحقوق المتعلقة بحق عودة اللاجئين، مشيرًا إلى أنه يوجد نشاط كبير لهم للتأثير في المجتمعات التي يقيم فيها الفلسطينيون، فمثلًا في بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا عدد كبير من الشعب يناصر القضية في كثير من الأحداث.
ويوضح العالول لـ”نون بوست” أن الفلسطينيين يمارسون دورًا كبيرًا في تسويق الرواية الفلسطينية لدى المجتمعات الغربية، مبينًا أن الغرب لم يعد يؤيد “إسرائيل” كما السابق حين كانوا يدعمون الرواية الصهيونية التي تقوم على تزييف الحقائق.
ويشير إلى أن فلسطينيي الخارج عملوا على تغيير الرواية الإسرائيلية الكاذبة من خلال الحديث عن حقائق النكبة والقتل وكيفية الاستيلاء على منازل الفلسطينيين وتهجير الملايين وتدمير القرى، كل ذلك ساهم في تغيير الرأي العام الغربي وبات ذلك ملموسًا بفعل التغيير الذي حصل على المستوى الشعبي والرسمي في السنوات الأخيرة.
ويؤكد أن من يناصر القضية الفلسطينية هم من فئات غربية مختلفة كالأدباء والفنانين والسياسيين، مبينًا أن فلسطينيي الخارج باتوا جزءًا من المجتمعات التي يعيشون فيها ولهم تأثير كونهم يعرفون لغة وثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه ومن السهل إيصال الرواية لمن حولهم أنهم شهود على كثير من الوقائع.
كيف تؤثر القضية الفلسطينية في أوروبا؟
نجح الفلسطينيون في الخارج خاصة في أوروبا في جعل قضيتهم نقطة على سلم أولويات الناخب الأوروبي وأيضًا لأي غربي يريد الحصول على أصوات العرب والمسلمين، ويكون التأييد له في الانتخابات البرلمانية أو البلدية بقدر دعمه للقضية الفلسطينية.
يقول العالول: “هناك سياسيون كثر يؤيدون الرواية الفلسطينية عن وعي، ونشهد طفرة كبيرة على المستوى السياسي رغم وجود هجمة صهيونية كبيرة لإسكات أصوات المؤيدين والحد من تأثيرهم، لكن هناك تيارات سياسية كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة حتى بالكونغرس الأمريكي تؤيد القضية كون العصا الصهيونية القوية لم تخف من يناصر الفلسطينيين”.
وقبل سبع سنوات وتحديدًا في 2017 تأسس المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج ليكون مظلة للفلسطينيين والهدف منه العمل على تنسيق الجهود لتعظيم دورهم واستثمار قوتهم في المشروع الوطني الفلسطيني.
وفيما يتعلق بالمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج ذكر العالول أنه بفعل الجهود المبذولة من المؤسسات الفلسطينية في الخارج كان لا بد من توحيدها والتواصل بشكل منظم، مشيرًا إلى أن فكرة المؤتمر جاءت لتنامي العمل الفلسطيني في الخارج وإظهار تعاظمه رغم وجود إخفاقات نتيجة موازين القوى.
ويوضح أن المؤتمر عمل شعبي غير مدعوم يقوم عليه آلاف المتطوعين من أجل فلسطين، ويعتمد في التمويل على أبناء الجاليات، وفي المقابل هناك حركة صهيونية تصرف مليارات الدولارات للتأثير على الرأي العام الغربي.
ويؤكد العالول أنهم نجحوا في دحض الرواية الإسرائيلية عبر مقاييس معينة، فمثلًا حجم تفاعل الغرب مع أحداث معركة سيف القدس في غزة مايو/مايو 2021 كان بمئات الآلاف وذلك بفعل توحيد الجهود بين أبناء الجالية الفلسطينية في أوروبا وأمريكا لنقل ما يجري من حقائق على أرض الواقع، ما ساهم في تفاعل الغرب، ففي أمريكا وتحديدًا شيكاغو خرج ربع مليون متظاهر تنديدًا بالعدوان، حتى وصل الحد بتهديد حملة الرئيس بايدن بالانسحاب إن لم تتخذ الإدارة الأمريكية موقفًا.
أما عن الدول العربية فيرى أن فلسطين لا تزال تمثل الروح للمجتمعات العربية والإسلامية وبوصلتها القدس كما جرى خلال المظاهرات المليونية في المغرب والجزائر وتونس وقت معركة سيف القدس مايو/أيار 2021.
ملاحقات وتحديات
من يعمل لفلسطين يتوقع دفع الثمن، فهناك الكثيرون سجنوا أو رحلتهم الأنظمة من الدول العربية لدعمهم المقاومة، وكذلك في أوروبا هناك دول تحارب من يعمل لفلسطين بطرق عديدة كالحرمان من الحصول على الجنسية رغم مكوثهم عشرات السنوات، بالإضافة إلى وجود تضييق على المؤسسات الخيرية التي تدعم العائلات الفلسطينية، وهذا الضغط الغربي يأتي تحت مسمى مكافحة الإرهاب.
ويشير العالول إلى أن أهم الأدوات التي يتم العمل بها لاقتحام المجتمعات الغربية وتعزيز الرواية الفلسطينية والتأثير على أصحاب القرار، تكون عبر عدة أصعدة؛ الجامعات والعمل الطلابي وعلى مستوى الأحزاب السياسية واندماج العرب والمسلمين فيها، وكذلك من خلال العمل الإنساني من خلال المؤسسات الخيرية.
ولفت إلى أن بعض سفارات منظمة التحرير الفلسطينية تعمل على الحد من تنامي التأييد الشعبي لفلسطينيي الخارج كونها تعتقد أن هذا يهمش دورها، كما تعطل العديد من الأنشطة في دول العالم والتأثير على أصحاب القرار، مؤكدًا أن دور فلسطينيي الخارج هو توحيد الجهود على رؤية وإستراتيجية واضحة تقوم على التمسك بالثوابت والحقوق بما فيها إقامة الدولة وعاصمتها القدس.
مؤكدًا أنه في ذكرى النكبة ويوم الأرض تحديدًا تشتعل الجاليات الفلسطينية وتكثر الأنشطة التي تهدف لاستعراض الأحداث والرواية كاملة على لسان من عايشها وحشد عدد كبير من الجيل الفلسطيني الجديد من أجل تعزيز الهوية والانتماء عبر أنشطة يتعرفون من خلالها على تراثهم وتاريخهم لتبقى محفورة في ذاكرتهم، لا سيما أن الاحتلال يراهن على نسيانهم لأوطانهم وحق العودة.
ويبدو واضحًا أن التأييد للقضية الفلسطينية يتصاعد بفعل الدور الذي يلعبه فلسطينيو الخارج عبر مؤسسات منظمة، فيما يتناقص تأييد دولة الاحتلال الإسرائيلي حول العالم بفعل السياسات العنصرية وجرائم الحرب التي ترتكبها تل أبيب ضد الشعب الفلسطيني.