مع الاقتراب من منتصف شهر رمضان المبارك يظهرالوجع بشكل واضح في شمال سوريا التي تعيش ظروف غير مسبوقة على مر التاريخ، ما بين الأزمات الاقتصادية التي يعيشها السكان والكوارث الطبيعية التي حلّت عليهم آخرها الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 فبراير/شباط الماضي، وتسبب بمقتل ما يزيد على 50 ألفًا ونزوح عشرات الآلاف إثر تضرر منازلهم وتصدعها بسبب الكارثة.
وسببت الكارثة موجة نزوح جديدة أضيفت إلى موجات سابقة، أدت إلى زيادة نسب الفقر والحاجة والعجز، التي تحول دون تأمين متطلبات شهر رمضان، لشريحة كبيرة من السوريين.
لسنا بخير
في مخيم أقيم على عجل بعد الزلزال في محيط مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، إحدى المناطق التي فقدت 235 قتيلًا بالزلزال في شمال سوريا، يبيع محمد عكوش مشروبات رمضان من التمر الهندي والعرق سوس على طاولة وضعها بين الخيم، من أجل تأمين قوته اليومي بعدما خسر منزله بفعل الكارثة.
إفطار جماعي بين أنقاض الزلزال شمالي سوريا
نحو 1000 مدني من سكان ريف #حلب الغربي يشاركون في مائدة إفطار أقيمت بين المنازل المهدمة جراء #زلزال فبراير/شباط 2023 #فيديو #الجزيرة_في_رمضان
تم النشر بواسطة الجزيرة – سوريا في السبت، ١ أبريل ٢٠٢٣
يقول عكوش النازح أساسًا من مدينة حلب لـ”نون بوست”: “لا أعلم ماذا أقول لك، فهذا العام كان استثنائيًا، لقد تدمر منزلي الذي أشتريته منذ سنتين في مدينة الأتارب بعد أن أنهكت في جمع المال لشرائه، ولم يبق لدي ما أملكه، وها أنا اليوم أسكن في هذا المخيم وأبيع المشروبات لكي نعيش”.
وأضاف بغصّة “نحن والله لسنا بخير بعد الزلزال.. مشرّدون ولا نشعر باستقرار. لسنا بخير على الإطلاق ولسنا مرتاحين في الخيم، لا معين لنا سوى الله”.
في خيمة مجاورة حكاية أكثر مرارة، حيث تتحسر عروبة عاروب (43 عامًا) على شهر رمضان الذي يحل عليها وقد خسرت زوجها الذي قتل جراء الزلزال، وتقول: “يحل علينا شهر رمضان من دون زوجي، سيأتي صعبًا للغاية، لقد فقدناه وهو كان ربّ البيت”.
لا فرحة في رمضان
لم تقتصر معاناة سكان الشمال السوري على المتضررين إثر الزلزال فحسب، بل سبقتهم فئة لطالما عاشت المآسي والعوز في خيام النزوح، وعلى مدى 11 عامًا، تقبع أم محمد المنحدرة من محافظة حمص في خيمتها في مخيمات “كللي” شمال إدلب، وتعمل مع أبنائها بأعمال المياومة الزراعية، التي لا تجمع للعائلة ثمن الوجبة اليومية.
تقول النازحة الحمصية: “تمر علينا أسابيع دون عمل أنا وأبنائي الثلاث، وخلال تلك الأيام نقتصر في طعامنا على ما نجد وما تيسر من برغل أو فتوش، وما شابه من الأكلات التي لا تكلف كثيرًا، وفي أيام العمل نحصل عن كل يوم من العمل على 90 ليرة تركية، وهي لا تكفي لتعبئة الغاز اللازم للطبخ في شهر رمضان”.
وأضافت في حديثها لـ”نون بوست”: “الحالة نفسها منذ ما يقارب الأربع سنوات، وأسعار السلع والغذاء في ارتفاع مستمر، ولا أعلم كيف أتدبر أموري في هذا الشهر، وأنا أرى الحسرة والتعب بعيون أبنائي”، وأكملت قائلةً: “رمضان في كل عام يأتي أثقل من العام الذي يسبقه، ولا نقوى فيه على شراء أدنى المتطلبات، كالسمن الذي وصل سعر الكيلو منه إلى دولارين، أي ما يعادل عمل اثنين من أفراد عائلتي يوم كامل”.
حل رمضان كالضيف الثقيل على هذه العائلات في ظل افتقارها لكل مقومات الحياة الكريمة
تعيش مئات عائلات ضحايا الزلزال الذي ضرب مناطق شمال غرب سوريا، وأودى بحياة الآلاف، حالات نفسية صعبة مع دخول شهر رمضان المبارك، خاصة أنه يفتح باب الذكريات مما يزيد لوعتهم.
الحاج سمير مارتيني (39 عامًا) فقد ابنته وابنه وعائلته تحت ركام منزلهم الواقع في سلقين بريف إدلب الشمالي الغربي، ولا يتحدث منذ أكثر من شهر إلا عن الذكريات التي تجمعه بأبنائه وأحفاده.
يؤكد مارتيني أن الفرح لن يزوره بعد اليوم، ولن يقيم الأجواء الرمضانية هذا العام، معتبرًا أن الفرحة باجتماع العائلة على الإفطار، وبعد رحيلهم لم يعد هناك مجال للاجتماع.
ولعل شهادة النازحين التي ذكرناها تختذل حال آلاف العائلات التي تضررت بفعل الزلزال بفقد أعزائها ودمار منازلها، بينما حل رمضان كالضيف الثقيل على هذه العائلات في ظل افتقارها لكل مقومات الحياة الكريمة.
ارتفاع الأسعار
وزاد من قهر السكان ومعاناتهم رغم نزوحهم في هذا الشهر المبارك ارتفاع أسعار بعض أصناف الخضار والفواكه مؤخرًا، مثل البندورة والبطاطا وكل أنواع الحشائش من خس وبقدونس وفجل، فقد بلغ سعر كيلو البندورة 12 ليرة تركية، والخيار 45 ليرة تركية والكوسا 25 والباذنجان 13 والفيلفة 25 والليمون 13 والزهرة 10 والبصل اليابس 15 والبصل الأخضر 10 والخس 5 واللفت 5 والفطر 50 ليرة والفول 20 والتفاح 17 ليرة.
وبالنسبة للحوم فقد طرأ ارتفاع أيضًا على سعرها مع بداية شهر رمضان، ووصل سعر كيلو الكباب لـ170 ليرة تركية بعد أن كان بـ140 ليرة قبيل شهر رمضان، ما خلق معاناة جديدة لرب المنزل في تأمينها حيث أنها تعتبر مادة أساسية في شهر رمضان ولا يمكن الاستغناء عنها.
يقول الشاب محمود فخري وهو قصّاب وتاجر أغنام لـ”نون بوست”، إن هنالك أسباب عدة لارتفاع سعر لحم الغنم أهمها الإقبال الكبير عليها في شهر رمضان حيث لا يخلو بيت من وجود اللحوم في وجبتهم الأساسية.
توقع البنك الدولي انكماش الاقتصاد السوري بواقع 5.5% هذه السنة بفعل الزلزال
وأضاف بأن السبب الأهم هو عملية تهريب الخواريف إلى مناطق الإدارة الذاتية والنظام السوري بشكل كبير، منوهًا أن أسعار اللحوم مرشحة للزيادة خصوصًا مع إقبال المنظمات على شراء مئات الرؤوس من الخواريف والفطائم للطبخ في رمضان.
ومنتصف شهر مارس/آذار، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن شهر رمضان يحلّ هذا العام في وقت بلغت الاحتياجات الغذائية في سوريا أعلى مستوياتها منذ اندلاع النزاع قبل 12 عامًا، ويعاني 12.9 مليون شخص حاليًّا من انعدام الأمن الغذائي.
كما حذّر من أنه ما لم يحصل على تمويل إضافي، سيضطر إلى قطع المساعدات عن 3.8 مليون شخص من إجمالي 8 ملايين بحلول يوليو/تموز.
بدوره، توقّع البنك الدولي انكماش الاقتصاد السوري بواقع 5.5% هذه السنة بفعل الزلزال، بينما قدّرت مؤسسات مالية حجم كلفة إنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار بنحو 8 مليارات دولار.