ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما افتتح بنك كريدي سويس أول مكتب له في المملكة العربية السعودية في أوائل عام 2021؛ أعلن برونو داهر، رئيس قطاع كريدي سويس للشرق الأوسط والذي يحب تدخين السيجار، أن السوق السعودي يعتبر “سوقًا رئيسيًا للنمو”.
يقع فرع البنك على تقاطع طريق الملك عبد الله وطريق الملك فهد في وسط الرياض، وكان رمزًا لتعميق العلاقة بين المؤسسة المصرفية السويسرية الشهيرة والمملكة الغنية. ومع ذلك، وبعد مرور عامين؛ تدهورت العلاقة بين الطرفين بشكل مذهل.
ولعب مستثمر سعودي دورًا رئيسيًا في إنهاء البنك السويسري العريق الذي يمتد عمره إلى 167 عامًا بعد أن أشعلت تعليقاته غير المسؤولة تهافت المستثمرين على بيع أسهم البنك.
في هذه العملية؛ أفسد السعوديون استثمارهم الخاص، مما أثار انتقادات داخل البلاد وطرح تساؤلات جدية حول قدرة المملكة على اكتساب موطئ قدم في صناعة الخدمات المصرفية العالمية.
لدى كريدي سويس تواجد في المملكة العربية السعودية منذ عام 2005، لكن العلاقات تعمقت في السنوات الأخيرة مع فتح الأمير محمد بن سلمان المملكة – المعروفة بأنها دولة محافظة – للشركات الأجنبية والتأثيرالخارجي.
فاز البنك السويسري بترخيص مصرفي محلي في عام 2019، مما سمح للمقرض بتقديم مجموعة كاملة من المنتجات والخدمات بينما يسعى للحصول على حصة من الودائع المربحة في الدولة الغنية بالنفط.
عندما أُرسِلَ المصرفي المخضرم مايكل كلاين من قِبَل كريدي سويس للبحث عن مستثمرين لتمويل خطة إعادة هيكلة جذرية العام الماضي، توجه إلى جهات الاتصال الخاصة به في الشرق الأوسط، ولإسعاد مجلس الإدارة في زيورخ، عاد المدير التنفيذي السابق لسيتي بنك بشيك قيمته 1.5 مليار دولار (1.2 مليار جنيه إسترليني) موقعًا من قبل عمار الخضيري، رئيس مجلس إدارة البنك الوطني السعودي.
ويعتبر البنك الوطني السعودي أكبر بنك في المملكة، حيث يمتلك أكثر من 250 مليار دولار من الأصول، وتم تأسيسه في عام 2021 بعد اندماج بين البنك التجاري الوطني السعودي ومجموعة سامبا المالية السعودية، ويهيمن اليوم على سوق القروض في المملكة بنسبة سوقية تبلغ 30 بالمئة.
كان للبنك حيازات أغلبية في المصارف في تركيا وباكستان بالفعل. ومع ذلك؛ رأى الخضيري – الذي تخرج من جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة بدرجة هندسة – أن مقاربة كلاين تمثل فرصة للبنك الوطني السعودي لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية.
في تشرين الأول/ أكتوبر؛ قال الخضيري لصحيفة وول ستريت جورنال: “يعتبر حجم السوق السعودي اقتصاديًا في المنطقة كغوريلا تزن 700 رطل، وسيكون التفاعل بين [كريدي سويس] وبيننا في السعودية أكثر من جيد بما يكفي”.
وعلى الرغم من توجيه مستشاريه الماليين للتحفظ حول الاستثمار، بسبب سلسلة من الفضائح الأخيرة في كريدي سويس؛ أمر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صندوق الاستثمار الوطني بإيداع 1.5 مليار دولار في البنك السويسري المتعثر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
على مدى سنوات؛ عملت المصارف السويسرية كملاذ للعائلات السعودية الثرية، وأراد ولي العهد أن يكون الاستثمار بمثابة خطوة أولى مبهرة للمملكة في صناعة المصارف العالمية؛ حيث أدى هذا الاستثمار إلى أن يصبح البنك الوطني السعودي أكبر مساهم في البنك بحصة تقارب 10 بالمئة. وفي ذلك الوقت، قال الخضيري: “لقد نظرنا إلى الجانب السلبي، ونعتقد أنه محدود”، واصفًا إياه بأنه “تجسيد للسعودية الجديدة” حيث كانت تسعى الدولة لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.
لقد أسِفَ على تلك الكلمات، إذ أدى انهيار بنك وادي السيليكون في الشهر الماضي إلى إثارة مخاوف بشأن التسرب في قطاع البنوك، حيث تركزت المخاوف على كريدي سويس، فقد كانت الأسهم في البنك قد انخفضت بالفعل أكثر من 70 بالمئة بعد سلسلة من الفضائح والأخطاء.
1- آذار/ مارس 2021: انهيار شركة أركيجوس المالية وإفلاس بنك جرينسيل
2- 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2021: دفع البنك 475 مليون دولار مقابل رسوم فضيحة موزمبيق
3- 17 كانون الثاني/ يناير 2022: استقال الرئيس السير أنطونيو هورتا أوسوريو بسبب انتهاك قواعد كوفيد
4- 27 حزيران/ يونيو 2022: إدانة البنك بالفشل في منع غسيل الأموال
5- 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2022: كشف النقاب عن خطة التحول بعد خسارة ربع سنوية بقيمة 4 مليارات دولار.
6- تشرين الثاني/ نوفمبر 2022: تصاعد السحوبات بسبب تكهنات بشأن الوضع المالي للبنك.
7- 9 شباط/ فبراير 2023: تكبد البنك أكبر خسارة سنوية (6.5 مليارات جنيه إسترليني) منذ عام 2008
8- 14 آذار/ مارس 2023: البنك يحذر من “ضعف جوهري” في الضوابط المالية.
وعندما سُئل الخضيري على هامش مؤتمر في الرياض عما إذا كان البنك الوطني السعودي سينظر في ضخ المزيد من رأس المال في كريدي سويس، قال: “لا بالتأكيد”، وكانت هاتان الكلمتان السبب في سقوط أحد أقدم البنوك في سويسرا، بالإضافة إلى تدهور مسيرة الخضيري المهنية بنفسه.
يقول مصرفي استثماري رفيع المستوى: “لو لم يقل رئيس البنك السعودي ما قاله، لا أستطيع تصور أن تسير قصة كريدي سويس على النحو الذي حدث”. كل ما كان يحتاج إلى قوله هو: “لم نتلق طلبًا للدعم من كريدي سويس. ولكن إذا وصلنا طلب، سننظر فيه بناءً على مزاياه في ذلك الوقت” لكنه لم يفعل ذلك، والباقي أصبح جزءًا من التاريخ.
أدت التعليقات إلى بيع أسهم كريدي سويس وأفضت في النهاية إلى تدخل الحكومة السويسرية، وتم ترتيب عملية إنقاذ عاجلة من قبل بنك يو بي إس خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقال المسؤولون السويسريون إن هذا الترتيب ضروري لمنع أزمة مالية أوسع نطاقًا.
تُرِكَ البنك الوطني السعودي ومحمد بن سلمان غاضبين بشدة محمرة الوجوه وغاضبة بسبب الصفقة ذات السعر المنخفض، وتمت إقالة الخضيري الأسبوع الماضي بعد خسارته 1.2 مليار دولار من الاستثمار في مدة قصيرة لم تتجاوز أربعة أشهر. وتأثر صندوق ثروة قطر السيادي وعائلة العليان السعودية بشكل كبير أيضًا من هذا الدمج الإجباري لارتباطهم بالبنك.
بعيدًا عن البنك الوطني السعودي، أثار هذا الفشل أسئلة حول مستقبل العلاقة بين السعوديين الأثرياء والبنوك السويسرية، فبعد استحواذ بنك “يو بي إس” عليه، قام المنظمون السويسريون بإلغاء بعض حاملي السندات لكريدي سويس بشكل مثير للجدل، في حين قاموا بإعادة رأس المال إلى حاملي الأسهم.
تم تقديم سندات “إيه تي واحد AT1″، التي تعتبر السندات الأكثر مخاطرة للبنوك، بعد أزمة 2008 المالية لضمان تحمل المستثمرين للخسائر بدلاً من دفع الضرائب، تمثل هذه السندات سوقًا رئيسية بقيمة 275 مليار دولار لتمويل البنوك الأوروبية، وعادةً في سيناريو تخفيض القيمة؛ يكون المساهمون هم الأوائل الذين يتكبدون الخسائر قبل أن تواجه سندات “إيه تي واحد AT1” الخسائر.
ومع ذلك؛ قامت السلطات السويسرية بقلب هذا التسلسل الهرمي، مما سمح للمساهمين بالحصول على بضعة سنتات لكل دولار بينما لم يحصل حملة سندات “إيه تي واحد AT1” على شيء؛ حيث يتوقع الخبراء أنه تم اتخاذ هذا القرار لإرضاء السعوديين ومنعهم من سحب أعمالهم من المقرضين السويسريين الآخرين.
ويقول رئيس أحد البنوك المدرجة في لندن إنه “مقتنع تمامًا أن الدافع وراء ذلك القرار هو دافع سياسي”، مضيفًا بأن المسؤولين – بالإضافة إلى إبقاء السعوديين على جانبهم – ربما أرادوا أيضًا تقديم شيء ما للمستثمرين المحليين طويلي الأمد الذين دعموا كريدي سويس لأجيال.
وقال: “أعتقد أنهم شعروا بالحاجة لإعادة بعض الأموال إلى حاملي الأسهم، وسيكون هؤلاء في الطرف الأدنى من القائمة، فجميع السويسريين الذين كانوا يمتلكون جزءًا من كريدي سويس لأنه موجود منذ الأزل”.
ومع ذلك؛ فإن العائدات الممنوحة للمساهمين تتلاشى مقارنة بالقيمة السوقية لاستثماراتهم حتى في الأيام التي سبقت عملية إنقاذ كريدي سويس الطارئة.
في البنك الوطني السعودي؛ تم تعيين سعيد محمد الغامدي كمدير تنفيذي ليحل محل الخضيري كرئيس للمجلس.
وقال محمد علي ياسين، كبير المسؤولين الإستراتيجيين في شركة الدهبي كابيتال، إن الخضيري “كان ضحية لإبداء رأيه الصادق في مثل هذا الوقت العصيب لكريدي سويس”.
وأضاف: “في الإدراك المتأخر، وعند رؤية معدل شراء كريدي سويس من قبل يو بي إس، كانت إجابته هي الخطوة الصحيحة: الانتظار حتى تتضح الأزمة أكثر”.
ويعتقد شبير مالك، المحلل في إي إف جي هيرميس، أنه من غير المحتمل أن يتابع البنك الوطني السعودي الآن طموحاته في إثبات نفسه كلاعب عالمي في مجال الاستثمار المصرفي.
وتابع: “أثار استثمار كريدي سويس قلق بعض المستثمرين بشكل رئيسي لأن البنك الوطني السعودي استثمر في الخارج في وقت كانت فيه الفرصة المحلية أكثر جاذبية”.
ستكون المهمة الرئيسية لسعيد الغامدي، الرئيس التنفيذي الجديد للبنك الوطني السعودي، في الوقت الحالي هي إصلاح سمعة البنك ببساطة، بينما سيقوم ولي العهد السعودي بتقييم كيف ارتكب البنك هذا الخطأ الكلفة.
في هذه الأثناء؛ يبدأ بنك يو بي إس في حملة تقليص تكاليف كبيرة أثناء الدمج مع منافسها الأكبر سابقًا.
أما بالنسبة للخضيري؛ فلا يُتوقع أن يظهر مجددًا في واجهة المالية السعودية في أي وقت قريب، وفي محاولة للسخرية السوداء، يقول الرئيس التنفيذي للبنك المدرج في لندن: “لا أعرف ماذا يحدث عندما تفقد وظيفتك في بنك سعودي كبير. هل تعتقد أنه دُفِن في الصحراء؟ أنا متأكد بأن الأمور لم تنتهِ على ما يُرام؛ لن نراه مرة أخرى”.
المصدر: صحيفة التيلغراف