ترجمة وتحرير: نون بوست
اعتقل نحو 30 شخصية معارضة تونسية خلال الشهر الماضي، ويقول أفراد أسرهم إن السجناء لا يمكنهم الوصول إلى دورات المياه أو الماء الساخن، وهم محتجزون في زنزانات شديدة الإضاءة.
صادف يوم الجمعة 24 آذار/مارس، ثاني أيام رمضان؛ حيث تجمع أهالي السجناء السياسيين لتناول الإفطار أمام المرناقية، أحد أكبر السجون في تونس.
“الحرية.. أنهوا الدولة البوليسية.. أسقطوا الانقلاب..”. ملأت الأجواء جميع أنواع الهتافات، بينما تغرب الشمس في حقل خالِِ مواجه للمبنى، وطالب العشرات بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، المحتجزين الآن في ظروف قاسية وخطيرة في كثير من الأحيان.
في البداية؛ كانت الأمور مختلفة بعض الشيء؛ حيث قال يوسف الشواشي، نجل المحامي المسجون غازي الشواشي – وهو من منتقدي الرئيس التونسي قيس سعيّد – لموقع “ميدل إيست آي”: “كانت الظروف طبيعية في البداية، حتى إن والدي اعتاد على سجنه وعلى رفاقه في الزنزانة”.
لكن بعد أسبوعين من اعتقال الشواشي في 25 شباط/فبراير؛ جاء حراس الشرطة لإجبار أربعة سجناء سياسيين على الخروج من زنازينهم لنقلهم إلى مكان مجهول، ثم واجه السجناء ظروفًا مروعة، حيث وضع اثنان منهم، وهما عصام الشابي وخايم التركي، في زنزانات مليئة بالحشرات، وتضاء باستمرار بخمسة مصابيح “نيون”.
وقال أحد أفراد عائلة الشابي الذي يرأس الحزب الجمهوري المعارض: “لم يتمكنوا من النوم، لم يستحموا، إذ لا ماء ساخن ولا مرحاض، فقط حفرة في الأرض بها براز بشري”.
لمدة أسبوعين تقريبًا؛ كان على السجناء العيش على هذا النحو، بينما كافح محاموهم لتحسين أوضاعهم، فقد قال كريم المرزوقي أحد محامي الدفاع: “لا نطالب بشروط فندق 5 نجوم، فنحن نعرف حالة السجون في تونس، ولكن نطلب ببساطة الشروط الأدنى للحياة”.
وأضاف المرزوقي لموقع “ميدل إيست آي”: “لماذا هذا التغيير المفاجئ في الزنزانات؟ هذا ما دفعنا إلى الاعتقاد بأن هؤلاء السجناء السياسيين مستهدفون وأن حقوقهم تنتهك”.
واحتجاجًا على الأوضاع داخل المرناقية؛ أضرب العديد من السجناء السياسيين عن الطعام.
“مطاردة الساحرات”
في الشهر الماضي في تونس؛ تم اعتقال حوالي 30 ناشطًا سياسيًّا وقاضيًّا ومحاميًّا ورئيس محطة إذاعية، واتُهموا بالتآمر على الأمن الوطني، في إطار حملة واسعة النطاق ضد المعارضة، وصفت من قبل منظمة العفو الدولية بـ”مطاردة الساحرات ذات الدوافع السياسية”.
في 30 آذار/مارس؛ رفضت محكمة تونسية طلبًا للإفراج المؤقت قدمه محامون عن ثمانية من الأشخاص المحتجزين قيد التحقيق بتهمة التآمر المزعوم. واتُهم المعتقلون السياسيون بتدبير مخطط إرهابي للإطاحة بقيس سعيّد، والتآمر مع جهات خارجية، وإحداث نقص في الغذاء، بحسب محامين وأفراد عائلاتهم.
وقال محامي الدفاع عبد العزيز الصيد في تصريح لوسائل الإعلام المحلية: “بعد حياة من النضال، وجدوا أنفسهم متورطين في قضية إرهابية ويلقون بهم في زنازينهم لا توفر أهم الضروريات الإنسانية”.
وقال يوسف الشواشي لموقع “ميدل إيست آي”: “القضية مثيرة للضحك، إنها مجرد رسائل على واتساب”. وقالت آمنة، زوجة ابن عصام الشابي: “قيس سعيّد يمتلك كل السلطة. إنه مسؤول ومع ذلك لا يتحمل أي مسؤولية ومقابل كل إخفاق يقدم كبش فداء للشعب”.
وقد انطلقت حملة “كلنا متآمرون” للضغط من أجل الحرية لجميع السجناء السياسيين في تونس.
استهداف المعارضة
وقالت المحامية إيناس الحارث في منشور على موقع فيسبوك، إن الحكومة كانت توجِّه إدارة السجن بـ”إذلال السجناء السياسيين وتدميرهم أخلاقيًا، بحرمانهم من الاستحمام والتطهر، ونقلهم إلى غرف قذرة للغاية ومليئة بالبق والحشرات”، وأضافت أن السجناء كانوا يقضون حاجتهم في “حفرة في الأرض”.
وقال أفراد من عائلاتهم لموقع “ميدل إيست آي” إن أربعة من السجناء مستهدفون، لأنهم من أبرز خصوم سعيّد، وهم:
الشواشي، وهو عضو من حزب التيار الديمقراطي يسار الوسط، والشابي من الحزب الديمقراطي التقدمي، والتركي وهو من حزب التكتل الاشتراكي الديمقراطي، وجوهر بن مبارك أحد قادة جبهة الإنقاذ الوطني اليسارية.
سعيد فرجاني، سجين سياسي آخر، سُجن في زنزانة شديدة الاكتظاظ مع سجناء مصابين بأمراض عقلية شديدة؛ حيث قالت كوثر ابنة فرجاني: “انزوى أحدهم في ركن وحاول جرح نفسه، بينما راح آخر يأكل جلده، وثالث اقتلع عين نزيل”، وقالت لموقع “ميدل إيست آي”: “ينتابنا شعور بأنهم يتعمدون وضع أشخاص مثل هؤلاء مع والدي”.
وحسب ما صرّح به نجله؛ انتقم حراس السجن من غازي الشواشي لرفضه الانتقال من زنزانته؛ حيث قال يوسف لموقع “ميدل إيست آي”: “في تلك الليلة؛ غيّروا زملاءه في الزنزانة ووضعوه مع سجناء متهمين بالسرقة والقتل”، وأضاف: “إنه يخشى الآن أن يتم تغيير رفاقه في الزنزانة كل أسبوعين، في كل مرة يعتاد عليهم يغيّرونهم، كما رفضوا السماح له بالاستحمام في ذلك الأسبوع”.
بموجب القانون؛ يُفترض إبعاد السجناء السياسيين والشخصيات العامة عن عامة النزلاء في السجن، من أجل حمايتهم. واستجابت إدارة السجن أخيرًا لمطالب المحامين عندما استنكروا هذه الظروف في الصحافة المحلية، وتم أخيرًا تنظيف زنزانات السجناء وتجهيزها بالمراحيض.
ولكن بمجرد إجراء هذه التغييرات؛ قررت إدارة السجن تركيب كاميرات في زنزانات السجناء السياسيين ومراقبة كل تحركاتهم باستمرار، بدعوى حمايتهم.
مراقبة على مدار الساعة
وقال المحامي كريم المرزوقي: “أخبرنا أحد السجناء السياسيين أنه يشعر وكأنه حيوان في فيلم وثائقي، وأنه يخضع للمتابعة والمراقبة باستمرار”.
تدّعي إدارة السجن أن اللقطات لا يشاهدها سوى أحد الحراس قبل إتلافها، وأنهم تلقوا إذنًا بتركيب الكاميرات من الهيئة الوطنية لحماية البيانات الشخصية، المعروفة باسم “إنستنس/ Instance”.
ومع ذلك؛ بعد أسبوع فقط، أنكرت الهيئة منحها هذا الإذن وحثت السجن على إزالة الكاميرات، قائلة في بيان إن هذه المراقبة قانونية فقط إذا كان السجناء مختلين عقليًا ويشكلون تهديدًا على أرواحهم.
قال يوسف الشاوشي: “تخيل أنك أُلقي بك ظلمًا في السجن ثم تتم مراقبتك على مدار الساعة، حتى عندما تغير ملابسك أو تذهب إلى الحمام أو تتحدث فقط. التعذيب الجسدي محظور هنا، لذا فهم يبحثون عن طرق لتعذيبهم نفسيًّا”.
لا يزال السجناء السياسيون تحت المراقبة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وعلى الرغم من عدم قانونية هذه الإجراءات، إلا أن إدارة سجن المرناقية لم تستجب بعد لمطالب المحامين.
وتأمل العائلات في تحقيق العدالة في المحاكم، حيث يعزم أبناء السجناء السياسيين على مواصلة مطالبهم؛ حيث يقول يوسف: “يمكن أن يُحتجز والدي 14 شهرًا دون محاكمة، ولكن ماذا لو أرسلوه بعد ذلك إلى السجن لمدة 10 أو 15 عامًا؟”، وتابع: “أسوأ شيء هو أننا لا نعرف كم من الوقت يمكن أن يستغرقه هذا.. وبعد أن سُجن، ليس لدى والدي ما يخشاه الآن، وسيعود أقوى”.
وقالت آمنة لموقع “ميدل إيست آي”: “إننا نشعر بغيابهم، لكن كل هذه المحاولات لا تضعفهم، ولن يتم ثنينا أو إسكاتنا”.
وجاءت تصريحات كوثر الفرجاني على نهج آمنة ويوسف، حيث قالت: “بغض النظر عمّا يحدث لي، سأستمر في الحديث، يقول لي والدي دائمًا: اذكري جميع أسمائنا”، وأضافت: “عندما يتم خرق حكم القانون، حينها لا يسعنا إلا أن نأمل في التغيير السياسي”.
المصدر: ميدل إيست آي