ترجمة حفصة جودة
أثار اهتمام العامة مؤخرًا بأدوات مثل “ChatGPT” سؤالًا قديمًا في مجتمع الذكاء الاصطناعي: هل من الممكن الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام “AGI” (في تلك الحالة؛ الذكاء الاصطناعي الذي يصل أداؤه إلى مستوى البشر)؟
أضافت النسخة الأولية التي انطلقت هذا الأسبوع على الإنترنت مزيدًا من الضجيج، حيث تقترح أن النموذج اللغوي الضخم المتقدم “GPT-4” في المراحل من الذكاء الاصطناعي العام “AGI” لظهور إمارات الذكاء عليه.
أعلنت شركة “OpenAI” دون حرج سعيها للوصول إلى “AGI”، في الوقت نفسه، دعا عدد كبير من الباحثين والمفكرين إلى الوقف الفوري لتطوير هذه النماذج، قائلين إنها تشكل خطرًا عميقًا على المجتمع والبشرية.
لكن هذه الدعوات متكلفة ومن غير المرجح نجاحها، فجاذبية الذكاء الاصطناعي قوية ومن الصعب على البشر تجاهلها، ومن الصعب على الشركات تجاهل مكاسبها.
لكن هل المخاوف أو الآمال بشأن الذكاء الاصطناعي مبررة؟ وما مدى اقتراب “GPT-4” أو الذكاء الاصطناعي عامة من الذكاء البشري العام؟
إذا صورنا القدرة المعرفية البشرية على أنها منطقة طبيعية واسعة، فقد استولى الذكاء الاصطناعي بالفعل على مساحات شاسعة منها، إذ يستطيع الآن أداء مهام معرفية منفصلة أفضل من البشر في مجالات الرؤية والتعرف على الصور والاستنتاج وفهم القراءة والألعاب.
هذه المهارات قد تؤدي غالبًا في المستقبل إلى إعادة ترتيب سوق العمل العالمي في أقل من 10 سنوات، لكن هناك طريقتين على الأقل للنظر إلى قضية الذكاء الاصطناعي العام “AGI”.
التفرد البشري
في البداية، سيتمكن الذكاء الاصطناعي بمرور الوقت من تطوير مهارات وقدرات التعلم التي تتوافق مع مهارات البشر ويصل إلى مستوى “AGI”، ومن المتوقع أن يستطيع الذكاء الاصطناعي في النهاية تكرار قدرة البشر الفريدة على التطور المستمر والتعلم ونقل العلم من مجال إلى آخر.
حتى لو واصلت النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي تقدمها وتمكنت من إنهاء مهام متطورة، فليس هناك ما يضمن ظهور الوعي
يختلف ذلك مع الذكاء الاصطناعي الحاليّ المُدرب على مجال واحد مثل اكتشاف السرطان في الصور الطبية، لكنه لا يستطيع نقل ذلك إلى مجالات أخرى.
لذا ما يخشاه البعض، هو أنه في نقطة ما سيتجاوز الذكاء الاصطناعي ذكاء البشر، وسريعًا سيتمكن من الهيمنة علينا، ليرانا الذكاء الاصطناعي في المستقبل كما نرى النمل الآن.
يختلف العديد من الفلاسفة والباحثين على معقولية الذكاء الاصطناعي العام، مستشهدين بأن النماذج الحاليّة تجهل المخرجات بشكل كبير (فهم لا يفهمون ما ينتجونه)، كما أنه لا احتمالية لوصولهم إلى درجة الوعي لأن آداءهم تنبؤي في المقام الأول، فما يأتي لاحقًا في النص أو المخرجات الأخرى يأتي بشكل أوتوماتيكي.
وبدلًا من أن تكون ذكية، هذه النماذج تدمج ببساطة البيانات وتكررها مثلما دُربت على ذلك، لكن الوعي – الذي هو جوهر الحياة – غير موجود، وحتى لو واصلت النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي تقدمها وتمكنت من إنهاء مهام متطورة، فليس هناك ما يضمن ظهور الوعي أو تحولها إلى “AGI”، وإذا ظهر ذلك فكيف سنتعرف عليه؟
الوجود المستمر للذكاء الاصطناعي
إن فوائد قدرة “ChatGPT” و”GPT-4″ على أداء مهام بنفس كفاءة البشر أو أعلى (مثل اختبارات المحاماة والأولمبيات الأكاديمية) تعطي انطباعًا باقتراب “AGI”، هذا التصور يؤكده التحسن السريع للأداء مع كل نموذج جديد.
لا شك في قدرة الذكاء الاصطناعي الآن على تقديم أداء أفضل من البشر في بعض المهارات المعرفية الفردية، هناك أدلة متزايدة أيضًا على أن أفضل نموذج للتفاعل مع الذكاء الاصطناعي قد يكون الاقتران بين البشر والآلة حيث يُعزز ذكاؤنا ولا يُستبدل بالذكاء الاصطناعي.
تظهر بعض إشارات هذا الاقتران بالفعل مع الإعلان عن مهن مساعد طيار ومبرمجين مقترنين بالذكاء الاصطناعي لكتابة الكود، يبدو أنه لا مفر من أن مستقبلنا في العمل والحياة والتعلم سيضم الذكاء الاصطناعي بشكل منتشر ومستمر.
لا يحتاج الذكاء الاصطناعي لأن يكون واعيًا أو يملك ذكاءً عامًا، إنه يحتاج ببساطة إلى القدرة على تضمينه في شبكتنا المعرفية، لاستبدال وتعزيز بعض وظائفنا ومهامنا الحاليّة
قياسًا على ذلك، فمن المعقول النظر إلى قدرات الذكاء الاصطناعي على أنها ذكاء، لكن هذه المساحة ما زال مُتنازعًا عليها وقد عارضها الكثيرون، يقول عالم اللغويات الشهير نعوم تشومسكي إن يوم الذكاء الاصطناعي العام “AGI” قد يأتي، لكن فجره لم يبزغ بعد.
أذكى معًا؟
الزاوية الأخرى التي يجب أن نضعها في اعتبارنا هي فكرة الذكاء كما يمارسه البشر في حياتهم اليومية، فوفقًا لإحدى مدارس الفكر، نحن أذكياء بشكل أساسي وسط الشبكات والأنظمة وليس كأفراد وحيدين، فنحن نحمل معرفتنا في شبكات.
حتى الآن، هذه الشبكات بشرية بشكل أساسي، فقد ندرك فكرة أو نظرة لشخص ما (مثل مؤلف كتاب)، لكننا لا نتعامل معها كعامل نشط في إدراكنا.
لكن “ChatGPT” و”Copilot” و”Bard” وغيرهم من الأدوات المدعمة بالذكاء الاصطناعي، يمكنها أن تصبح جزءًا من شبكتنا الإدراكية، حيث نشتبك معهم ونطرح عليهم الأسئلة بينما يقومون بتنظيم وثائقنا ومواردنا.
من هذا المنطلق، لا يحتاج الذكاء الاصطناعي لأن يكون واعيًا أو يملك ذكاءً عامًا، إنه يحتاج ببساطة إلى القدرة على تضمينه في شبكتنا المعرفية، لاستبدال وتعزيز بعض وظائفنا ومهامنا الحاليّة.
إن التركيز الوجودي على الذكاء الاصطناعي العام يطغي على الفرص التي يمكن أن توفرها لها النماذج والأدوات الحاليّة، فكون الذكاء الاصطناعي واعيًا وحساسًا أم لا، لا علاقة له بالكثير من الناس الذين يستفيدون بالفعل من الذكاء الاصطناعي للمشاركة في صناعة الفن وهيكلة الكتابات والمقالات وتطوير الفيديو والتنقل في الحياة.
القضية الأكثر إلحاحًا أو ارتباطًا بالبشر لا تتعلق بإذا ما كان الذكاء الاصطناعي ذكيًا عندما يكون وحده وغير مرتبط بالناس، لكن يمكننا القول اليوم بأننا أكثر ذكاءً وقدرةً وإبداعًا مع الذكاء الاصطناعي، لأنه يعزز قدراتنا المعرفية، والآن يبدو أن مستقبل البشرية في العمل مع الذكاء الاصطناعي كفريق، وهي رحلة قد بدأت بالفعل.
المصدر: ذي كونفرسيشن