أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فجر الإثنين 3 أبريل/نيسان 2023، زيارة خاطفة غير معلنة، للمملكة العربية السعودية، حيث كان في استقباله بمطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، ولي العهد محمد بن سلمان ومستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان ووزير الدولة عصام بن سعد بن سعيد.
واستعرض السيسي وابن سلمان على مائدة السحور الذي أقامها الأخير “العلاقات الثنائية الوثيقة والتاريخية بين البلدين الشقيقين وآفاق التعاون وسبل تعزيزه وتطويره في مختلف المجالات”، وبحثا “تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية ومجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك” حسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).
الزيارة تأتي في وقت تعاني فيه العلاقات بين القاهرة والرياض من توتر نسبي في الأجواء جراء السجال الإعلامي والتراشق السياسي بين إعلاميين محسوبين على النظام هنا وهناك، فضلًا عن تعاظم الأزمة الاقتصادية التي تخنق المصريين، بجانب حزمة من التطورات التي تشهدها المنطقة ومن المتوقع أن يكون لها صداها على المدى القريب.
وتسبق الزيارة الخامسة عشر للرئيس المصري للمملكة منذ توليه الرئاسة في يونيو/حزيران 2014 القمة العربية المتوقع أن تستضيفها الرياض في مايو/آيار المقبل، وسط ترقب لتموضعات جديدة قد تشهدها تلك القمة على رأسها عودة المقعد السوري للجامعة العربية بعد غياب سنوات.. فماذا يحمل السيسي في حقيبته؟ وهل تنجح زيارته في تحقيق أهدافها؟
فخامة رئيس جمهورية #مصر يصل #جدة وسمو #ولي_العهد في مقدمة مستقبليه.https://t.co/uIpXTseiV6#واس pic.twitter.com/CLZrfjJ0Js
— واس الأخبار الملكية (@spagov) April 2, 2023
حراك دبلوماسي.. سياق مهم
لا يمكن قراءة زيارة السيسي للمملكة بعيدًا عن الحراك الدبلوماسي الذي تشهده المنطقة مؤخرًا، فقبيل ساعات من مغادرة الرئيس المصري أجواء بلاده متوجهًا إلى جدة كانت القاهرة على موعد مع تطورات سياسية لافتة، أبرزها زيارة وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقدام الذي زار العاصمة المصرية لأول مرة منذ 2011، ومن بعده رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، ومن قبلهما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الشهر الماضي، والتشاور بشأن التطورات والمستجدات التي تشهدها المنطقة وتداعياتها على الأمن والاستقرار العربي والشرق أوسطي.
كما تعد تلك الزيارة هي الأولى للسيسي للمملكة بعد الاتفاق السعودي الإيراني الموقع في بكين الذي يفترض أن يغير الكثير في ملامح خريطة المنطقة وقواعد اللعبة – على الأقل نظريًا -، هذا الاتفاق الذي يبدو أن الرياض لم تستشر فيه حلفاءها التقليديين وعلى رأسهم مصر والإمارات.
يأتي استقبال مصر للمقداد بعد أكثر من عقد على الأزمة، في إطار رغبة القاهرة في التحرك بشكل سريع في هذا الملف، وردًا على الانفتاح الذي أبدته السعودية تجاه سوريا خلال الآونة الأخيرة
ورغم ذلك أعربت القاهرة عن ترحيبها بتلك الخطوة كما جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أحمد فهمي، في بيانه الذي قال فيه إن مصر “تقدّر هذه الخطوة المهمة، وتُثمّن التوجه الذي انتهجته المملكة العربية السعودية في هذا الصدد، من أجل إزالة مواضع التوتر في العلاقات على المستوى الإقليمي، وتأكيد ارتكازها على مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة من حيث احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وترسيخ مفاهيم حُسن الجوار وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”.
الأجواء العامة تشير إلى أن التحركات العربية العربية المكثفة التي تعيشها المنطقة خلال الآونة الأخيرة تستهدف التمهيد لتراتيب جديدة وقواعد إستراتيجية مغايرة في ظل البرغماتية التي تخيم على توجهات الكثير من الدول التي باتت تغرد بمفردها خارج السرب وهو ما يمكن قراءته بشكل واضح في التحركات السعودية والإماراتية وأخيرًا التحركات المصرية.
الملف السوري
الملف الذي يراه مراقبون الأبرز على أجندة اللقاء الذي جمع بين السيسي وابن سلمان يتعلق بسوريا، ومستقبل بشار الأسد في ضوء مساعي تعويمه وإنهاء عزلته من خلال الدفع به نحو الانخراط في التكتل العربي والإقليمي، وقد نقلت وكالة “رويترز” عن 3 مصادر مطلعة قولها إن المملكة تخطط لدعوة بشار الأسد لحضور القمة العربية التي تستضيفها الشهر القادم، فيما سيتوجه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إلى دمشق في الأسابيع المقبلة، لتسليم الأسد دعوة رسمية بذلك، بحسب المصادر التي أشارت إلى أن المناقشات بشأن عودة النظام السوري للمنظومة العربية جارية منذ أكثر من عام، لكنها كانت مشروطة بحزمة مطالب سعودية على رأسها أمن الحدود ووقف تهريب المخدرات بجانب فك الارتباط الوثيق مع طهران.
اللافت هنا أن تلك المشاورات تمت بشكل فردي بعيدًا عن الجامعة العربية وهو ما كشفه المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية جمال رشدي، حين قال “المنظمة ليست مطلعة على كل خطوة على المستوى الثنائي بين الدول العربية”.
يحاول السيسي عبر تلطيف الأجواء مع المملكة وتعزيز التفاهمات بينهما في أكثر من ملف، دفعها نحو الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها السابقة، آملا أن تستجيب الرياض لتلك المساعي لانتشال الاقتصاد المصري من هذا المستنقع
وتبقى مسألة حضور الأسد قمة الرياض المقبلة مثار جدل في ظل الانقسام العربي بشأنه ومخاوف استثارة غضب المعسكر الغربي، لكن يتوقع – إذا وجهت له دعوة رسمية بالفعل – أن تكون العودة رمزية في الغالب، لكنها تعكس تغييرًا في النهج الإقليمي تجاه الصراع السوري، وفق ما ذهبت الوكالة الإنجليزية.
ويأتي استقبال مصر للمقداد بعد أكثر من عقد على الأزمة، رغم العلاقات الجيدة التي تجمع بين نظامي السيسي والأسد، في إطار رغبة القاهرة في التحرك بشكل سريع في هذا الملف، وردًا على الانفتاح – غير المنسق مع الجانب المصري – الذي أبدته السعودية تجاه سوريا خلال الآونة الأخيرة بعدما سبق وأن رفضت العديد من المبادرات المصرية لإعادة سوريا إلى الكيان العربي مرة أخرى حسبما تحدث مصدران حكوميان مصريان لموقع “مدى مصر“.
وفي ظل التغريد المنفرد لكل من القاهرة والرياض باتجاه هذا الملف تأتي زيارة الرئيس المصري لتقريب وجهات النظر مع الحليف السعودي للتوصل إلى رؤية مشتركة لتوحيد الموقف العربي قبيل قمة الرياض المقبلة، ومن المتوقع أن ينضم الأردن وكذلك الإمارات لتلك التفاهمات خلال الأيام القليلة المقبلة.
فخامة رئيس جمهورية #مصر يصل #جدة وسمو #ولي_العهد في مقدمة مستقبليه.https://t.co/uIpXTseiV6#واس pic.twitter.com/CLZrfjJ0Js
— واس الأخبار الملكية (@spagov) April 2, 2023
الدعم السعودي لمصر
الخبراء المقربون من دوائر صنع القرار في مصر، والخطاب الإعلامي المصري الرسمي وغير الرسمي، وسجالات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يجتمعون على أن الهدف الأبرز للزيارة يتمثل في بحث سبل تعزيز الاستثمارات السعودية في مصر ومحاولة إنقاذ الاقتصاد المصري من عثراته وأزمته الخانقة الذي يحياها منذ سنوات.
الكثيرون يعولون على تلك الزيارة في تبريد الأجواء المتوترة بين البلدين مؤخرًا جراء السجالات الإعلامية المتصاعدة، في ظل تلكؤ المملكة عن تعهداتها بتعزيز استثماراتها في السوق المصري، فبدلًا من ضخّ 10 مليارات دولار كانت قد تعهّدت بضخّها في أبريل/نيسان 2022، لم تضخ إلا مليار ونصف فقط، بجانب الحديث عن شروط مسبقة يجب على الدول الراغبة في الحصول على دعم سعودي الالتزام بها أولًا كما جاء على لسان وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال منتدى دافوس الاقتصادي في 18 يناير/كانون الثاني الماضي.
الرئيس المصري يحاول قدر الإمكان تسكين الغضب الشعبي جراء الأوضاع المعيشية المتردية عبر التصريحات التفاؤلية كما جاء على هامش لقائه مع الجنود في شرق القناة بمناسبة ذكرى انتصار العاشر من رمضان أمس الأول، حين قال: “توجد أزمة اقتصادية كبيرة في العالم، ولها تأثيرات علينا، وسنتجاوزها، كما تجاوزنا الإرهاب من قبل”، مضيفًا “أزمة الدولار ستكون تاريخًا”.
وكانت السعودية – إلى جانب الإمارات – جناحا الدعم الأكبر لنظام السيسي منذ توليه السلطة، حيث قدما له عشرات المليارات من الدولارت في صورة منح ومساعدات وودائع داخل البنك المركزي، لكن في الفترة الأخيرة الأمور لم تسر على النحو المطلوب، حيث تراجع هذا الدعم لأسباب عدة بعضها سياسي والآخر اقتصادي.
فيما خرجت أصوات محسوبة على النظام السعودي لتشكك في السياسات الاقتصادية المصرية وتنتقد سيطرة الجيش على الاقتصاد وتجميد القطاع الخاص لحساب المؤسسة العسكرية، محملين ذلك مسؤولية تفاقم الوضع الحاليّ.
وتعد السعودية المستثمر الأول عالميًا وعربيًا في مصر، حيث يزيد حجم استثماراتها على 55 مليار دولار، فضلًا عن حزمة استثمارية متوقعة قريبًا بقيمة 30 مليار دولار، منها 8 مليارات دولار تم توقيع اتفاقيات بشأنها بالفعل خلال زيارة ابن سلمان للقاهرة يونيو/حزيران الماضي، فضلًا عن تجديد المملكة وديعة بقيمة 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري نهاية نوفمبر/كانون الثاني 2022.
فيما يوجد قرابة 6225 شركة صناعية سعودية تعمل فى مصر باستثمارات تبلغ 30 مليار دولار، هذا بخلاف المساهمات التي يقدمها الصندوق السعودي للتنمية التي بلغت 8846.61 مليون ريال في 32 مشروعًا في مجالات الطرق والكهرباء وإنشاء مستشفيات وتجمعات سكنية في مصر.
ومن ثم يحاول السيسي عبر تلطيف الأجواء مع المملكة وتعزيز التفاهمات بينهما في أكثر من ملف، دفعها نحو الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها السابقة، آملا أن تستجيب الرياض لتلك المساعي لانتشال الاقتصاد المصري من هذا المستنقع، ومن ثم تكسير موجة الاحتقان الشعبي جراء تدني المستوى المعيشي والوصول بالبلاد إلى واحدة من أسوأ مراحلها التاريخية على الإطلاق.
بجانب ذلك هناك بعض الملفات الإقليمية المتوقع أن تحتل نصيبًا من اجتماع السيسي وابن سلمان، وإن لم تكن في صدارة جدول الأعمال، كالقضية الفلسطينية وتداعيات الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني، كذلك ارتدادات الاتفاق السعودي الإيراني على المنطقة والتفاهمات العربية بهذا الشأن.
وفي الأخير تبقى نتائج تلك الزيارة معلقة على ما يمكن أن تقدمه القاهرة من مرونة وتعاطي مع الشروط السعودية الأخيرة، ومدى تراجع المملكة عن مواقفها السابقة وضوابطها المحددة لمساعدة ودعم الدول الأخرى، وسط تفاؤل كبير لدى الإعلاميين المقربين من النظامين معًا، بأن يسفر اللقاء المشترك بين قادة البلدين عن أخبار جيدة للشعبين المصري والسعودي على حد قول المذيع بقناة “إم بي سي مصر” عمرو أديب.. فهل بالفعل تحقق الزيارة أهدافها؟