ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما زار بشار الأسد أبو ظبي في 19 آذار/ مارس، كان يُنظر إلى هذه الزيارة باعتبارها أحدث علامة على أن الديكتاتور السوري يستعد بهدوء للعودة إلى الحظيرة العربية بمساعدة حلفائه في المنطقة، لكن الزيارة كانت جديرة بالملاحظة بشكل خاص بسبب اصطحاب الأسد لزوجته أسماء الأسد؛ حيث تعتبر هذه الزيارة الأولى لها إلى الخارج منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عقد من الزمان.
وسلط حضور أسماء غير المفهوم خارج سوريا، الضوء على الدور القيادي الذي باتت تضطلع به هذه المرأة – بعد أن تم تهميشها في البداية كشابة عنيدة تزوجت حديثا وتتبنى المثل الغربية – لتصبح واحدة من أقوى الأشخاص في البلاد، على رأس الأسرة الحاكمة التي لا تعرف الرحمة في البلاد.
في الأماكن العامة؛ تقدِّم السيدة الأولى نفسها على أنها “أم الوطن”، حيث تعتني بأسر العسكريين السوريين والأطفال المصابين بالسرطان والناجين من زلزال السادس من شهر شباط/ فبراير. وهي تضع أشرطة رقيقة على شعرها، وترتدي فساتين خاطتها أرامل الرجال الذين استشهدوا في الحرب التي يقودها زوجها.
في السر؛ عززت أسماء نفوذها بشكل ملحوظ، وذلك وفقًا لمقابلات مع 18 شخصًا على دراية بعمليات النظام، بما في ذلك رؤساء الشركات وعمال الإغاثة والمسؤولون الحكوميون السابقون. وهي تسيطر حاليا على بعض المقاليد الرئيسية في الاقتصاد السوري المنهك، سواء كصانعة سياسة أو منتفعة، مما يساعد على تشديد قبضة الأسرة على بلد في حالة دمار شامل.
بشار الأسد وزوجته أسماء يزوران فتاة مصابة نجت من زلزال في اللاذقية في شباط/ فبراير في مستشفى تشرين بدمشق.
ترأس أسماء، التي كانت موظفة سابقة في بنك “جي بي مورغان”، المجلس الاقتصادي السري للأسد، والذي يعمل به مساعدون وشركاء أعمال مقربون للزوجين، وقد ساعدت المنظمات غير الحكومية التابعة لها في بناء شبكة محسوبية واسعة لعائلة الأسد، بينما تتحكم في الجهات التي تتدفق فيها أموال المساعدات الدولية في البلاد.
في مطلع سنة 2020؛ صرّح جويل رايبورن، الذي شغل منصب المبعوث الخاص لسوريا في وزارة الخارجية في عهد الرئيس ترامب، بأنه “أصبح من الواضح أن أسماء أصبحت مركز القوة الاقتصادية في سوريا”.
ويمكن ملاحظة بصماتها عبر قطاعات متعددة من الاقتصاد السوري، بما في ذلك العقارات والمصارف والاتصالات السلكية واللاسلكية؛ رغم حجبها من قبل الشركات الوهمية والمناطق الحرة والحسابات الخارجية التي يملكها شركاء مقربون.
يتأرجح الاقتصاد السوري على شفا الانهيار بسبب الصراع المستمر، والديون غير المسددة لمؤيدي النظام، والعقوبات الغربية، والانهيار المالي في لبنان المجاور، الذي لطالما كان ملاذًا لرجال الأعمال السوريين.
واقتسم بشار وشقيقه الأصغر ماهر وزوجته أسماء ما تبقى من الاقتصاد؛ حيث يقول رجال أعمال ومحللون سوريون إنهم قاموا بتفكيك طبقة التجار التقليديين في سوريا وخلقوا طرقًا جديدة للاستفادة من الحرب.
تطابق
ولدت أسماء الأخرس، 47 سنة، ونشأت في غرب لندن. ويتذكر الأشخاص الذين عرفوها أنها كانت شابة ذكية وساحرة وطموحة، تفضل التحدث باللغة الإنجليزية أكثر من اللغة العربية.
وقد أثارت خطبتها سنة 2000 إلى بشار الدهشة، حيث كان والدها ينتقد النظام، و”لكن من الواضح أن أسماء كانت متعطشة للسلطة”، على حد تعبير رجل أعمال سوري عرفها خلال فترة وجودها في لندن، مشيرًا إلى أنها “تتغذى الآن عليها على ما يبدو”.
وبعد بداية صعبة في دمشق؛ حيث أعاقت حماتها المتسلطة تقدمها وأردت حصر دورها على تربية الأطفال فقط، كرست أسماء نفسها لمبادرات غير مثيرة للجدل سياسيًا في السياحة والثقافة والتعليم. وفي سنة 2007، أنشأت منظمة الأمانة السورية للتنمية غير الحكومية والتي من شأنها أن تعزز مكانتها وتصبح أداة أساسية للنظام أثناء الحرب. وفي مطلع سنة 2011؛ مع وصول الربيع العربي إلى سوريا، نشرت مجلة “فوغ” ملفًا سيئ السمعة يصفها بأنها “وردة الصحراء”، تتويجًا لحملة ساحرة استمرت عقدًا من الزمان لإثارة الإعجاب بالزوجين في الصحافة الغربية.
أسماء الأسد تلقي كلمة خلال افتتاح المؤتمر الدولي الأول للتنمية في سوريا، الذي عقدته الأمانة السورية للتنمية، في دمشق سنة 2010.
وقال أندرو تابلر، وهو مسؤول سابق في الحكومة الأمريكية وزميل بارز متخصص في السياسة العربية في معهد واشنطن، إن “النخبة الدمشقية والدبلوماسيون الغربيون كانوا ينظرون إلى أسماء قبل الحرب الأهلية على أنها شخص “يمكنه التحدث إلى بشار بطريقة منطقية”. واعتقد الكثيرون أنها ستمارس هذا التأثير لتهدئة رد فعل زوجها على الاحتجاجات، ولكن يبدو أن هذا الافتراض كان في غير محله، فخلال أسوأ فترات الصراع، تراجعت أسماء عن المشهد العام؛ حيث قام النظام السوري بتعذيب وقتل مئات الآلاف من الأشخاص، وطرد الملايين من منازلهم.
وبحلول سنة 2016؛ مع استرجاع قوات الأسد السيطرة على جزء كبير من سوريا، خرجت أسماء للعلن بكامل قوتها. ولم يكن هذا التوقيت مصادفة؛ إذ تزامن مع وفاة حماتها في تلك السنة، فحشدت أسماء الدعم الشعبي وكسبت قلوب العلويين من خلال أعمالها الخيرية، وساعدت معركتها العلنية مع سرطان الثدي في سنة 2018 في زيادة التقارب مع عائلة الأسد. وبعد فترة وجيزة؛ عهد بشار إلى زوجته بأجزاء من محفظة الدولة الاقتصادية.
وفي الوقت الذي كانت فيه أسماء تتعافى؛ كانت البلاد تواجه ضائقة شديدة بشكل متزايد، وكان الاقتصاد ينهار، وأصبح نقص السلع الأساسية واسع النطاق؛ حيث استنفذت الحكومة السيولة لتمويل الإنفاق العسكري، وكشوف رواتب القطاع العام، والسلع المدعومة، كما كان النظام مديونًا بشكل كبير لروسيا وإيران، ثم جاء الانهيار المالي في لبنان الذي قضى على مدخرات الكثير من السوريين، وبحلول كانون الأول/ديسمبر 2019، فقدت العملة أكثر من 95 بالمئة من قيمتها قبل الحرب مقابل الدولار، مما أدى إلى إفقار شرائح واسعة من السكان.
وأجبرت هذه المتطلبات المعقدة النظام على اتخاذ إجراءات جذرية عززت قبضة بشار وأسماء شبه الكاملة على الاقتصاد، وذلك وفقًا لخبراء سوريين ورجال أعمال وأشخاص على دراية بعمليات النظام. وباءت الجهود المبذولة للوصول إلى الحكومة للتعليق على الأمر بالفشل.
كان القصر الرئاسي قد شرع بالفعل في ترقية المقربين للعمل كواجهات للعائلة الحاكمة لمساعدتهم على تجميع المزيد من الثروة الشخصية، وقد استفاد العديد من هؤلاء الأفراد من الحرب، إما عبر الانخراط في تجارة العقارات على الأراضي المصادرة، أو إدارة نقاط التفتيش، أو تجارة النفط مع مقاتلي تنظيم الدولة أو الميليشيات الكردية التي تحكم شمال شرق سوريا. ولم تكن لهؤلاء الأفراد صلات بالنخبة التجارية السورية الموالية لحافظ والد الأسد؛ ويقول رجل الأعمال السوري: “لم يسمع أحد بهذه الأسماء من قبل، ومعظمهم مجرمون، وهم أشخاص ليسوا من عائلات معروفة”. وفي نهاية المطاف، سيتم معاقبة معظمهم من قبل الولايات المتحدة لكونهم “متواطئين في تدمير الاقتصاد السوري”.
ويقول الخبير الاقتصادي والأمني السوري جهاد يازجي – على رأسهم الشقيق الأصغر لبشار ماهر الذي يدير الفرقة الرابعة الوحشية سيئة السمعة في الجيش السوري، إن عدم ارتباطهم بالدوائر التأسيسية يعني أنهم كانوا يعتمدون بشكل كامل تقريبًا على علاقاتهم مع النظام.
وقال الخبراء إن هذه العلاقة أوجدت مصادر دخل جديدة غير مشروعة للنظام – الذي يسيطر عليه ماهر إلى حد كبير – مما ساعد على إبقائه قائمًا إلى حد كبير، والتي شملت الأسلحة، وتهريب النفط، والكحول، ومبيعات عقار الكابتاغون غير القانونية، لكن هذه المصادر لم تكن كافية. لذلك؛ نفذ نظام الأسد في سنة 2019 ما أطلق عليه رجال الأعمال والخبراء السوريون حملة “شبيهة بالمافيا” لزعزعة نخبة رجال الأعمال – بمن فيهم أولئك الذين دعموا الأسد طوال الحرب – والتي استمرت حتى يومنا هذا.
بدأت عمليات الابتزاز في أيلول/ سبتمبر 2019 عندما تم استدعاء العشرات من رجال الأعمال إلى فندق شيراتون في دمشق، وطُلب منهم إيداع دولارات أمريكية في البنك المركزي للمساعدة في استقرار الليرة السورية وإلا لن يتم الإفراج عنهم. وبحسب بعض الروايات، كانت القيمة الإجمالية للودائع “عالية وتقدر قيمتها بمئات الملايين”.
الشيخة فاطمة بنت مبارك تستقبل أسماء ووفدها في قصر البحر في أبو ظبي في وقت سابق من هذا الشهر.
وأصبحت هذه العمليات شائعة، وبالنسبة للبعض، يتم استخدام ذريعة قانونية لإرسال محاسبي النظام إلى الشركات التجارية التي تبدو عشوائية لضبط الانتهاكات التي يمكن الاستفادة منها مقابل دفع غرامات باهظة الثمن. ويمكن أن يشمل ذلك التخلف عن تسديد الضرائب، أو الجمارك، أو انتهاك حقوق العملة على السلع المستوردة، أو القواعد الضريبية الجديدة المطبقة بأثر رجعي، وذلك وفقًا لخمسة رجال أعمال وثلاثة محللين.
وفي كثير من الحالات؛ يتم احتجاز المدير التنفيذي للشركة وتجميد أصولهم حتى تتمكن عائلاتهم من دفع الغرامة – التي تبلغ قيمتها عادة الملايين. ويصف أحد رجال الأعمال السوريين البارزين كيف أوقفه أفراد من قوات الأمن في شوارع دمشق في صيف السنة الماضية وطلبوا منه بأدب مرافقتهم إلى مكتب قريب، ثم وُضع في الحبس الانفرادي بهدوء لمدة 14 يومًا وبعد ذلك خيّروه بين دفع غرامة مالية كبيرة بناءً على ثروته المقدرة، أو البقاء في السجن إلى أجل غير مسمى.
عادةً ما تتجاوز الأموال التي يتم جمعها بهذه الطريقة حسابات تحصيل الضرائب ويتم إرسالها بدلاً من ذلك إلى الصناديق الخيرية أو الحسابات المصرفية التي يسيطر عليها القصر الرئاسي مباشرةً، والتي يقول الأشخاص المطلعين على خطط النظام إنها تستخدم إلى حد كبير لرعاية الأسد وإثرائه الشخصي.
دائرة أسماء
ويقال إن هذه المصادرة الممنهجة للأصول تم التفكير فيها خلال اجتماعات المجلس الاقتصادي السري للقصر الرئاسي الذي ترؤسه أسماء، كما يقول خبراء سوريون ومصادر مطلعة على خطط النظام؛ إذ إن هذه اللجنة غير معروفة خارج بوابات القصر وتنفذ عمليات مصادرة الأصول الأكثر سرية للنظام.
وعلى عكس اللجنة الاقتصادية الرسمية التابعة للحكومة، فإن هذه اللجنة غير معروفة خارج بوابات القصر وتنفذ عمليات مصادرة الأصول الأكثر سرية للنظام.
ومن غير الواضح مدى مشاركة بشار مع المجلس، رغم كونه معروفًا بأنه مدير دقيق؛ حيث يعتقد البعض أن الرئيس وزوجته يتعاونان في تسيير الاقتصاد؛ حيث توفر له المسافة المدروسة بعناية، ولكن آخرين يقولون إنه مشروع أسماء الخاص، نظرًا لخلفيتها في التمويل. وقال رجل أعمال سوري مخضرم يعرف عائلة الأخرس: “إنها تؤثر بشكل كبير على زوجها”.
وكان رامي مخلوف، ابن عم بشار، الضحية الأكثر شهرة لعمليات الابتزاز حتى الآن، والذي كان يُعرف فيما مضى باسم مصرفي النظام المنبوذ، وكان يُعتقد أنه كان يسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد السوري قبل الحرب والذي تقدر قيمته بالمليارات. وفي سنة 2019؛ نهبت السلطات إمبراطوريته المترامية الأطراف وأجبرته على تسليم أصوله الرئيسية داخل البلاد، والتي شملت “شام القابضة”، أكبر شركة سورية، وسيريا تل، أكبر شبكة للهاتف المحمول في البلاد.
وبذلك، أخضع الأسد أحد منافسيه الاقتصاديين الرئيسيين لسيطرته. وتسيطر أسماء حاليًا على مؤسسة مخلوف الخيرية وشبكة المحسوبية العلوية الواسعة، مما يوسع سيطرتها على قطاع المساعدات.
الملكة إليزابيث تستقبل أسماء وبشار في قصر باكنغهام في كانون الأول/ ديسمبر 2002
وقال خبراء ورجال أعمال سوريون إن أسماء كانت مسؤولة بشكل مباشر على الإطاحة به، ولم يرق هذا الأمر لأعضاء النخبة العلوية. وقال أحد الأقارب الساخطين “لم نمر بكل هذا لكي نضع سوريا في أيدي امرأة سنية”.
وحسبما أفادت ستة مصادر مطلعة لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، يعيش مخلوف منذ ذلك الوقت رهن الإقامة الجبرية؛ بطلب من عائلة الأسد، الذين ما زالوا يتطلعون إلى أصوله في الخارج. لقد كان يَعتقد من قبل أنه لا يمكن المساس به بسبب صلات عائلته، ولكن إذلاله العلني للسوريين أظهر أن لا أحد بعيد عن يد النظام.
إن المنتسبين المقربين من عائلة الأسد موجودون في كل مكان، بما في ذلك أبناء عمومة أسماء وأحد أشقائها على الأقل، الذين يديرون العديد من الشركات المرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا؛ حيث يمتلك ابن عمها مهند الدباغ حصة 30 بالمئة في نظام البطاقة الذكية في سوريا، وهو مخطط حكومي للأغذية المدعومة، وتقول قريبتها إن “أسماء وطاقمها يحصلون على جزء من كل مشروع تجاري جديد يتم إنجازه اليوم”.
ومع ذلك؛ فإن اسم الرئيس وزوجته غير مدونيْن في أي وثيقة؛ حيث قال إياد حامد، الباحث في برنامج التطوير القانوني السوري: “عليك أن تتذكر أنك لا تتحدث عن نظام رأسمالي عادي حيث يكون لديك تقارير ربع سنوية وشفافية”؛ ولهذا إن “تعتيم النظام متعمد”.
ومع ذلك، أدرك المسؤولين الأمريكيين أن بإمكانهم معاقبة الأشخاص المقربين من النظام الذين بدأوا يظهرون في أنماض واضحة. وأوضح رايبورن، المسؤول الأمريكي السابق، أنه “لم يكن من الصعب تعزيز العقوبات، فممثلوهم في المقدمة بارزون للغاية، وكان من السهل استهدافهم”. وعلى رأسهم ياسر إبراهيم، والذي لم يُسمع به إلى حد كبير خارج دمشق قبل أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات عليه في سنة 2020، إلا أن اسمه حاليا هو الوحيد الذي يهُم، وذلك وفقًا لـ12 من رجال الأعمال والمحللين والأشخاص الذين لديهم نظرة ثاقبة إلى الدائرة المقربة من الأسد.
يعمل ياسر إبراهيم رسميًا مستشارًا اقتصاديًا للرئيس، كما أنه أيضًا عضو في المجلس الاقتصادي السري الذي تترأسه أسماء، ويتولى – بشكل غير رسمي – العديد من الشركات التي أُجبر أصحاب الأعمال على بيعها، وفقًا لأربعة رجال أعمال في المنطقة، ومصدرين لديهم نظرة ثاقبة لعمليات النظام.
ويظهر اسمه على عشرات من وثائق الشركة، بعضها مسجل في سوريا ولبنان والبعض الآخر في جزر كايمان. ومن بين هذه الشركات شركات الاتصالات والسياحة والبناء والعقارات والأمن الخاص وشركات النفط وغيرها، وذلك وفقًا لما ذكره كرم شعار، الزميل الأول في معهد “نيو لاينز” الذي يتابع أنشطة إبراهيم.
بدأ العديد من هؤلاء المساعدين الرئيسيين مسيرتهم في وقت مبكر في مكتب السيدة الأولى، بما في ذلك لينا الكناية، التي كانت ترأس سابقًا مكتب أسماء ولكنها تعمل حاليا مستشارة وزارية. وقال ثلاثة من المصادر المطلعة إنها واحدة من مسؤولي العلاقات مع القطاع الخاص في القصر. وعند معاقبتها في سنة 2020؛ أشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى أنها “أجرت مجموعة من الأنشطة التجارية والشخصية نيابة عن أسماء”.
ومن بين الأسماء الأخرى المقربة لأسماء؛ خضر علي طاهر، صاحب أكبر شركة لبيع الهواتف بالتجزئة وتكنولوجيا المعلومات في سوريا، “إيماتيل”، وعضو المجلس الاقتصادي للقصر؛ حيث يعتقد الكثيرون أنه يدير الشركة التي تم إطلاقها في سنة 2019 نيابة عنها؛ فقد كانت إيما هو كنية أسماء خلال فترة طفولتها في لندن.
ثقة في غير محلها
وكانت منظمة الأمانة السورية للتنمية مركز قوة أسماء، ومصدر تمويلها الرئيسي، ويديرها زميلها المقرب فارس كلاس، كبير مساعديها سابقًا والعضو الحالي في المجلس الاقتصادي للقصر.
ووفقًا لمحللين وخبراء إغاثة، فإن تجربتها في إدارة المنظمة غير الحكومية قبل الحرب سمحت لها بصياغة نظام مساعدة إنسانية فاسد بشكل منهجي في البلاد، مع وجود شبكتها في جوهرها.
منذ بداية الحرب؛ قال رجل الأعمال المخضرم إن “المنظمات غير الحكومية لم تكن قادرة على العمل دون الاتصال بها”، وقالت مصادر سورية وعمال إغاثة إن العلاقة كانت سافرة لدرجة أن أسماء كانت تستضيف اجتماعات في مكتبها بالقصر الرئاسي للتفاوض بشأن عقود المنظمات غير الحكومية الدولية.
لقد استجابت جماعات الإغاثة على مر السنين بشكل روتيني لمطالب نظام الأسد، خوفًا من فقدان الوصول وتحت الضغط للحفاظ على تدفق المساعدات الإنسانية؛ حيث يقيد النظام بشكل روتيني الوصول إلى المناطق المحتاجة، ويحول المساعدات نحو مجتمعاته المفضلة ويصر على تعيين أقارب المسؤولين، كما استهدفت المجموعات المنافسة لمساعدة أسماء على تعزيز سيطرتها على صناعة تضمن تدفق الأموال. ففي السنة الماضية؛ أُجبرت منظمة غير حكومية للأطفال على الإغلاق بعد أن داهمت السلطات مكاتبها وألقت بالعديد من موظفيها في السجن، وذلك وفقًا لشخصين على علم بالمداهمات.
وتطالب هيئات الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة بالشراكة مع الوكالات الحكومية مثل الهلال الأحمر العربي السوري والصندوق الاستئماني السوري، فهؤلاء هم الشركاء الرئيسيون في توزيع المساعدات الدولية بعد الزلزال.
وتضم شبكة الأمانة السورية 14 شركة وبرنامجًا تابعين، بما في ذلك جامعة ومبادرة للتمويل الأصغر وذراع للتراث الثقافي. لكن عملها في المجال الإنساني أثار مرارًا وتكرارًا أجراس الإنذار؛ حيث يوفر الصندوق الاستئماني السوري المساعدة القانونية والدعم النفسي الاجتماعي ويدير مراكز مجتمعية مرتبطة بالأمم المتحدة للنازحين بسبب الحرب، ولم ترد على طلب مكتوب للتعليق.
وقال محللون إن ذلك يترك الأشخاص الذين أرهبهم النظام وشردهم تحت رحمة منظمة تابعة له قد تسعى للانتقام. وقالت إيما بيلز، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط “معظم الأشخاص ذوي التفكير المنطقي يتفقون على أنه من غير المفهوم بالنسبة لمؤسسة أسماء الخيرية توفير الحماية والدعم القانوني للأشخاص الذين وقعوا ضحية لزوجها”.
وذكر موقع الأمانة السورية للتنمية على الإنترنت أنه حقق “دخلًا غير متوقع” من خلال شركة الإنشاءات التابعة له “دياري“؛ حيث فازت الشركة بالعديد من المناقصات لمشاريع الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، وتعمل في مشروع مؤسسة أغا خان في حلب القديمة.
ينتقد تقرير التدقيق الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لسنة 2018 شريكًا لم يذكر اسمه في الأمم المتحدة تعاقد مع شركة “مملوكة بالكامل” لإعادة تأهيل الملاجئ مقابل 400 ألف دولار تقريبًا، وبحسب مصدرين كان الشريك الأمانة السورية للتنمية والشركة هي “دياري”.
أسماء وهي تلوح رفقة أطفال معاقين في سنة 2018 خلال حفل تخرج لأساتذة من جامعة دمشق الذين سيعملون في المنظمة السورية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
ورداً على أسئلة من صحيفة “فاينانشيال تايمز”، قالت الأمم المتحدة إن شراكاتها مع منظمة الأمانة السورية أصبحت “محدودة للغاية” وغالبًا ما تكون ضرورية بسبب “دورها المؤسسي”. وفي جميع الحالات، تتم مراقبة أدائهم بانتظام، وهو ما علق عليه فرانشيسكو غاليتيري، الذي كان حتى آذار/ مارس مسؤولًا كبيرًا في الأمم المتحدة في دمشق بأن “الشراكة لا تعني إعطاء تفويض مطلق”.
لكن الأمم المتحدة تدفع أيضًا ملايين الدولارات – 12.3 مليون دولار في سنة 2021 – للموظفين للإقامة في فندق فور سيزونز بدمشق وذلك وفقا لتحليل شركة الشاعر لأحدث بياناتها. نظريًا، يمتلك أغلبية الفندق رجل أعمال يدعى سامر فوز، الذي عوقب من قبل الولايات المتحدة بسبب علاقاته المالية مع النظام، لكن أربعة رجال أعمال سوريين وخبيرين وأحد أقارب فوز يقترحون أن جزءًا من أرباحها يذهب إلى أسماء.
ولم تنزعج أسماء من تراكم العقوبات ضد عائلتها وشركائها؛ حيث تم تصويرها، في تشرين الأول /أكتوبر الماضي، وهي ترتدي فستانًا من تصميم فالنتينو لسنة 2021 بقيمة 4500 دولار؛ أي على الأقل 200 مرة ضعف متوسط الراتب السوري اليوم.
لقد احتفظت أسماء بجواز سفرها البريطاني، والذي كانت تتطلع المملكة المتحدة إلى تجريدها منه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك وفقًا لتقارير صادرة في سنة 2021، لكن هذا لم يحدث بعد. وفرضت عليها عقوبات في سنة 2020 مع والديها وشقيقيها وابنها الأكبر بتهمة تراكم “ثروات سيئة على حساب الشعب السوري”، بينما لا يزال والداها يعيشان في لندن، ويعيش الشقيقان الآن في دمشق.
وفي ظل طرد معظم منافسيهم الاقتصاديين، قال البعض بأن الزوجين الرئاسيين يجمعان الآن الأصول لمجرد إظهار القوة؛ حيث ذكر أحد رجال الأعمال السوريين: “إنهم بالتأكيد لا يحتاجون إلى كل الأموال التي جمعوها لأنفسهم فقط، وأعتقد أنهم يشترون العقارات والمعالم فقط من أجل الهيبة والهيمنة، للتأكد من أن الجميع يعرف من المسؤول”.
المصدر: فاينانشال تايمز