أظهرت الخلافات الأخيرة التي حدثت بين تحالف السيادة والإطار التنسيقي، حول مسألة الوفاء بالتعهدات التي قطعتها قوى الإطار لتحالف السيادة قبل تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتي كان أبرزها تشريع قانون العفو العام وإعادة النازحين، عمقَ الأزمة السياسية التي يمرّ بها تحالف إدارة الدولة، الذي يشمل إضافة إليهما (الإطار والسيادة) الحزب الديمقراطي الكردستاني.
فإلى جانب أن حالة عدم الوفاء بالتعهدات السياسية تعكس بدورها أحد أبرزت سمات العملية السياسية في العراق بعد عام 2003، إلا أنها من جهة أخرى تجسّد أيضًا روح المغالبة السياسية بين أطراف هذه العملية.
فقوى الإطار التنسيقي تجدُ نفسها في وضع مريح جدًّا بعد نجاحها بتمرير حكومة السوداني، والاتفاق على مشروع الموازنة العامة، ومن ثم إنها اليوم في وضع سياسي مريح أمام قواعدها الشعبية، دون الحاجة إلى تقديم تنازلات مهمة، خصوصًا أن بعض المطالبات السنّية تلقى رفضًا قاطعًا من بعض قوى الإطار، وتحديدًا الأجنحة المسلحة.
إذ شهد اليومان الماضيان هجومًا واضحًا من قيادات فصائل مسلحة تابعة لبعض قوى الإطار، والتي رفضت رفضًا قاطعًا مسألة إعادة النازحين لبعض المناطق، أبرزها جرف الصخر وبلد ويثرب والعوجة ومناطق ذراع دجلة والسعدية، إلى جانب مناطق أخرى، معتبرين أن هذه المناطق ما زالت تمثل تهديدًا أمنيًّا.
تحاول قوى الإطار المراهنة على التحولات التي يشهدها المجتمع السنّي اليوم، وإمكانية أن تؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي داخل المدن المحررة بشكل يجعل القوى السنّية تفقد هيمنتها الانتخابية على هذه المدن.
والأكثر من ذلك، تضمّنت بعض خطابات الفصائل المسلحة هجومًا واضحًا على رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، واصفين إياه بـ”يزيد العصر”، في توجُّه يكشف حجم الرفض الكبير للحديث عن قضية إعادة النازحين، الذين قاربوا على الدخول في العام الثامن لنزوحهم من بلداتهم، في ظل عجز حكومي واضح عن حلّ هذه المعضلة.
تكشف الأزمة الحالية فشل القوى السنّية على مدار السنوات الماضية في إيجاد رؤية سياسية تضمن لهم هامشًا سياسيًّا في إنهاء “أزمات المجتمع السنّي”، إذ غالبًا ما كانت هذه القوى تطمح إلى تأمين وضعها السياسي، عبر الدخول في تحالفات لحظية تستهدف الحصول على جزء من معادلة السلطة والثروات.
كما أنها عادةً ما تنشغل في صراعات بينية من أجل حسم “زعامة المكون السنّي” لطرف سياسي دون آخر، في مقابل نجاح القوى الأخرى، وتحديدًا المنضوية ضمن الإطار التنسيقي، في استثمار هذه الصراعات وتحويلها إلى فرصة لمزيد من النفوذ والتمدد، وهو ما بدا واضحًا اليوم، إذ أصبحت تمتلك التأثير السياسي والأمني والاقتصادي الأكبر في المدن المحررة من سيطرة تنظيم “داعش”.
انتخابات قريبة وأزمات معقّدة
تحاول قوى الإطار التنسيقي المراهنة على التحولات التي يشهدها المجتمع السنّي اليوم، وإمكانية أن تؤدي هذه التحولات إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي داخل المدن المحررة من سيطرة “داعش”، بشكل يجعل القوى السنّية، وتحديدًا تقدم وعزم، تفقد هيمنتها الانتخابية على هذه المدن، عبر إظهار مدى عجزها عن الوفاء بتعهداتها الانتخابية.
ففي الوقت الذي يحاول فيه رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، إظهار معارضة سياسية وبرلمانية من أجل تمرير قانون العفو العام وإعادة النازحين، تحاول قوى الإطار من جهة أخرى عرقلة هذه الجهود، على اعتبار أنها ستُظهر الحلبوسي بمظهر الضعيف وغير القادر على إنجاز هذه الملفات، ومن ثم تحويل هذا الضعف على شكل كتلة تصويتية غير مؤيدة أو داعمة له في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن تحالف السيادة، لا سيما الحلبوسي الذي يعاني من تدهور كبير في شعبيته داخل البيئة السنّية، يحاول اليوم تصعيد ضغوطه، وتوظيف بعض الأوراق لديه لدفع الطرف المقابل للالتزام بتعهداته.
ومن بين هذه الأوراق تمرير مشروع قانون الموازنة العامة الذي تراهن عليه قوى الإطار التنسيقي لضمان استقرار نسبي لحكومة السوداني، إذ يتحفّظ الحلبوسي حتى الآن عن عرض مشروع قانون الموازنة العامة، والذي يعدّ الأضخم في تاريخ البلاد (يقدَّر بـ 152 مليار دولار)، والذي قدّمته حكومة السوداني قبل أسابيع في ظل ضغوط من قوى الإطار، لا سيما من قبل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من أجل تسريع الخطوة.
حالة الثقة بين المجتمع السنّي والقوى السنّية أصبحت ضعيفة اليوم، ومردّ هذا الضعف يعود إلى فشل القوى السنّية على مدار السنوات الماضية في إنتاج رؤية سياسية تحافظ على مصالح السنّة.
إن الخلافات الحالية بين الحلبوسي وبقية أطراف الإطار التنسيقي قد تدفع الأمور نحو مزيد من التصعيد السياسي، بل قد تهدد هذه الخلافات وحدة “تحالف إدارة الدولة”، إذ إن نجاح قوى الإطار بترويض الجانب الكردي، عبر الاتفاق على حصة الإقليم من الميزانية العامة ووضع كركوك وقانون النفط والغاز، قد لا يتكرر مع القوى السنّية.
حيث إن المطالب السنّية تمسُّ نفوذ أجنحة الإطار المسلحة، التي حاولت طيلة الفترة الماضية ترسيخ وجودها في العديد من المناطق السنّية، حتى شهدت بعضها عملية تغيير ديموغرافي واضح، فيما تحوّل بعضها الآخر إلى معسكرات وقواعد عسكرية، وهو ما يضفي مزيدًا من التعقيد على العلاقة بين السيادة والإطار.
ممّا لا شك فيه أن انتخابات مجالس المحافظات المقبلة (مقرر إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني)، ستشهد صراعًا سياسيًّا واضحًا بين الحلبوسي الذي سيحاول تأمين وضعه السياسي، وقوى الإطار التي ستحاول استثمار عملية تشكيلها للحكومة عبر هيمنتها على مجالس المحافظات.
وفيما يتعلق بالمدن السنّية، ستحاول قوى الإطار تعزيز نفوذها الاقتصادي والأمني بنفوذ سياسي، وهذا إن حصل فإنه سيكون على حساب نفوذ القوى السنّية التي ستكون أبرز الخاسرين فيما لو لم تتمكن من الإيفاء بتعهداتها.
فحالة الثقة بين المجتمع السنّي والقوى السنّية أصبحت ضعيفة اليوم، ومردّ هذا الضعف يعود إلى فشل القوى السنّية على مدار السنوات الماضية في إنتاج رؤية سياسية تحافظ على مصالح السنّة، التي أصبحت اليوم أمام صعود سياسي كبير لقوى من خارج هذا المجتمع، وقد تلعب انتخابات مجالس المحافظات دورًا في تعزيز هذا الفشل.