يمثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اليوم 4/4/2023 أمام محكمة مانهاتن للرد على الاتهامات الجنائية الموجهة له بسبب دفعه 130 ألف دولار لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز مقابل صمتها بخصوص علاقة جمعتها معه، وكانت هيئة من المحلفين قد قررت توجيه هذا الاتهام له قبل فترة بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وقد حطت الطائرة الخاصة بترامب – التي أقلته من فلوريدا – في مطار لاغوارديا مساء أمس فيما بات ليلته في برج ترامب في مانهاتن الذي شهد تجمهر المئات من أنصاره حاملين أعلامًا مؤيدة له ورافعين شعاراته الانتخابية القديمة “فلنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، وذلك استعدادًا للمثول عصر الثلاثاء أمام المحكمة.
واستبق ترامب البالغ من العمر 76 عامًا محاكمته بتغريدة على منصات التواصل الاجتماعي قال فيها: “هذه حملة اضطهاد، دولتنا التي كانت عظيمة في يوم من الأيام تتجه إلى الجحيم”، ليصبح بذلك أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، حاليّ أو سابق، يمثل أمام القضاء في مواجهة اتهامات بارتكاب جناية.
الحادثة رغم أنها ليست الأولى عالميًا، فهناك سوابق أخرى في بلدان كثيرة، فإنها حملت الكثير من المخاوف بشان ارتداداتها على الداخل الأمريكي، حديث العهد بتلك المواقف، وسط تحذيرات من انقسام محتمل بين أطياف الشعب الأمريكي المتأرجح في تعاطيه مع تلك المحاكمة بين إنفاذ القانون والتسييس.
وصل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى نيويورك، حيث سيمثل غدا، أمام محكمة لإبلاغه بتوجيه تهم جنائية إليه، في قضية دفع أموال لنجمة أفلام إباحية لشراء صمتها.
بعد وصوله بطائرته الخاصة إلى مطار لاغوارديا، غادر ترامب المطار في موكب سيارات، ووصل إلى “برج ترامب” حيث سيمضي ليلته pic.twitter.com/qtmPxn0QXa
— قناة الحرة (@alhurranews) April 3, 2023
بين القانون والسياسة
المحاكمة التي يصفها البعض بـ”محاكمة القرن” تشهد رأيين متناقضين، الأول يمثله خصوم ترامب من الديمقراطيين حيث يرون أن ما يحدث انتصار للقانون والعدالة وتنفيذ للوائح والقوانين التي تمثل أحد الركائز الأساسية للولايات المتحدة التي يتساوى أمامها الجميع.
المدعي العام في مانهاتن ألفين براغ الذي يتبع مكتبه لقضاء ولاية نيويورك يقول إن الاتهام الموجه للرئيس السابق جنائي في ضوء الأدلة التي تثبت تورطه في دفع أموال لممثلة الأفلام الإباحية نظير شراء صمتها وعدم فضح أمره، ومن ثم سيتم عرضه على جهة التحقيق وأخذ بصمته والتقاط صور له في أثناء ذلك، وهو الرأي الذي أيدته المحامية ليا ستارلي المقيمة في نيويورك التي قالت إن الأمر له علاقة بالقضاء فقط وليس هناك أي شبهة تحيز لطرف دون آخر.
وعلى الجهة المقابلة يرى أنصار ترامب أن القرار سياسي في المقام الأول، وأن له علاقة قوية بالانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يخطط الحزب الديمقراطي للإطاحة بترامب من سباق المنافسة بعد ارتفاع شعبيته في الآونة الأخيرة وتزايد فرص دخوله الماراثون القادم مرة أخرى بما يهدد فرص الرئيس الحاليّ جو بايدن إذا ما فكر في الترشح لولاية جديدة.
مثول رئيس أمام القضاء بسبب اتهامات جنائية وإن كانت هي الأولى من نوعها أمريكيًا، لكنها ليست سابقة عالمية، فهناك قرابة 75 دولة في العالم شهدت محاكمة وسجن رؤساء دول وحكومات بها، خلال العقدين الماضيين فقط، على رأسها فرنسا وكوريا الجنوبية و”إسرائيل”
ويصف محامي الرئيس السابق، اتهام موكله بتلك الجرائم بأنها أشبه بسيناريو في “عالم مقلوب رأسًا على عقب”، مضيفًا خلال تصريحات صحفية لشبكة “سي إن إن” الأمريكية أنها “قضية اضطهاد سياسي”، فيما علق أحد المناصرين لترامب ويدعى “فيتو ديكيارا” على تلك الخطوة بقوله: “أعتقد أن الحزب الديمقراطي يفعل ذلك فقط للتدخل في الانتخابات” بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وأمام المطالبين بتنفيذ القانون على الجميع، دون استثناء، وعدم إفلات أي متهم أو مذنب من العقاب حال ثبوت ارتكابه للجرائم المعاقب عليها، في مواجهة العازفين على وتر التسييس والمؤامرة لإبعاد ترامب عن المشهد الانتخابي القادم، التزم بايدن الصمت حيال هذا الانقسام، تخوفًا من استغلال أي تصريح في هذا الشأن استغلالًا سياسيًا من أنصار ترامب في الترويج له وتعزيز شعبيته.
يذكر أن رشوة دانيالز للحصول على صمتها ليس الاتهام الوحيد الذي يواجهه ترامب، فهناك قضايا أخرى من المتوقع أن يمثل بسببها أمام الجهات القضائية منها الاعتداءات التي قام بها أنصاره على مبنى “الكابيتول” في 6 يناير/كانون الثاني 2021، الذي توجه له تهم التحريض عليها، كذلك الاتهام بممارسة الضغوط على مسؤولين عن العملية الانتخابات في ولاية جورجيا في 2020، وأخرى متعلقة بتعامله مع الأرشيف الخاص بالبيت الأبيض.
عمدة مدينة نيويورك ، إريك آدامز مخاطبا أنصار دونالد ترامب : إن سلطات المدينة لن تتردد في اعتقال واتهام أي شخص يخالف القانون احتجاجًا على توجيه الاتهام للرئيس السابق . pic.twitter.com/I00gr8YUZd
— Ayda News (@AydaNews) April 3, 2023
ليست السابقة الأولى.. ولكن
مثول رئيس أمام القضاء بسبب اتهامات جنائية وإن كانت هي الأولى من نوعها أمريكيًا، لكنها ليست سابقة عالمية، فهناك قرابة 75 دولة في العالم شهدت محاكمة وسجن رؤساء دول وحكومات بها، خلال العقدين الماضيين فقط، على رأسها فرنسا وكوريا الجنوبية و”إسرائيل”، وفق ما نقل الصحفي المتخصص في الشؤون الأمريكية والعربية، طارق الشامي في تحليل صحفي له عن بحث نشره موقع “أكسيوس”.
ففي فرنسا أدين ساركوزي وجاك شيراك عام 2011 بالفساد بسبب اتهامات الرشوة، حيث عوقب الأول بالحبس، الوضع كذلك في البرازيل، حيث سُجن الرئيس اليساري لولا دي سيلفا، بعد خروجه من المنصب عام 2018 بتهمة الرشوة، وفي معظم تلك الحالات تخرج أصوات تشكك في نزاهتها وتتهمها بالتسييس والانتقام ممن هم في السلطة.
توجيه الاتهام رسميًا لترامب بالمثول أمام القضاء في حد ذاته تطورًا استثنائيًا خطيرًا، وبصرف النظر عن نتائج التحقيق، أدين أو بُرئ، فإن الولايات المتحدة باتت على مشارف حقبة جديدة من الانقسام والاستقطاب
وفي دراسة لجامعة “واشنطن” تشير إلى أن 23% من الدول التي انتقل الحكم فيها إلى النظام الديمقراطي بين عامي 1885 – 2004 مثل رؤساء سابقين لها ورؤساء حكومات أمام القضاء بتهم الفساد والعنصرية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومن أبرزها جنوب إفريقيا التي ينتظر رئيسها السابق جاكوب زوما المتهم بغسل الأموال والابتزاز المثول أمام المحاكمة بعد سنوات من المطالبات بالتحقيق معه.
ورغم تلك السوابق فإن الوضع في الولايات المتحدة مغايرًا وله خصوصية تجعل من تلك الخطوة استثناء يستوجب التوقف عنده طويلًا، حيث يضرب مرتكزًا أساسيًا من ثوابت المجتمع الأمريكي الذي دومًا يحرص على تصدير صورة مشرقة عن اختيارات شعبه ووعيهم ونضجهم في تحديد هوية من يحكمهم.
وعليه لا يمكن أبدًا لتلك الاختيارات أن تكون بهذه الهيئة التي يمثل فيها الرئيس أمام المحكمة بتهم فساد وتحريض على تهديد أمن وسلامة الدولة، وفي العادة كان من يحاكم في مثل تلك الجرائم نواب الرئيس أو مساعدوه، لكن منصب الرئيس كان منزهًا عن تلك الأمور، كما حدث قبل ذلك في فضيحة “ووترغيت” عام 1974، فرغم ثبوت الأدلة على اتهام الرئيس ريتشارد نيكسون لكنه بُرئ تمامًا، فيما تحمل مساعدوه المسؤولية الجنائية، الأمر كذلك مع الرئيس رونالد ريغان في قضية “إيران – كونترا”، وكان الهدف الرئيسي من ذلك حماية المجتمع من الانقسام والتفكك حال أدين الرئيس أو سُجن.
استطلاع TG للناخبين الجمهوريين لاختيارهم لمرشح الحزب للرئاسة في 2024
– قبل توجيه الإدانة لترامب :
دونالد ترامب %43 (+11)
رون ديسانتيس %32
ليز تشيني %5
– بعد توجيه الاتهام لترامب :
دونالد ترامب %56 (+34)
رون ديسانتيس %22
ليز تشيني %10 pic.twitter.com/dpUPJOiQbe
— Maria Maalouf (@bilarakib) April 4, 2023
مخاوف من الانقسام
ماذا لو أدين ترامب وحكم عليه بالسجن؟ سؤال تحمل إجابته سيناريو قد يكون كارثيًا على الشارع الأمريكي، حيث يتأهب أنصار الرئيس السابق للدفاع عنه بشتى السبل، مدعومين بطبيعة الحال من الشعبويين أبناء اليمين المتطرف الذي يُرضي ترامب نهمهم ويشبع طموحاتهم السياسية بتصريحاته ومواقفه المثيرة للجدل.
الإدانة هنا تعني نزول الملايين من أنصاره إلى الشوارع دعمًا له، وهنا ستكون كل السيناريوهات متاحة، حيث الصدام المحتمل مع أجهزة الأمن وأفراده، الأمر الذي قد يحول الساحة الأمريكية إلى حرب شوارع، وقد تزداد المأساة إذا ما نزل المعارضون له من أنصار الديمقراطيين إلى الشوارع كذلك تحت زعم الدفاع عن دولة القانون والعدالة في مواجهة الفوضى، ليجد الفريقان أنفسهما في مواجهة بعضهما البعض، ولذلك تداعيات لا شك أنها ستكون قاسية على منظومة الاستقرار الداخلي للولايات المتحدة.
حتى إن بُرئ ترامب من تلك التهم، فإن الأمر لن يسلم من انقسام محتمل وتعميق لحالة الاستقطاب المتوقعة، فمجرد مثوله أمام جهات التحقيق كفيل بأن يشعل الوضع، هذا بخلاف احتمالية استغلال الرئيس السابق لتلك الواقعة لتعزيز حضوره السياسي، مستندًا إلى إستراتيجية المظلومية والمؤامرة التي يتعرض لها لإقصائه من المشهد، وهي الإستراتيجية التي قد تجد صداها مؤقتًا، لكن استمراريتها مسألة غير مضمونة في ظل ارتفاع العديد من الأصوات بين الجمهوريين الرافضة لترامب والمطالبة بانسحابه من الصورة بالكلية.
تلك الخطوة ستجعل المختلفين مع ترامب من الجمهوريين مثل مايك بنس وليندسي غراهام، من أكثر داعميه بشكل غير مباشر، وذلك حين وجهوا انتقادات بالفعل للمحاكمة، واعتبروا أنها حملة من الديمقراطيين ضد الجمهوريين، خاصة أن المدعي العام في نيويورك، ألفين براج، ينتمي للحزب الديمقراطي، وكل هذا يصب في صالح ترامب لتحسين صورته
أنصار هذا الرأي يرون أن المحاكمة ستأخذ وقتًا طويلًا، ومن غير المرجح البت فيها بشكل نهائي قبل الانتخابات القادمة 2024، وهو ما قد يجعل من ترامب بطلًا في أعين مريديه، وربما تزداد شعبيته كما يقول أستاذ العلوم السياسية مدير الإدارة السياسية في جامعة “جورج واشنطن” الأمريكية، تود بيلت، في تصريحاته لـ”الحرة” ، مضيفًا أن الرئيس السابق ترامب يجيد لعب دور الضحية بسهولة، ومن المؤكد أنه سيستغل ما يحدث لصالحه”، وأضاف “هذه المحاكمة ستخلق خلافًا داخل الحزب الجمهوري، وبذلك ستتفرق الأصوات التي سيحصل عليها مرشحو الحزب في الانتخابات، وهذا سيصب في مصلحة ترامب”.
ويميل مدير معهد السياسات الدولية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أتلانتيك، باولو فان شيراك، إلى هذا الرأي كذلك، لافتًا أن مثل تلك الخطوة ستجعل المختلفين مع ترامب من الجمهوريين مثل مايك بنس وليندسي غراهام، من أكثر داعميه بشكل غير مباشر، وذلك حين وجهوا انتقادات بالفعل للمحاكمة، واعتبروا أنها حملة من الديمقراطيين ضد الجمهوريين، خاصة أن المدعي العام في نيويورك، ألفين براج، ينتمي للحزب الديمقراطي، وكل هذا يصب في صالح ترامب لتحسين صورته.
في الأخير.. فإن توجيه الاتهام رسميًا لترامب بالمثول أمام القضاء في حد ذاته تطورًا استثنائيًا خطيرًا، وبصرف النظر عن نتائج التحقيق، أدين أو بُرئ، فإن الولايات المتحدة باتت على مشارف حقبة جديدة من الانقسام والاستقطاب، تلك الحقبة التي يتوقع أن يكون لها تداعياتها على مستقبل الدولة التي تعاني من شروخ داخلية وخارجية لم تشهدها منذ تأسيسها.