ترجمة حفصة جودة
يصوم ملايين المسلمين في أمريكا شهر رمضان الآن، ومع استفاقة الناجين من كارثة زلازل سوريا وتركيا – الذي يعادل في قوته 33 قنبلة نووية – تعمل الجمعيات الخيرية الأمريكية المسلمة طوال الوقت للاستجابة لذلك ولعدد لا يُحصى من مجالات الحاجة الأخرى، وذلك بالاستعداد لأكثر موسم التبرعات ازدحامًا.
لكن فجأة تُعلق الحسابات البنكية بشكل غامض وتتوقف التحويلات وتُمنع المساعدات الضرورية، أهلًا بكم في التعامل مع النظام المصرفي كمسلمين، تلك التجربة التي تتضمن التعامل مع تمييز منهجي مؤسسي عميق.
جمعت منصة “LaunchGood” للتمويل الجماعي – التي تشبه منصة “GoFundMe” للعمل من أجل المجتمع المسلم عالميًا – أكثر من 300 مليون دولار للقضايا المحورية حول العالم، وقد جمعت مؤخرًا 10 ملايين دولار لإغاثة ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا، لكنها تعرضت للحظر 3 مرات لكونها منصة مسلمة.
بدأ الأمر لأول مرة عام 2019 عندما أوقف معالج الدفع منصة “LaunchGood” من اليوم الأول لعملهم دون أي تحذير، كان مسؤولو المنصة قد التقوا للتو قبل 3 أسابيع بالمعالج شخصيًا الذي أكد لهم أن المنصة في وضع جيد.
لم تكن هناك أي دلائل على وجود مشكلة، ولم يُقدم لهم أي توضيح عن ماهية الأمر، ولم يُمنحوا حتى الفرصة لمواجهة الأمر أو تدارك الخطأ، كان قرارًا مفاجئًا ونهائيًا، عندما سألت المنصة مديرة الحساب لماذا لم تحذرهم، أوضحت أنها لم تتلق أي تحذير أيضًا وأن القرار جاء من شريكهم المصرفي.
هذه الحوادث ليست فردية، إذ وفقًا لتقرير حديث فإن المسلمين أكثر جماعة دينية في الولايات المتحدة تواجه تلك التحديات في أثناء التعامل المصرفي
انتقلت المنصة إلى منصة دفع أخرى، لكن في ذلك الصيف استحوذ بنك أمريكي كبير على المنصة، وبالطبع ظهرت المشكلات فورًا، عندما انتقلت المنصة إلى برمجية ذلك البنك الكبير، رُفض أكثر من 50% من المتبرعين من المملكة المتحدة.
عندما بحثوا أكثر، كشفت برمجيتهم عن الكثير من الأسماء العربية والمسلمة، للأسف كما هو متوقع، فبعد 6 أشهر تلقوا رسالة إلكترونية من مدير الحساب على المنصة تخبرهم بأن البنك الكبير اتخذ قراره بإزالة المنصة، ومثل المرة السابقة لم يكن هناك أي تبرير أو تحذير أو فرصة لمواجهة القرار.
وهكذا انتقلت المنصة لمعالج ثالث في نفس العام، لكن هذه المرة بنى المديرون التنفيذيون للمنصة علاقة شخصية مع المدير التنفيذي لشركة الدفع، حتى إنهم عملوا مع ابنته للمساعدة في جمع التبرعات لبناء مدرسة في إندونيسيا.
كان موظف الامتثال مندهشًا من دقة وحذر فريق المنصة، كما أن انخفاض معدل رد المبالغ المدفوعة (مقياس للاحتيال) جعلهم عميلًا ممتازًا.
ومع ذلك، بعد بضعة أشهر، دخل أحد أعضاء مجلس إدارة منصة الدفع على موقع “LaunchGood” الإلكتروني، وبناءً على لا شيء سوى العاطفة والتحيز، أمر بحذفهم كعميل، وهكذا، مرة أخرى ودون تحذير أو فرصة لمواجهة القرار وتهدئة المخاوف، طُردت المنصة من معالج الدفع.
تخضع حسابات المسلمين الشخصية بنسبة 29% إلى الفحص والتحقيق عند إرسال مدفوعات للآخرين مقارنة بنسبة 14% لعامة الناس
اضطرت المنصة لاستثمار الكثير من الوقت والجهد لبناء نظام دفع جديد مع عدة شركاء وعدة نقاط تكرار ليستمر عملها، كان من الممكن أن تستغل هذا الوقت والموارد لتحسين إنتاجها وتوسيع شراكتها وأداء مهمتها، قدرت الشركة أن قضية منصات الدفع تلك كلفتها أكثر من 100 مليون دولار من التبرعات، وأكثر من 5 ملايين دولار من عائدات المنصة.
هذه الحوادث ليست فردية، إذ وفقًا لتقرير حديث نشره معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم بالتعاون مع منظمة الإغاثة الإسلامية في أمريكا ومنصة “LaunchGood”، فإن المسلمين أكثر جماعة دينية في الولايات المتحدة تواجه تلك التحديات في أثناء التعامل المصرفي.
تتضمن التحديات – لكن ليس ذلك فقط – عدم السماح بفتح حساب وتعليق الحساب أو إغلاقه أو خضوع المدفوعات للفحص والتحقيق، فالمسلمون أكثر عرضة بنسبة 27% للإبلاغ عن تحديات تواجههم مع المؤسسات المالية، عن العامة بنسبة 12% واليهود 14% وعلى قدم المساواة مع الأمريكيين السود بنسبة 23%.
تخضع حسابات المسلمين الشخصية بنسبة 29% إلى الفحص والتحقيق عند إرسال مدفوعات للآخرين مقارنة بنسبة 14% لعامة الناس، تقوم الدراسة على مسح تمثيلي وطني عام 2022 للجماعات الدينية وغير الدينية في أمريكا.
وبينما يخضع المسلمون للتمييز فيما يتعلق بالحسابات التجارية وغير الربحية، فإن تأثير ذلك لا يقع على الوضع المالي لشخص بعينه، بل مجتمع بأكمله، وصلت نسبة المسلمين الذين أبلغوا عن تحديات وصعاب تواجههم مع الحسابات التجارية 64% مقارنة بنسبة 26% بين العامة.
تتضمن التحديات الشائعة: خضوع 22% من الحسابات البنكية التجارية للتحقيق بسبب إرسال أموال لآخرين ومنع 21% من إرسال أو استقبال أموال من حسابات تجارية على منصات الدفع، لم يتمكن 19% من إرسال مدفوعات لآخرين من خلال حسابات تجارية وإغلاق بطاقة الائتمان التجارية.
هذه المشكلات ليست محدودة، ففي السنوات الأخيرة أبلغ أفراد مسلمون وشركات ومنظمات غير ربحية عن مواجهتهم ممارسات تمييزية في عدد من أكبر البنوك بالبلاد
لم تكن المنظمات غير الربحية التي يدفع لها المسلمون خلال شهر رمضان أفضل حالًا، فمن بين الأفراد الذين أبلغوا عن تحديات، واجه 62% من المسلمين تحديات مع الحسابات غير الربحية مقابل نسبة 17% بين العامة، يتضمن ذلك إغلاق بطاقة ائتمان الحساب غير الربحي (21%)، وعدم السماح بفتح حساب بنكي غير ربحي من الأساس (20%).
فما المبررات التي قدمتها المؤسسات المالية بشأن تلك الصعوبات؟
كانت بعض الأسباب مفهومة مثل انخفاض درجة الائتمان أو السحب على المكشوف، وهي مخاوف يواجهها القطاع المصرفي مع أي عميل، لكن بعض المبررات الأخرى تفوح منها رائحة التمييز وتقدم للمسلمين عادة.
فعلى سبيل المثال، قيل لـ29% من المسلمين إن التحويلات الدولية مقيدة أو إنهم يرسلون أو يستقبلون الأموال من شخص غير معروف، مقارنة بنسبة 2% و13% للسببين على التوالي بين العامة، كما واجه ربع المسلمين تحديًا آخر حيث قيل لهم إن هناك كلمة رئيسية في تحويلهم بمثابة “تحذير”، مقارنة بنسبة 4% بين العامة.
هذه المشكلات ليست محدودة، ففي السنوات الأخيرة أبلغ أفراد مسلمون وشركات ومنظمات غير ربحية عن مواجهتهم ممارسات تمييزية في عدد من أكبر البنوك بالبلاد، هذه المعاملة المختلفة في أثناء فتح حساب أو الإنفاق منه تنتشر في كثير من المناطق بالبلاد.
هذا الإحساس المتزايد بأن هذه الحوداث ليست فردية، دفع مجموعة من المشرعين إلى مطالبة المؤسسات المالية بتحديث سياساتها التي تضمن التمييز بناءً على الخلفية الدينية أو العرقية، يجب على صناع السياسة مواصلة البحث عن حلول لتلك القضية التي لا تنتهك فقط حقوق المجتمع المالية، بل تنتهك حرياته الدينية كذلك.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية