ترجمة وتحرير: نون بوست
في حوار لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، صرّح مسؤولون أردنيون أن ملفات عودة اللاجئين والتهريب والميليشيات من بين القضايا الرئيسية التي يسعى الأردن لحلّها مع سوريا كجزء من خطته لتطبيع العلاقات العربية مع دمشق.
عضو لجنة العلاقات الخارجية والعربية في مجلس الأعيان الأردني، محمد المومني، أوضح أن الخطة تستند إلى فكرة المعاملة بالمثل، أي بالأحرى “ساعدنا حتى نتمكن من مساعدتك”، على حد تعبيره.
في الأسابيع الأخيرة؛ تسارعت وتيرة التطبيع السوري مع جيرانها العرب، وكانت المملكة العربية السعودية آخر دولة استعادت العلاقات بشكل علني مع دمشق.
في سنة2021، افتتح الأردن، الذي استقبل نحو 675 ألف لاجئ سوري، معبرًا حدوديًا رئيسيًا مع سوريا واستأنف محادثات رفيعة المستوى مع مسؤوليه. ومع ذلك؛ لم تكن العلاقة سهلة، حيث أصبح تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود مشكلة خطيرة تسببت في تنامي استهلاك المخدرات في المملكة.
وبحسب المومني؛ فإن قضية اللاجئين هي إحدى الأولويات القصوى في مسعى الأردن الأخير للتوصل إلى اتفاق مع سوريا. وتستند الخطة – الرامية إلى حل القضايا العالقة بين سوريا والدول العربية الأخرى والمساعدة في إنهاء الحرب السورية المستعرة منذ 11 سنة – إلى “خطوات إيجابية سيتخذها النظام السوري بشأن اللاجئين، ترتكز على إعلان عفو عام يسمح للاجئين” بالعودة إلى ديارهم.
بالإضافة إلى ذلك؛ أشار المومني إلى أن المبادرة ستدعو إلى إجراء إصلاح أمني في سوريا وتؤكد على ضرورة منع الميليشيات الموالية للأسد – التي يحظى الكثير من فصائلها بدعم من قبل إيران – من تهديد الأمن الإقليمي.
وأكد المومني أن “سوريا بحاجة إلى وضع حد لتجارة تهريب المخدرات والأسلحة والذي سيُنظر إليه على أنه خطوة إيجابية ستُحفز المجتمع الدولي على التفاعل معها”. وتابع المومني – الذي شغل في السابق منصب وزير الإعلام – مبينًا أن وزير الخارجية حرص على إيصال فكرة المعاملة بالمثل لسوريا؛ مشيرًا إلى أن “الأردنيين كعرب لهم مصلحة في عودة سوريا إلى الحظيرة العربية، وهم بحاجة إلى إغلاق الفصل الدرامي السابق”.
وشدّد المومني قائلًا: “يجب أن تستعيد سوريا علاقاتها مع الدول العربية، وهذا موقف منطقي. يجب أن يكون السوريون قادرين على التمتع بالأمن والاستقرار حتى يتمكنوا من العودة والعيش بكرامة”.
المشاورات مع الدول العربية
وعلى الرغم من أن المحادثات الأردنية السورية في السنوات الأخيرة لم تجرِ بسلاسة، إلا أن رؤية دول عربية مختلفة تفتح سفارات في دمشق وتُرحّب بالرئيس السوري بشار الأسد قد أثار مخاوف من احتمال عدم سير عمّان على خطى جيرانها.
وبالمثل؛ فقدت الدول العربية نفوذها في سوريا بعد أن قطعت العديد منها العلاقات مع الأسد في أعقاب قمعه للاحتجاجات في سنة 2011. في هذا السياق؛ صرّح مصدر حكومي أردني طلب عدم ذكر اسمه: “المبادرة تهدف إلى الاستجابة للواقع الحالي في سوريا حتى لا نسمح بتدخل أطراف ثالثة في المنطقة في ظلّ تجاهل العرب للأزمة السورية منذ سنوات”، وأكد المصدر ذاته أن الصفقة: “لن تكون مجانية أو دون شروط”.
وتخطط عمَّان لإعداد مسودة تمهيدية للتشاور بعد ذلك مع الدول العربية الأخرى التي من المتوقع أن تقدم شروطها الخاصة للتطبيع الكامل مع سوريا.
وفي شأن ذي صلة؛ أوضح المصدر ذاته “على سبيل المثال، أن القضية الرئيسية التي يولي الأردن اهتمامًا كبيرًا بها هي تهريب الأسلحة والمخدرات من سوريا، وضرورة بذل السوريين جهودا أكبر للتعامل مع هذه القضية”.
في المقابل؛ سيسعى الأردن من خلال مشاوراته مع العرب إلى تخفيف العقوبات تدريجيًّا على حكومة الأسد وسيبدأ العمل على إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
وبحسب المصدر نفسه؛ فإن ذلك سيشمل حملة مصالحة وطنية تشمل إطلاق سراح السجناء وبدء عملية سياسية ديمقراطية سيتمخض عنها تنظيم انتخابات عامة حرة، وقد استأنفت الأردن بالفعل مشاورات مع الدول العربية في هذا الصدد. في سياق متصل؛ أدى الملك عبد الله الثاني، يوم السبت، زيارة إلى مملكة البحرين التي أعادت فتح سفارتها في دمشق سنة 2019، كما استقبل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نظيره اللبناني عبد الله بو حبيب يوم الثلاثاء.
وقال الصفدي خلال لقائه ببو حبيب إن الأردن ينسق مع المجتمع الدولي، وأضاف أن عمَّان تريد التوصل إلى حل سياسي يشرك الحكومة السورية بخطوات متبادلة تهدف إلى الوصول تدريجيًّا إلى إنهاء هذه الأزمة من خلال إيجاد حل لقضاياها السياسية والإنسانية والأمنية.
منافع اقتصادية
بعد مواجهة عقد من الصراع في الجوار؛ يأمل الأردن في جني فوائد اقتصادية وأمنية جادة من مبادرته؛ حيث يشترك الأردن في حدود طولها 375 كم مع سوريا، وقد ساهم عدم الاستقرار المصاحب للصراع في تدهور اقتصاد المملكة.
في شأن ذي صلة، أوضح مأمون أبو نوار، وهو لواء أردني متقاعد وخبير عسكري، إن “عمَّان تسعى إلى الحد من وجود الجماعات المدعومة من إيران بالقرب من الحدود الأردنية، والتي تعتقد أنها مسؤولة عن عمليات التهريب التي أضرت المملكة بشكل كبير”.
وأضاف أبو نوار بأن “الأردن يأمل في جني فائدة تجارية اقتصادية، لكن السؤال الذي يصعب الإجابة عليه هو ما إذا كانت هذه المبادرة ستنجح دون موافقة الولايات المتحدة والقبول الضمني لروسيا“.
وتواصل واشنطن معارضة أي تواصل مع دمشق وتقود نظام عقوبات غربي قاسي على سوريا. وفي الوقت نفسه؛ تعد روسيا واحدة من أهم داعمي الأسد ولديها وجود عسكري كبير في سوريا منذ أن تدخلت في الحرب دعما للحكومة السورية في سنة 2015. وفي غضون ذلك؛ تدهورت العلاقات بين واشنطن وموسكو في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وعلى الرغم من هذه التحديات المحتملة؛ يبذل الأردن جهودًا حثيثة لمناقشة التطبيع السوري مع الدول العربية، على أمل وضع خطة عملية قبل اجتماع جامعة الدول العربية المقرر عقده في الرياض في 18 آيار/مايو.
وبحسب ما ورد سيتوجه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود إلى دمشق في الأيام القليلة المقبلة لتسليم دعوة رسمية للأسد لحضور القمة؛ حيث تجدر الإشارة إلى أنه تم تعليق عضوية سوريا من جامعة الدول العربية في سنة 2011.
ومع ذلك؛ يعتقد أبو نوار أن المبادرة الأردنية “ستصل إلى طريق مسدود”، في إشارة إلى مخططات الأمم المتحدة المدعومة من قبل الغرب للتوصل إلى تسوية في سوريا من خلال صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة؛ مشيرا إلى أن “نظام الأسد لن يقبل هذه الشروط”.
تهديد الولايات المتحدة بحق النقض
علاوة على ذلك، أشار أبو نوار إلى أن التهديد الأمريكي باستخدام الفيتو ضد المبادرة الأردنية يلوح في الأفق، لا سيما بعد المقابلة التي أجراها مع السفير الأمريكي في الأردن هنري ووستر في صحيفة الرأي الأردنية اليومية يوم الأحد.
في المقابلة؛ شجب ووستر تنامي حركة التطبيع مع الحكومة السورية، مشيرًا إلى خارطة طريق الأمم المتحدة لسنة 2015 باعتبارها الطريق الصحيح الذي ينبغي اتباعه، وقال مؤكدًا: “الولايات المتحدة لا تؤيد تطبيع العلاقات مع نظام الأسد ولا تعتقد أن ذلك سيصبح حقيقة في وقت قريب”.
في سياق متصل؛ أوضح عامر السبايلة، أستاذ العلوم السياسية، لموقع “ميدل إيست آي” أنه “بينما تعالج الدول العربية القضايا الميدانية من خلال تواصلها مع سوريا؛ يرتبط موقف الولايات المتحدة ارتباطًا وثيقًا بنظرتها إلى روسيا”، وتابع قائلا :”لا سيما بسبب وجود صراع مفتوح اليوم بين أوروبا والولايات المتحدة من جانب وروسيا من الجانب الآخر”؛ مؤكدا أن “الأزمة السورية ستبقى قائمة لبعض الوقت لأن هذه القضايا مترابطة ومتشابكة”.
على الرغم من أن الدول العربية يمكن أن تتوصل إلى تفاهمات خاصة بها مع دمشق؛ إلا أن قضية العقوبات الغربية ستبقى قائمة.
في الشأن ذاته؛ أوضح السبايلة أن “الولايات المتحدة ليست على استعداد لتقديم تنازلات بشأن هذا الموضوع. وستكون الدول التي تشارك في هذه المبادرة في موقف صعب لأن الولايات المتحدة ستكون هي صاحبة القرار، لكن هناك دول – مثل الإمارات العربية المتحدة – تعتقد أنه إذا تمّ التوصل إلى حلّ بشأن هذه القضية على المستوى العربي، فإنها ستنتقل بعد ذلك إلى المستوى الدولي”.
المصدر: ميدل إيست آي