تراجيديا يونانية في ثوب سوري

Screen Shot 2014-12-15 at 9

ترجمة وتحرير نون بوست

في طابور طويل يجلسن، ترتدي كلٌ منهن حجابًا أحمرًا وعباءة سوداء، ثم تقوم واحدة تلو الأخرى لتمشي على المسرح وتقف ليُسلَّط عليها الضوء، فينبعث صوت — غاضب أحيانًا — لرجل في الخلفية، وحين ينتهي تعود إلى موقعها لتتبعها غيرها.

كذا جرت بروفة مسرحية “أنتيجوني سوريا”، والتي يقوم بإخراجها عمر أبو سعادة، في مسرح المدينة في شارع الحمرة ببيروت، حيث تقوم هذه المجموعة من اللاجئات السوريات من مختلف الأعمار، برواية قصصهن، ليس فقط عن أنتيجوني اليونانية، ولكن عما شاهدنه جراء الصراع في سوريا.

هي ربما فرصة لإيصال أصواتهن إلى العالم، وفرصة للتعبير عن آلامهم، كما تقول وسام، البالغة من العمر 32 عامًا، والتي تحكي عن ظروف العيش في مخيّم اليرموك في دمشق. “طلب مني زوجي أن أبيع عُقدًا كان قد أهداه لي في السابق، كنا جميعًا مفلسين، ولكنني رفضت، لأحتفظ بهذا العقد كملجأ أخير لي ولبناتي.”

استخدام التراجيديا اليونانية للتعبير عن الأوضاع السياسية ليس أمرًا جديدًا، فأنتيجوني التي كُتِبَت في القرن الرابع قبل الميلاد تحكي قصة أنتيجوني التي تقف بوجه كريون، الحاكم الجديد، وقوانينه، وفي القلب من هذا العمل تقع مفاهيم مثل الأسرة وسلطة الدولة والعصيان المدني، لتكون مناسبة تمامًا لوطن تمزّق اجتماعيًا وسياسيًا جراء الصراع الأهلي.

يشعر أبو سعادة، والذي أخرج مسرحية “نساء طروادة” في الأردن في مطلع هذا العام، بصلة وثيقة بين أنتيجوني وما عاشه الكثير من السوريين من تمزق بين شتى الفرق، وغياب الخط الواضح بين الحق والباطل في خضم تزايد الفصائل المتصارعة على الأرض، “معظم النساء هنا يرون أنفسهن في أنتيجوني بشكل كبير في صراعها مع السلطة، وجلدها في الموقف الذي واجهته”.

حين فُتِح الباب للانضمام إلى المسرحية، انضمت 41 من اللاجئات، وهو رقم تضاءل حتى وصل إلى 22 بعد بضعة أسابيع نظرًا للالتزام المطلوب بالبروفات ورفض أزواج البعض الاستمرار في العروض.

ليس الأمر فقط تعبير عن الأوجاع السياسية، بل مساحة للتعبير عن الذات، كما تقول رُبا، البالغة من العمر 18 عامًا، والقادمة من درعا، حيث تشعر بالسعادة لوجود شيء يأخذها من نمط الحياة التقليدية في مخيم صبرا وشاتيلا، ومن عملها كمساعدة في أحد محال الكوافير. “المخيم مثل السجن، والخروج منه يوميًا نافذة على الحياة. إنها راحة من أوجاعنا اليومية أن آتي هنا كل يوم وأمضي بعض الوقت، وهو أمر يساعدني ربما على تحمّل المعيشة بقية الوقت.”

“لم أضرب ابني منذ المشاركة في هذه المسرحية”، هكذا قالت إحدى اللاجئات، والتي تشعر بأن المشاركة تحسّن كثيرًا من حالتها الشخصية ومن علاقتها بابنها عبر التعبير عن نفسها وذاتها بشكل أكثر حرية.

أثناء الراحة تتوزع مناقيش الزعتر هنا وهناك، بينما تراجع بعض النساء ما يجب عليهن حفظه وتراقب أخريات أطفالهن القابعين في حضانة تابعة للمسرح. يقول سكاردينو، أحد المنظّمين، بأن الأطفال أيضًا يشاركون بالتعبير عن أنفسهم، وأنهم يجدون في المكان هنا مساحة للحركة بحرية أكثر مما يجدون في المخيمات.

لا عجب إذن من التغيّرات التي جرت في حيوات المشاركات، لا سيما وقد أخذن في الانفتاح أكثر فيما يخص تفاصيل حكاياتاهم. يقول سكاردينو أن المزيد من المعلومات كانت تخرج منهن بمرور الوقت، لا شك أنهن خفن من قولها في البداية.

الكثير من النساء اللواتي ظهرن على المسرح أثناء المسرحية، والتي عُرِضت منذ أيام، شاركن تجاربهن على موقع أبِرتا، أحد المنظّمين، والتي تعج بحكابات عن العنصرية والقهر والاكتئاب، ولكنها أيضًا مليئة بمشاعر الأمل التي عايشنها أثناء عملهن وتمثيلهن بمسرحية أنتيجوني إذ رفعت كثيرًا من معنوياتهن وأثرت حيواتهن.

هذا التشجيع الذي لمسهم شخصيًا، وصل إلى عائلاتهم أيضًا، إذ تقول وسام، “زوجي سعيد جدًا لأجلي وسعيد حيال ما أقوم به. فهو يرى إلى أي درجة تغيّرت وأصبحت أكثر سعادة. حين أعود إلى منزلي ويكون علي حفظ بعض السطور للمسرحية، يقوم بمساعدتي، وهو حريص ومتحمس للمسرحية وفخور بي.”

بعد أكثر من ألفي عام من خيار أنتيجوني بأن تكرّم وتشرّف عائلتها على حساب مطالب الدولة التي عاشت في ظلها، يبدو أن أولئك النساء أيضًا يسرن على خطواتها في التعبير عن حبهم الأساسي لأسرهم ولحرياتهم، قبل ولائهم لأي نظام أو فصيل.

المصدر: ميدل إيست آي