ترجمة وتحرير: نون بوست
نال حمزة يوسف أكثر مما يستحق من الإساءات العنصرية إلى أن أصبح أول مسلم وأول شخص من أصول آسيوية يتولى أعلى منصب في الحكومة الأسكتلندية ويتولى قيادة حزب سياسي رئيسي في بريطانيا.
لربما استهدف حمزة يوسف بالتهديد أكثر من معظم المسلمين، وكان عليه أن يفكر ملياً بعواقب الترشح لمنصب الوزير الأول على أفراد عائلته.
حمزة يوسف وزميله المسلم أنس سروار، الذي يترأس حزب العمال الأسكتلندي، كلاهما تعرضا للتمييز والإسلاموفوبيا
في تصريح لصحيفة ذي سكوتسمان، قال حمزة يوسف: “كانت واحدة من الحوارات الطويلة، والحوارات الصعبة، التي دارت بيني وبين أفراد عائلتي الذين يعرفون ما أتعرض له من إساءات عنصرية ومعادية للإسلام والمسلمين. في نهاية المطاف، فإنك في الواقع لا تقلق كثيراً على نفسك، وإنما تقلق على أطفالك”.
بعد أن شبهه أحد السياسيين الأسكتلنديين ذات مرة بشخصية “أبي حمزة” واعظ لندن الذي أدين في الولايات المتحدة بخطف السياح الغربيين في اليمن، فإن حمزة يوسف صار يتنقل من مكان إلى آخر وفي جيب معطفه جهاز إنذار.
خلال أسبوع من أدائه القسم بالأردو والإنجليزية، كان حمزة يوسف يتعامل مع تداعيات مداهمة الشرطة لمنزل بيتر ماريل، المدير التنفيذي السابق للحزب الوطني الأسكتلندي وزوج الوزيرة الأولى السابقة نيكولا ستيرجون، في تحقيق يتعلق بالشؤون المالية للحزب.
بدأ حمزة يوسف نشاطه في مقتبل العمر، وذلك كمتطوع في هيئة الإغاثة الإسلامية وله من العمر عشر سنين. ثم شارك في تنظيم حافلات لنقل المتظاهرين من غلاسغو إلى أكبر مظاهرة نظمها تحالف “أوقفوا الحرب” ضد حرب العراق في عام 2003، وهو ما جعله محط اهتمام بريتبارت، موقع اليمين المتطرف في الولايات المتحدة.
ثم عين ناطقاً إعلامياً باسم هيئة الإغاثة الإسلامية قبل أن يترشح للبرلمان الأسكتلندي في عام 2011.
حمزة يوسف وزميله المسلم أنس سروار، الذي يترأس حزب العمال الأسكتلندي، كلاهما تعرضا للتمييز والإسلاموفوبيا، المتجذرين في المجتمعات الغربية. وتلك قوى محلية.
أجندة أجنبية قوية
ومع ذلك فإن هناك أجندة أجنبية قوية ضالعة في الأمر، وهذه لديها محفز مختلف تماماً من أجل تأجيج الإسلاموفوبيا في أوروبا والولايات المتحدة. وهذه الحملة مستمرة منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وأطلقت أساساً كرد فعل على الربيع العربي، عندما شعر جميع المستبدين في الخليج بخطورة الأحداث التي وقعت في تونس ومصر واليمن ولفترة قصيرة سوريا.
أفلح منظرو هذه الأجندة في التأثير على السياسة الحكومية في بلدان مثل بريطانيا وألمانيا والنمسا وفرنسا. وتمكن ذبابها الإلكتروني من تشويه سمعة كثير من الناس، بل وأفسدت افتراءاتها مؤسسة مثل وورلد تشيك، التي تعد بيانات غاية في السرية تستخدم من قبل البنوك للتدقيق في مدى التزام العملاء بالمعايير المطلوبة، وكان من نتائج ذلك التسبب في إفلاس أعمال تجارية مشروعة.
تمول هذه الحملة من قبل حكومة لا حدود لهدرها للأموال، والأسوأ من ذلك أن العقل المدبر الذي يقف من وراء ذلك كله هو عقل رجل مسلم بات الآن يحتل منصب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إنه محمد بن زايد.
في نفس اليوم الذي انتخب فيه حمزة يوسف وزيراً أول في حكومة أسكتلندا، كشفت صحيفة ذي نيويوركر كيف دفعت الإمارات العربية المتحدة لمؤسسة استخباراتية خاصة مقرها جنيف، واسمها آلب سيرفيسز، من أجل تشويه سمعة أكبر منظمة خيرية بريطانية، ألا وهي هيئة الإغاثة الإسلامية حول العالم، من خلال ربط مسؤوليها بجماعة الإخوان المسلمين وبالمتطرفين الذين يمارسون العنف.
وبحسب ما ورد في تقرير “ذي نيويوركر”، فقد حاولت مؤسسة آلب ربط حشمت خليفة، عضو مجلس أمناء هيئة الإغاثة الإسلامية حول العالم بالإرهاب بسبب تعاونه مع منظمة إغاثة مصرية في البوسنة في تسعينيات القرن الماضي. وأخفقت تلك المحاولة، ولكن مؤسسة آلب راحت تنقب في تاريخ صفحات خليفة في مواقع التواصل الاجتماعي، فاكتشفوا أنه شارك في نشر كتابات معادية للسامية بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2014.
أرسلت مؤسسة آلب بهذه المعلومة إلى صحيفة ذي تايمز في لندن، والتي نشرت تقريراً حول الموضوع، فما كان من خليفة إلا أن استقال من هيئة الإغاثة الإسلامية حول العالم، والتي قامت بدورها بالتنديد بتلك الكتابات معتبرة إياها قبيحة ومرفوضة.
ما لبثت الهيئة بعد ذلك أن تعرضت لتسونامي من الضغط، حيث حثت وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب جميع الهيئات الحكومية على إعادة النظر في “علاقاتها مع هيئة الإغاثة الإسلامية حول العالم”. وبناء على ذلك فتحت مفوضية العمل الإغاثي في بريطانيا ووكالة التنمية الدولية في السويد تحقيقات في الأمر، بينما أوقفت ألمانيا كل الدعم المقدم لهيئة الإغاثة الإسلامية، وهددت البنوك بوقف تحويل أموال هيئة الإغاثة الإسلامية إلى مناطق الكوارث والأزمات حول العالم.
تقول هيئة الإغاثة الإسلامية إنها أنفقت مئات الآلاف من الدولارات من أجل البقاء على قيد الحياة، فمولت عمليات تدقيق خارجية وبذلت جهوداً كبيرة في تفنيد المعلومات الكاذبة والمضللة في آليات البحث في الإنترنت، ودفعت تكاليف هيئة تحقيق مستقلة يرأسها دومينيك غريف، المدعي العام السابق، والتي خلصت إلى أن هيئة الإغاثة الإسلامية “منظمة خيرية عالية الكفاءة” وأنها خالية تماماً من أي معاداة للسامية في عملها المؤسسي.
وفي تصريح لصحيفة ذي نيويوركر، قال وسام أحمد، المدير التنفيذي لهيئة الإغاثة الإسلامية، إن الضرر الذي لحق بسمعة الهيئة كانت له تداعيات على الملايين حول العالم ممن يعتمدون على مساعداتها، وقال إن ذلك “أضر بعملنا الإغاثي وتسبب في تأخيره”. وعندما سئل لماذا سعت الإمارات العربية المتحدة إلى تقويض هيئة الإغاثة الإسلامية أجاب: “هذا هو سؤال الملايين العديدة من الدولارات”.
وهو كذلك بالفعل، فلماذا تسعى حكومة بلد مسلم إلى القضاء على أكبر منظمة خيرية؟
اتصال فيروسي خبيث
في عام 2014، في الأيام الأولى لهذه الحملة، نشرت الإمارات العربية المتحدة قائمة بست وثمانين مجموعة إرهابية، كان من بينها مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية. وزعمت أن هيئة الإغاثة الإسلامية حول العالم كانت فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين، وهي تهمة تنفيها المنظمة نفياً قاطعاً.
لم تكن هيئة الإغاثة الإسلامية الوحيدة في هذا الاستهداف.
يذكر أن مؤسسة آلب هي من إبداعات شخص اسمه ماريو بريرو، وهو محقق سويسري، له سوابق في انتهاك القانون في كل من سان فرانسيسكو وسويسرا. ولقد وصف تخصصه بأنه “حملات اتصال فيروسي خبيث”.
مثل شركة إن إس أو، التي طورت برنامج بيغاسوس لاختراق الهواتف الجوالة والتجسس عليها، ظن بريرو أنه يبيع خدمة تتمتع بما يكفي من القوة بحيث تجذب اهتمام رؤساء الدول. وقد تفاخر لدى الإمارات المتحدة في الثاني عشر من مايو/ أيار 2017 بأن “العديد من رؤساء الدول” وغيرهم من “الأفراد الأثرياء والمتنفذين” استفادوا من قدرة آلب على تحسين أو الحط من سمعة الآخرين عبر الإنترنت”.
وفعلاً، وظفت الإمارات العربية المتحدة بريرو، وخصصت له، بحسب ما ورد في تقرير صحيفة ذي نيويوركر، أجراً شهرياً مقداره 200 ألف يورو من أجل إيجاد ومهاجمة الأهداف في كل أنحاء أوروبا، ناهيك عن الرسوم الإضافية التي يتقاضاها مقابل القيام بمشاريع محددة لمرة واحدة. كانت أولى تحركاته هي التواصل مع أكاديمي إيطالي حقق شهرة من خلال تصيد عناصر جماعة الإخوان المسلمين وربطهم بالجماعات المتطرفة.
يدير لورنزو فيدينو برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن، ويقدم نفسه باعتباره خبيراً في الحركات الإسلامية في أوروبا وأمريكا الشمالية، ركزت أبحاثه على ديناميكيات الاستنفار لدى شبكات الجهاديين في الغرب، والسياسات الحكومية لمكافحة التطرف، والمنظمات التي تستلهم فكر جماعة الإخوان المسلمين في الغرب.
تم اختيار مصطلح “التي تستلهم فكر جماعة الإخوان المسلمين” بعناية، لأن الاتهام الكاذب لأي شخص مسلم بالعضوية في الجماعة يمكن أن يعتبر تشهيراً. بدلاً من ذلك يقسم فيدينو أهدافه إلى ثلاث فئات: “إخوان مسلمين خلص”، “ذراري الإخوان”، ثم “منظمات متأثرة بالإخوان”.
على الرغم من أن فيدينو يقر بأنه من الخطأ الجسيم تحليلياً وضع فكر الإخوان المسلمين في سلة واحدة مع فكر السلفيين والجهاديين، إلا أنه في واقع الأمر يقوم بذلك بالتمام والكمال. ففي نشرة حول الإخوان المسلمين في النمسا، نشرت في عام 2017، قرر أن المنظمة “تروج لسردية من شأنها، من خلال تبني المظلومية وتبرير العنف، أن توجد البيئة الخصبة للتطرف”.
يقول فيدينو إن الجماعات الغربية، التي يصفها بشكل غامض بأنها “كيانات إخوانية”، تبالغ في توصيف الحوادث والمواقف المعادية للمسلمين –والتي يعترف دون شك بوجودها – من أجل ترسيخ “عقلية الحصار” داخل المجتمعات الإسلامية المحلية، وخاصة في النمسا. وفي نفس الوقت، بحسب ما يقول، ترى جماعة الإخوان أن العنف مشروع حيثما كان المسلمون، من وجهة نظرها، تحت الاحتلال، ولذلك فهي تقوم بتمويل منظمات مثل حماس.
قص ولصق
لا وجود في هذا التحليل لأي إشارة إلى وفرة من الأدلة على أن حماس تتخذ قراراتها بشكل مستقل عن الجماعات الإسلامية الأخرى وأنها تقصر المقاومة المسلحة على فلسطين. وكما يقر جهاز شين بيت الإسرائيلي، فإن القضية الوطنية الفلسطينية تلعب دوراً أكبر بكثير من الدين، ولذلك فإن عمر الجهاديين في غزة قصير.
يمضي فيدينو قدماً في تبني أسطورة أن جماعة الإخوان المسلمين تخلق مشكلة للتماسك الاجتماعي في أوروبا، وهي الأسطورة التي تنطلق من العبارة الفتاكة التي مضمونها أن الجماعة تناقض القيم الأوروبية.
نفس هذه الكلمات تم قصها ولصقها لتصبح جزءاً من السياسات التي تتبناها الحكومات في كل من بريطانيا وألمانيا والنمسا وفرنسا. قبل سنتين من إصداره لنشرته حول الإخوان المسلمين في النمسا، نفى فيدينو تقريراً نشرته صحيفة ذي تليغراف مفاده أنه شارك في الدراسة التي أعدها حول جماعة الإخوان المسلمين السير جون جنكنز.
وقام مركز بحثي إماراتي يدعى المسبار بنشر كتاب من تأليف فيدينو عنوانه “جماعة الإخوان المسلمين الجديدة في الغرب”.
وحينذاك، صرح فيدينو لموقع ميدل إيست آي بما يأتي: “كنت ببساطة قد كلفت بإعداد ورقة بحثية وتقديم إحاطة للناس الذين يعدون الدراسة – تماماً مثل كثير من الأكاديميين الآخرين الذين تمت الاستعانة بهم لهذه الغاية”.
كان من بين عشرات المواطنين الذين اعتقلوا بتهمة الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين فريد حافظ، الأستاذ الزائر في الدراسات الدولية في كلية ويليامز
في نفس السنة التي شهدت نشر الورقة النمساوية، تلقفت الحكومة الإماراتية فيدينو على عجل. تكشف رسائل الإيميل المسربة للسفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، عن أنه بعث ببحث فيدينو إلى وزير الخارجية الإماراتي واصفاً البحث بأنه “ورقة حول تمكين الصوت المعتدل للإسلام في الولايات المتحدة من أجل مواجهة ثم هزيمة أصوات الإسلاميين في نهاية المطاف”.
ما لبث العتيبة بعدها أن رتب لعقد اجتماع بين فيدينو وعبد الله بن زايد الذي أضحى شريكه في التأليف ومديره في العمل.
كانت أوراق فيدينو سياسة تنتظر الهجوم التالي في أوروبا. فعندما أقدم مسلحون، قيل إنهم يتعاطفون مع تنظيم الدولة الإسلامية، على قتل أربعة أشخاص في هجوم وقع في فيينا في عام 2020، أمر وزير الداخلية النمساوي بشن أكبر حملة مداهمة ضد الإرهابيين المزعومين في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
كان من بين عشرات المواطنين الذين اعتقلوا بتهمة الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين فريد حافظ، الأستاذ الزائر في الدراسات الدولية في كلية ويليامز وكبير الباحثين غير المقيم ضمن مبادرة الجسر التابعة لجامعة جورجتاون.
ما لبثت حملة الاعتقالات أن تهاوت بعد أن ثبت أنها لا تقوم على أساس –وهي الحقيقة التي أكدتها المحكمة الولائية العليا في غراتز بعد اعتراضات تقدم بها العديد من المتهمين.
كتب حافظ في ميدل إيست آي يقول: “بينما اتهم الادعاء بعضاً ممن استهدفوا في حملة المداهمات بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، أشارت المحكمة إلى أن جماعة الإخوان لا تعتبر منظمة إرهابية داخل النمسا”. بعد عملية استمرت لأكثر من سنة ونصف، تضمنت ما يزيد على الـ21 ألف ساعة من التسجيلات الهاتفية وأكثر من مليون صورة، لم تثبت أي تهم.
تجريم المسلمين
إلا أن ذلك لم يحل دون أن تجرم الحملة التي شنتها الدولة النمساوية المجتمع المسلم. ولقد حققت هذه الاستراتيجية غايتين: أما الأولى فهي التستر على الإخفاق الذي منيت به المخابرات النمساوية بشأن الهجمات نفسها، وأما الثانية فهي إثارة جو من الرعب حول الإسلام السياسي وما نجم عن ذلك من إجراءات مثل منع الحجاب وإغلاق المساجد.
في عام 2021، شنت الحكومة النمساوية “خارطة وطنية للإسلام” تظهر مواقع 620 مسجداً وجمعية إسلامية في أرجاء البلاد.
في تصريح لإذاعة أو آر إف، قال طرفة باغاجاتي، رئيس مبادرة النمساويين المسلمين: “تصوروا لو أننا كانت لدينا خريطة وطنية لليهودية أو للمسيحية”.
بل ذهبت النمسا إلى ما هو أبعد من ذلك حين ابتكرت علامات طرق خاصة به، تحمل صورة مسلم مزعج كتب تحتها: “حذار، فالإسلام السياسي في الجوار”. غني عن القول أن ذلك كان فوق ما يتحمله مجلس أوروبا نفسه، الذي طالب بسحب الخريطة.
في تصريح لصحيفة ذي نيويوركر، أكد فيدينو أنه عمل لصالح مؤسسة آلب، وقال: “إنه نفس البحث الذي أقوم به بغض النظر عن أي شيء، فليس مهماً في الواقع من هو الزبون النهائي، فأنا لا أجيد سوى هذا العمل، ولم أزل أبحث في جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا منذ ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً”.
والآن هناك على الأقل مؤشرات على الصدود، ولا أدل على ذلك من أنه بعد نشر تقرير “ذي نيويوركر”، قرر أستاذان أمريكيان سحب ارتباطهما ببرنامج التطرف الذي تنفذه جامعة جورج واشنطن.
غردت هيلاري ماتفيس، الأستاذ المساعد في جامعة دنفر والزميل السابق في برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن، قائلة: “كان يجب علي قبل الارتباط بالبرنامج إجراء عمليات التمحيص اللازمة حول ما يقوم به المدير من أبحاث ويمارسه من نشاطات. لم أفعل ذلك، وأنا نادمة. ولكي أكون في غاية الوضوح، فأنا أندد بالإسلاموفوبيا بأشد ما يمكن من العبارات”.
في اليوم التالي، قالت سينثيا ميلر إدريس، المدير المؤسس لمعهد البحث والإبداع حول الاستقطاب والتطرف في الجامعة الأمريكية والزميل السابق في برنامج التطرف التابع لجامعة جورج واشنطن، إنها تريد لاسمها أن يرفع، رغم أنها لم تكن تحتل منصباً تتلقى عليه أجراً.
إلا أن الضرر وقع، ففي فرنسا وحدها، بحسب ما خلص إليه حافظ، تم وضع أسماء 24,887 منظمة أو مؤسسة مسلمة على قائمة سوداء سرية وقيد الرصد والمراقبة الحثيثة، بينما تم إغلاق 718 منظمة أو مؤسسة مملوكة لمسلمين بما في ذلك أربعة مدارس على الأقل و 37 مسجداً و 210 مؤسسة تجارية، ومنظمتين. كما صادرت الحكومة الفرنسية ما يقرب من 46 مليون يورو (ما يعادل 50 مليون دولار).
اعتداءات عنصرية
لا توجد حاجة إلى 25 عاماً من البحث من أجل الربط بين الإسلاموفوبيا التي ترعاها الدولة في النمسا وفرنسا وألمانيا وبين ارتفاع وتيرة الاعتداءات العنصرية على المسلمين في أوروبا.
ارتفع معدل الاعتداءات العنصرية على المسلمين في النمسا بعد ظهور خريطة الإسلام. وسجلت ألمانيا ارتفاعاً حاداً في الاعتداءات على المساجد في العام الماضي، ما تسبب في جرح عشرة أشخاص وإلحاق أضرار بالعديد من المساجد. وفي عام 2020 زادت الاعتداءات في فرنسا بما نسبته 53 بالمائة، وسجلت 235 حادثة. وفي بريطانيا، قالت وزارة الداخلية بنهاية شهر مارس/ آذار 2022 إن 42 بالمائة من جرائم الكراهية الدينية كانت موجهة ضد المسلمين – ووصل عددها الإجمالي إلى 3,459 جنحة.
والآن نعود إلى السؤال: ما الذي يحققه جهاد الإمارات العربية المتحدة ضد الإسلام السياسي؟ لماذا تستمر حكومة مسلمة في رعاية وتمويل حملة تستهدف المسلمين في أوروبا، بغض النظر عن آرائهم السياسية أو نشاطاتهم؟
لقد اضطر محمد بن زايد تحت وطأة الإخفاق إلى تغيير سياسته الخارجية، فقد رفع الحصار عن قطر المجاورة، وهو الآن يستثمر بكثافة في تركيا. ويبدو في الظاهر على الأقل أنه ماض في التصالح مع خصومه الإقليميين.
ومع ذلك يستمر تمويله لهذه الحملة الخبيثة. لماذا؟ ما الذي ستكسبه الإمارات العربية المتحدة من نشر الخوف وتلطيخ وتدمير سمعة المسلمين الأبرياء ومشاريعهم التجارية، والتحريض على شن الهجمات العنصرية على المساجد، وتحطيم حياة الآلاف من الناس؟
ما الذي يستفاد من تغذية اليمين المتطرف؟ ما الذي يستفاد من تدمير الجهود الغربية الفعالة في الاستخبارات المضادة من خلال وصم مجتمعات بأسرها؟
من المذهل حقاً أن ترضى الحكومات الغربية بأن تكون عميلة في خدمة طاغية مستبد يقوم بكل هذه الأعمال انطلاقاً من محفزات مختلفة تماماً عن تلك التي يتم الترويج لها في كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا والنمسا. فهو لا يعبأ قيد أنملة بما يسمى “المسلم الطيب” الذي يزعم أنه يسعى لإيجاده. فما يقوم به إنما يفعله حفاظاً على ذاته، تماماً كما يفعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكم هو مناسب أن تلزم النمسا نفسها بأن تصبح المركز الذي تنطلق منه مساعي محمد بن زايد للقيام بهندسة اجتماعية للمجتمع الإسلامي في أوروبا، فهي البلد الوحيد الذي ما زال بإمكانك أن ترى فيه تمثال عمدة فيينا السابق المعادي للسامية، كارل لويغر، الذي كان مصدر الإلهام لهتلر.
هل تعلمت الدولة النمساوية شيئاً على الإطلاق؟