بدأت المشاورات في العاصمة صنعاء بين جماعة الحوثيين والوفد السعودي برئاسة السفير محمد آل جابر وبحضور الوفد العماني الذي لعب دور الوسيط بين الجانبين لوقف الحرب في اليمن.
وخلال لقاء مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع لجماعة الحوثيين، في القصر الجمهوري بالعاصمة صنعاء الوفدين العماني والسعودي، عبر عن امتنان الشعب اليمني لجهود الوساطة التي تقوم بها سلطنة عمان ودورها الإيجابي في تقريب وجهات النظر وجهودها الرامية إلى تحقيق السلام المشرف الذي يتطلع إليه أبناء الشعب اليمني كافة.
شدد المشاط أيضًا على موقفهم من السلام العادل والمشرف الذي ينشده أبناء الشعب اليمني ويحقق تطلعاتهم في الحرية والاستقلال.
ورغم التسريبات التي كشفتها صحف دولية وعربية، بشأن مخرجات المشاورات الجارية، التي تمهد لعملية السلام الشاملة في اليمن، وخصوصًا في ظل الظروف المرنة التي ذهب خلالها أطراف الصراع بعدة خطوات جادة، اهمها فتح الموانئ اليمنية دون قيود، والتوافق لحل مشكلة خزان النفط صافر، القنبلة الموقوتة في البحر الأحمر، فضلًا عن الهدنة السابقة.
المحادثات بين السعودية والحوثيين التي تأتي بعد نحو ثماني سنوات من الحرب تركز على معاودة فتح الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون ومطار صنعاء بشكل كامل ودفع رواتب الموظفين العموميين وجهود إعادة البناء وإطار زمني لخروج القوات الأجنبية من البلاد، بحسب ما نشرته وكالة رويترز للأنباء.
لكن محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى، طالب بعدم البناء على هذه التسريبات، فهي بحد تعبيره ليست بالحقيقة، فاللقاء بين الجماعة وحكومة الرياض التي تقود الحرب على اليمن منذ مارس/آذار 2015، ممكن في السلم أو في الحرب، لكنه طالب بعدم الإصغاء للتسريبات، فالحقيقة ستأتي من مصادرها.
السعودية تقدم نفسها كوسيط
تطالب جماعة الحوثيين، الرياض بوقفٍ كاملٍ للحرب ورفع الحصار وانسحاب كل القوات الأجنبية من اليمن، وصولًا إلى إعادة الإعمار وجبر الأضرار ومعالجة ملف الأسرى، وهي مطالب ترى الجماعة أنها استحقاقات مشروعة، لكن السعودية التي تعد طرفًا رئيسيًا في الصراع، حاولت تقديم نفسها كوسيط بين جماعة الحوثيين والحكومة اليمنية بدلًا عن كونها الطرف المتصدر للحرب في اليمن.
فالسعودية ليست وسيطًا وإنما طرف في الصراع، هكذا يقول محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين، فهي من أسست مجلس القيادة الرئاسي، منذ عام، مشيرًا إلى أنهم غير مستعدين للتفاوض مع المملكة مرة ثانية من خلال رشاد العليمي الذي تم تعيينه من قبلها.
صيغة سلام متعددة النكهات
صيغة الحل المبرمة ليست يمنية خالصة بل متعددة النكهات، تمت بمزاج إقليمي ودولي، فلم تصل هذه التسوية لجوهر المشكلة لمعالجتها بشكل جذري وتحت محددات وشروط وطنية خالصة، ما يجعل الكثيرين يقللون من نتائجها الإيجابية، واعتبارها محاولة لصنع مصالحة شكلية.
فاليمن سيبقى مجزأ في جغرافيته، تحكمه قوى مدعومة من الخارج وكل من هذة المكونات لها مشاريعها السياسية الخاصة به، فهل ستسمح هذة القوى بعودة الدولة بجيش واحد والسماح بعمل أجهزة الدولة الرقابية وتطبيق النظام والقانون وإعادة حقوق الناس المسلوبة ومحاكمة كل من تورط فى قتل اليمنيين في ظل هذا الركام والتشظي الذي نشهده اليوم؟ حسب تعبير الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد الرحمن الشيباني.
الظروف المواتية للمشاورات بين الحوثيين والسعودية، والوساطة العمانية، فضلًا عن جهود الأمم المتحدة، وفي ظل الهدوء النسبي في جبهات القتال، توحي بنجاح هذه الجولة وتحقيق اختراق في الملف اليمني ناهيك بالمساعي السعودية للانسحاب من اليمن، بحسب مراقبين، بينما يراها آخرون مجرد ترحيل للملف اليمني لمرحلة أشد دموية من الحرب والصراع، في حال عدم جدية أطراف الصراع في البلاد.
تعليقًا على زيارة السفير السعودي لصنعاء، أكد مختار الرحبي السكرتير السابق للرئاسة اليمنية ومستشار وزير الإعلام أنها خطوة مبهجة وبداية جيدة، وتساءل الرحبي في تغريدة على تويتر عن مواقف الفصائل اليمنية، مضيفًا “كل فصيل يثق بحضوره وفعاليته، لا بد أن ينحاز للسلام القوي الذي يضع حدًا للحرب ويفتح صفحة جديدة للسلام والأمن”، واستدرك قائلًا: “لكن المهم أن يكون سلامًا جذريًا، وهذا حلم الشعب اليمني”.
بدوره قال عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين محمد البخيتي إنه من السابق لأوانه الجزم بنجاح المفاوضات التي تجري في صنعاء، لكن من الواضح أن أجواء السلام باتت تخيم على المنطقة، ما يبعث على التفاؤل والأمل.
وأكد البخيتي أن “تحقيق السلام المشرف بين صنعاء والرياض هو انتصار للطرفين ويتطلب من الجميع التعالي على الجراح والبعد عن محاولة تسجيل النقاط عبر وسائل الإعلام من أجل الحفاظ على أجواء السلام والاستعداد لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، لكن لا ينبغي أن ننسى ما حدث حتى لا تتكرر المأساة”.
مستجدات
في هذا السياق يقول عبد السلام محمد رئيس مركز أبعاد للدراسات: “العالم يفاوض الحوثيين في الظهران والكويت ومسقط وعمان وستوكهولم وجنيف، وفي الأخير هدن وتمديد هدنة لا تزيد على ستة أشهر”.
وأكد عبد السلام أن اتفاق السلام الشامل الذي تحدثت عنه خريطة افتراضية غير معلنة سربتها الصحافة تبدأ بفترة انتقالية سنتين، فلن نصل إليها ولن ينتقل إليها الحوثي قبل وضع يده عسكريًا على طول وعرض الجمهورية اليمنية، وإذا وصلنا لها لن تكون صنعاء إلا عاصمة الحوزة وفيها تفتح معسكرات تجنيد الخليجيين ضد حكامهم.
من جانبه استبعد الصحفي اليمني عبد الله إسماعيل حدوث عملية سلام بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، مؤكدًا أن السلام مع الحوثيين وهم ويضاعف معاناة اليمنيين ويسوق لهم سلامًا زائفًا، لن تكون نتائجه إلا إطالة الأزمة وترحيل لمشكلة ستكون أكثر تعقيدًا ودموية، لافتًا إلى أن جماعة الحوثيين لن تتحول إلى مسار سياسي تشاركي ديمقراطي.
أي تسويات وتفاهمات لا تلبي مصالح الشعب أولًا لن يكتب لها النجاح لأنها سترفض شعبيًا
وقال عبد الله: “ليس جديدًا التأكيد على أن السلام في اليمن مطلب إنساني جمعي، لكن الحقائق والوقائع والتجارب تؤكد أيضًا أنه لا سلام مع أي مشاريع قائمة على العدوان والحرب، ولا هدنة أو تعايش مع العنصرية”.
وأكد إسماعيل أن الحكومة اليمنية قد تقبل بأي هدن مرحلية، لكنها ستنتهي بنكسة جديدة لعلمهم بسياسة الحوثي في التعامل مع الهدن ومفاوضات السلام.
من جانبه قال باسم فضل الشعبي رئيس مركز مسارات للإستراتيجيات والإعلام إن قرار إيقاف الحرب يبدو أنه اتخذ إقليميًا ودوليًا وما يحدث في الرياض حاليًّا من تفاهمات هي العملية النهائية لإيجاد صيغة ترضي جميع الأطراف وتشكل مخرجًا للتحالف من الحرب ومن اليمن كما أعتقد.
وأضاف في حديثه لـ”نون بوست” “المشهد يقول إن جميع الأطراف المحلية أُنهكت من الحرب وتداعياتها وعليها ضغوط شعبية لإنهاء الحرب وإحلال السلام”، مؤكدًا أن “السلام قادم لا محالة وتبقى فقط الإخراج النهائي”.
وما يجعل الأمور أكثر جدية هو دخول أطراف جديدة دولية على خط الأزمة في اليمن وهما روسيا والصين فضلًا عن التقارب السعودي الإيراني الذي بدوره سينعكس على الوضع بصورة أو بأخرى، حسب حديث باسم.
وعبر باسم عن مخاوفه من تغييب مصالح الشعب خلال هذه التفاهمات، مضيفًا “ما نخشاه هو أن يتم التركيز على مصالح القوى المتصارعة وإنتاج اتفاقات تلبي تطلعاتها فقط دون الاهتمام بمصالح الشعب اليمني جنوبًا وشمالًا.. أي تسويات وتفاهمات لا تلبي مصالح الشعب أولًا لن يكتب لها النجاح لأنها سترفض شعبيًا”.
سلام تكتيكي
يرى الباحث السياسي والمحلل في الشؤون العسكرية علي الذهب أن التطورات الأخيرة هي تحضير للتهدئة، ومن خلالها يجري الانتقال للمفاوضات.
قائلًا: “سيكون هناك سيناريوهان طالما أن المسألة ليست معلومة، الأول أن تكون هدنة وهي امتداد للهدنة السابقة، وسيسعى الحوثي للحصول على المزيد من المكاسب، تحت عنوان عريض هو الجوانب الإنسانية، لأن جماعة الحوثي تفصل الملف الإنساني عن الملف السياسي، وسيكون للدخول في الملف السياسي ثمن آخر غير ما ستحققه من هذه الهدنة”.
أما السيناريو الآخر فيتوقع الذهب وجود نوايا دولية لوقف الحرب في اليمن وهذه تقتضي نشر مراقبين دوليين ومحليين من الطرفين، وستكون هناك قيود على من يحاول تخطي خطوط إطلاق النار التي تشرف عليها الأمم المتحدة واللجان المرتبطة بالأطراف المحلية.
ويرى الذهب أن جماعة الحوثيين ستذهب إلى السلام، وهو سلام تكتيكي، لأن لديها ما يغريها في الحكومة اليمنية، خصوصًا في ظل الضعف والانقسام داخل الطرف الحكومي ومطالبة المجلس الانتقالي الجنوبي بالانفصال.
استمرار العنف
أكد الذهب لـ”نون بوست”، وجود اندفاع نحو عملية السلام في اليمن، وباعث هذا الاندفاع هو الدور الخارجي الذي كان يوجه الصراع ويرعاه ممثلًا بإيران التي رفعت يدها جزئيًا عن ذلك وأيضًا السعودية التي قد ترفع يدها في المستقبل لأنها تحولت الآن إلى راعية لعملية السلام وليست طرفًا من أطراف الصراع، خاصة أنه في حال أبرمت الآن اتفاق مع الحوثي ستكون فعلًا راعية وسوف تضغط على الحكومة للاندفاع أكثر نحو عملية السلام.
مشيرًا إلى أن مجلس القيادة الذي أنشأته السعودية، هو لخوض مفاوضات مع الحوثيين، لذلك لم يرد على الهجمات الحوثية في الضالع ومأرب وتعز وبقية جبهات القتال.
هناك توجه إقليمي لإنهاء الحرب في اليمن، لكن ذلك يعتمد على رغبة الأطراف المحلية وتقديم تنازلات جوهرية، وأيضًا الضغوط الدولية، لتحقيق السلام ونزع السلاح من أطراف الصراع وتسليمه للحكومة اليمنية
ويرى الذهب أن هذه التفاهمات الأخيرة قد تؤدي إلى توقف نهائي للحرب الخارجية وتوقف جزئي للحرب الداخلية، لكنه يرى أن العنف سيستمر بشكل نسبي في جبهات القتال داخليًا سواء في محافظة مأرب أم في المحافظات اليمنية الجنوبية، حال طالبت بالانفصال.
وقال الذهب: “أنا غير متفائل من جدية الحوثيين، فهناك ضعف في الجانب الحكومي وهذا الضعف هو الذي يدفعه عن غيره قناعة للدخول في تسوية مع الحوثيين أو التمهيد لها في الوضع الراهن”.
ويوافقه في الرأي الباحث السياسي اليمني عادل دشيلة، الذي أكد عدم استعداد الأطراف اليمنية لعملية سلام حقيقية وعادلة وشاملة خصوصًا جماعة الحوثيين التي تسعى لتثبيت مشروعها السياسي وأيضًا المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحاول تحقيق مشروعه الانفصالي في جنوب وشرق اليمن.
ولفت إلى أن جميع الأطراف المحلية دون استثناء ذهبت إلى طاولة المشاورات مجبرة نتيجة الضغوط الإقليمية عليها، ما يجعل أي عملية سلام لا تنجح لأن الأطراف غير مقتنعة بالحل السياسي الشامل وستحاول إجهاض أي عملية انتقالية إذا لم تكن في صالحها.
وأكد دشيلة في حديثه لـ”نون بوست” أن هذه الهدنة التي يجري التحضير لها، ستعالج بعض الملفات الإنسانية والسياسية وأيضًا الدخول في مرحلة انتقالية، لكن الدخول في عملية سلام شاملة يعتمد على رغبة الأطراف المحلية والدولية والإقليمية بوقف الحرب وإنهاء الصراع في اليمن.
ويرى دشيلة أن هناك توجهًا إقليميًا لإنهاء الحرب في اليمن، لكن ذلك يعتمد على رغبة الأطراف المحلية وتقديم تنازلات جوهرية، وأيضًا الضغوط الدولية، لتحقيق السلام ونزع السلاح من أطراف الصراع وتسليمه للحكومة اليمنية.
البقاء للأقوى
في ذات السياق استبعد السياسي والدبلوماسي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان حدوث عملية سلام في اليمن، مشيرًا الى أن جماعة الحوثيين ستواصل التمسك بانقلابها والعمل على شرعنته بتعطيل التفاهم واستمرار إشعال الحرب.
وأضاف نعمان – في مقال نشره بصفحته على فيسبوك تحت عنوان “البقاء للأقوى، وضياع الفرصة” – “جماعة الحوثي ستسعى إلى إبقاء الوضع مضطربًا ومائعًا بين حرب ولا حرب، لا سيما أنه لم تتبلور بعد قوةٌ بعينها تستطيع أن تحسم الأمر لصالحها”.
وأكد نعمان أن الأمور في المشهد اليمني تسير، بعد أن وصلت الأزمة إلى طريق مسدود، نحو التخلي عن القوة إلى الحل الذي تقرره التسوية في النطاق الذي تبلورت فيه معطيات الصراع وأدواته وعناصره ومكوناته الداخلية، بعد انسحاب العامل الخارجي الذي سيتحول إلى ميسِّر للتفاهم بين الأطراف اليمنية.
وأردف نعمان “هذا ما يجري التبشير به، غير أن حيثيات الواقع تقول إنه إذا ما فشل “هذا الخارج” بكل أطيافه في إيجاد تسوية فإنه سيقول لليمنيين: اتفقوا أو تحاربوا، هذا شأنكم، فإذا اتفقتم بالحوار سنكون معكم، أما إذا قررتم مواصلة الاحتراب فالقوي عليه أن يفرض إرادته”، مضيفًا “مع أن الخارج يدرك أن “هذا القوي” لم يتخلق بما فيه الكفاية، أو بالأصح لم يسمح له بذلك انتظارًا لتسوية يقررها الخارج لا سواه”.