وصل وفد سعودي إلى مطار صنعاء الدولي السبت 8/4/2023 لبدء جولة جديدة من المباحثات مع جماعة الحوثيين ضمن مساعي التهدئة وتجديد الهدنة باليمن، ومحاولة التوصل إلى حل جذري لإنهاء الأزمة وطي صفحة الحرب التي خلفت وراءها عشرات الآلاف من القتلى وملايين المشردين وحولت اليمن السعيد إلى واحد من أفقر بقاع الأرض.
وسبق الوفد السعودي بساعات قليلة وفد عماني كان قد وصل إلى مطار العاصمة اليمنية بمشاركة كبير مفاوضي جماعة الحوثي محمد عبد السلام، المقيم في مسقط، فيما قالت مصار مسؤولة في المطار الخاضع لسيطرة الحوثيين إن زيارة الوفد العماني تهدف “لإجراء مباحثات في شأن هدنة جديدة و(عملية السلام)”.
ومع وصوله للمطار اليمني قال كبير مفاوضي الحوثي: “مطالبنا هي وقف العدوان بشكل كامل ورفع الحصار وصرف جميع رواتب الموظفين اليمنيين من استحقاقات إيرادات النفط والغاز، وخروج جميع القوات الأجنبية من اليمن، والتعويض وإعادة الإعمار”، آملًا “إتمام عملية تبادل الأسرى من دون عوائق خلال شهر رمضان” حسبما نقلت عنه قناة المسيرة التابعة للجماعة.
ويعد هذا اللقاء بين السعوديين والحوثيين، هو الأول منذ إبرام الاتفاق السعودي الإيراني الموقع في العاصمة الصينية بكين في 10 مارس/آذار الماضي، الذي يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة دامت لأكثر من 7 سنوات، فيما يؤمل عليه في فرض الاستقرار في المنطقة من خلال التوصل إلى أرضية مشتركة من التفاهمات مع طهران التي تمثل أحد الأضلاع الرئيسية في توتير الأجواء في الشرق الأوسط.
وكان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في 9 مارس/آذار الماضي، قد أشار إلى أن المباحثات مع الحوثيين تأتي ضمن مسارات تفاوضية، بعضها إقليمية في إشارة إلى الوسيط العماني، وأخرى دولية مدعومة من الأمم المتحدة من أجل وقف إطلاق النار كخطوة أولى لعملية سياسية شاملة.
الاتفاق قوبل منذ الوهلة الأولى للإعلان عنه بردود فعل متباينة بين من يراه خطة تكتيكية إيرانية لالتقاط الأنفاس وتكسير موجة الضغوط الإقليمية والدولية التي تواجهها، وآخرين يعتبرونه تحولًا حقيقيًا في إستراتيجية طهران في ضوء التطورات الجيوسياسية التي تواجهها وما فرضته من تحديات أجبرت الدولة الإسلامية على إعادة تقييم الوضع مرة أخرى، وعليه فإن الملف اليمني يمثل الاختبار الأول لهذا الاتفاق وتقييم مدى جديته وصلابته وقدرته على الصمود لما هو أبعد من التصريحات الوردية.
وفد عماني يصل إلى صنعاء لإجراء محادثات بين أطراف الصراع في اليمن، وسط أنباء عن اتفاق بين الحوثيين والحكومة الشرعية على هدنة مدتها 6 أشهر تمهيدًا لمحادثات حول إقامة “فترة انتقالية” مدتها عامان.. pic.twitter.com/uGvlVO21pr
— AJ+ عربي (@ajplusarabi) April 9, 2023
أجواء إيجابية
المؤشرات الأولية تذهب باتجاه إيجابية الأجواء في الملف اليمني بعد إبرام هذا الاتفاق، البداية كانت بترحيب الحوثيين بتلك الخطوة كما جاء على لسان المتحدث الرسمي باسمها الذي قال: “المنطقة بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية بين دولها، تسترد بها الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية”، كذلك رحب المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا بالاتفاق، حيث وصفه المتحدث باسمه علي الكثيري بـ”التطور الإيجابي”، معبرًا عن أمله في “أن يسهم ذلك في توطيد الأمن والاستقرار في منطقتنا والعالم”.
ومن بين تلك الأجواء كذلك إفراج السعودية عن 13 أسيرًا من الحوثيين (وصلوا بالفعل إلى العاصمة اليمينة صنعاء بحسب مسؤولين لدى جماعة الحوثي) مقابل إفراج الجماعة عن أسير سعودي، وهي الخطوة التي اعتبرها البعض بادرة حسن نوايا جيدة تمهيدًا لمزيد من التفاهمات بين الطرفين.
الخطوة الأولى في مرحلة بناء الثقة قد تحققت بالفعل حين التزم الطرفان، السعودية والحوثيون، بما تم الاتفاق عليه الشهر الماضي بشأن تبادل الأسرى، حيث كان الاتفاق على تبادل أكثر من 880 أسيرًا، تم تبادل 14 منهم كمرحلة أولية لإتمام الاتفاق بشكل كامل، لكن يتبقى هناك الكثير من المسائل الأخرى في انتظار ما يمكن أن يُنجز بشأنها
وفي السياق ذاته وصل مسؤولون سعوديون إلى إيران السبت 8/4/2023 لبحث إجراءات إعادة فتح السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، بحسب وكالة الأنباء السعودية التي أفادت بوصول “الفريق الفني السعودي المعني بمناقشة آليات إعادة افتتاح ممثليات المملكة العربية السعودية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى العاصمة طهران، وذلك إنفاذًا للاتفاق الثلاثي المشترك”.
وتأتي تلك الزيارة بعد يومين فقط من اجتماع وزيري الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بكين، في اط6 من الشهر الحاليّ، وهو اللقاء الأول الذي يجمع – على طاولة واحدة – مسؤولين بهذا الحجم في البلدين منذ أكثر من 7 سنوات، حيث التقطت الكاميرات صورًا لهما وهما يتبادلان التحية قبل الجلوس إلى جوار بعضهما البعض حسبما بثت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).
تطبيقًا لبنود الاتفاق الايراني السعودي
وفد فني من المملكة العربية السعودية زار الجمهورية الاسلامية الايرانية وتم الاتفاق على الموعد لافتتاح السفارة السعودية في العاصمة طهران والقنصلية في مدينة مشهد المقدسة. https://t.co/7tQ97vhdKB pic.twitter.com/ubDcuSz4ly
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) April 8, 2023
اليمن.. أول اختبار عملي للاتفاق
البلد الذي مزقته الحرب يواجه “وقتًا حرجًا” حسبما حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، داعيًا إلى إنهاء النزاع بشكل دائم، وذلك على هامش تعليقه على مرور عام من الهدنة التي تم التوصل إليها في أبريل/نيسان 2022 التي قللت كثيرًا من شلالات الدماء المتدفقة في اليمن الذي لم يعد سعيدًا.
وقدمت المملكة تصورًا أوليًا لحل الأزمة اليمنية وذلك بعد جولات عدة من المباحثات مع الحوثيين استمرت شهرين في العاصمة العمانية مسقط، وهو التصور الذي وافق عليه مجلس الرئاسة اليمني بعد تلكؤ أولي بحسب مصادر حكومية يمنية، ويتضمن هذا التصور الموافقة على هدنة لمدة ستة أشهر في مرحلة أولى لبناء الثقة تشمل بعض الإجراءات أهمها دفع رواتب الموظفين الحكوميين في كل المناطق، وبينها مناطق سيطرة الحوثيين، وفتح الطرق المغلقة والمطار، تليها فترة تفاوض لمدة ثلاثة أشهر بشأن إدارة المرحلة الانتقالية التي ستستمر سنتين، وخلال تلك الفترة (عامان وتسعة أشهر) يتم التفاوض من أجل حل نهائي بين كل الأطراف.
طهران تنظر إلى الأزمة اليمنية باعتبارها أزمة بين السعودية والحوثيين، ومن ثم فإن تخفيف التوتر بينهما ووقف الحرب يعني إنهاء الأزمة، أما فيما يتعلق بالنزاع الداخلي بين الحوثيين وبقية التيارات السياسية الأخرى فهو أمر بعيد تمامًا عن الاتفاق من وجهة النظر الإيرانية
ولا يمكن لهذا المسار التفاوضي أن يحقق الهدف المنشود منه دون ضغوط إيرانية، وهو ما ألمح إليه المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ الذي حث الإيرانيين في 5 أبريل/ نيسان الحاليّ على “أن يظهروا حقًا أنهم يحدثون تحولًا إيجابيًا في النزاع، عندها لن يكون هناك تهريب أسلحة للحوثيين بعد الآن في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي”.
ويمكن القول إن الخطوة الأولى في مرحلة بناء الثقة قد تحققت بالفعل حين التزم الطرفان، السعودية والحوثيون، بما تم الاتفاق عليه الشهر الماضي بشأن تبادل الأسرى، حيث كان الاتفاق على تبادل أكثر من 880 أسيرًا، تم تبادل 14 منهم كمرحلة أولية لإتمام الاتفاق بشكل كامل، لكن يتبقى هناك الكثير من المسائل الأخرى في انتظار ما يمكن أن يُنجز بشأنها.
نتطلع إلى انتقال الأخوة اليمنيين بكل اطيافهم إلى مرحلة يسود فيها السلام، وتغلب فيها لغة العقل على لغة الاقتتال، ومن المأمول ان يؤدي التوصل إلى اتفاق سياسي شامل لحل الأزمة اليمنية إلى انتقال اليمن السعيد من حالة الحرب إلى حالة السلم والأمن والأمان، وسيؤدي ذلك إلى تسخير كافة… https://t.co/rtPLeaC9lZ
— أ.د عبدالرحمن العناد (@Prof_Alenad) April 7, 2023
بين الهدنة والتسوية
لا بد من التفرقة بين أمرين فيما يتعلق بتأثير الاتفاق السعودي الإيراني على الملف اليمني، الأول: مسألة الهدنة وتخفيف حدة التوتر، الثاني: التوصل إلى تسوية شاملة لإنهاء النزاع اليمني.. وهنا يشير أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز البحوث والدراسات اليمنية في عدن، عبد الكريم غانم، إلى أن الاتفاق قد يترك أثرًا في عدة ملفات على المستوى القريب على رأسها تبادل الأسرى وتمديد الهدنة وصولًا إلى رفع قيود حركة الملاحة من وإلى موانئ ومطارات اليمن.
وعلى المستوى البعيد قد يسهم هذا الاتفاق – بحسب غانم – في إنهاء الصراع السعودي الحوثي، فالطرفان يسعيان حتمًا لطي صفحة الحرب بينهما في ظل الخسائر الفادحة التي تكبداها، على المستوى البشري والاقتصادي، ومن شأن تلك الخطوة – الاتفاق – أن تقلل من دعم المملكة لحلفائها في اليمن، بما يمنح الجماعة فرصة جيدة لتقليل حجم الخسائر التي تتكبدها، وهو ما يسفر في النهاية عن تعزيز تفوقها الداخلي على حساب كل التيارات السياسية والعرقية الأخرى.
أما فيما يتعلق بالتوصل لتسوية سياسية شاملة لإنهاء الأزمة في اليمن فهذا أمر بعيد المنال وفق أستاذ علم الاجتماع السياسي الذي يرى أن طهران تنظر إلى الأزمة اليمنية باعتبارها أزمة بين السعودية والحوثيين، ومن ثم فإن تخفيف التوتر بينهما ووقف الحرب يعني إنهاء الأزمة، أما فيما يتعلق بالنزاع الداخلي بين الحوثيين وبقية التيارات السياسية الأخرى فهو أمر بعيد تمامًا عن الاتفاق من وجهة النظر الإيرانية.
تبقى العديد من التساؤلات المحورية الخاصة بنوع التسوية والضغوط التي يمكن لطهران ممارستها على الحوثيين وجدية نظام الملالي في تغيير المعادلة لصالح مكاسب أخرى قائمة وعالقة، كل ذلك يجعل من المرحلة المقبلة ساحة كافية للإجابة عن السؤال الأكثر حرجًا: هل يمثل هذا الاتفاق نقلة نوعية في العقلية الإيرانية نحو حل الأزمة اليمينة من جذورها فعلًا أم تكتيك سياسي لكسب المزيد من الوقت والتقاط الأنفاس قبل معاودة تأجيج المشهد مرة أخرى
وعلى ذلك قد يُنهي الاتفاق الأزمة من وجهة النظر الإيرانية، لكن من الرؤية السعودية الشاملة فالأمر لم ينته بعد، حيث سيظل الصراع الداخلي مستعر، وإن كان التفوق سيكون لصالح الجماعة بطبيعة الحال بعد رفع الرياض يد الدعم عن حلفائها في الداخل اليمني من باب الالتزام ببند عدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن، وهو ما قد يزيد من نفوذ طهران في اليمن حتى إن لم تستغل هذا النفوذ في تهديد السعوديين، لكنها ستظل خنجرًا في ظهر خاصرة المملكة الجنوبية يمكن استخدامه في أي وقت وفقًا لترمومتر العلاقة بين البلدين.
وكان الاتفاق السعودي الإيراني قد تضمن العديد من البنود وفق مخرجات الاجتماعين السابقين في بكين، في 10 مارس/آذار و6 أبريل/نيسان، أبرزها: تأكيد الحرص على تفعيل اتفاقيتين، إحداهما للتعاون الأمني موقعة عام 2001، وأخرى في مجالات بينها الاقتصاد وجرى توقيعها في 1998، اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران وقنصليتيهما في جدة ومشهد في أثناء المدة المتفق عليها (خلال شهرين)، – مواصلة التنسيق بين الفرق الفنية في الجانبين لبحث استئناف الرحلات الجوية والزيارات المتبادلة، تسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين، وبينها تأشيرات العمرة، الاتفاق على تعزيز التعاون في “كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”، تأكيد البلدين على عدم تدخل كل منهما في شؤون الآخر الداخلية.
تبدو المؤشرات الأولى – حتى كتابة تلك السطور – إيجابية في مضمونها فيما يتعلق بارتدادات الاتفاق على الملف اليمني، لكن الأمر يحتاج إلى وقت طويل للتقييم والتجربة من أجل اختبار تلك الخطوة بشكل متكامل، خاصة أن المرحلة الأولى من الحل تتجاوز العامين والنصف تقريبًا، هذا بخلاف ما اعتادته جماعة الحوثي من نكوص على تعهداتها وعدم التزامها بأي اتفاقيات مبرمة، مع الوضع في الاعتبار الحالة الإيرانية والشكوك المثارة بشأن خطوة الاتفاق في حد ذاتها.
لتبقى العديد من التساؤلات المحورية الخاصة بنوع التسوية والضغوط التي يمكن لطهران ممارستها على الحوثيين وجدية نظام الملالي في تغيير المعادلة لصالح مكاسب أخرى قائمة وعالقة، كل ذلك يجعل من المرحلة المقبلة ساحة كافية للإجابة عن السؤال الأكثر حرجًا: هل يمثل هذا الاتفاق نقلة نوعية في العقلية الإيرانية نحو حل الأزمة اليمينة من جذورها فعلا أم تكتيك سياسي لكسب المزيد من الوقت والتقاط الأنفاس قبل معاودة تأجيج المشهد مرة أخرى؟