تعيش تونس منذ أكثر من سنتين على وقع أزمة شاملة، مست أغلب القطاعات في البلاد دون استثناء، ما دفع العديد من القوى في البلاد وخارجها إلى التحذير من انهيار وشيك للدولة، حتى أن البابا فرنسيس صلى لها، وحث “الشباب التونسي على عدم فقدان الأمل، وبناء مستقبل يسوده السلام والأخوة”.
أزمة شاملة لا تخفى على أحد، وإن اختلفت تفسيرات كل طرف، ما يحتم ضرورة التدخل لوضع حد لها، حتى لا تصبح التحذيرات واقعًا يعيشه التونسيون، وتنهار الدولة بالفعل وحينها تصبح مهمة الإصلاح مستحيلة.
يرفض الرئيس التونسي قيس سعيد كل دعوات الحوار الصادرة من الداخل سواء من الأحزاب السياسية أم المنظمات المدنية، ولا يلقي لها بالًا، حتى إنه اتهم القائمين عليها في أكثر من مرة بالتآمر على البلاد وخيانته و”بيع ذممهم للخارج”.
في ظل هذا الرفض المتواصل لدعوات الحوار من الداخل، تبرز مبادرة خارجية – لم يتم بعد الإفصاح عن فحواها – صادرة هذه المرة عن الجارة الغربية – الجزائر – التي أكد رئيسها عدم سماحه بانهيار الدولة التونسية، لما في ذلك من تأثيرات كبيرة على بلاده.
الموقف الجزائري من الأزمة في تونس
دائمًا ما يتطرق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أغلب خرجاته الإعلامية إلى الوضع في تونس، مؤكدًا دعمه الرئيس قيس سعيد ذلك أن الشعب التونسي انتخبه ولم يأت بالقوة وفق قوله، فالجزائر تدعم الدولة التونسية عن طريق رئيسها سعيد حسب تبون الذي يرى أن الجزائر لو دعمت أي أطراف تونسية أخرى (يقصد معارضي قيس سعيد) فسيكون ذلك تدخلًا في شؤونها الداخلية.
تأزم الوضع في تونس أكثر، دفع تبون لتغير موقفه بعض الشيء، صحيح أنه أكد مجددًا دعمه لسعيد، لكنه هذه المرة أكد أن بلاده تسعى للمشاركة “بلطف” في الحوار السياسي في تونس، دون انحياز لأي طرف، بهدف لم شمل الفرقاء التونسيين ومن منطلق حرصها على منع انهيار الدولة التونسية.
للجزائر نقاط قوة كثيرة يمكن الاعتماد عليها، لتقوية حظوظ وساطتها، من ذلك تجربتها الكبيرة في مجال الوساطات الإقليمية
أوضح الرئيس الجزائري في مقابلة خاصة مع الجزيرة بودكاست تناولت الشأن الجزائري والعربي والإقليمي، أنه يبغي الاستقرار في تونس وأي خطوة يخطوها في هذا الاتجاه تكون بعلم الرئيس سعيد والاتحاد العام التونسي للشغل.
وشدد تبون على أن ما يهمه في المقام الأول هو أن “نعاون تونس كدولة وشعب، وألا نجعل الدولة التونسية تنهار”، مؤكدًا عدم انحيازه لأي طرف فيما يتعلق باللعبة السياسية الداخلية التونسية، وفق قوله، وهو ما يعني وجود تغيير بسيط في الموقف الجزائري من تونس.
إمكانية الوساطة
نفهم من هنا، وجود نية لدى السلطات الجزائرية للعب دور الوسيط في الأزمة التونسية وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء في البلاد، حتى لا تنهار تونس، ويحصل ما لا يُحمد عقباه في المنطقة المغاربية ككل.
من المستبعد أن تطرح القيادة الجزائرية، خريطة طريق لحل الأزمة وتقود جهود الوساطة، لكن يمكن أن تنخرط في الحوار بطريقة غير مباشرة، أي أن تقرب وجهات النظر وتدفع الرئيس قيس سعيد للقبول أولًا بمبدأ الحوار، ذلك أن سعيد يرفض كل مبادرات الحوار ويرى أن لا فائدة منها.
وقبل أيام جدد سعيد رفضه للحوار، متسائلًا في تصريح إعلامي خلال إشرافه على الذكرى الـ23 لرحيل الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة: “إذا كانت هناك مبادرة للحوار الوطني، فلماذا البرلمان موجود؟ وما الجدوى من الحوار في هذه الحالة؟”، مؤكدًا أنه ما دام البرلمان موجودًا فلا قيمة للدعوات المتصاعدة لإجراء حوار وطني.
تونس و إحتمالات التدخل الأجنبي:
ـ تبون يُقر بأن قيس سعيد لا يعنيه و أن الجزائر تعمل على عدم إنهيار الدولة التونسية
ـ إيطاليا تُلغي الفيزا لكل التونسيين
ـ أنصار قيس سعيد يرفعون صور بوتين
— Révolutionnaire (@forzatunisia) April 9, 2023
يمكن للرئيس الجزائري أن يبني على مبادرة “الحوار الوطني” التي من المنتظر عرضها على مكونات المجتمع المدني الأسبوع المقبل، وفق رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي، وكان اتحاد الشغل قد أطلق هذه المبادرة أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، مع عدد من مكونات المجتمع المدني للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
يرجع اهتمام الجزائر بتونس إلى سعي النظام لعدم انزلاق الأوضاع في الجارة الغربية نحو الفوضى والعنف لما فيه من خطر على المنطقة ككل، فالجزائر تخشى أن يتوتر الوضع في تونس أكثر، ما يشعل جبهة حدودية جديدة.
يخشى النظام الجزائري أن يتكرر السيناريو الليبي والمالي في تونس، لما لذلك من انعكاسات أمنية واجتماعية على بلاده، لذلك يأمل في إيجاد حل سريع لهذه الأزمة حتى لا تتفاقم أكثر وتكون تداعياتها أكبر على الجميع.
نقاط القوة التي تمتلكها
للجزائر نقاط قوة كثيرة يمكن الاعتماد عليها، لتقوية حظوظ وساطتها، من ذلك تجربتها الكبيرة في مجال الوساطات الإقليمية، إذ سبق أن قادت الجزائر جهود وساطة في مالي سنة 2015 وكللت بالنجاح بالتوقيع على اتفاق السلام والمصالحة هناك.
كما لعبت الجزائر دورًا مهمًا في ليبيا لتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء هناك، كما تقود حاليًّا جهود المصالحة بين مختلف الفصائل الفلسطينية، صحيح أن الوضع في تونس ليس بهذه السوداوية، لكن هذه النقطة يمكن أن تخدم الجزائر.
من نقاط القوة الأخرى، علاقات الجزائر القوية مع أبرز الأحزاب السياسية في تونس، خاصة حركة النهضة، إذ يرتبط النظام الجزائري بعلاقات قوية مع حركة النهضة وسبق أن استقبل زعيمها راشد الغنوشي في قصر المرادية أكثر من مرة.
تبحث المعارضة التونسية عن أي طريقة يمكن أن تصل بها إلى حل للوضع الذي تعيش على وقعه البلاد منذ 25 يوليو/تموز 2021
فضلًا عن الأحزاب، تمتلك الجزائر علاقات مهمة مع المنظمات المدنية في تونس، على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، ويظهر ذلك في الزيارات المتكررة لقيادة الاتحاد إلى الجزائر، وهي علاقات تمتد لعقود طويلة.
هذا دون أن ننسى العلاقات المتينة على المستوى الرسمي بين النظامين، فالرئيس الجزائري دعم سعيد اقتصاديًا ودبلوماسيًا، وهو من أشد الداعمين له، رغم انقلابه على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية، بحجة أنه منتخب.
يمكن أن يستثمر النظام الجزائري في ذلك، ويقرب بين مختلف هذه القوى، حتى تجلس على طاولة الحوار وبحث سبل الخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد، التي يمكن أن تعصف بالاستقرار إن تواصلت أكثر.
كيف ستتجاوب القوى التونسية؟
السؤال المطروح الآن، كيف ستتجاوب المعارضة التونسية مع دعوات الحوار الجزائرية؟ صحيح أن أبرز قوى المعارضة الممثلة في جبهة الخلاص رفضت تصريحات تبون ورأت فيها تدخلًا في الشأن الداخلي، إلا أن ذلك لا يعني رفضها لمحاولة النظام الجزائري تقريب وجهات النظر بينها وبين نظام سعيد.
وكان رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي قد قال خلال وقفة احتجاجية في تونس العاصمة، أمس الأحد، “نطلب من الجزائر أن تراعي قواعد الأخوة وأن تحترم مشاعر التونسيين وألا تتدخل في شأنهم الداخلي”، وأضاف “نحن نميز بين دعم الديمقراطية والتدخل في الشأن الداخلي الذي نرفضه رفضًا مطلقًا”.
? #تبون في حوار للجزيرة بودكاست:
?الأطراف التونسية الغاضبة من #الجزائر هي الأطراف التي لا تريد الاستقرار لتونس. ?نحن ندعم تونس دولة وشعبا ولا نتدخل في شأنها الداخلي كما لا تسمح لأي شخص التدخل في الجزائر.
?تونس هي العمق الأمني للجزائر وساهمت في حمايتنا من #الإرهابيين. pic.twitter.com/rU4qOiZLOr
— Kashf Media – كشف ميديا (@KashfMedia) April 8, 2023
المعارضة التونسية تبحث عن أي طريقة يمكن أن تصل بها إلى حل للوضع الذي تعيش على وقعه البلاد منذ 25 يوليو/تموز 2021، ذلك أن تونس لا تتحمل أكثر، فالأزمة شملت كل المجالات وبلغت مستويات متقدمة، وإن تواصلت أكثر فمن الصعب إيجاد حل لها.
لكن ما موقف الرئيس قيس سعيد من كل ذلك؟ من الصعب جدًا أن يقبل سعيد بالحوار مع أي كان، فقد سبق أن رفض مبدأ الحوار ويصر على ذلك، فكل مخالفيه “خونة” و”بائعي ذمم” ولا يمكن أن يؤتمنوا على الوطن، وهذا ما يمكن فهمه من خرجاته الإعلامية المتكررة.