مع إعلان المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا قوائم الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية المقررة في 14 مايو/ أيار المقبل، بدأت تتكشف الصورة النهائية لقوائم التحالفات التي ستشارك في هذه الانتخابات.
ووفقًا لإعلان المجلس الأعلى للانتخابات، فإن 26 حزبًا سيشارك بشكل منفرد أو ضمن التحالفات الخمسة التي تمَّ اعتمادها بشكل رسمي؛ وهي تحالف الشعب، تحالف الأمة، تحالف اتحاد القوى الاشتراكية، تحالف أتا “الجد” وتحالف العمل والحرية.
أبرز التطورات التي ظهرت خلال الأيام الماضية على صعيد تحالف الأمة هي دخول حزبَي الشعب الجمهوري والحزب الجيد بشعاراتهما الخاصة العملية الانتخابية وغياب الأحزاب الأخرى، وهذا يعني أن الأحزاب الأربعة الأخرى في الطاولة السداسية لن تشارك في الانتخابات بشعاراتها، بل تمَّ دمجها ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري لمواجهة مساوئ النظام الانتخابي الحالي، وعدم ضياع الأصوات في المحافظات أو ذهابها إلى الأحزاب الكبيرة مثل حزب العدالة والتنمية.
وبناءً على هذه الاستراتيجية الانتخابية، قام حزب الشعب الجمهوري بإدراج 25 مرشحًا من حزب الديمقراطية والتقدم، و24 مرشحًا من حزب السعادة، و19 مرشحًا من حزب المستقبل، و3 مرشحين للحزب الديمقراطي ضمن قوائمه الانتخابية.
ونتيجة لذلك لن يتمكن الناخبون الأتراك من مؤيدي الأحزاب الأربعة الأخرى في الطاولة السداسية، وهي حزب السعادة (SP) وحزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم (DEVA) والحزب الديمقراطي (DP)، التصويت مباشرة لهذه الأحزاب، وعليهم التصويت لحزب الشعب الجمهوري.
هذه الخطوة لها إيجابيات وسلبيات في الوقت نفسه، إيجابياتها أنها تضمن عدم فقدان الأصوات أو استفادة حزب العدالة والتنمية من الأصوات الضائعة، في حال عدم وصول عدد الأصوات التي تحصل عليها الأحزاب الصغيرة إلى الفوز بمقعد أو مقاعد في البرلمان؛ أما سلبياتها أنها قد تشجّع بعض الناخبين المحافظين على عدم التصويت لقائمة حزب الشعب الجمهوري لأسباب أيديولوجية أو غير ذلك.
أثار إدراج حزب الشعب الجمهوري ضمن قوائمه الانتخابية بعض الشخصيات البارزة التي سبق أن عملت ضمن حزب العدالة والتنمية، مثل سعد الله إرجين النائب عن محافظة أنطاكيا عن حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات 2002 و2007 و2011 ووزير العدل السابق فترة 2011-2013؛ ردود فعل كبيرة واستياء داخل حزب الشعب الجمهوري، الذي بدوره أشار إلى أن سعد الله أرجين تمَّ إدراجه كمرشح عن حزب الديمقراطية والتقدم الذي يقوده علي باباجان.
وزاد من ردود الفعل المتباينة داخل حزب الشعب الجمهوري، التي يتوقع أن تكون لها تداعيات على مستقبل الحزب، استبعاد 66 من النواب الحاليين عن حزب الشعب الجمهوري عن قوائم المرشحين الجديدة، بينهم شخصيات قيادية بارزة من المجلس التنفيذي المركزي للحزب، مقابل ذلك تمَّ إدراج 76 مرشحًا من الأحزاب الأخرى ضمن قوائمه الانتخابية.
من التطورات الأخرى ذات الأهمية رفض الحزب الجيد الدخول بقائمة مشتركة مع حزب الشعب الجمهوري في المحافظات الكبيرة، وفضّل الدخول بشعاره في هذه المحافظات، مع ذلك تمَّ التوصل إلى اتفاق بين الحزبَين للدخول في قائمة مشتركة في 16 محافظة من خلال “نظام السوستة” الانتخابي، الذي يقضي بتناوب الأحزاب في قوائم المرشحين، بحيث يردُ أسماء مرشحي حزب الشعب الجمهوري أولًا في 10 محافظات، بينما يردُ تسلسل أسماء مرشحي الحزب الجيد في 6 محافظات.
والمحافظات هذه هي التي لا يوجد فيها حاضنة شعبية كبيرة للحزبَين، مثل وان وتشوروم وباتمان ودوزجا وبارتن وأديمان وهكاري وأكسراي وموشهانه وموش وبيتليس، إذ لن يتم إدراج أي مرشحين للأحزاب الأربعة المنضوية في الطاولة السداسية فيها، وستقتصر القائمة فقط على مرشحين من الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري.
سيناريوهات وتحديات
يركز تحالف الأمة حاليًّا على الانتخابات الرئاسية لأنها ستعكس نجاح تحالف الطاولة السداسية أو فشلها في الانتخابات بشكل عام، لكن هذا لا يعني أن الانتخابات البرلمانية غير مهمة بالنسبة له، خاصة أن أول شعاراته هو الانتقال إلى “النظام البرلماني المعزز”، وهذا يحتاج إلى الحصول على أغلبية كبيرة داخل البرلمان، مع ذلك نحن أمام احتمالَين، الأول خسارة الانتخابات والثاني الفوز فيها.
الخسارة
ستؤدي خسارة تحالف الأمة في الانتخابات المقبلة إلى تداعيات خطيرة للغاية على استمرارية التحالف وتماسكه، وسيكون من الصعب جدًّا على كمال كيليجدار أوغلو، الذي أصرَّ على ترشيحه للانتخابات الرئاسية رغم معارضة ميرال أكشينار، البقاء على رأس حزب الشعب الجمهوري بعد الهزيمة في الانتخابات.
وقد تؤدي الهزيمة أيضًا إلى انقسام في حزب الشعب الجمهوري، إذ يتوقع أن يواجه معارضة كبيرة من أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، اللذين عارض ترشيحهما لمنصب رئاسة الجمهورية.
كما سيواجه انتقادات كبيرة من قبل قيادات بارزة في حزب الشعب الجمهوري، في محاولة لتفسير أسباب الهزيمة واستبعاد عدد من قيادات المجلس التنفيذي المركزي في الحزب من الترشح للانتخابات البرلمانية، الأمر الذي قد يترتّب عنه تداعيات كبيرة على وحدة الحزب ذاته.
من ناحية أخرى، سيلقي كمال كيليجدار أوغلو وبقية قيادات تحالف الأمة اللوم على ميرال أكشينار رئيسة الحزب الجيد، بسبب موقفها المتردد ومعارضتها في البداية ترشيح كيليجدار أوغلو لمنصب الرئاسة وانسحابها من الطاولة السداسية قبل عودتها لاحقًا، الأمر الذي أثّر على وحدة التحالف أمام الناخبين وعكس الاختلافات بين قيادات التحالف، ما تسبّب في الهزيمة بالانتخابات.
من جانبها، ستحاول ميرال أكشينار تعزيز قيادتها داخل الحزب الجيد، من خلال التأكيد على صواب موقفها المعارض لترشيح كيليجدار أوغلو، ووجهة نظرها حول عدم قدرة الأخير على الفوز على منافسيه في الانتخابات الرئاسية، خاصة الرئيس رجب طيب أردوغان، لذلك يتوقع أن يحصل نقاش حول القيادة أيضًا داخل الحزب الجيد بعد الانتخابات.
أما الأحزاب الأخرى، مثل حزب المستقبل وحزب السعادة وحزب الديمقراطية والتقدم، فستحاول الحفاظ على وجودها في المشهد السياسي من خلال النواب الذين سيدخلون البرلمان من خلال قوائم حزب الشعب الجمهوري، ومن غير المستبعَد أن تشهد هذه الأحزاب هي الأخرى تصدّعات بسبب الخلافات التي أُثيرت حول طريقة الدخول إلى الانتخابات واختيار مرشحيها.
أخيرًا، قد تؤدي هزيمة تحالف الأمة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى التأثير على استمرارية التحالف واستراتيجيته التي اعتمدها خلال السنوات الماضية، لذا من المستبعَد أن يستمرَّ في هذه الاستراتيجية أو التعاون بين الأحزاب المنضوية تحته خلال الانتخابات المحلية في عام 2024.
الفوز
في حال فوز تحالف الأمة بالانتخابات سيواجه تحديات كبيرة تتعلق بالانتقال إلى “النظام البرلماني المعزز” الذي وعد بتحقيقه، إضافة إلى تحديات تتعلق بتوزيع المناصب الوزارية والحكومية، خاصة في مجالات الاقتصاد والأمن وتحديد السياسات، وعلى رأسها السياسة الخارجية ومكافحة الإرهاب.
تحدٍّ آخر سيواجه الرئيس المنتخَب، وهو تنفيذ الاتفاق الذي أُبرم مع الحزب الجيد حول تعيين نائبَين تنفيذيَّين للرئيس بصلاحيات كاملة، وهما أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، وهذا الأمر لا يوجد له أساس في الدستور التركي، حيث يعتبَر رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية، وهو غير ملزم دستوريًّا بموافقة نائبه أو نوابه على القرارات التي يتخذها، بل أن تعيين نائب للرئيس أو أكثر هو أمر اختياري وغير إجباري للرئيس.
إضافة إلى ذلك، إن الاتفاق على تعيين نائبَين تنفيذيَّين للرئيس يخالف أهم وعود تحالف الأمة وهو الانتقال إلى “النظام البرلماني المعزز” وترك النظام الرئاسي الحالي، لكن مع هذا الاتفاق يكون تمَّ الانتقال إلى نظام جديد وهو الرئاسي المجلسي، كما هو الحال في البوسنة والهرسك والعراق خلال فترة 2005-2014.
من المتوقع أن تكون الحكومة التي سيشكّلها التحالف ضعيفة وستواجه تحديات كبيرة قد لا تدوم طويلًا، وسوف يعيد ذلك تركيا إلى فترة الحكومات الائتلافية.
من غير الواضح حتى الآن الاستراتيجية التي سيتبعها التحالف للانتقال إلى النظام البرلماني المعزز، الذي يحتاج إلى أغلبية ثلثَي إجمالي عدد أعضاء البرلمان (400 عضو) لإقرار تعديل الدستور، أو ثلاث أخماس العدد الإجمالي لأعضاء البرلمان (360 عضوًا) لطرح التعديل على الاستفتاء الشعبي.
وحتى في حال الافتراض جدلًا أنه تمَّ تأمين الأغلبية المطلوبة لطرح تعديل الدستور على الاستفتاء الشعبي، فسوف تحتاج العملية إلى موافقة أكثر من نصف عدد أصوات الناخبين الصحيحة (50%+1) خلال عملية الاستفتاء لاعتماد التعديل، ولمواجهة هذه المعضلة قد يحتاج تحالف الأمة إلى فترة انتقالية غير محددة لإتمام هذه العملية.
المشكلة الأولى التي سيواجهها تحالف الأمة في المدى القصير بعد الانتخابات هي تشكيل الحكومة، حيث يمكن بسهولة توقع أن حزب الشعب الجمهوري لن يرغب في تقاسم المقاعد الحاسمة في الحكومة مع الأحزاب الأخرى في التحالف، لكنه سيواجه تحديات كبيرة لصنع القرار داخل البرلمان بسبب الأغلبية المطلوبة من دون دعم من الحزب الجيد، وحزب الشعوب الديمقراطي الذي لا يعتبر رسميًّا ضمن تحالف الطاولة السداسية إلا أنه ربما الأكثر تأثيرًا داخله.
على سبيل المثال، لن يكون من الممكن تحديد السياسات الأمنية أو محاربة الإرهاب دون موافقة حزب الشعوب الديمقراطي، الذي قدّم الدعم من تحت الطاولة لتحالف الأمة.
بالإضافة إلى ذلك، من المعروف أن أعضاء التحالف لديهم مقاربات مختلفة عن بعضهم في العديد من الموضوعات، من الاقتصاد إلى السياسة الخارجية، وحتى اليوم لم يتم التطرُّق إلى الاختلافات في وجهات النظر حول المشاكل، وبالتالي تمَّ منع أي نقاش حولها.
ومع ذلك، في حال الوصول إلى السلطة ستظهر أزمات جديدة داخل التحالف حول توزيع المناصب السيادية وآليات اتخاذ القرار تجاه العديد من القضايا الحساسة المتعلقة بالسياسة الخارجية التركية، حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية وحتى الداخلية ومكافحة الإرهاب والوجود العسكري التركي خارج البلاد، خاصة في سوريا والعراق وليبيا، وقضايا اللاجئين والسياسات الاقتصادية ومكافحة التضخم.
لذا من المتوقع أن تكون الحكومة التي سيشكّلها التحالف ضعيفة وستواجه تحديات كبيرة قد لا تدوم طويلًا، وسوف يعيد ذلك تركيا إلى فترة الحكومات الائتلافية التي نسيتها منذ عام 2002، بعد أن عاشتها لعقود طويلة بعد انقلاب عام 1960.