في ضوء استمرار الأزمات بين أطراف تحالف إدارة الدولة، بشأن العديد من الملفات التي يأتي في مقدمتها إقرار الموازنة العامة، وبعد نجاح الإطار التنسيقي الشيعي في إنهاء الخلافات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتفاق على حصة الإقليم من الموازنة، إلى جانب ملفات أخرى، برزت على السطح خلافات عميقة بين رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس الوزراء محمد شياع السوادني، بعد رفض الأخير، بدعم من بعض قوى الإطار، الالتزام بالتوافق السياسي مع تحالف السيادة السني وإنجاز بعض الملفات المهمة أبرزها قانون العفو العام وإعادة النازحين، ومؤخرًا حصة المدن السنية من الموازنة.
وكخطوة استباقية لعرض مشروع الموازنة العامة على مجلس النواب، قدم الحلبوسي إجازة لمدة 15 يومًا من أجل عرقلة جهود الإطار التنسيقي لإقرارها، ورغم لقائه السوداني مرتين – أحدهما برعاية رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، والآخر برعاية رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان – فإن اللقائين لم ينجحا في إنهاء الخلافات بينهما، بسبب إصرار السوداني على ضرورة عدم تدخل الحلبوسي في عمل السلطة التنفيذية، إلى جانب ضغط قوى الإطار على السوداني لعدم تقديم تنازلات للحلبوسي في ملف العفو العام، خصوصًا أن قوى الإطار لم تعد ترى ضرورة لذلك، طالما أنها تجاوزت مرحلة التهديد التي كانت تعيشها قبل انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، والحاجة للتحالف مع الحلبوسي.
خطوة الحلبوسي لتشكيل إطار سني يدعمه للبقاء في منصبه رئيسًا لمجلس النواب، أتت بعد أن تحدثت مصادر سياسية وتسريبات عن النيّة لإقالته من منصبه
وكمحاولة للضغط على الحلبوسي للعدول عن خطواته التصعيدية، بدأت بعض قوى الإطار تتحدث عن ضرورة اتخاذ إجراءات ضده، تصل إلى حد إقالته من على رأس السلطة التشريعية، كما بدأت حكومة السوداني بدورها فتح ملفات تتعلق بقضايا فساد في محافظة الأنبار، إلى جانب قيام السوداني بتحويل مبالغ مالية مخصصة لإعمار محافظة الأنبار إلى محافظات جنوبية.
وفي هذا الإطار، وجد الحلبوسي نفسه في خضم صراع مركب داخل العملية السياسية اليوم، أحد جوانب هذا الصراع مع قوى الإطار التنسيقي التي تحاول تفكيك سيطرته على المشهد السياسي السني، وجانب آخر داخل محافظة الأنبار مع بعض شيوخ العشائر المحسوبين على الفصائل المسلحة النافذة في المحافظة، ما أضعف موقفه السياسي بصورة عامة.
الإطار التنسيقي السني هو الحل
رغم صعوبة مهمة الحلبوسي في تشكيل إطار تنسيقي سني على غرار الإطار التنسيقي الشيعي، فإنه يبقى رهانًا يمكن للحلبوسي من خلال إعادة تجديد نفسه داخل المعادلة السياسية السنية أولًا والعراقية ثانيًا، فقد وجه الحلبوسي دعوةً مفتوحةً للعديد من القيادات السنية لحضور اجتماع برئاسته، من أجل وضع إطار سياسي للحالة السنية، ومن أبرز الشخصيات التي دعاها: أسامة النجيفي ورافع العيساوي وجمال الكربولي ومثنى السامرائي وصالح المطلك ومحمود المشهداني وغيرهم.
ففي الوقت الذي يحاول فيه الحلبوسي خلق توافق سني عام، لا يخفى أن هذه الخطوة تأتي كمحاولة منه لتكريس نفسه كزعيم وحيد على المشهد السني، فيما تكتفي الشخصيات الأخرى بممارسة أدوار ثانوية، وهي حالة صعب تحققها بالوقت الحاليّ.
ومع عدم التقليل من خطورة قتاله على الجبهة السنية، خصوصًا بوجود شخصيات لها ثقل كبير داخل المحيط السني مثل العيساوي، الذي عاد إلى بغداد مؤخرًا بعد إسقاط تهم كانت تلاحقه، وأيضًا النجيفي والسامرائي، فإن الخطر الأكبر الذي من المتوقع أن يضطر الحلبوسي لمواجهته قد يأتي من “الإطاريين” الذين انخرط معهم في تحالف إدارة الدولة، الذي شكل حكومة السوداني.
وفي مؤشر على علاقات التصادم بين الحلبوسي وحلفائه في الإطار، جاء البيان الذي أصدره مكتبه قبل بضعة أيام، ونفى فيه “وجود خلافات مع رئيس الوزراء” الذي يعد مفتاح الدخول إلى أي صيغة للخصام أو الاتفاق مع قوى الإطار التي تدعمه بقوة في البرلمان والحكومة.
في الوقت الذي يحاول فيه الحلبوسي خلق توافق سني عام، لا يخفى أن هذه الخطوة تأتي كمحاولة منه لتكريس نفسه كزعيم وحيد على المشهد السني
وفي حين تهدف فيه دعوة الحلبوسي إلى بحث إمكانية تشكيل إطار تنسيقي سني يكون قادرًا على مواجهة الإطار التنسيقي الشيعي سياسيًا، وعلى فرض تطبيق شروط ومطالب القوى السياسية السنية، بعد توحيد البيت السني تحت سقف واحد، كما عمل على ذلك البيت السياسي الشيعي، فإن غالبية القيادات السنية البارزة رفضت، على الأقل بالوقت الحاضر، فكرة تشكيل الإطار التنسيقي السني، وأبلغته بذلك، وهي على الأغلب ستكون مقاطعة للاجتماع، مع استمرار الحلبوسي بإقناع أكبر عدد ممكن من القيادات لتلبية دعوته.
يبدو أن فكرة الإطار الشيعي قد راقت للحلبوسي فبادر إلى استنساخها في المكون السني، بدعوته لأغلب الزعامات التي اشتركت في المنظومة السياسية الحاكمة السابقة واللاحقة، فخطوته لتشكيل إطار سني يدعمه للبقاء في منصبه رئيسًا لمجلس النواب، أتت بعد أن تحدثت مصادر سياسية وتسريبات عن النيّة لإقالته من منصبه.
هل ينجح الإطار التنسيقي السني الذي يعتزم الحلبوسي تأسيسه، في الوقت الذي يُعتقد فيه أن العراق تجاوز مرحلة الطائفية؟ هل هو باب من أبواب مُناغاة الشعور المذهبي للاصطفاف حول تلك الزعامات، من أجل رفع رصيدها في النفوذ والمصالح؟
إن أوتار الطائفية يعزف عليها أركان السياسة في العراق، كلما لاحت في الأفق أزمة أو مشكلة أو مأزق، يؤدي بهم إلى الاعتزال ويبعدهم عن المشهد السياسي، لذلك تكون أسلحة الدفاع عن المذهب والطائفة، ذلك الوهم الذي تتواجه به الأطراف في مسرحية باتت مملة للمراقب للشأن السياسي العراقي.