حين نصبت “إسرائيل” دولتها على الأراضي الفلسطينية وشردت مئات آلاف الأهالي من بيوتهم وهدمت قراهم في نكبة 1948، عملت على وضع قوانين عنصرية تعزز من وجودها وتحرم الفلسطيني حق العودة لبيته الذي طردته منه قسرًا.
القوانين العنصرية التي شرعتها “إسرائيل” عبر الكنيست تحمل في موادها الكثير من التطرف وحرمان الفلسطيني حقه في العودة، رغم أنها سنت قوانين أخرى تمنح المواطنة لأي يهودي يصل “إسرائيل”.
ورغم أن “إسرائيل” استخدمت العصابات لمحو أي أثر عربي في القرى الفلسطينية، فإن هناك عوائل تمكنت من البقاء، لكنها منذ 1948 أطلقت عليهم “الأقلية العربية” – فلسطينيو الداخل المحتل – واعتبرتهم خطرًا على دولتها، فعملت على إرهابهم وفصلهم عن محيطهم العربي وطمس هويتهم ومصادرة أراضيهم وهدم منازلهم لإجبارهم على الرحيل.
يرصد “نون بوست” أخطر القوانين التي شرعتها “إسرائيل” لسرقة الأرض الفلسطينية، وكيف طورتها عبر السنوات الأخيرة لتتناسب مع العصر دون أن تترك أي ثغرة يمكن للفلسطيني استغلالها لاسترجاع حقوقه.
أبرز القوانين العنصرية القديمة التي شرعها الاحتلال وقت النكبة
قانون العودة لسنة 1950
أقره الكنيست في 5 يوليو/تموز 1950، وأصبح ساري المفعول في اليوم التالي، خضع لتعديلين لاحقين: أحدهما تم في أغسطس/آب 1954، وثانيهما في مارس/آذار 1970، وهو قانون يفتح الباب على مصراعيه لهجرة اليهود ومنحهم المواطنة بشكل فوري.
في عام 1970 عُدل القانون ليشمل أصحاب الأصول اليهودية وأزواجهم، وفي المقابل يحرم الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم وحقهم في المواطنة في أماكن ولدوا فيها، وعاشوا بها أبًا عن جد ويقيمون عليها.
قانون الجنسية “المواطنة” لسنة 1952
أصبح ساري المفعول في 14 سبتمبر/أيلول 1953، ويفصِّل التشريعات الخاصة بمسائل الهجرة، وينص على حق اليهود بالقدوم إلى “إسرائيل” (موطن أسلافهم المزعوم)، وعلى التكفل بتسهيل هجرتهم.
وتنص المادة 2/أ من قانون الجنسية الإسرائيلي على أن كل مهاجر، بحسب قانون العودة، سيصبح مواطنًا إسرائيليًا كنتيجة مباشرة للعودة.
وتنص المادة 14/أ على أن اليهود الذين يحصلون على الجنسية الإسرائيلية لا يتوجب عليهم التخلص من جنسياتهم الأصلية، بينما نجد أن المادة (3) من القانون عينه تحرم الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في فلسطين قبل العام 1948 من حقهم في الحصول على الجنسية أو الإقامة في “إسرائيل” بناءً على الشروط التي صممت خصيصًا لحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة.
قانون أملاك الغائبين
صادق عليه الكنيست في 20 مارس/آذار 1950، هو يمنح الاحتلال “حق” مصادرة أملاك منقولة أو غير منقولة مملوكة لفلسطيني هجر من فلسطين عام 1948 أو قبل ذلك، ولم يستطع العودة إليها وتوجه إلى إحدى الدول التي صنفت بـ”دول العدو”، وهي: الأردن ولبنان ومصر وسوريا والعراق والسعودية واليمن.
قانون العودة 1950
يمنح امتيازًا لكل يهودي في العالم أن يأتي إلى “إسرائيل”، ويكمله قانون المواطنة من العام 1952، ليمنح كل يهودي أتى إلى “إسرائيل”، وفقًا لقانون العودة، المواطنة مباشرة.
وعدّ بن غوريون عام 1950 هذا القانون أهم القوانين، “إذ بموجبه يتم تأسيس “إسرائيل” بواسطة استجلاب عامة اليهود إلى البلاد”.
قانون استملاك الأراضي الذي صدر عام 1952
يخول سلطة الاحتلال الاستيلاء على الأراضي العربية، وهناك مئات القوانين العنصرية الأخرى التي تستهدف الفلسطينيين، وتحاول النيل من حقوقهم وتحولهم إلى مواطنين درجة ثانية.
شكلت منظومة القوانين أعلاه وسيلة للسيطرة على العقارات أيضًا، فالاحتلال عندما عجز عن شراء عقار أو وضع اليد عليه كتملك للمصلحة العامة لجأ إلى وسائل قانونية تمكنه من وضع اليد على العقارات.
وساندت المحاكم الإسرائيلية ذلك حين شكلت غطاءً بقراراتها لإعطاء غلاف قانوني للسيطرة على العقارات وطرد المقدسيين كأن القضية قانونية وليست مرتبطة بأي أبعاد سياسية.
تقول الحقوقية سوسن زهر وهي من الداخل المحتل، إن القوانين التي وضعتها “إسرائيل” للسيطرة على الأراضي الفلسطينية تشكل خطورة كبيرة وتحرم الفلسطيني حق العودة إلى بلدته التي هجر منها، بل وتعزز وجوده كلاجئ في الخارج.
وتوضح زهر خلال حديثها مع “نون بوست” أن القوانين التي صادق عليها البرلمان الإسرائيلي بعد النكبة منعت اللاجئين من العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم وأكدت على مكانتهم السياسية والقانونية كلاجئين في دول أخرى.
وتشير الحقوقية إلى أن قوانين الاحتلال قيدت وحاصرت فلسطينيي الداخل، خاصة أن “إسرائيل” عملت من خلال قوانينها على مسارات إثنية – الفوقية القومية لليهود – بالمواطنة وكل ما يتعلق بامتلاك الأراضي ومصادرتها، مؤكدة أن تلك القوانين العنصرية أعطت لليهود شرعنة للتمييز العنصري الممنهج ضد الفلسطينيين وعدم التعامل معهم بشكل متساوٍ.
وشددت زهر على أن أخطر القوانين هو “قانون العودة” الذي أعطي حقًا دستوريًا فقط لليهود في كل أنحاء العالم للحصول على المواطنة، بينما يمنع الفلسطينيين من إكمال حياتهم في مدنهم وقراهم الفلسطينية.
قوانين جديدة
لم يكتف البرلمان الإسرائيلي بالمصادقة على القوانين العنصرية وقت النكبة واحتلال الأراضي الفلسطينية، بل يواصل بشكل مستمر سن قوانين جديدة تقيد الفلسطيني أكثر وتفرض الهيمنة الإسرائيلية، ومن أبرز تلك القوانين:
– قانون القومية: سنّ الكنيست الإسرائيلي، في 18 يونيو/حزيران 2018، قانون أساس: “إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي”، وينص على أن “إسرائيل” دولة قومية للشعب اليهودي وكذلك اسمها، رمزها ونشيدها، وحسب القانون، فإن القدس كاملة وموحدة هي عاصمة دولة “إسرائيل” واللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدولة ولا يمكن تعديل القانون إلا من خلال أغلبية أعضاء الكنيست.
– قانون النكبة 2011: يسمح لوزير المالية الإسرائيلي بفرض الغرامات على مؤسسات تُمولها الدولة كالمدارس والجامعات والسلطات المحلية، إذا نظمت برامج يشار فيها إلى ما يسمى “يوم الاستقلال” أو يوم “قيام إسرائيل”، كيوم حداد أو تنظم مناسبات تنفي تعريف دولة “إسرائيل” كدولة “يهودية وديمقراطية”، وذلك للحيلولة دون إحياء الفلسطينيين ذكرى نكبتهم في عام 1948، وغيرها من المناسبات كيوم الأرض.
– قانون منع لم شمل العائلات 2003: منع بموجبه منح أي جنسية أو مواطنة لفلسطينيين ممن يقطنون في المناطق التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967 والمتزوجين من فلسطينيين يعيشون داخل الأراضي عام 1948، إذ يحرم آلاف العائلات الفلسطينية من حق لمّ شمل عائلاتهم.
واتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إستراتيجية فرض الهيمنة من خلال قوانين وسياسات عنصرية تؤدي إلى عزل الفلسطينيين، استنادًا إلى وضعهم القانوني ونوع الحالة القانونية لإقامتهم.
كما يواجه الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة قيودًا شديدةً على حريتهم في الحركة والتنقل، كما تفرض “إسرائيل” قيودًا أخرى على الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين، بغرض قمع المعارضة والحفاظ على نظام القمع والهيمنة.
وعادة تخالف “إسرائيل” وتضرب بعرض الحائط القوانين الدولية والإنسانية كافة، خاصة فيما يتعلق بالحق الفلسطيني دون الاكتراث لأي عقوبة قد تؤدي إلى عزلتها، وفي المقابل تشرع لدولتها قوانين عنصرية تعزز من هيمنتها على أرض فلسطين.