ترجمة وتحرير: نون بوست
كثّفت الخلية الفرنسية الأفغانية جمع المعلومات الاستخبارية بعد انسحاب القوات الفرنسية من أفغانستان بأمر من رئيس فرنسا آنذاك فرانسوا هولاند في سنة 2012.
حسب الرواية الرسمية لتدخّل فرنسا عسكريًا في أفغانستان، فإن باريس كانت بحلول نهاية سنة 2012 قد أنهت أي وجود عسكري لها في البلاد وكان ذلك بناء على قرار اتخذه الرئيس المنتخب حديثًا فرانسوا أولاند قبل ستة أشهر، الذي لم يرغب في رؤية أي جندي من الجيش الفرنسي على الأراضي الأفغانية. لكن الأمور لم تسر على هذا النحو، ذلك أنه حتى بغياب الجيش الفرنسي رسميًا قررت فرنسا الحفاظ سرًا على مواردها الاستخباراتية البشرية والتقنية وزيادتها، لدرجة جعل أفغانستان لعدة سنوات أكثر منطقة ينتشر بها أكبر عدد من الجواسيس الفرنسيين في الخارج.
لم يكن هذا السرّ ليُكشف لو أن أعضاءً سابقين في المخابرات الأفغانية، الذين تعاونوا ما بين 2009 و2020 مع نظرائهم الفرنسيين من المخابرات الفرنسية (المديرية العامة للأمن الخارجي)، لم يعبروا عن مرارتهم تجاه فرنسا التي “تركتهم وراءها” بعد عودة طالبان إلى السلطة في 15 آب/ أغسطس 2021. وكل من الشهادات التي وثّقها المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية، غالبًا مع وثائق داعمة، إلى جانب شهادات أخرى جمعتها لوموند ووسائل الإعلام الشريكة مثل منظمة “لايت هاوس ريبورتس” وراديو فرنسا الدولي من أعضاء سابقين لا يزالون في أفغانستان أو في المنفى في الدول المجاورة، تكشف النقاب عن الدور الذي لعبته فرنسا في منطقة زعمت أنها انسحبت منها عسكريًا.
في مجال الاستخبارات، أنشأت المخابرات الأفغانية والفرنسية في وقت مبكر من سنة 2009 وحدة مشتركة تحت اسم “شمشاد 009” (وفي اللغة الدرية شمشاد اسم مذكر يعني خشب البقس) ركزت مهمتها على حماية الجنود الفرنسيين المتمركزين في مقاطعة كابيسا شرقي البلاد.
كان مقر هذه الوحدة في كابول، ولم يتم حلها بعد انسحاب الجيش الفرنسي من أفغانستان في أواخر سنة 2012 – بل على العكس تمامًا. وبالاتفاق مع السلطات الأفغانية، وسّعت الحكومة الفرنسية نطاق جمع المعلومات الاستخبارية ليشمل البلاد بأكملها. وقد عيّنت المخابرات الفرنسية وكلاء ومترجمين فوريين جدد للمخابرات الأفغانية لتغطية هذه المنطقة. في المقابل، موّلت المخابرات الفرنسية التجديد الشامل لمباني المخابرات الأفغانية لتصبح أكثر حداثة وأمانًا والتي اتنقل إليها عدد متزايد من موظفي شمشاد.
تذكرة للمشاهدة
استضافت أفغانستان من 2014 إلى 2020 أكبر شبكة استخبارات فرنسية في الخارج، التي لم يكن يُسمح لعملائها بمغادرة العاصمة الأفغانية لأسباب أمنية ويتم استبدالهم كل بضعة أشهر على الفور. لكن بعضهم كان يزور كابول عدة مرات. لم تكن شمشاد وحدة عمليات أي أنها لم تنفذ عمليات اعتقال أو استجواب. وحسب عناصر الوحدة المعروفين، اقتصر نشاط هذه الوحدة على جمع المعلومات الاستخبارية لا سيما في قضايا مكافحة الإرهاب والتمرد وتهريب المخدرات، وكان بحثها موجهًا وفقًا لاهتماماتها الخاصة. وكانت تشارك نتائج جهودها مع المخابرات الأفغانية وحلفائها إذا لزم الأمر.
وفقًا لمعلومتا، حُلّت شمشاد في ربيع سنة 2020 بأمر من وزارة الدفاع والإليزيه بسبب جائحة كوفيد-19 التي تطلبت الحد من السفر والاحتكاك المباشر. ولا شك أن إنهاء هذه الوحدة الاستخبارية يعود له الفضل في توقيع اتفاق تاريخي بين الفاعلين الرئيسيين في الحرب الأفغانية، الأمريكيون وطالبان، في 29 شباط/ فبراير 2020 في الدوحة. وهي وثيقة مهدت الطريق للانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية بما في ذلك القوات الأمريكية من البلاد.
قال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الفرنسية، طلب عدم ذكر اسمه، كان المسؤول آنذاك عن البعثة الدبلوماسية في هذه المنطقة من العالم، إن “شمشاد كانت تذكرة مشاهدة” أي أنها كانت وسيلة بالنسبة لفرنسا لمواصلة مراقبة جهود مكافحة طالبان والجماعات الجهادية مثل القاعدة أو تنظيم الدولة بعد انسحاب قواتها من المنطقة. وعلى هذا النحو، كان لدى باريس وصول مباشر إلى المعلومات التي ترتبط بالفرنسيين المنتمين إلى هذه الجماعات. ووفقًا لهذا المصدر، كُلّفت المخابرات الفرنسية من قبل السلطة التنفيذية الفرنسية بنفس نوع المهام التي توكل إلى البعثات الدبلوماسية وهو “حماية مصالح فرنسا في أفغانستان”.
الأصول الجوية
حسب رئيس أركان وزارة سيادية، كان في منصبه وقت الأحداث، فإن الحفاظ على القوة الاستخبارية كما هي بعد سنة 2012 “كان إلى حد كبير بطلب من الحلفاء الذين أرادوا منا الإبقاء على هيكل استخباراتي للمشاركة في الجهد المشترك. وهكذا أمكن لفرنسا التخفيف من مشاعر الاستياء التي تردد صداها بانتظام بين صفوف حلفائها داخل الناتو بسبب انسحابها بينما واصلوا تحمل الخسائر في الأرواح البشرية والتكلفة المالية”.
لطالما رفضت فرنسا حتى سنة 2008 إرسال جنود إلى مناطق النزاعات، علمًا بأن القوات الخاصة الفرنسية قد شاركت بالطبع في إسقاط طالبان في نهاية سنة 2001 وبداية 2002 ولكن دورها كان هامشيًا. وفي نهاية سنة 2007، وعد نيكولا ساركوزي، الذي كان قد تولى لتوه رئاسة البلاد بتلبية التوقعات الأمريكية أمام الكونغرس الأمريكي. وفي 6 شباط/ فبراير 2008، أعرب وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت غيتس عشية اجتماع بين وزراء دفاع الناتو في ليتوانيا عن خوفه من رؤية “تحالف بسرعة استجابة مختلفة حيث يكون البعض على استعداد للقتال والموت في حين أن البعض الآخر ليس كذلك”.
في سنة 2008، ودون إجراء تصويت في البرلمان، أرسل ساركوزي ألف جندي إضافي إلى منطقة تقع شرق أفغانستان تعرف بمدى خطورتها بناء على قرار اتُّخذ في نيسان/أبريل 2008 في قمة الناتو في بوخارست. وفي 5 آب/ أغسطس 2008، سيطرت فرنسا على المنطقة الوسطى من أفغانستان حول العاصمة كابول، ثم انخرط أكثر من ثلاثة آلاف جندي فرنسي ضمن قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان (إيساف). وقد شارك ما يقارب 300 جندي في تدريب ودعم الجيش الوطني الأفغاني. وفي جنوب أفغانستان، نُشر 170 جنديًا من القوات الجوية في قاعدة قندهار حول المقاتلات الجوية الفرنسية – ثلاث من طراز سوبر-إيتاندار، وثلاث من طراز ميراج 2000 دي – كانت تحت تصرّف حلف الناتو.
وردًا على سؤال حول الانخراط العسكري لفرنسا في أفغانستان بعد انسحاب قواتها في نهاية سنة 2012، أشارت وزارة القوات المسلحة إلى أن وحدة مثل “شمشاد” لم تكن “غير مسبوقة” في سياق نشر العمليات في الخارج وهي “تتماشى مع التعاون الكلاسيكي الذي لدينا مع أجهزة الاستخبارات في مناطق معينة من العالم، كما هو الحال في أفريقيا اليوم”.
المصدر: صحيفة لوموند