ترجمة تحرير: نون بوست
لن تعرف ذلك من عناوين الأخبار هذا الأسبوع، لكن السؤال الأكثر إلحاحًا حول مصر لا يتمحور حول ما إذا كان اللواء عبد الفتاح السيسي يخطط لتسليح روسيا، وإنما كيف يخطط لإطعام شعبه؛ حيث يعارض نظامه تقرير صحيفة “الواشنطن بوست” عن الجهود السرية التي تبذلها القاهرة لتزويد موسكو بالذخائر لاستخدامها ضد أوكرانيا.
لكن الجنرال لا يمكنه إنكار الأزمة الخطيرة التي تتخمر في بلاده، إذ يتسبب تضخم أسعار المواد الغذائية المتفشي في إلحاق أضرار عميقة في أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان؛ حيث يعيش حوالي نصف السكان البالغ عددهم 104 ملايين نسمة بالقرب من خط الفقر أو تحته.
وفي اليوم الذي نشرت فيه صحيفة “واشنطن بوست” قصتها، نقلاً عن وثيقة استخباراتية مسربة من البنتاغون، أفادت وكالة الإحصاء المصرية أن أسعار المستهلكين ارتفعت سنويًا بنسبة 32.7 بالمئة في آذار/ مارس، وهو الأكبر منذ حوالي ست سنوات. وكان هذا الارتفاع مدفوعًا بارتفاع مذهل بنسبة 62.9 بالمئة في تكاليف المواد الغذائية والمشروبات.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى الآثار المستمرة للحرب الروسية ضد أوكرانيا، إذ تعتمد مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، على كلا البلدين للحصول على الحبوب. ولكن انخفاض قيمة الجنيه المصري، الذي تراجعت قيمته إلى النصف مقابل الدولار الأمريكي خلال السنة الماضية، زاد من حدة الأزمة.
بعد أن كان يتوسل دول الخليج العربي لتقديم الدعم، لا خيار أمام الجنرال الآن سوى التحلي بالصبر.
ولكن القادم أسوأ، حيث يتوقع المحللون انخفاضًا كبيرًا آخر في قيمة العملة في الأسابيع المقبلة. وعلى الرغم من أن القاهرة التزمت بالانتقال إلى سعر صرف مرن، وهو تعهد ساعد في الحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي السنة الماضية، كانت السلطات حريصة على السيطرة على انخفاض قيمة الجنيه، وسيكون تخفيض آخر لقيمة العملة هو الرابع منذ آذار/ مارس 2022
ويعد هذا التوقيت غير مناسب بشكل خاص، فنحن على وشك توديع شهر رمضان، وهو الشهر الذي تتفاخر فيها العائلات تقليديًا بالملابس الجديدة والهدايا ومأدبات الإفطار الليلية. وعادة ما تنخفض الأسعار بالتنسيق مع الطلب بعد ذلك مباشرة، ولكن الراحة المتوقعة للمستهلكين ستكون قصيرة الأجل إذا تم الإعلان عن تخفيض آخر لقيمة العملة.
ولا يمكن للسيسي أن يتوقع المساعدة من الحلفاء التاريخيين لمصر من بين دول الخليج العربية، فلقد أوضحت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة أنها لن تضخ الأموال في الاقتصاد المصري لدعم النظام، كما فعلت في الماضي. ومثل المستثمرين الآخرين، فإنهم يريدون أيضًا معرفة أين سيستقر الجنيه قبل متابعة الاستثمارات الموعودة. ومثل صندوق النقد الدولي، فإنهم يُلزمون السيسي بوعده بتقليص دور الجيش في الاقتصاد المصري، وتعزيز شفافية الموارد المالية للشركات المملوكة للدولة وتعزيز القطاع الخاص.
وبعد أن كان يتوسل دول الخليج العربي لتقديم الدعم، لا خيار أمامه الآن سوى التحلي بالصبر. ولإثبات وجهة نظره، يمكن للجنرال أن يشير إلى أن صندوق النقد الدولي يعترف الآن بأن القاهرة قد تحتاج إلى إبطاء وتيرة الإصلاحات لتجنب الإضرار باستقرار الاقتصاد الكلي. يُذكر أنه تم تأجيل مراجعة برنامج الصندوق لمدة 46 شهرًا، والمقرر إجراؤه في 15 آذار/ مارس.
يجب على المصريين العاديين الاستعداد لارتفاع آخر في معدل التضخم نتيجة لتراجع قيمة العملة.
ويمكن لعرب الخليج أيضًا أن يمنحوا السيسي مزيدًا من الوقت لترتيب الوضع الاقتصادي. ولكن قد تكون هذه الاستراحة الوحيدة التي يمكن أن يأمل السيسي في الحصول عليها. لقد تم تقليص مسؤوليه، الذين يتدافعون للعثور على الدولارات في مكان آخر، بسبب إجراءاتهم المتهورة، مثل إعادة اعتماد التوقيت الصيفي يوم الجمعة المقبل، على أمل أن تؤدي الوفورات الناتجة في الطاقة إلى توفير المزيد من الغاز الطبيعي للتصدير.
في غضون ذلك؛ يجب على المصريين العاديين الاستعداد لارتفاع آخر في معدل التضخم نتيجة لتراجع قيمة العملة. ويشكل الطعام والشراب حوالي ثلث الإنفاق الشهري للعائلة العادية، ولا بد أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تعزيز السخط على النظام.
لا يحتاج السيسي إلى تذكير بأن الجنرال الأخير الذي أدار البلاد، حسني مبارك، قد تمت الإطاحة به بسبب الاحتجاجات الشعبية التي أججتها أسعار المواد الغذائية والفساد المستشري. ويُذكر أن معدل تضخم أسعار الغذاء في فترة الربيع العربي سنة 2011 بلغ نسبة 18.9 بالمئة فقط.
المصدر: واشنطن بوست