خلص الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق الذي عقد في مدينة جدة في وقت متأخر من مساء الجمعة 14 من أبريل/نيسان، على التأكيد على أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة في سوريا، بحسب البيان الذي شدد على أن “الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية”.
وجاء الملف السوري على رأس الاجتماع العاجل الذي شارك فيه وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والمصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي والعماني بدر البوسعيدي والكويتي سالم الجابر الصباح، والعراقي فؤاد حسين والبحريني عبد اللطيف الزياني، بجانب المستشار الإماراتي أنور قرقاش، بالإضافة إلى عدد من الملفات الأخرى كالقضية الفلسطينية وتطورات المشهد الميداني في الأقصى والقدس، وسبل تعزيز التعاون العربي المشترك.
وقبل انعقاد تلك القمة بيومين كان وزير الخارجية في حكومة النظام السوري فيصل المقداد، في زيارة لافتة للمملكة، هي الأولى له منذ 2012، حيث التقى نظيره السعودي فيصل بن فرحان، في خطوة يراها البعض تعبيدًا لعودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض ودمشق بعد قطيعة أكثر من عشر سنوات، بينما تتصاعد التكهنات بشأن عودة المقعد السوري داخل الجامعة العربية.
يأتي هذا اللقاء قبل شهر تقريبًا من القمة العربية المزمع أن تحتضنها الرياض في مايو/آيار المقبل، التي تتوجه إليها الأنظار لما يمكن أن تشهده من تطورات وأحداث تعكس حجم الانقلاب الكبير في المواقف العربية إزاء بعض المسائل العالقة، في ظل السيولة السياسية التي تشهدها المنطقة خلال الأشهر الماضية وأحدثت الكثير من التموضعات وإعادة ترتيب أوراق اللعبة الإقليمية، فهل تشهد قمة مايو/آيار المقبلة مشاركة رئيس النظام السوري بشار الأسد؟
#جدة | سمو وزير الخارجية الأمير #فيصل_بن_فرحان @FaisalbinFarhan يستقبل وزير خارجية الجمهورية العربية السورية الشقيقة معالي الدكتور فيصل المقداد ???? pic.twitter.com/q7SYZCVsOy
— وزارة الخارجية ?? (@KSAMOFA) April 12, 2023
انخراط عربي بعد 10 سنوات من الغياب
ظلت الأزمة السورية وتفاعلاتها حكرًا على القوى الدولية في ضوء حرب التوازنات بين الولايات المتحدة وفريقها من جانب وروسيا ومعسكرها من جانب آخر، فيما اكتفى العرب بدور المتابع من مقاعد المتفرجين دون أي دور مؤثر في تلك المعركة رغم تداعياتها المحورية على المنطقة والشعوب العربية.
وبعد أكثر من عقد كامل على تلك المعادلة غير المتزنة التي اكتفى فيها العرب بأن يكونوا أصحاب الأرض التي تحتضن تلك المعركة، تحاول الحكومات العربية أخيرًا الانخراط في الأزمة، والاشتباك مع قواعدها الجديدة حسبما نقلت “رويترز” عن مسؤول أردني قوله إن عمان تدفع بـ”خطة سلام عربية مشتركة يمكن أن تضع حدًا للتبعات المدمرة للصراع السوري”
وقد اقترحت المملكة تشكيل مجموعة عربية مشتركة تكون مخولة للتعامل مع الحكومة السورية بشكل مباشر بشأن خطة لإنهاء الصراع، تتضمن “جميع القضايا الرئيسية… وحل الأزمة حتى تتمكن سوريا من استعادة دورها في المنطقة والانضمام مجددًا إلى جامعة الدول العربية” وفق ما أضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه.
ويعد المقترح الأردني – الذي جاء متأخرًا جدًا – تتويجًا للتغير الملحوظ الذي انتاب المزاج العربي – الرسمي – إزاء النظام السوري، حيث الانفراجة التي تشهدها العلاقات العربية السورية مؤخرًا، التي تسعى لإخراج نظام الأسد من ثلاجة العزلة والتجميد وتعويمه مرة أخرى وفق آليات وسياسات جديدة تدفع بالمنطقة إلى إعادة بناء إقليمي في ضوء التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها الخارطة الدولية منذ جائحة كورونا، والتي تعززت أكثر مع الحرب الروسية الأوكرانية المندلعة منذ فبراير/شباط 2022 التي لا يعرف أحد متى سيُسدل ستارها.
تعويم نظام الأسد على قدم وساق
في 12 من أبريل/نيسان الحاليّ حل وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، ضيفًا على المملكة بدعوة رسمية من نظيره السعودي الذي استقبله بالترحاب وتبادل الابتسامات حسبما نقلت كاميرات المصورين والمراسلين، لتُنهي الرياض سنوات العزلة والقطيعة التي فرضتها على نظام الأسد منذ 2012 حين أغلقت سفارتها بدمشق وطردت سفير النظام.
الزيارة شهدت بحسب وكالة الأنباء السعودية “واس” “عقد جلسة مباحثات تتناول الجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة في سوريا”، كما ناقش الوزيران الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي تداعياتها كافة، وتحقق المصالحة الوطنية، وتساهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي.
وتعد تلك الخطوة هي الأكثر حضورًا على مسرح تعويم نظام الأسد، نظرًا للسرعة الجنونية التي انتقلت بها الرياض من أقصى يمين الرفض والمقاطعة للنظام السوري إلى درجات متقدمة نحو يسار التطبيع والتقارب، رغم أن أسباب ودوافع الموقف السابق لم تتغير بعد، فلم تزل انتهاكات النظام بحق السوريين قائمة، والقتل والتنكيل والتهجير والاستهداف الممنهج مستمر على قدم وساق.
بعض الدول المعارضة تضع شروطًا خاصة بها وليس عامة، كما هو حال المغرب الذي يريد من نظام الأسد إيقاف دعمه لجبهة البوليساريو
وانطلق المقداد من جدة بعد أن حقق الهدف المنشود من كسر عزلة بلاده سعوديًا إلى العاصمة الجزائرية، حيث من المقرر أن يلتقي نظيره الجزائري وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، لإجراء محادثات بشأن سبل التعاون بين البلدين وبعدها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لتسليمه رسالة من الأسد، وتعد تلك الزيارة هي الثانية لمقداد للجزائر خلال 9 أشهر، بعد زيارة سابقة له في الخامس من يوليو/تموز الماضي.
وقبل أيام أعلنت تونس وبشكل رسمي استعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وتعيين سفيرًا لها في دمشق، ومن قبلها أعادت الإمارات فتح سفارتها، واستقبلت الأسد الشهر الماضي، كما قررت البحرين أواخر عام 2021، تعيين أول سفير لها في سوريا منذ أن خفضت مستوى العلاقات مع بدء الثورة السورية
القاهرة وأنقرة انضمتا إلى ذات المسار، فرغم أن النظام المصري لم يقطع العلاقات بشكل كامل مع الأسد لكنها كانت في إطارها الضيق من أسفل الطاولة، تماهيًا مع التوجه العربي والدولي، أما الجانب التركي فقرر الانقلاب على مواقفه السابقة وفتح قنوات اتصال مع النظام السوري في تحول يضاهي الانقلاب في الموقف السعودي، لتبدأ موجة عاتية من التنسيق وتبادل الزيارات والتصريحات الإيجابية من هنا وهناك.
وفي وقت سابق صرح وزير الخارجية السعودية “هناك إجماع عربي على عدم استمرار الوضع الراهن في سوريا”، وأنه لا بد من إيجاد توجيه مختلف لحل الأزمة، وفي بدايات الشهر الحاليّ نقلت وكالة رويترز عن 3 مصادر قولها إن المملكة تعتزم توجيه دعوة للأسد لحضور قمة الرياض المقبلة، فيما لم يصدر تصريح رسمي من جانب السعودية لتأكيد أو نفي تلك الأنباء.
انقسام عربي
قد يكون تعويم نظام الأسد وكسر عزلته مسألة محسومة في ضوء المؤشرات الأخيرة والتطورات التي شهدها هذا الملف وسمحت للأسد بالسفر خارج بلاده واستقباله بشكل رسمي في بعض العواصم العربية، هذا بخلاف تبادل الزيارات بين ممثلي نظامه ومسؤولي الحكومات العربية والإقليمية، غير أن عودة المقعد السوري للجامعة العربية مسألة لم تُحسم بعد في ظل وجود انقسامات واضحة بين بعض البلدان العربية بشأن هذا الموضوع من الصعب حسمها قبل مايو/آيار القادم.
رئيس الوزراء القطري عشية اجتماع جدة الأخير وفي مقابلة له مع “تليفزيون قطر” أكد أن أسباب تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية ومقاطعة النظام السوري ما زالت قائمة، مضيفًا: “صحيح أن الحرب في سوريا قد توقفت، ولكن الشعب السوري ما زال مهجرًا، والناس ما زالوا في السجون، ونحن في دولة قطر لا نريد فرض حلول في سوريا، فالحل بيد الشعب السوري، قرار دولة قطر المنفرد هو ألا تتخذ أي خطوة إذا لم يكن هناك تقدم سياسي لحل الأزمة السورية، وهو قرار سيادي لدولة قطر نتمسك به”.
ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال” فهناك خمسة أعضاء على الأقل داخل جامعة الدول العربية – من بينها المغرب والكويت وقطر واليمن – ترفض إعادة انضمام النظام السوري لمظلة الجامعة، حتى مصر التي تتمتع بعلاقات طيبة مع النظام تقاوم هي الأخرى هذا القرار، بحسب الصحيفة التي نقلت عن مسؤولين عرب قولهم إن بعض الدول التي تعارض عودة المقعد السوري ضاعفت من مطالبها وشروطها السابقة، ووضعت شروطًا جديدة منها: دعوة النظام إلى القبول بقوات عربية لحماية اللاجئين السوريين العائدين إلى بلادهم، وقمع تهريب المخدرات من سوريا، ومطالبة إيران بالتوقف عن توسيع نفوذها في البلاد، وفي حالة تلبية النظام السوري لتلك المطالب فإن الدول الرافضة لن تسمح فقط بعودة سوريا للجامعة العربية بل ستضغط من أجل رفع العقوبات المفروضة على الحكومة السورية من أمريكا والقوى الأوروبية.
لم يتجاوز بيان جدة بشأن سوريا الكلام الفضفاض الذي يخلو من اي آلية واضحة للتنفيذ، فالهوة في مواقف الدول بشأن #النظام_السوري ما زالت كبيرة ويصعب ردمها قبل انعقاد القمة العربية الشهر المقبل في السعودية. الدول العربية المشاركة في لقاء جدة لها مقاربات مختلفة وأهداف مختلفة وربما تبالغ…
— Hassan Barari (@barari_hassan) April 15, 2023
بعض الدول المعارضة تضع شروطًا خاصة بها وليس عامة، كما هو حال المغرب الذي يريد من نظام الأسد إيقاف دعمه لجبهة البوليساريو، كذلك النظام اليمني الذي يطالب بوقف دعم دمشق للحوثيين، في مقابل هرولة بعض العواصم لإنهاء إجراءات العودة كما تفعل الإمارات التي تسرع الخطى لإيجاد حل سياسي للأزمة بدعوى تلافي عودة الإرهاب والتطرف.
لا شك أن خطى إعادة النظام السوري للحظيرة العربية تسير بمعدلات متسارعة، خاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، وأن منسوب التفاؤل بشأن إنهاء العزلة بشكل رسمي يتصاعد بشكل كبير، واستماتة بعض العواصم الداعمة لهذا التوجه حققت الكثير من النجاحات في هذا الملف، مستفيدة من التطورات الجيوسياسية الأخيرة وتداعياتها وما فرضته من تحديات، لكن تبقى مسألة حضور الأسد للقمة العربية في الرياض مسألة جدلية، وربما قفز على التطورات قد يربك المشهد برمته ويثير الانقسامات العربية العربية مرة أخرى، وهو ما ستعمل كل من الرياض والقاهرة تحديدًا على تجنبه في الوقت الراهن.