تعد السواحل الإيطالية (جزيرة لامبيدوزا أو صقلية أو سردينيا…)، قبلة عشرات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين سنويًا، أعداد ما فتئت تتزايد بانتظام رغم الإستراتيجيات التي وضعتها روما بمساعدة دول شمال إفريقيا للتصدي لهذه الظاهرة في السنوات الأخيرة.
خطط أمنية لم تكن كفيلة إلى الآن بوضع حد للهجرة غير النظامية القادمة من جنوب البحر المتوسط، ذلك أن رغبة المهاجرين في الهجرة نحو أوروبا أكبر وأقوى من هذه الخطط، فلا فرق عندهم بين الموت في بلدانهم أو الموت في البحر.
يحاصر المجهول مئات الآلاف من العرب والأفارقة والآسيويين، ما جعل الكثير منهم يلجأون إلى الفرار من خلال قوارب الهجرة باتجاه السواحل الإيطالية، دون أن يخشوا عواقب رحلة الهجرة، فإن وصلوا بسلامة ستكون لهم حياة كريمة وإن ماتوا فلا شيء يخشونه، وفق اعتقاد الكثير منهم.
هذا الأمر، دفع الحكومة اليمينية في إيطاليا إلى فرض حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر في البلاد، بهدف التصدي للهجرة غير النظامية، فماذا تعني حالة الطوارئ في هذا الخصوص؟ وأي انعكاسات لها على المهاجرين النظاميين وغير النظاميين؟ وما الذي سيتغيّر؟
تنامي أعداد المهاجرين القادمين لإيطاليا
في الأسبوع الأخير وصل السواحل الإيطالية أكثر من 3 آلاف مهاجر غير نظامي، ليرتفع عدد الذين وصلوا إلى هناك في الأشهر الأربع الأولى لهذه السنة إلى أكثر من 31 ألف مهاجر، وفق أرقام وزارة الداخلية، وهو رقم يتجاوز الأعداد المسجلة في العامين الماضيين بنحو 4 مرات، فقد كان عدد الواصلين حينها نحو 8 آلاف فقط.
عدد مهم من هؤلاء يصلون السواحل الإيطالية دون مساعدة من أحد، فيما يتم إنقاذ البعض منهم من قوارب خفر السواحل الإيطالية أو سفن تابعة لمنظمات تطوعية، وقد تم التضييق على عمل هذه الأخيرة للحد من أعداد المهاجرين.
في الغالب يتم إيواء المهاجرين غير النظاميين في مراكز إيواء إلى أن يتم البت في أمرهم، البعض منهم يسمح له بالمرور والتوجه إلى البلد الذي يريد وهم قلة، والعديد منهم يعودون بهم إلى البلدان التي جاؤوا منها، فيما يهرب الغالبية من المراكز ويتوجهون نحو فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا.
حالة الطوارئ التي تم فرضها بخصوص الهجرة، هي الأولى منذ سنة 2011، وستمتد لمدة 6 أشهر في عموم إيطاليا
تعد فرنسا وألمانيا أبرز وجهات المهاجرين غير النظاميين، فهذه الدول يرى فيها المهاجر مكانًا محتملًا لتكوين حياة مستقرة، خاصة أن إيطاليا تعيش أزمة كبيرة ولا يمكن العيش فيها بكرامة.
صحيح أن أغلب سفن الهجرة تنطلق من تونس وبدرجة أقل ليبيا، لكن قائمة الدول المصدرة للمهاجرين تضم دول منطقة الساحل الإفريقي (النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا والكاميرون)، والقرن الإفريقي (إثيوبيا وإريتريا والصومال والسودان)، ومنطقة الشرق الأوسط (سوريا وفلسطين ومصر والعراق واليمن)، فضلًا عن الجزائر والمغرب.
يعد البحر المتوسط الطريق الأكثر خطورة والأكثر استخدامًا للهجرة غير النظامية، ويفضل المهاجرون والمهربون هذا الطريق لعدة أسباب أهمها قلة التكلفة للفرد والقدرة على الاستيعاب لعدة أشخاص ولوجود أكثر من دولة تمتلك طريقًا بحريًا إلى أوروبا؛ ما جعل الطريق البحري هو الأكثر استخدامًا.
خلال الرحلة يموت العديد من المهاجرين، فيما يصل الناجون إلى جزيرة لامبيدوزا أو صقلية أو سردينيا في الجنوب الإيطالي في رحلة تستغرق من يوم إلى أربعة أيام، وسجلت الأمم المتحدة هذه السنة أكبر عدد من وفيات المهاجرين بعد عام 2017.
فقد سجلت مفوضية الهجرة 441 حالة وفاة في وسط البحر المتوسط في الأشهر الثلاث الأولى من سنة 2023، ووفق المفوضية فإن التأخيرات في عمليات الإنقاذ التي تقودها الدولة الإيطالية أدت إلى وفاة 127 شخصًا على الأقل، وفي حادث مميت آخر لم تتوافر الاستجابة المطلوبة.
إعلان حالة الطوارئ
كما قلنا في البداية، فشل الحكومة الإيطالية في التصدي لهذه الظاهرة دفعها إلى إعلان حالة الطوارئ، وتقول حكومة جورجيا ميلوني إن حالة الطوارئ تعتبر ضرورية لتنفيذ إجراءات استثنائية عاجلة للحد من الازدحام في ملجأ المهاجرين الذي أصبح مكتظًا على جزيرة لامبادوزا.
وترى الحكومة اليمينية ضرورة إنشاء “هياكل جديدة مناسبة لكل من إيواء ومعالجة وإعادة المهاجرين الذين لا تتوفر لديهم متطلبات البقاء” في إيطاليا، في مسعى منها للحد من أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين إلى أراضيها.
لا يُستبعد أن تُجرّم الحكومة الإيطالية عمل المنظمات الخيرية غير الحكومية التي تساعد المهاجرين في عرض البحر الأبيض المتوسط
حالة الطوارئ التي تم فرضها بخصوص الهجرة، هي الأولى منذ سنة 2011، وستمتد لمدة 6 أشهر في عموم إيطاليا، بمقتضاها سيتم تعيين مفوض خاص لهذا الأمر، فضلًا عن تخصيص تمويل أولي بقيمة 5 ملايين يورو (ما يقرب من 5.5 مليون دولار)، كجزء من الإجراء الذي يقوده وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوسي.
تسمح حالة الطوارئ لحكومة ميلوني اليمينية بتجاوز البرلمان في إصدار القوانين، حتى في حالة تجاوز القوانين السابقة – أي أنها تقوم عمليًا بتغيير القانون – ما يعني أن هذا الإجراء يعطي السلطة التنفيذية صلاحيات غير عادية.
يُذكر أن جورجيا ميلوني عندما كانت في المعارضة، رفضت إعلان حكومة بلادها حالة الطوارئ الصحية الخاصة بأزمة وباء فيروس كورونا، بحجة تقييدها لحريات الإيطاليين، لكنها الآن تفرض الطوارئ وتدافع عنها.
انعكاسات ذلك على المهاجرين
يسمح إعلان حالة الطوارئ للحكومة الإيطالية بتسريع إجراءات إعادة المهاجرين غير النظاميين الذين لا يُسمح لهم بالبقاء في إيطاليا إلى بلادهم، ما يعني زيادة أوامر تحديد الهوية والترحيل، ومؤخرًا زار مسؤولون إيطاليون تونس لهذا الأمر.
كما يمكّن هذا الإجراء، الحكومة اليمينة من إلغاء أو تعديل القواعد المتعلقة بوضع “الحماية الخاصة” الممنوح لطالبي اللجوء الذين لا يمكن اعتبارهم لاجئين ولكن لا يمكن طردهم لأنهم يعتبرون معرضين للخطر في دولهم.
ورغم أن الشروط المحيطة بوضع “الحماية الخاصة” كانت صارمة في الماضي، فإن إصلاحات 2020 امتدت إلى كل من يعاني من الاضطهاد في بلده الأصلي بسبب العرق والجنس والهوية والمواطنة والدين والرأي السياسي والظروف الشخصية أو الاجتماعية، وفي عام 2022، تأهل نحو 10 آلاف شخص للحصول على وضع الحماية الخاصة في إيطاليا، لكن الاجراء الجديد يمكن أن يؤثر عليهم.
يعني هذا الأمر، أن أوضاع المهاجرين في إيطاليا ستزداد سوءًا، وعلى مدى سنوات، انتقدت المنظمات غير الحكومية وجماعات حقوق الإنسان الظروف اللاإنسانية والمهينة داخل مرافق المهاجرين في إيطاليا، كما انتقدت تعامل السلطات الإيطالية مع ظاهرة الهجرة.
وغالبا ما تعمد السلطات الإيطالية إلى معاملة المهاجرين هناك معاملة غير إنسانية، ووصفت العديد من المنظمات الإقليمية المدافعة عن حقوق الإنسان سوء المعاملة التي يتعرض لها المهاجرون في مراكز الإيواء بـ”غير الإنسانية”.
ولا يُستبعد أن تُجرّم الحكومة الإيطالية عمل المنظمات الخيرية غير الحكومية التي تساعد المهاجرين في عرض البحر الأبيض المتوسط، فالحكومة ترى في هذه المنظمات وسيلة تساعد الآلاف من المهاجرين للوصول إلى سواحلها، لذلك وجب وقفها، وسبق بالفعل أن أوقفت عمل العديد من السفن التابعة لهذه المنظمات.
التضييق على المهاجرين أبرز توجهات اليمين المتطرف في إيطاليا، فهذا الأخير يسعى إلى الحدّ من الهجرة، خاصة غير النظامية، وإعادة آلاف المهاجرين إلى بلدان الجنوب، وهو يلقي باللائمة عليهم في التسبب بمختلف مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية.