اندلعت في الساعة التاسعة من صباح السبت 15 أبريل/نيسان الحاليَّ، اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع في مناطق واسعة في العاصمة الخرطوم وقاعدة مروي الجوية العملياتية شماليَّ السودان، والفاشر بولاية شمال دارفور ومدينة نيالا بولاية جنوب دارفور والأبيض بولاية شمال دارفور.
أدت الاشتباكات إلى توقف حركة الملاحة الجوية والحياة اليومية لنحو 8.4 مليون شخص يقطنون العاصمة الخرطوم، حيث خلت الشوارع من المارة في أقل من ساعتين من وقوع المواجهات التي أوقعت قتلى وجرحى بينهم عناصر من الجيش، وفقًا لصور وفيديوهات بثها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي.
وقوع هذه الاشتباكات كان متوقعًا، بعد بروز خلافات بين قادة الجيش والدعم السريع حيال العملية السياسية، لكن الصراع تفجر بعد أن أرسلت قوات الدعم السريع يوم الأربعاء قوات قوامها 100 سيارة عسكرية مدججة بالعتاد والجنود إلى قاعدة مروي الجوية العملياتية.
رفضت قوات الدعم السريع الاستجابة لطلب الجيش بالانسحاب من القاعدة، وقالت إنها تتحرك بتنسيق مع الجيش لتنفيذ مهام: تحقيق الأمن والاستقرار ومحاربة ظواهر الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية ومكافحة التهريب والمخدرات والجريمة العابرة والتصدي لعصابات النهب المسلح أينما وجدت.
وقال الجيش، فجر الخميس، إن تحرك وانفتاح الدعم السريع وإعادة تمركزها في العاصمة الخرطوم وبعض المدن، جرت دون موافقة قيادته أو التنسيق معها؛ مشددًا على أن هذه التحركات تُخالف القانون واستمرارها قد يقود إلى انفراط عقد الأمن في البلاد.
ولاحقًا، أرسل الجيش إشارة إلى قواته في القواعد والمناطق العسكرية باتخاذ درجة الاستعداد القصوى، على الرغم من أن القوات المسلحة ظلت في حالة استعداد منذ بداية العام. فيما قال قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان إنهم فقدوا السيطرة على الدعم السريع.
من أطلق الرصاصة الأولى؟
وإزاء هذه التطورات المتسارعة في غضون أيام، كان متوقعًا وقوع اشتباكات؛ لكن السؤال: من أطلق الرصاصة الأولى لتبدأ مواجهات لا تزال حتى الآن في خمسة مدن، لكن يمكن أن تتطور إلى حرب شاملة.
في البداية، قال الدعم السريع إنه تفاجأ بقوة كبيرة من الجيش تفرض حصارًا على مقر تواجد في أرض المعسكرات سوبا، شرقيّ العاصمة الخرطوم، قبل أن تنهال عليها بهجوم كاسح بكافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة.
وتوسعت المواجهات، التي بدأت في موقع واحد إلى كل القواعد العسكرية في العاصمة الخرطوم التي تتواجد فيها قوات الدعم السريع التي قالت إنها سيطرت على القصر الرئاسي ومقر سكن قائد الجيش ومطارات الخرطوم ومروي والأبيض ومواقع بالولايات.
لكن الجيش قال إن قوات الدعم السريع اعتدت على مناطق تابعة له في المدينة الرياضية وقاعدة مروي الجوية، ليُسرع في تصنيفها قوات متمردة ومليشيا وعدو مدعوم خارجيًا، كما اتهمهما بنشر أخبار كاذبة من خارج السودان تدعي فيها سيطرتها على القصر الرئاسي وقيادة القوات المسلحة ومقر سكن قائدها.
ونشر الجيش صورة تُظهر قصفه لمقر قيادة الدعم السريع الذي يبعد عن قيادة القوات المسلحة أقل من 100 متر، وقال إنه دمر قاعدتين للدعم السريع في العاصمة الخرطوم داعيًا المواطنين لعدم إيواء العناصر الهاربة منهما، كما أعلن سيطرته على قيادة القوات الخاصة وإعلان قوات الدعم السريع بولاية النيل الأبيض استسلامها بجميع عناصرها ومقراتها ومعداتها، مع إبداء رغبتها في القتال بجانب الجيش.
وفيما يتعلق بمطار الخرطوم الدولي، قال الجيش إن عناصر من الدعم السريع تسللت إلى المطار وقامت بإحراق طائرات مدنية أحداهما تابعة للخطوط الملكية السعودية، وأعلن عن تدميره أكثر من 80 سيارة عسكرية للدعم السريع من التي تحاصر القاعدة الجوية العلماتية.
أبرز ردود الفعل المحلية والدولية
دعا حزب الأمة القومي، وهو أحد القوى السياسية المنخرطة في العملية السياسية، إلى وقف فوري لإطلاق النار في جميع مواقع الاشتباك وعودة القوات إلى مواقعها السابقة وتشكيل لجنة مشتركة من الجيش والدعم السريع تضم ثلاث عناصر من كل فرد يُضاف إليها خمسة شخصيات قومية تعمل على التهدئة ومنع انفلات الأوضاع الأمنية.
وكان الجيش والدعم السريع وقوى سياسية وقعوا اتفاقا إطاريًا في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022، يتعلق بتسليم السُّلطة إلى المدنيين بعد التوافق على قضايا: العدالة والعدالة الانتقالية، تفكيك بنية النظام السابق، حل أزمة شرق السودان، تقييم اتفاق السلام وإصلاح قطاع الأمن والدفاع.
وجرى التوافق على هذه القضايا في ورش عمل ومؤتمرات باستثناء الأخيرة، حيث اختلفا الجيش والدعم السريع في مسائل خاصة بالسيطرة والقيادة وسنوات دمج القوة شبه العسكرية في القوات المسلحة، فقد رأت الأخيرة أن يُجرى الإدماج في غضون عامين فيما قالت الدعم السريع إن الأمر يتطلب 10 سنوات.
ونادت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري الجيش والدعم السريع بالوقف الفوري للعدئيات وتجنب البلاد شر الانزلاق لهاوية الانهيار الشامل، وقال إن “هذه اللحظة مفصلية في تاريخ بلادنا وتتطلب الحكمة والتعقل ووضع الوطن أولاً وأخيراً، فهذه حرب لن ينتصر فيها أحد وسنخسر فيها بلادنا إلى الأبد”.
وناشدت هذه القوى الأسرة الدولية والاقليمية للمساعدة العاجلة في وقف هذه المواجهات الدموية، والامتناع عن أي فعل يؤجج الصراع ويزيد اشتعاله.
وتأسف الوسطاء الذين انخرطوا في تفاهمات مع قائدي الجيش والدعم السريع في الأيام السابقة، على وقوع الاشتباكات رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها لجنة الوساطة لنزع فتيل الأزمة و وعود التهدئة وضبط النفس من الطرفين.
وتبدو ثقة الجيش في الانتصار واضحة في عدم فرضه الطوارئ والأحكام العرفية، لكن ثمة مخاوف من تحولها إلى حرب شاملة، نظرًا للترابطات الاقتصادية والاجتماعية التي صنعها الدعم السريع
ودعا الوسطاء، وهم قائد الحركة الشعبية ــ شمال مالك عقار ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم وزعيم حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، الطرفين إلى وقف إطلاق النار والعودة لطاولة الحوار؛ كما نادوا الدول الشقيقة والصديقة للتوسط عاجلًا بين قيادتي القوتين لإنهاء الحرب في أسرع وقت.
وأدان الممثل الخاص للأمين العام للسودان ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان، السيد فولكر بيرتس، بشدة اندلاع القتال في السودان، وقال إن الممثل الخاص تواصل مع الطرفين ودعاهم إلى وقف فوري للقتال من أجل ضمان سلامة الشعب السوداني وتجنيب البلاد مزيدا من العنف.
وقالت وزارة الخارجية المصرية إنها تتابع بقلق بالغ تطورات الوضع في السودان على إثر الاشتباكات الدائرة هناك، وطالبت كافة الأطراف السودانية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس حماية لأرواح ومقدرات الشعب السوداني، وإعلاءً للمصالح العليا للوطن.
ووصف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الوضع في العاصمة السودانية الخرطوم بـ “الهش”، وقال إن “هناك جهات فاعلة أخرى قد تدفع ضد هذا التقدم لكن هذه فرصة حقيقية للمضي قدما في الانتقال نحو قيادة مدنية، وهي فرصة نحاول نحن والبلدان الأخرى تعزيزها”.
ويبدو أن بلينكن يشير إلى مصر والإمارات باعتبارهم أطراف فاعلة في تغذية الصراع، إذ تدعم القاهرة الجيش وتنشر قوات جوية بصورة غير معلنة في قاعدة مروي الجوية يبدو إنها ستنضم إلى القتال بجانب القوات المسلحة حال خرجت الأوضاع عن سيطرته، فيما تدعم أبو ظبي قوات الدعم السريع.
الثمن السياسي للاشتباكات
إسراع الجيش إلى تصنيف الدعم السريع على إنها عدو مدعوم خارجيًا، يشير إلى أنه أغلق باب الحوار معها نهائيًا دون رجعة، وهو ما يجعل الأخيرة تسميت في الدفاع لتحقيق مكاسب على الأرض يمكن أن تدفع القوات المسلحة إلى التفاوض معها.
وأظهرت الاشتباكات استعداد الجيش والدعم السريع للحرب بخطط عسكرية مدروسة جيدًا، حيث اندلعت في أقل من ساعتين في عشرات المواقع في العاصمة الخرطوم وفي مروي والفاشر والأبيض.
من واقع امتلاك الجيش لأسلحة نوعية وقوات خاصة ودعم شعبي معقول، فإن انتصاره على الدعم السريع مسألة وقت
وكانت الغلبة في البداية لقوات الدعم السريع التي نشر عناصرها في مواقع التواصل الاجتماعي صورًا تُظهر قتلى وأسرى من الجيش، لكن الأخير استخدام الطيران الحربي لترجيح الكفة بتدمير قواعد الأولى.
وفي حال استمر الجيش في استخدام الطيران الحربي والطيران المُسّير يتوقع تدمير معظم قواعد قواعد السريع في العاصمة الخرطوم والمدن التي ينتقل إليها النزاع. لكن المعارك ستتحول إلى حرب مدن، مما يعني وقوع ضحايا مدنيين لا علاقة لهم بصراع النفوذ بين القادة العسكريون.
ومن واقع امتلاك الجيش لأسلحة نوعية وقوات خاصة ودعم شعبي معقول، فإن انتصاره على الدعم السريع مسألة وقت، مما يُمكنه من فرض واقع سياسي جديد في المستقبل القريب.
وتبدو ثقة الجيش في الانتصار واضحة في عدم فرضه الطوارئ والأحكام العرفية، لكن ثمة مخاوف من تحولها إلى حرب شاملة، نظرًا للترابطات الاقتصادية والاجتماعية التي صنعها الدعم السريع في السنوات السابقة، وهي ترابطات غذتها حالة الاستقطاب السياسي والقبلي المتفشية في السودان منذ سنوات.
ويُرجح إنه في حال تحول هذه الاشتباكات إلى حرب شاملة، فإنها سرعان ما تتحول إلى نزاع على أساس عرقي، إذ لا يمتلك الدعم السريع غير الأموال التي يُجند بها العناصر والمدنيين لصالحه، اللهم سوى القاعدة الاجتماعية التي تناصره بسبب مخاوفها من أن يقود غيابه إلى سيطرة الحركات المسلحة على واقعهم وربما مستقبلهم السياسي.