(1)
“لم أعد أجد نفسى فى هذه الخيارات ومآلاتها”.
بهذه الكلمات أعلن السيد “حمادي الجبالي” خامس رئيس لحركة النهضة (1981 – 1987) والأمين العام للحركة حتى (2013)، انسحابه رسميًا من حركة النهضة التونسية، ودعمه ودعوته الشعب التونسي لانتخاب “المنصف المرزوقي” فى جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية التي ستنعقد 21 من الشهر الحالي، واعتبر أن الحياد الذي أعلنته حركة النهضة هو تخاذل واستسلام لعودة منظومة الاستبداد.
(2)
“وعدت وأكدت أنني سأستقيل من رئاسة الحكومة في حال فشل مبادرتي، وهذا ما قمت به للتو”.
بهذه الكلمات عبر الجبالي عن انسحابه من رئاسة الحكومة (مارس 2013) بعد فشله في إقناع حركة النهضة بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن التجاذبات السياسية والانتماءات الحزبية، كان ذلك بعد اغتيال المعارض اليساري “شكرى بلعيد” وفي فترة شهدت احتجاجات ضد حكومة الترويكا والنهضة.
الانسحاب من الحكومة عبر عن اختلاف أو ربما خلاف مبكر بين الجبالي وقيادات النهضة وخاصة الشيخ “راشد الغنوشي” الذى أكد أن النهضة متمسكة بخيار تشكيل حكومة سياسية لاستكمال مرحلة الانتقال الديموقراطي تعبيرًا عن شرعية انتخابات أكتوبر 2011 التى أظهرت نتائجها تحالف الترويكا الحاكم، وكان من نصيب حركة النهضة تشكيل الحكومة التى تشكلت برئاسة الجبالي نهاية 2011 .
(3)
لم ينتبه الكثيرون إلى جدية هذا الخلاف، خاصة مع حضور الجبالي لاجتماع مجلس شورى النهضة لاختيار مرشح لتولى الحكومة خلفًا له مع مشاهد الإخوة بين الجبالى والغنوشى التي ظهرت واهتم بها الإعلام وفرح بها أنصار النهضة، وتم اختيار “علي العريض” وزير الداخلية في حكومة الجبالى والأمين العام لحركة النهضة حاليًا لتولي رئاسة الحكومة.
إلا أن الخلاف سرعان ما تصاعد إلى السطح مرة أخرى مع إعلان الجبالي انسحابه من مناصبه التنفيذية في الحركة وأنه سيحتفظ فقط بكونه أحد أعضاء الحركة العاديين، وانقطعت منذ هذه اللحظة تقريبًا العلاقة التنظيمية بين الجبالي والحركة.
(4)
مع الاقتراب من مرحلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس، صرح الجبالي بأنه يفكر في الترشح للرئاسة وأنه إذا ما أقدم على هذه الخطوة سيكون مرشحًا عن الشعب وبشكل مستقل وليس عن النهضة، وأن تونس تحتاج لرئيس يكون فوق الأحزاب يعمل لخدمة كل التونسيين؛ الأمر الذي استدعى رد من قيادات النهضة بأن الحركة لن تسمح بالالتفاف على قرارها بعدم ترشيح أحد قياداتها للانتخابات الرئاسية في إشارة إلى تصريح الجبالي، الا أن الجبالي أعلن في بيان رسمي قراره بعدم الترشح ﻻحقًا وأرجع قراره لأسباب تخص هذه المرحلة من عمر تونس وثورتها.
قبل الانتخابات البرلمانية ومع تكثيف حملات الدعاية للأحزاب، ظهر الجبالي في إحدى فاعليات دعم النهضة في مدينته سوسة، ودعا إلى المشاركة في الانتخابات وانتخاب الأصلح، كما ظهر في الإعلان عن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للنهضة؛ ما اعتبره أنصار الحركة تجاوزًا للخلافات من جانب الجبالي وهو ما زاد من عدم توقع انسحابه لاحقًا.
(5)
بعد ظهور نتائج انتخابات البرلمان التي أوضحت تقدم حزب “نداء تونس” أعلن الجبالي عن تخوفه من هيمنة الحزب الواحد على السلطة خاصة إذا كانت له سوابق استبداد، ودعا إلى انتخاب رئيس من خارج الحزب الفائز في البرلمان، وقال إنه لا يجوز الحياد أو الغموض في القضايا المصيرية، مشيرًا لموقف النهضة.
مع وصول الانتخابات الرئاسية إلى مرحلة الإعادة بين المرزوقي (69 عامًا) والسبسي (88 عامًا – أحد رجال النظام السابق الذي أسقطته الثورة 2011)، أعلن الجبالي دعمه للمرزوقي، منتقدًا قرار النهضة بالوقوف على الحياد، وأضاف أنه قرر الانسحاب من الحركة حتى لا يحمل غيره مسؤولية مواقفه وﻻ يتحمل هو تبعات قرارات وخيارات لم يعد يتفق معها، وذكر أنه سيتفرغ للدفاع عن الحريات والانتصار للقيم التي من أجلها قامت الثورة، وحذر من أن المشروع الديمقراطي في تونس يواجه اليوم تحديات كبيرة، كما يواجه مخاطر “ردة داخلية وخارجية” وضعت الشعب التونسي وقياداته أمام خيارين، هما: مواصلة النضال لاستكمال الثورة، أو الاستسلام الذي يؤدي إلى انتكاسة تعيد منظومة الاستبداد والفساد، وأشار إلى أن عودة المنظومة السابقة سيصيب الشباب باليأس الذي قد يدفعه إلى العنف والإرهاب.
(6)
بالتأكيد انسحاب الجبالي (65 عامًا) ليس موقفًا مفاجئًا، بل جاء بعد تراكم خلافات مع الحركة وقيادتها الحالية، الأمر الذى يطرح كثير من التساؤلات عن مستقبله السياسي وعن طبيعة خلافه مع قيادات الحركة ومستقبل تونس الذي بالتأكيد سيتأثر كثيرًا بنتيجة انتخابات الرئاسة التي ستُعلن نهاية هذا الشهر.