تواصلت الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، الاثنين 17 أبريل/ نيسان الحاليَّ لليوم الثالث على التوالي، في العاصمة الخرطوم وقاعدة مروي الجوية العملياتية شماليَّ السودان، بينما توقفت بصورة نسبية في مدن غرب وشرق البلاد.
ويقول الدعم السريع إنه بسط سيطرته على قاعدة مروي الجوية والفرق العسكرية بولايات دارفور بما في ذلك عتادها وآلياتها، إضافة إلى استيلائه على القصر الرئاسي ووزارة الدفاع وقيادة القوات البرية ومقر الاستخبارات العسكرية، وأعلن عن إسقاطه أربع طائرات مقاتلة منها واحدة فجر اليوم الاثنين.
وتحدث الدعم السريع عن أسر وانضمام كبار ضباط الجيش له واقتحامه مقر سكن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ومنزل القائد العسكري شمس الدين كباشي الذي يشغل منصب عضو مجلس السيادة.
ونفى الجيش مزاعم الدعم السريع بالاستيلاء على مقرات في القيادة العامة والقصر الرئاسي، وقال إنه يُسيطر عليها تمامًا، مشيرًا إلى أن الموقف العملياتي في العاصمة يتضمن اشتباكات محدودة حول القيادة العامة ووسط الخرطوم.
لا شيء منذ اندلاع اشتباكات بين الجيش والدعم السريع ثابت غير المتغيرات، وهذه طبيعة حرب المدن التي لا يمكن أن ينتصر فيها طرف إلا إذا استطاع فرض سيطرته على جميع القواعد العسكرية ومؤسسات الدولة
واندلعت، فجر الأحد 16 أبريل/ نيسان الجاري، حرائق في مقر قيادة القوات البرية التي يقع ضمن مبانٍ تشمل وزارة الدفاع ورئاسة الأركان المشتركة وقيادة القوات الجوية وقيادة القوات الجوية، إضافة لمنازل كبار الجنرالات من بينهم قائد الجيش نفسه؛ وكل هذه المقار يُطلق عليها القيادة العامة.
ولا شك أن جنود وضابط الجيش ينظرون إلى القيادة العامة كرمز لعزتهم وأي مساس بها يمكن أن يُعد انتهاكًا لشرفهم العسكري، فيما ينظر إليها كثير من السودانيون خاصة الحركة الاحتجاجية كمكان غدر وذلك بعد فض آلاف الجنود معظمهم من الدعم السريع اعتصامًا سلميًا في محيطها في 3 يونيو/ حزيران 2019، أوقع مئات القتلى والجرحى.
وقال الجيش إنه سيطر على مقر التلفزيون الحكومي الذي انقطع بثه يومان، وأعلن عن استيلائه على قواعد الدعم في مدن: بورتسودان وكسلا والقضارف وكادوقلي وكوستي والدمازين، إضافة لقاعدة كرري في مدينة أم درمان، فيما أفاد ناشطون عن سيطرة الجيش على قاعدة شمبات بالخرطوم بحري.
ولم تتوقف الاشتباكات العسكرية، التي تُستخدم فيها أسلحة مضادة للطيران “الدوشكا” ومضادات الطيران وقذائف المدفعية والقصف بالطيران الحربي، في عدد كبير من أحياء العاصمة الخرطوم مما أوقف الحياة العامة تمامًا وجعل معظم سكانها البالغ عددهم 8.6 مليون نسمة وفقًا لتقديرات 2021 يعيشون في ظل أوضاع إنسانية تتضمن انعدام مياه الشرب.
الدعاية السياسية
لا شيء منذ اندلاع اشتباكات بين الجيش والدعم السريع ثابت غير المتغيرات، وهذه طبيعة حرب المدن التي لا يمكن أن ينتصر فيها طرف إلا إذا استطاع فرض سيطرته على جميع القواعد العسكرية ومؤسسات الدولة، كما أن الحفاظ على هذا الانتصار يتطلب خطابًا سياسيًا فعالًا.
وتقول وزارة الخارجية، في بيان للرأي والمجتمع الدولي، إن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قرر حل الدعم السريع وأعلنه قوات متمردة سيتم التعامل معها على هذا الأساس.
وأغلقت الباب أمام دعوات تهدئة الأوضاع ورغبات بعض الدول من بينها مصر التوسط بين القوتين المتقاتلين، وقالت إنها تُقدر جهود الدول العربية والافريقية والمجتمع الدولي الرامية للمساعدة في تهدئة الأحوال في البلاد، لكن “هذا الأمر هو شأن داخلي ينبغي أن يترك للسودانيين لإنجاز التسوية المطلوبة فيما بينهم بعيداً عن التدخلات الدولية”.
وأعلن المتحدث باسم الجيش العميد نبيل عبد الله، عن الانتقال إلى المرحلة الأخيرة من المعركة وهي “مطاردة العدو الذي تهرب عناصره حاليًا في كل مكان مخافة وراءها الأسلحة والمعدات والجرحى”.
وأوضح أن الجيش حريص على تضييق التعامل مع الدعم السريع قدر الإمكان لتفادي أي خسائر بين المدنيين، مبديًا أسفه على “حرص المتمردين على الاشتباك قرب المناطق المأهولة حيث نعلم عدم اهتمامهم بسلامة السكان وتاريخهم يشهد بذلك”.
ويحاول قائد الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” تسويق أنه يخوض الحرب على أساس حماية الانتقال المدني وإبعاد عناصر النظام السابق عن السُّلطة، والتقرب إلى الحركة الاحتجاجية بأن يدعم مطلبهم الرئيسي الخاص بتأسيس سُّلطة مدنية لكن الحركة ظلت تُنادي باستمرار بحل الجنجويد، أي قوات الدعم السريع.
وطالب حميدتي، في سلسلة تغريدات، المجتمع الدولي بالتحرك والتدخل في جرائم الجنرال عبد الفتاح البرهان الذي وصفه بالإسلامي المتطرف الذي يشن جيشه حملة وحشية ضد الأبرياء ويقصفهم بطائرات الميج، متعهدًا بملاحقته وتقديمه للعدالة.
ويقول إنه يحارب الإسلاميين الراديكاليين الذين يأملون في إبقاء السودان معزولًا في الظلام، وبعيدًا عن الديمقراطية، فالمعركة التي نخوضها الآن هي ثمن الديمقراطية.
والمتابع لصعوط البرهان وحميدتي إلى السُّلطة، يعرف جيدًا إنهما يخوضا هذه الحرب رغم تكلقتها الاقتصادية والسياسية والإنسانية الباهظة من أجلها فقط، إذ يسعى كل منهما إلى الانفراد بحكم السودان.
ما هي قوات الدعم السريع وأسباب الخلاف؟
تأسست قوات الدعم السريع من مقاتلين جندهم النظام السابق ليحاربوا عنه بالوكالة الحركات المسلحة في إقليم دارفور، من قوة قوامها 5 آلاف مقاتل تقريبًا، جرى في البداية ضمها إلى قوة حرس الحدود التابعة للجيش، ولاحقًا أصبحت تابعة إلى جهاز المخابرات العامة.
وحصلت على نفوذ سياسي واسع بعد انتصارها في أبريل/نيسان 2015 بمعركة “قوز دنقو” على حركة العدل والمساواة التي كانت تُعد آنذاك من أكبر الحركات المسلحة في إقليم دارفور.
ظلت العلاقة بين البرهان وحميدتي دافئة وصلت إلى حد اشتراكهما في تنفيذ انقلاب عسكري على حكومة الانتقال المدني في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021
وبعد أن طالتها اتهامات بارتكاب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان في دارفور، سن النظام السابق لها قانونًا في 17 يناير/كانون الثاني 2017، تبعها للجيش تحت إمرة القائد الأعلى له أي لرئيس الجمهورية مباشرة، وأضيفت إلى قوات الدعم السريع مهام أخرى غير محاربة حركات دارفور، شملت الحد من الهجرة غير الشرعية والانتشار على حدود السودان مع ليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد.
هذه المهام دفعت قوات الدعم السريع إلى تجنيد آلاف الأشخاص، ما مكنها من توسيع نفوذها الاقتصادي عبر التنقيب عن الذهب والشركات الاستثمارية، وهذا قاد لاحقًا إلى بناء شبكة علاقات خارجية مع الإمارات وروسيا.
وجعل نفوذ قوات الدعم السريع العسكري والإمبراطوية المالية، قائدها حميدتي إلى إظهار ممانعته لقمع الاحتجاجات السلمية ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
نص الاتفاق الإطاري على تسليم السلطة إلى المدنيين بعد التوافق على قضايا شائكة منها دمج الدعم السريع في الجيش، لكن مسائل تتعلق بالسيطرة والقيادة وسنوات الاندماج فجرت الخلافات بين الجيش والدعم السريع
وبعد أن عزل قادة الجيش عمر البشير في 11 أبريل/نيسان 2019، أعلن رئيس المجلس العسكري عوض بن عوف الذي استمر حكمه ليوم واحد، تنصيب عبد الفتاح البرهان خليفة له، وسرعان ما استعان الأخير بحميدتي بجعله نائبًا له.
مكّن البرهان قوات الدعم السريع من مؤسسات الدولة، خاصة بعد أن قرر في 10 يوليو/تموز 2019، إلغاء المادة 5 من قانون الدعم التي تتعلق بخضوعها للجيش، ما جعلها قوات شبه مستقلة.
ظلت العلاقة بين البرهان وحميدتي دافئة وصلت إلى حد اشتراكهما في تنفيذ انقلاب عسكري على حكومة الانتقال المدني في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لينفردا بالحكم مع القوى المتحالفة معهما والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.
توترت العلاقة بين قائدي الجيش والدعم السريع، بعد أشهر من الانقلاب، ما دفع حميدتي إلى مغادرة العاصمة الخرطوم ليتخذ من دارفور مقرًا له، وعاد منها بعد إعلان البرهان انسحاب القوات العسكرية من الحياة السياسية في يوليو/تموز 2022.
انخرط البرهان وحميدتي مع قوى سياسية مؤيدة للديمقراطية والانتقال المدني، في عملية سياسية على أساس مشروع دستور انتقالي أعدته لجنة تسيير نقابة المحامين، لتوقع هذه الأطراف اتفاقًا إطاريًا في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، نص على تسليم السلطة إلى المدنيين بعد التوافق على قضايا شائكة منها دمج الدعم السريع في الجيش، لكن مسائل تتعلق بالسيطرة والقيادة وسنوات الاندماج فجرت الخلافات بين الجيش والدعم السريع، لتصل في خاتمة المطاف إلى دخولهما في معارك عسكرية.
الوضع الإنساني
أدت الاشتباكات العسكرية إلى وضع إنساني حرج في العاصمة الخرطوم، إذ انعدمت مياه الشرب في كثير من الأحياء لتعطل محطات الخدمة، كما يوجد شح في إمداد السلع الغذائية خاصة الخبز، وهذا الانعدام والشح سيؤدي بمرور الوقت إلى خروج المواطنين من منازلهم لتوفير احتياجاتهم الحياتية، مما يعرضهم إلى إخطار الإصابات والموت.
وقاد القصف بقذائف المدفعية في الأحياء السكنية إلى إصابة المئات ومقتل العشرات، دون أن يتمكن ذويهم من إسعافهم إلى المستشفى أو مواراتهم الثرى، وهو مما يقود لكارثة بيئية حال بدأت الجثث في التحلل.
وتحدثت لجنة الأطباء المركزية عن وقوع 97 قتيل و942 مصاب، يومي السبت والأحد؛ وهذه الإحصائية تنحصر في الحالات التي وصلت المستشفيات؛ بينما توجد مئات الإصابات والوفيات الأخرى في المنازل دون أن تفعل الأسر أمامهم شيئًا في ظل استمرار القصف، وهذا ما يظهر واضحًا في مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت لسرادق عزاء.
وتقول اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، إن المستشفيات والمؤسسات الصحية في الخرطوم ومدن السودان، تعرضت إلى القصف بالمدافع والأسلحة النارية مما ألحق أضرارًا بالغة بمستشفى الشعب التعليمي ومستشفى ابن سينا التخصصي ومستشفى بشاير جرّاء الاشتباكات والقصف المتبادل بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع للمنطقة المحيطة بها.
وتضيف: “تسبب القصف في خروج مستشفيات الشعب التعليمي والخرطوم التعليمي عن الخدمة تمامًا، وفي حالة من الإرباك والخوف للكادر الطبي، والمرضى، والأطفال، ومرافقيهم”.
وتقع هذه المستشفيات في منطقة وسط الخرطوم التي تضم مؤسسات الدولة ومن بينها القصر الرئاسي وقيادة الجيش، إضافة إلى الشركات التجارية ومقرات الصحف والإعلام.
ويدفع السودانيون ثمن صراع البرهان وحميدتي على السُّلطة، يساعدهما في ذلك آلاف الجنود يدفع الشعب رواتبهم كما يدفع تكلفة العتاد الحربي.