يحيي الفلسطينيون في 17 أبريل/نيسان من كل عام ذكرى يوم الأسير الفلسطيني في ظل ظروف معيشية صعبة يعيشها ما يقرب من 5 آلاف بينهم نساء وفتية، إلى جانب أسرى مرضى تجاوزت أعمار الكثيرين منهم الستين.
وأقر تاريخيًا هذا اليوم من المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 باعتباره السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلال دورته العادية يوم 17 أبريل/نيسان، يومًا وطنيًا للوفاء للأسرى الفلسطينيين وتضحياتهم.
ومنذ ذلك التاريخ كان ولا يزال يوم الأسير الفلسطيني يومًا خالدًا يحييه الشعب الفلسطيني سنويًا في كل أماكن وجوده في الداخل والشتات، بوسائل وأشكال متعددة، ليذكروا العالم أجمع بالأسرى الفلسطينيين وما يتعرضون له بشكل يومي من أبشع صنوف العذاب والانتهاكات والتجاوزات في السجون الإسرائيلية، التي فاقت وتجاوزت كل الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية، وفي مقدمتها القانون الإنساني الدولي و”اتفاقية جنيف الرابعة” ومبادئ حقوق الإنسان و”النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
ومن أبرز هذه الانتهاكات: إساءة المعاملة والاحتجاز في ظل ظروف غير إنسانية والتعذيب النفسي والجسدي والحرمان من حقهم في الزيارة من غالبية ذويهم وأهاليهم، بذريعة الحرمان الأمني والاعتقال الإداري دون محاكمة والعزل القسري الانفرادي الذي يمتد أحيانًا لسنوات عدة وعدم توفير العناية الطبية الملائمة واقتحام غرفهم على أيدي وحدات قمع خاصة ورشهم بالغاز والتفتيش العاري، إضافة إلى لجوء دولة الاحتلال إلى شرعنة ممارساتها ضدهم بإصدار سلسلة من القوانين العنصرية، وفي مقدمتها قانون “إعدام الأسرى”.
يتزامن يوم الأسير هذا العام مع سلسلة من المتغيرات التي عصفت بالأسرى الفلسطينيين خلال الفترة الماضية كان أبرزها إقرار قانون الإعدام لمنفذي العمليات وسحب الجنسية والإقامة من أسرى الداخل المحتل عام 1948 والقدس وترحليهم إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وبموازاة ذلك، سعى وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير إلى فرض إجراءات خانقة في السجون تحدد ساعات الاستحمام وتسحب المكتسبات التي انتزعها الأسرى بالإضرابات تاريخيًا، إلا أن ذلك فشل بفضل العصيان الذي خاضه الأسرى والإضراب الذي توقف في الأمتار الأخيرة مطلع شهر رمضان الحاليّ.
واقع السجون.. قفزة في أعداد الأسرى
تشير آخر الإحصاءات الصادرة عن مؤسسات الأسرى الفلسطينيين إلى أن سلطات الاحتلال تواصل اعتقال نحو 4900 أسير/ة، بينهم 31 أسيرة و160 طفلًا بينهم طفلة، تقل أعمارهم عن 18 عامًا، إضافة إلى أكثر من 1000 معتقل إداري، بينهم 6 أطفال وأسيرتان هما: رغد الفني وروضة أبو عجمية.
ويبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاق أوسلو، 23 أسيرًا، أقدمهم الأسير محمد الطوس المعتقل منذ 1985، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك 11 أسيرًا من المحررين في صفقة “تبادل الأسرى” الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم وهم من قدامى الأسرى الذين اعتقلوا منذ ما قبل أوسلو وحرروا عام 2011 وأعيد اعتقالهم عام 2014، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، فقد دخل عامه الـ43 في سجون الاحتلال، قضى منها 34 عامًا بشكل متواصل.
ووصل عدد الأسرى الذين أمضوا أكثر من 20 عامًا قرابة الـ400 أسير، وهم ما يعرفون بـ”عمداء الأسرى”، بالإضافة إلى العشرات من المحررين الذين أعيد اعتقالهم عام 2014، وأمضوا أكثر من 20 عامًا على فترتين.
يبلغ عدد الأسرى المرضى أكثر من 700 أسير يعانون من أمراض بدرجات مختلفة، وهم بحاجة إلى متابعة ورعاية صحية حثيثة
وبلغ عدد الأسرى الذين صدرت بحقّهم أحكامًا بالسجن المؤبد 554 أسيرًا، وأعلى حكم أسير من بينهم الأسير عبد الله البرغوثي ومدته 67 مؤبدًا، وعدد شهداء الحركة الأسيرة بلغ 236 شهيدًا، وذلك منذ عام 1967، بالإضافة إلى مئات من الأسرى استشهدوا بعد تحررهم متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون.
وخلافًا لما هو سائد عالميًا بشأن عقوبة المؤبد المعروفة بأنها عقوبة تبلغ مدتها 25 سنة فإن الاحتلال يعتمد “المؤبد العسكري” الذي يعني السجن مدى الحياة، فيما يصدره عدة مرات في إشارة تعجيزية للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
أما عدد الأسرى الشهداء المحتجزة جثامينهم، فقد بلغ 12 أسيرًا شهيدًا، وهم: أنيس دولة الذي استشهد في سجن عسقلان عام 1980 وعزيز عويسات منذ عام 2018 وفارس بارود ونصار طقاطقة وبسام السايح، وثلاثتهم استشهدوا خلال عام 2019، وسعدي الغرابلي وكمال أبو وعر خلال عام 2020 والأسير سامي العمور الذي استشهد عام 2021 والأسير داوود الزبيدي الذي استشهد عام 2022 ومحمد ماهر تركمان الذي ارتقى خلال عام 2022 في مستشفيات الاحتلال، إضافة إلى الأسير ناصر أبو حميد الذي استشهد في ديسمبر/كانون الأول 2022، والمعتقل وديع أبو رموز الذي ارتقى في مستشفيات الاحتلال في 28 يناير/كانون الثاني 2023.
ويبلغ عدد الأسرى المرضى أكثر من 700 أسير يعانون من أمراض بدرجات مختلفة، وهم بحاجة إلى متابعة ورعاية صحية حثيثة، منهم 24 أسيرًا ومعتقلًا على الأقل مصابون بالسرطان وبأورام بدرجات متفاوتة، أصعب هذه الحالات اليوم حالة الأسير القائد وليد دقّة المعتقل منذ 37 عامًا والأسير عاصف الرفاعي.
واقع السجون.. زيادة مطردة في الاعتقالات وتشريعات قانونية
سجلت المؤسسات المختصة منذ مطلع العام الحاليّ نحو 2300 حالة اعتقال، حيث تشكّل عمليات الاعتقال أبرز السياسات الثابتة والممنهجة التي استهدفت كل شرائح المجتمع الفلسطيني، وبلغ عدد الأطفال المعتقلين منذ مطلع العام الحاليّ أكثر من 350 غالبيتهم من القدس، فيما بلغ عدد النساء والفتيات اللواتي تعرضن للاعتقال 40.
وتشكل نسبة عمليات الاعتقال في القدس، الأعلى مقارنة مع بقية محافظات الضفة، حيث تجاوزت حالات الاعتقال خلال العام المنصرم أكثر من 3000 حالة من بين 7000 حالة اعتقال من كل الأرض الفلسطينية، ولم تتوقف فعليًا وتيرة الاعتقالات العالية منذ مطلع العام الحاليّ، حيث سُجلت أكثر من 1200 حالة اعتقال في القدس وبلداتها.
تحتفظ المقاومة الفلسطينية في غزة بـ4 جنود أسرى، لم تنجح كل محاولات إبرام صفقات التبادل في الوصول إلى صفقة جديدة على غرار صفقة وفاء الأحرار عام 2011
وتجاوز أعداد المعتقلين إداريًا أكثر من 1000، وهذه النسبة هي الأعلى منذ عام 2003، التي طالت الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى، حيث بلغ عدد المعتقلين الإداريين بين صفوف الأطفال 6 أطفال وأسيرتين هما: رغد الفني وروضة أبو عجمية، مع الإشارة إلى أن عدد أوامر الاعتقال التي صدرت بذريعة وجود “ملف سري” بلغت منذ مطلع العام الحاليّ أكثر من 860 أمرًا.
وعلى صعيد التشريعات القانونية، فقد صعدت منظومة الاحتلال بكل مستوياتها من استهداف الأسرى، عبر عدة أدوات، من ضمنها: سن قوانين وتشريعات عنصرية تمس مصير الأسرى وعائلاتهم، أبرزها: مشروع قانون إعدام الأسرى الذين نفذوا عمليات مقاومة ضد الاحتلال، إضافة إلى قانون سحب الجنسية والإقامة من أسرى ومحررين مقدسيين ومن الأراضي المحتلة عام 1948، وهذا لم يكن التشريع العنصري الأول، بل شرّع الاحتلال على مدار سنوات جملة من القوانين العنصرية الخطيرة، استهدفت الأسرى.
مصير مجهول.. لا عمليات أسر جديدة أو صفقات تبادل
يواجه الأسرى الفلسطينيون مصيرًا مجهولًا، لا سيما أولئك المحكومين بالسجن المؤبد أو من تزيد أحكامهم على 20 عامًا نتيجة غياب عمليات الأسر الجديدة منذ عام 2014 باستثناء محاولة فاشلة أفصحت عنها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس عام 2021 خلال معركة سيف القدس.
وتحتفظ المقاومة الفلسطينية في غزة بـ4 جنود أسرى هم: الضابط هدار غولدين والجندي شاؤول آرون وهشام السيد وأبرهام منغيستو منذ عام 2014، فيما لم تنجح كل محاولات إبرام صفقات التبادل في الوصول إلى صفقة جديدة على غرار صفقة وفاء الأحرار عام 2011.
ونجحت المقاومة الفلسطينية تاريخيًا في إبرام سلسلة من الصفقات التي تم خلالها تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، غير أن الفترة ما بعد توقيع اتفاقية أوسلو شهدت تباعدًا في محاولات تنفيذ عمليات الأسر وإبرام صفقات تبادل جديدة.
وفيما يلي سلسلة من الصفقات التي أجرتها الفصائل الفلسطينية:
– 1968 أجرت منظمة التحرير الفلسطينية، عملية تبادل أسرى، بعد قيام عنصرين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هما: يوسف الرضيع وليلى خالد، بتنفيذ عملية خطف طائرة إسرائيلية تتبع شركة “إلعال”، متجهة من روما إلى تل أبيب، وإجبارها على الهبوط في الجزائر، واحتجاز أكثر من 100 راكب، وبناءً على العملية، أطلق الاحتلال سراح 37 أسيرًا فلسطينيًا من أصحاب الأحكام العالية وأسرى قدامى، بوساطة الصليب الأحمر الدولي وإشرافه.
– 1971 نفذت منظمة التحرير الفلسطينية عملية تبادل مع الاحتلال، تحت إشراف الصليب الأحمر، أفرج فيها عن الأسير محمود حجازي، مقابل الجندي الإسرائيلي شموئيل فيز.
– 1979جرت عملية تبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال، أفرج فيها عن 76 أسيرًا، مقابل الجندي الإسرائيلي أبراهام عميرام، وشهدت هذه العملية التي حملت اسم النورس، إطلاق سراح أسيرات بلغ عددهن 12 أسيرةً.
– 1983 أجرت حركة فتح والاحتلال، عملية تبادل للأسرى، شملت 4700 أسير لبناني وفلسطيني، من معتقل أنصار في جنوب لبنان، وأسرى من سجون الاحتلال، مقابل 6 من عناصر القوات الخاصة الإسرائيلية الذين وقعوا في الأسر خلال معارك بجنوب لبنان.
– 1985 شهد هذا العام تنفيذ واحدة من أكبر عمليات التبادل التي بموجبها أفرجت الجبهة الشعبية “القيادة العامة” لتحرير فلسطين عن 3 جنود كانوا بحوزتها، لتحرير 1155 أسيرًا من فلسطين ولبنان.
– 2009 أفرجت قوات الاحتلال برعاية الصليب الأحمر عن 20 أسيرة فلسطينية من الضفة والقطاع، مقابل دليل حياة للجندي جلعاد شاليط، الذي أسر في غزة عام 2006، وكان الدليل عبارة عن مقطع مصور يظهر فيه شاليط وهو يحمل صحيفة بتاريخ حديث، لتأكيد وجوده على قيد الحياة.
– 2011 أنجزت صفقة تبادل كبيرة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، خرج بموجبها 1027 أسيرًا، مقابل الجندي جلعاد شاليط، جرى إبعاد جزء من الأسرى إلى عدة مناطق ودول، وهي غزة وسوريا والأردن وتركيا.
وفي ظل فشل محاولة التبادل حاليًّا تزامنًا مع امتلاك المقاومة الفلسطينية 4 أوراق للتفاوض، فإن المشهد يبقى مفتوحًا أمام تنفيذ عمليات أسر جديدة خلال الفترة المقبلة سواء من قطاع غزة أم الضفة الغربية وإن كانت فرصة القطاع تبدو أكبر بسبب القدرة الأمنية الأعلى لفصائل المقاومة.