هلّ التفاؤل على اليمن، منذ توقيع الاتفاق السعودي الإيراني وما تلاه من مشاورات بين جماعة الحوثيين والرياض في العاصمة اليمنية عقب زيارة السفير السعودي إلى صنعاء لأول مرة منذ نحو ثماني سنوات، وتتويجه بتنفيذ ثاني أكبر صفقة تبادل أسرى بين طرفي الصراع في البلاد مع نهاية شهر رمضان المبارك وقدوم عيد الفطر.
فرحة كبيرة عمت أرجاء اليمن بتنفيذ هذه الصفقة، فلكل منطقة من البلاد نصيب من هؤلاء الأسرى والمعتقلين الذين التقوا بأهلهم بعد سنوات طويلة من الفراق في غياهب السجون، ما يمثل انفراجة ولو بسيطة في هذا الملف الإنساني الأكثر تعقيدًا، الذي يحرم الكثير من الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفيين قسرًا، من اللقاء بذويهم.
عملية الإفراج بدأت الجمعة بإطلاق سراح 318 أسيرًا خلال أربع رحلات لطيران الصليب الأحمر بين مطاري صنعاء وعدن، وهم 250 أسيرًا من الحوثيين مقابل 72 أسيرًا من حلفاء الحكومة بينهم وزير الدفاع الأسبق اللواء الركن محمود الصبيحي وشقيق الرئيس السابق اللواء الركن ناصر منصور هادي.
والسبت تم تبادل 357 أسيرًا عبر 6 رحلات جوية تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر: 3 رحلات من مطار المخا بمحافظة تعز جنوب اليمن إلى مطار صنعاء لنقل 100 محتجز من الحوثيين، ورحلة واحدة من صنعاء إلى الرياض لنقل 20 محتجزًا بينهم نجل عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح وشقيقه، و16 محتجزًا من الجنود والضباط السعوديين و3 محتجزين سودانين، بالإضافة إلى رحلتين من مطار أبها السعودي إلى صنعاء لنقل 250 محتجزًا حوثيًا.
كانت أطراف الصراع اليمني قد أعلنت في 20 مارس/آذار 2023 في العاصمة السويسرية بيرن الاتفاق على تبادل 887 أسيرًا ومحتجزًا، بينهم 706 أسرى من الحوثيين و181 أسيرًا من التحالف الحكومي بموجب اتفاق رعته الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بين الطرفين.
ومن جانب واحد أعلن التحالف العربي في اليمن، غداة إتمام صفقة تبادل الأسرى، الإفراج عن 104 أسرى من الحوثيين بمبادرة إنسانية من السعودية لدعم جهود تثبيت الهدنة وتهيئة أجواء الحوار بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة، حسب بيان للمتحدث باسم التحالف العربي تركي المالكي، أوردته وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها نقلت، الإثنين، 96 محتجزًا في رحلتين جويتين من مدينة أبها السعودية إلى صنعاء وعدن، ونقلت طائرة أخرى للصليب الأحمر 8 محتجزين إلى مطار عدن.
لكن رئيس وفد الحوثيين عبد القادر المرتضى أكد أن المعتقلين الذين أفرجت عنهم الرياض هم ممن كانت تحاول السلطات السعودية المبادلة بهم مقابل أسراها وهم من المغتربين اليمنيين الذين تم اختطافهم من أماكن عملهم في الداخل السعودي وأنه المفترض إطلاق سراحهم.
وتم الاتفاق على ذلك في الجولة الأخيرة بسويسرا، ودعا المرتضى كل الأطراف إلى عدم الزج بالمختطفين في موضوع المفاوضات على الأسرى وأن يتم الإفراج عنهم دون قيد أو شرط كحالة إنسانية.
وفي ذات السياق أعلن رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى التابع لجماعة الحوثيين عبد القادر المرتضى، إطلاق الحكومة اليمنية سراح 21 أسيرًا من قواتهم خلال عملية تبادل محلية في عدة جبهات.
بارقة أمل
“تعجز الكلمات عن وصف مشاهد الفرح والسعادة التي غمرت أفراد العائلات عند رؤية أحبائهم والتحدث إليهم للمرة الأولى بعد سنواتٍ من الغياب”، هكذا وصفت موظفة اللجنة الدولية، السيدة فاطمة ساطور، مشاهد لقاء المحتجزين بذويهم في مطار عدن جنوب اليمن، ومشاهد الفرح كثيرة للقاء الأسرى وذويهم في مختلف المطارات المحلية والدولية.
قال المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى والأوسط باللجنة الدولية، السيد فابريزيو كاربوني: “عملية الإفراج عن المحتجزين تمثل بارقة أمل للملايين، فهي لا تؤثر على المحتجزين وعائلاتهم فحسب، إذ تحمل معها الأمل في مستقبلٍ أفضل لليمن، بلا عودة إلى العنف”، مضيفًا “لا بد من دعم أي فرصة تتيح للسكان المنهكين التقاط أنفاسهم، ومن بينها عمليات الإفراج عن المحتجزين كهذه، لكن لن ينهي معاناة اليمنيين في نهاية المطاف سوى حل سياسي”.
ومن مشاهد الابتهاج شهدت مدينة مأرب شرق اليمن الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية مساء الأحد، حفلًا جماهيريًا حاشدًا للاحتفال بالمختطفين والأسرى المحررين من سجون الحوثيين بمشاركة قيادات الجيش اليمني والسلطة المحلية، كما شهدت العاصمة صنعاء ومحافظة إب وصعدة ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين فعاليات احتفالية لاستقبال الأسرى.
وخلال حفل استقبال الأسرى بالعاصمة صنعاء اتهم مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين الحكومة اليمنية والتحالف بوضع العراقيل أمام ملف الأسرى وتسييس هذا الملف الإنساني ووضعه للمزايدة السياسية.
ووعد المشاط في كلمة له أسراهم القابعين بسجون الحكومة اليمنية ببذل قصارى جهدهم في سبيل الإفراج عنهم مهما كان الثمن والتحديات، حد تعبيره.
نهاية للنزاع
تبعث عملية إطلاق سراح الأسرى على الأمل بقرب نهاية النزاع في اليمن ونهاية سنوات من المعاناة الإنسانية، حسب رئيسة بعثة اللجنة الدولية في اليمن، السيدة دافنيه ماريه.
وأكد رئيس بعثة اللجنة الدولية الإقليمية لبلدان مجلس التعاون الخليجي مامادو سو أن عملية الإفراج هذه جدّدت الإحساس بالأمل وواست قلوب الكثيرين ممن كانوا يعانون، متمنيًا “أن يتحوّل الأمل وحسن النية اللذان شهدناهما خلال الأيام الأربع الماضية إلى سلام دائم يحتاجه الناس بشدة ويستحقونه بحق”.
أبرز المفرج عنهم
الصحفيون اليمنيون الأربع المحكوم عليهم بالإعدام وهم: عبد الخالق عمران والحارث حميد وتوفيق المنصوري وأكرم الوليدي ووزير الدفاع في الحكومة اليمنية محمود الصبيحي وناصر منصور هادي، شقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، المشمولين بقرار مجلس الأمن الدولي 2216، وشقيق ونجل عضو المجلس الرئاسي طارق صالح، أبرز الشخصيات الموالية للحكومة الشرعية التي تم إطلاق سراحهم، بالإضافة إلى بلال علي محسن نجل نائب الرئيس اليمني السابق علي محسن الأحمر.
ومن ضمن الأسرى المفرج عنهم امرأة وحيدة كانت أسيرة لدى القوات الحكومية، تدعى سميرة مارش، وتتهمها الحكومة اليمنية بقيادة خلية إرهابية استهدفت قواتها، من خلال زرع عبوات ناسفة أودت بحياة أكثر من عشرة جنود وضباط موالين للحكومة في محافظة الجوف شمال شرق اليمن.
وكانت هذه الشخصيات تمثل حجر عثرة في مفاوضات الأسرى، بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، ولا يزال القيادي البارز في حزب الإصلاح محمد قحطان واللواء فيصل رجب قائد المنطقة العسكرية الرابعة، الذي يعاني من مرض شديد، أسيرين لدى جماعة الحوثيين.
جاء تنفيذ الصفقة الموقعة بين الجانبين في 20 مارس/آذار الماضي، بعد الاتفاق السعودي الإيراني، الذي يرى مراقبون أن له دورًا كبيرًا في نجاحها، وبحسب مسؤولين فإن هذه الصفقة تعد خطوة أولى لإطلاق سراح كل الأسرى والمعتقلين لدى الطرفين، الذين يزيد عددهم على 15 ألف أسير ومعتقل لدى الطرفين.
وعن الصعوبات التي واجهت الصفقة، قال المتحدث باسم الصليب الأحمر في اليمن فريد الحميد إن التحديات اللوجيستية والتحضيرات اللازمة كانت الأبرز، خصوصًا مع وجود عدد كبير من المحتجزين الذين تم إطلاق سراحهم وتعدد الوجهات التي نقل المحتجزون إليها.
وأضاف الحميد لـ”نون بوست” “كانت هناك 15 رحلة جوية بين 6 مطارات في اليمن والمملكة العربية السعودية، كما تم تحشيد المئات من موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومتطوعي جمعيتي الهلال الأحمر اليمني والسعودي على تلك الوجهات والمطارات” .
مرحلة أولية للوصول إلى الكل مقابل الكل
قال المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ إن عملية الإفراج جاءت في وقت يسوده الأمل في اليمن كتذكير بأن الحوار البنّاء والتسويات المتبادلة أدوات قوية قادرة على تحقيق نتائج مهمة، لافتًا إلى أن مئات العائلات اليمنية تستطيع الآن أن تحتفل بالعيد مع أحبائهم لأن الأطراف تفاوضوا وتوصلوا إلى اتفاق”، مضيفًا “آمل أن تنعكس هذه الروح على الجهود الجارية للدفع بحل سياسي شامل”.
وقال: “لا تزال آلاف العائلات الأخرى تنتظر لم شملها بأحبائها، آمل أن تبني الأطراف على نجاح هذه العملية للوفاء بالالتزام الذي قطعوه على أنفسهم تجاه الشعب اليمني في اتفاقية ستوكهولم بالإفراج عن جميع المحتجزين لأسباب تتعلق بالنزاع لإنهاء هذه المعاناة”.
“يستعيد اليمن شيئًا من روحه”، هكذا وصف رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك عملية تبادل الأسرى، “فالحرية طريق السلام الوحيد وكل ما لا يعيد للبلاد وشعبها الحرية كاملة دون انتقاص لن يقود إلى السلام”، يضيف عبد الملك، مؤكدًا أن استكمال إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين كافة مهمة وطنية وإنسانية ملحة تحرص عليها الدولة وتسخر لها كل جهودها.
قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في تعليقه على عملية التبادل: “كانت الأيام الثلاث الماضية أيامًا سعيدة للشعب اليمني في كل مكان مع خواتم الشهر الفضيل، وقرب حلول عيد الفطر المبارك، حيث التأمت مئات الأسر مع أحبائها، على أمل أن تمثل هذه الخطوة بارقة أمل على طريق تحقيق السلام الشامل والعادل والمستقبل الذي يستحقه شعبنا”.
وأضاف العليمي “نتعهد بمواصلة العمل للإفراج عن باقي المحتجزين والمحتجزات في سجون الحوثيين بما فيهم اللواء فيصل رجب ومحمد قحطان، وإنهاء معاناتهم الإنسانية التي طال أمدها”.
كما يأمل ماجد فضائل المتحدث باسم الوفد الحكومي المفاوض في مفاوضات الأسرى ووكيل وزارة حقوق الإنسان أن يمثل هذا النجاح مفتتحًا لإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمخفيين والمختطفين والموضوعين تحت الإقامة الجبرية في سجون الحوثيين، مؤكدًا حرص الوفد الحكومي على إطلاق سراح الجميع تحت قاعدة الكل مقابل الكل دون تمييز.
من جهتها أكدت جماعة الحوثي أن هذه العملية خطوة إيجابية لاستكمال عملية تبادل الكل مقابل الكل، والمضي قدمًا في التقارب مع الرياض، للوصول إلى وقف الحرب في اليمن.
كما رحبت وزارة حقوق الإنسان في حكومة الحوثيين بنجاح صفقة تبادل الأسرى، مؤكدة أن حكومة صنعاء تحرص على إنهاء هذا الملف وعودة كل الأسرى والمواطنين اليمنيين الذين تعرضوا للاختطاف والاعتقال من دول التحالف وأدواتها، وشددت في بيان لها على أهمية إطلاق سراح جميع الأسرى من كل الأطراف باعتبار هذا الملف إنسانيًا، مجددة التأكيد على جهوزية حكومة صنعاء لعقد اتفاقية الكل مقابل الكل، واتهمت الحكومة الشرعية بالمماطلة تارة والتعطيل والتأجيل تارة أخرى.
إلى ذلك، أكد ماجد فصائل عضو الوفد الحكومي في مفاوضات ملف الأسرى وجود جولة قريبة ستكون في 15 مايو/أيار 2023، مؤملًا أن تكون ناجحة ومثمرة، وأضاف “نتعامل نحن في الوفد الحكومي المفاوض مع هذا الملف بمسؤولية والتزام تام”.
وفي ذات السياق قال رئيس لجنة شؤون الأسرى في جماعة الحوثي عبد القادر المرتضى، في مؤتمر صحفي بمطار صنعاء الدولي، إن الترتيبات جارية لعقد جولة جديدة من المفاوضات مع الحكومة المعترف بها دوليًا في مايو/آيار المقبل، لمناقشة الإفراج عن 1400 أسير.
ولفت إلى أن الجولة القادمة تأتي لاستكمال تنفيذ المرحلة الثالثة من اتفاق سويسرا لتبادل الأسرى بوصول 105 أسرى للجماعة “سيتم عقد صفقة مقبلة لتبادل 700 أسير مقابل 700 من الطرف الحكومي”.
خطوة لبناء الثقة
لقيت عملية التبادل ترحيبًا عربيًا ودوليًا واسعًا، باعتبارها نافذة أمل وخطوة إيجابية لتحقيق السلام في اليمن، كانت بريطانيا وفرنسا وقطر والولايات المتحدة أبرز الدول التي رحبت بهذه العملية بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأخرى.
وتعتبر عملية تبادل المحتجزين بادرة إنسانية مهمة وبارقة أمل جديدة تعطي الزخم للجهود الهادفة لوضع الأزمة اليمنية على طريق الحل، وخطوة مشجعة تعزز عملية السلام وتمهد الطريق نحو المصالحة وإنهاء الحرب في اليمن، حسب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البدوي.
واعتبر أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية خطة التبادل خطوة إيجابية لبناء ثقة من شأنها أن تساهم في إنجاح مساعي تجديد تمديد الهدنة وتعزيز فرص الاتفاق على إطار سياسي شامل لتسوية الأزمة اليمنية بالطرق السلمية.
وأشار مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ في إحاطته لمجلس الأمن التي قدمها مساء الإثنين إلى أن “عمليات الإفراج عما يقرب من 900 من المحتجزين جددت آمال العديد من اليمنيين في إمكانية إطلاق سراح أقاربهم قريبًا”.
وقال غروندبيرغ: “أعتقد أننا لم نشهد مثل هذه الفرصة الجادة لإنهاء النزاع منذ ثماني سنوات، لكن لا يزال من الممكن أن يتحول المسار ما لم تتخذ الأطراف خطوات أكثر جرأة نحو السلام”.