دخلت الاشتباكات العنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي تدور بشكل رئيسي في العاصمة الخرطوم، يومها الخامس دون وجود أمل في حدوث انفراجة، رغم تفاقم الأوضاع الإنسانية لملايين السكان.
وتبادل طرفا الحرب الاتهامات بخرق اتفاق مؤقت بوقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة، كان من مقرر أن يبدأ في الساعة السادسة من مساء الثلاثاء 18 أبريل/نيسان الحاليَّ، بناءً على مقترح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من أجل فتح ممرات إنسانية آمنة.
وبالتزامن مع الاشتباكات التي يُستخدم فيها الأسلحة المضادة للطيران “الدوشكا” وقذائف المدفعية والقصف بالطيران الحربي ومضادات الطيران، تدور حرب سياسية بين الطرفين اللذين يحاولان كسب تأييد أو على الأقل تعاطف القوى المحلية والإقليمية والدولية.
لا يبدو أن الضغوط المحلية لإيقاف الحرب مجدية، نظرًا لتاريخ قائد الجيش والدعم السريع في إخلاف العهود والسعى إلى السلطة بغض النظر عن ثمن هذا المسعى على السكان والبلاد
ويحاول الجيش وقوات الدعم السريع إظهار أنهما يقاتلان من أجل السودان، إذ يتحدث الأول بأنه يحارب تمردًا على الدولة، فيما يقول الآخر إنه يقاتل من أجل إحلال الديمقراطية، لكن الواقع يؤكد أنهما يتحاربان من أجل الانفراد بالحكم.
وانحصرت الاشتباكات التي كانت تدور في 10 من أصل 18 ولاية سودانية، في ولاية شمال دارفور بوتيرة أقل عنفًا، إضافة إلى الخرطوم التي أصبحت كثير من أحيائها السكنية ساحة معارك، لكن القتال يتركز بصورة رئيسية في مقر قيادة الجيش والقصر الرئاسي ومطار الخرطوم الدولي ومبنى التليفزيون الحكومي.
ماذا قالت قوات الدعم السريع في الـ24 ساعة الماضية؟
– “نفذ الجيش ضربة عسكرية بالطيران الحربي للدائرة الطبية لقوات الدعم السريع التي تقع داخل نطاق وجود المدنيين في شمبات بالخرطوم بحري، وقد استهدفت الضربة أسرى الجيش والمصابين من الطرفين الذين يتلقون المساعدات الطبية”.
– “أصدر قادة الجيش، بيانًا باسم وزارة الخارجية، في محاولة مكشوفة لشرعنة تصرفاته، وندعو المجتمع الإقليمي والدولي إلى عدم التعامل مع بيانات الوزارة”. ويشير “نون بوست” إلى أن وزارة الخارجية دعت الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لإدانة تمرد الدعم السريع على الجيش.
ــ “لا يزال الجيش يرتكب أفظع الجرائم بحق المدنيين، مخالفًا القانون الدولي الإنساني وقواعد الاشتباك، كما خرق الهدنة المتفق عليها بوساطة دولية”.
وميدانيًا، ومن واقع الفيديوهات التي تنشرها والأحياء التي تدور فيها الاشتباكات، يظهر أن قوات الدعم السريع مسيطرة على القصر الرئاسي وعلى مقر التليفزيون الرسمي وعلى مبانٍ في قيادة الجيش.
كيف يرى الجيش الوضع؟
– “استمرت الاشتباكات، وهناك متغيرات من بينها مقترح قدمته قوى دولية بهدنة لمدة 24 ساعة لأغراض إنسانية، وافقنا عليه إلا أن مليشيا الدعم السريع لم تتح الفرصة لتطبيق الهدنة على الأرض، فتعدت مجموعات منها في العاصمة الخرطوم وبعض المناطق على المواطنين ومارست النهب”.
– “بعد انسحاب قوات الدعم السريع من مطار مروي وقاعدة مروي الجوية العملياتية، دخلت إلى المدينة وضايقت المواطنين ومارست أعمال سرقة ونهب واسعة”.
– “كنا بصدد توسيع نطاق العمليات والتأمين، لكن بسبب مقترح الهدنة رأينا أن نتريث قليلًا، إلا أن ذلك لم يحدث لعدم التزام المتمردين”.
– “سوف نستمر في أداء واجباتنا وتأمين العاصمة والقيادة العامة”.
– “ليس هناك سيطرة من قيادة الدعم السريع على قواتها التي أصبحت تتصرف مثل العصابات”.
– “نشعر بالأسف لتقييد حركة المواطنين الدين يعيشون في رعب من أصوات الاشتباكات والانفجارات، ونطلب منهم مزيدًا من الصبر حيث نعمل جاهدين على حل هذا الموقف”.
– “نملك معلومات مؤكدة بأن هناك دعمًا قُدم ويُقدم لقوات الدعم السريع من دولتين إحداهما تجاور السودان في الاتجاه الغربي، وبالفعل، هبطت طائرتان في موقع ما وتم إنزال الذخائر والإمداد ونقلهما”.
مساعٍ محلية لإيقاف الحرب
في ظل احتدام الاشتباكات، يسرت الآلية الثلاثية المؤلفة من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “الإيقاد”، لقاءً تفكيريًا أمس الثلاثاء، بين رؤساء وقادة القوى السياسية الداعمة للديمقراطية والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.
باتت العاصمة الخرطوم مكانًا غير ملائم لسكن الإنسان والحيوان، بفعل الاشتباكات المستمرة بين الجيش والدعم السريع دون توقف، ما دفع عشرات الأسر إلى النزوح
ودعت هذه القوى، في بيان، الجيش والدعم السريع إلى الوقف الفوري للحرب وحل القضايا بالحوار، ونادت المكونات السياسية والمدنية والاجتماعية لنبذ الخطابات التي تؤجج للحرب وتثير النعرات العنصرية والجهوية والعمل المشترك من أجل وقف الحرب.
كما ناشدت الدول الإقليمية والدولية بدعم جهود المكونات السودانية لوقف الحرب وعدم الانخراط في أي أعمال تدول الصراع أو تؤججه وتزيد من حدته.
ونشر 54 كيانًا مدنيًا، من بينها ائتلاف الحرية والتغيير ونقابات وبعض أطراف الحركة الاحتجاجية، بيانًا مشتركًا، انتقدوا فيه استخدام القوات النظامية أداة لحسم الخلاف والصراع حول السلطة، ونادت هذه الكيانات بوقف الحرب فورًا وعدم قبول نتائجها، وأعلنت عن عزمها الاتفاق على آلية مشتركة لتنسيق المواقف والتصدي لكل ما يعرض أمن وسلامة البلاد والمواطنين للخطر.
ولا يبدو أن الضغوط المحلية لإيقاف الحرب مجدية، نظرًا لتاريخ قائد الجيش والدعم السريع في إخلاف العهود والسعى إلى السلطة بغض النظر عن ثمن هذا المسعى على السكان والبلاد، منذ ظهورهما في الساحة السياسية.
ماذا عن الوضع الإنساني؟
باتت العاصمة الخرطوم مكانًا غير ملائم لسكن الإنسان والحيوان، بفعل الاشتباكات المستمرة، ما دفع عشرات الأسر إلى النزوح رغم المخاطر المحفوفة بفقدان حياتهم بسبب القذائف الثقيلة التي تُطلق عشوائيًا.
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، قصص مأسوية عن مقتل كثير من الأشخاص في أثناء محاولات إجلاء آخرين عالقين في أماكن بعيدة عن أسرهم منذ اندلاع الاشتباكات مطلع هذا الأسبوع أو في أثناء محاولاتهم مغادرة العاصمة الخرطوم.
وأبدى عدد كبير من سكان ولاية الجزيرة المجاورة للخرطوم، استعدادهم لاستقبال الأسر والأشخاص الفارين من الانفجارات في العاصمة التي يبلغ عدد سكانها 8.6 مليون نسمة وفقًا لتقديرات حكومية في 2021، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن عددهم يصل إلى 12 مليون شخص.
وتضررت عشرات المباني السكنية في مدن العاصمة الخرطوم الثلاثة، من القصف العشوائي بقذائف المدفعية والرصاص الطائش، فيما يتحدث مواطنون عن عدم قدرتهم على إسعاف المصابين إلى المستشفيات أو دفن القتلى الذين قُتلوا جراء الاشتباكات، ودائمًا ما يعززون حديثهم بصور وفيديوهات تُظهر تعرض بعضهم للقصف في أثناء محاولات الوصول إلى المستشفيات.
وبدأت الجثث تنتشر في الشوارع العامة، ما دعا وزارة الداخلية إلى تشكيل آلية للتعامل مع الجثث المنتشرة في الطرقات والمواقع المختلفة وحفظها في المشارح، إضافة إلى توفير المواد الغذائية والإيوائية والمساعدات الإنسانية وتوزيعها بالتنسيق مع الجيش.
وتتضمن مهام الآلية إسعاف المصابين والجرحى إلى المستشفيات والمراكز العلاجية والإشراف على ترحيل الكوادر الطبية من وإلى المشافي.
ولا يظهر أن الآلية التي تضم في عضويتها الهلال الأحمر ومنظمات المجتمع المدني، ستنجح في تنفيذ مهامها لعدة اعتبارات تتمثل في عدم وجود ممرات آمنة ووقوع الاشتباكات في الأحياء دون سابق إنذار وانتشار عمليات النهب وعدم تشجع المنظمات الإنسانية على تقديم المساعدات الإنسانية في ظل هذه الأوضاع، منها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الذي علق أنشطته مؤقتًا في السودان.
وتقول اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء إن عدد القتلى منذ اندلاع الاشتباكات بلغ 174 مدنيًا وأصيب 1041 آخرين، بعضهم حالاتهم حرجة، وهذه الإحصائية التي لا تشمل ضحايا أمس الثلاثاء تنحصر في الضحايا الذين جرى نقلهم إلى المستشفيات، ما يعني أن القتلى والجرحى قد يكونوا ضعفي هذه الإحصائية.
وتحدثت عن خروج 39 من أصل 59 مستشفى أساسي في العاصمة الخرطوم والولايات المتاخمة لمناطق الاشتباكات، من الخدمة، منها 9 مشافي تعرضت للقصف و16 أخرى للإخلاء القسري، ولهذا، يعمل 20 مستشفى، بعضها يُقدم الإسعافات الأولية، وهي مهددة بالإغلاق لنقص الكوادر والإمدادات الطبية والمياه والكهرباء.
وكان النظام الصحي، يُعاني قبل اندلاع الاشتباكات من شح حاد في أكياس نقل الدم دفع السلطات إلى اقتصاره على الحالات الحرجة، ومع تزايد الإصابات وحاجتهم لتدخل جراحي يتطلب نقل الدم فإن مصير المئات هو الموت البطيء.