ترجمة حفصة جودة
لقد تغير شكل الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، فما بدأ بنظر العامة كمجال للتطبيقات الواعدة، تحول إلى صناعة قيمتها أكثر من 100 مليار دولار، يتنافس فيها كبار صناع التكنولوجيا مثل مايكروسوفت وجوجل و”OpenAI“.
نتج عن ذلك نماذج لغوية كبيرة متطورة، لكن أغلبها خرج إلى العامة على عجل دون اختبار وإشراف مناسبين، هذه النماذج يمكنها القيام بكثير مما يقوم به البشر، وفي بعض الأحيان بأفضل منهم، فباستطاعتها الفوز علينا في الألعاب الإستراتيجية المتقدمة والفن وتشخيص السرطان وتأليف الموسيقى.
لا شك في أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تبدو ذكية إلى حد ما، لكن هل تستطيع يومًا أن تعادل ذكاء البشر؟
هناك مصطلح يصف ذلك ويُعرف باسم: الذكاء الاصطناعي العام “AGI“، ورغم أنه مصطلح واسع، يمكنك ببساطة أن ترى الذكاء الاصطناعي العام بأنه النقطة التي يستحوذ فيها الذكاء الاصطناعي على القدرات المعرفية العامة المشابهة للبشر، بمعنى آخر، هي النقطة التي يتمكن فيها الذكاء الاصطناعي من أداء المهام الفكرية التي يقوم بها البشر.
لم يصل الذكاء الاصطناعي لهذه النقطة بعد، فنماذج الذكاء الاصطناعي الحاليّة تفتقر إلى بعض الصفات الإنسانية مثل الإبداع الحقيقي والإدراك العاطفي.
صعود الذكاء الاصطناعي يشير إلى أنه باستطاعتنا أن نكون أذكياءً دون وعي، لأن الذكاء يمكن فهمه من ناحية عملية
لذا سألنا 5 خبراء عن رأيهم إذا ما كان باستطاعة الذكاء الاصطناعي أن يصل إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي العام، وقد أجابوا بـ”نعم”، لكن هناك فروقًا دقيقةً بشأن كيفية وصولهم إلى ذلك، فداخل هذه الإجابات تظهر المزيد من الأسئلة: متى نصل إلى الذكاء الاصطناعي العام؟ وهل يستمر ليتجاوز البشر؟ وما الذي يشكل هذا الذكاء بأي حال؟
إليكم إجاباتهم بالتفصيل:
بول فورموسا.. أستاذ الفلسفة بجامعة ماكواري
نجح الذكاء الاصطناعي بالفعل وتجاوز الذكاء البشري في عدد من المهام، فبإمكانه التفوق علينا في الألعاب الإستراتيجية مثل “Go” و”chess” و”StarCraft” و”Diplomacy“، ويتفوق علينا في كثير من معايير الأداء اللغوي، ويكتب مقالات مقبوله لطلاب الجامعات.
بالطبع يمكنه أيضًا اختلاق الأشياء وتقديم إجابات خاطئة، لكن البشر يقعون في ذلك أيضًا (رغم أنه ليس بنفس الطريقة).
على المدى الطويل، يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيصل إلى مستوى الذكاء الاصطناعي العام أو “مستوى الذكاء البشري”، هذا يعني أنه سيحقق كفاءة كافية في المجالات المترابطة للذكاء البشري.
ومع ذلك، قد يشعر البعض بالقلق – رغم إنجازات الذكاء الاصطناعي حتى الآن – من أن الذكاء الاصطناعي لن يكون ذكيًا حقًا، لأنه لا يستطيع فهم ما يقوم به لعدم امتلاكه الوعي.
لكن صعود الذكاء الاصطناعي يشير إلى أنه باستطاعتنا أن نكون أذكياءً دون وعي، لأن الذكاء يمكن فهمه من ناحية عملية، فالكيان الذكي يمكنه القيام بأشياء مثل التعلم وكتابة المقالات والتفكير واستخدام الأدوات.
ما زال على نماذج الذكاء الاصطناعي أن تتعلم الصفات البشرية الموروثة مثل التفكير النقدي وفهم المشاعر وما يحفزها
قد لا يملك الذكاء الاصطناعي وعيًا على الإطلاق، لكنه يستطيع بشكل متزايد القيام بأشياء ذكية، وفي بعض الحالات يقوم بأشياء تتجاوز مستوى البشر ويبدو أنه سيستمر بهذا الاتجاه.
كريستينا ماهر.. عالمة الأعصاب الحسابية والهندسة الحيوية بجامعة سيدني
سيحقق الذكاء الاصطناعي مستوى الذكاء البشري لكن ليس قريبًا، فمستوى الذكاء البشري يسمح لنا بالتفكير وحل المشكلات واتخاذ القرارات، ويتطلب عددًا من القدرات المعرفية بما في ذلك التكيف والذكاء الاجتماعي والتعلم من التجارب.
نجح الذكاء الاصطناعي بالفعل في عدد من تلك المجالات، لكن ما زال على نماذج الذكاء الاصطناعي أن تتعلم الصفات البشرية الموروثة مثل التفكير النقدي وفهم المشاعر وما يحفزها.
نتعلم نحن البشر تلك الصفات ونختبرها منذ لحظة ولادتنا، حتى إننا لا نتذكر أول تجربة سعادة لنا، كما أننا نتعلم التفكير النقدي والتنظيم العاطفي منذ الطفولة ونطور مشاعرنا بتفاعلنا مع العالم من حولنا، من المهم أن نتذكر أن العقل البشري يستغرق العديد من السنوات لتطوير هذا النوع من الذكاء.
لم يكتسب الذكاء الاصطناعي هذه القدرات بعد، لكن إذا كان البشر يستطيعون تعلم هذه الصفات فمن المحتمل أن يتمكن الذكاء الاصطناعي أيضًا وربما بمعدل أسرع من البشر، ما زلنا نكتشف كيف ينبغي بناء نماذج الذكاء الاصطناعي وتدريبها والتفاعل معها لتطوير مثل هذه الصفات، لذا فالسؤال المهم ليس إذا ما كان الذكاء الاصطناعي سيصل إلى مستوى الذكاء البشري، لكن متى وكيف.
سيدالي ميرجاليلي.. مدير مركز أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي بجامعة تورينز
أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيتجاوز الذكاء البشري، لماذا؟ يقدم لنا الماضي رؤى لا يمكن تجاهلها، أعتقد الكثير من الناس أن مهام مثل ألعاب الكمبيوتر والتعرف على الصور وصناعة المحتوى لا يمكن أن يقوم بها سوى البشر، لكن التقدم التكنولوجي أثبت العكس.
أدى التقدم السريع اليوم وتبني خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالتزامن مع وفرة البيانات والمصادر الحاسوبية، إلى مستوى من الذكاء والأتمتة لم نكن نتخيله سابقًا، إذا استمر الأمر على نفس المسار، فالوصول إلى مستوى الذكاء الاصطناعي العام لن يصبح احتمالية بل أمر أكيد في المستقبل.
لا يزال الذكاء الاصطناعي العام تحديًا كبيرًا، وهناك تداعيات أخلاقية واجتماعية يجب معالجتها بحرص مع تقدمنا في هذا المجال
إنها فقط مسألة وقت، فقد حقق الذكاء الاصطناعي تقدمًا بارزًا بالفعل لكن ليس بعد في المهام التي تتطلب حدسًا وتعاطفًا وابتكارًا، لكن التطور السريع في الخوارزميات سيسمح بذلك.
الأكثر من ذلك، أنه بمجرد وصول أنظمة الذكاء الاصطناعي للقدرات المعرفية المماثلة للبشر، سيكون لذلك تأثير ضخم وستصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على تطوير نفسها بقليل من أو دون تدخل البشر، هذا النوع من أتمتة الذكاء سيغير العالم.
لا يزال الذكاء الاصطناعي العام تحديًا كبيرًا، وهناك تداعيات أخلاقية واجتماعية يجب معالجتها بحرص مع تقدمنا في هذا المجال.
دانا ريزازاديغان.. محاضرة في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات بجامعة سوينبورن للتكنولوجيا
أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيصبح ذكيًا بقدر البشر، لكن تحديد مدى ذكائه يتوقف على التطورات في الحوسبة الكمية، فالذكاء البشري ليس بسيطًا بقدر معرفة الحقائق، لكن يضم عدة جوانب مثل الإبداع والذكاء العاطفي والحدس، وهي أشياء يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي الحاليّة محاكاتها، لكنها لا تطابقها، هذا وإن دل فإنه يدل على التقدم الهائل للذكاء الاصطناعي واستمراره في هذا الاتجاه.
تنحصر النماذج الحاليّة في مجموعات بيانات تدريبية متحيزة وصغيرة نسبيًا، وقوى حاسوبية محدودة، لكن ظهور الحوسبة الكمية سيغير قدرات الذكاء الاصطناعي، فمع الذكاء الاصطناعي المعزز بالكم، سنكون قادرين على تغذية نماذج الذكاء الاصطناعي بمجموعات بيانات ضخمة متعددة يمكن مقارنتها بطريقة جمع البيانات المتعددة الطبيعية للبشر التي نحققها من خلال التفاعل مع العالم، هذه النماذج ستكون قادرة على تقديم تحليلات سريعة ودقيقة.
هذه النسخة المتطورة من التعلم المستمر يجب أن تؤدي إلى تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة للغاية، التي بعد نقطة معينة ستكون قادرة على تطوير نفسها دول تدخل البشر.
لا يوجد سبب أساسي يجعلنا نعتقد أن الآلات – من حيث المبدأ – غير قادرة على إجراء الحسابات اللازمة لتحقيق القدرة البشرية على حل المشكلات
وهكذا، فخوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على أجهزة حاسب كمية ثابتة لديها فرصة كبيرة في الوصول إلى ما يشبه الذكاء البشري العام، حتى لو لم يتوافقوا مع جميع مظاهر الذكاء البشري كما نعرفها.
مارسيل شارث.. محاضر في تحليلات الأعمال بجامعة سيدني
أعتقد أن الذكاء الاصطناعي العام سيصبح واقعًا يومًا ما، رغم أن الجدول الزمني ليس محددًا بعد، لكن إذا وصلنا إلى الذكاء الاصطناعي العام، فإن تجاوز مستوى الذكاء البشري سيصبح حتميًا.
لقد أثبت البشر أنفسهم أن الذكاء المرن القابل للتكيف أمر ممكن بحسب قوانين الفيزياء، ولا يوجد سبب أساسي يجعلنا نعتقد أن الآلات – من حيث المبدأ – غير قادرة على إجراء الحسابات اللازمة لتحقيق القدرة البشرية على حل المشكلات.
الأكثر من ذلك، أن الذكاء الاصطناعي له مميزات مختلفة تتفوق على البشر، مثل السرعة الأكبر وسعة الذاكرة وقيود عاطفية أقل واحتمالية تحقيق المزيد من العقلانية والتطور الذاتي، ومع تطور القوى الحسابية، ستتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي في النهاية من تجاوز القدرات الحسابية للعقل البشري.
التحدي الأكبر الذي يواجهنا هو القدرة على اكتساب فهم أفضل للذكاء نفسه، ومعرفة كيفية بناء الذكاء الاصطناعي العام، فأنظمة الذكاء الاصطناعي الحاليّة محدودة، ولم تقترب بعد من القدرة على التفوق في المجالات المختلفة التي تشكل الذكاء الاصطناعي العام، فالطريق إلى الذكاء الاصطناعي العام سيتطلب ابتكارات واختراعات غير مسبوقة.
تنبأت منصة “Metaculus” بالوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام في 2032، لكن بالنسبة لي أرى أن هذا التاريخ متفائل للغاية، قدر استطلاع أجراه خبراء عام 2022 أن هناك إمكانية بنسبة 50% للوصول إلى الذكاء الاصطناعي المماثل للبشر بحلول عام 2059، وأرى أن هذه الاحتمالية أكثر معقولية.
المصدر: ذي كونفرسيشن