ترجمة وتحرير نون بوست
في حيّه المكتظ بالسكان داخل عمارة قديمة تعود إلى الفترة الاستعمارية النسية في العاصمة تونس، كان أشرف البالغ من العمر 29 سنة بلا قميص ويرتدي قبعة من القش عندما التقى بمجلة “نيو لاينز” في شارع ضيق وهو يهم بدفع البوابة المعدنية السوداء للمبنى الذي يقيم فيه. في الداخل، كان جالسا على أريكة مهترئة يلعب بهاتفه وكان الهواء الذي يتسرب من خلال النافذة نصف المغلقة ثقيلًا وساخنًا.
أخبرني أشرف عن اليوم الذي غيّر حياته قبل أكثر من عقد من الزمان، عندما داهمت الشرطة منزلهم بحثًا عن والده – مهرب وبائع متجول – وبضائعه المهربة. قال أشرف إن “رجال الشرطة حطموا الباب، وقبضوا على والدي وحجزوا على أغراضه”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تأتي فيها الشرطة من أجل والده، الذي غالبًا ما يتم القبض عليه أثناء محاولته تهريب البضائع الرخيصة – الإلكترونيات والوقود والسلع المنزلية والسجائر – من وإلى الجزائر وليبيا عبر سيارات الأجرة التونسية المسماة “لوّاج”. ولكن أشرف البالغ من العمر 16 سنة آنذاك، الذي ترك المدرسة في مسقط رأسه في إحدى المناطق الداخلية الفقيرة في تونس للانضمام إلى والده في العاصمة في محاولة لإعالة عائلته، لم يستطع تحمّل ما حدث أمامه.
وتابع قائلا “كنت أبكي وأتوسل إليهم ‘دعوه يذهب’، ثم دفع أحد رجال الشرطة والدي، فضربت الشرطي بكوب زجاجي. فاعتقلوني. ووضعوني في سجن الإصلاحية لمدة شهرين”، كما روى وهو يهز كتفيه مقرًا بواقعه.
من شأن هذه الفترة التي قضاها في سجن الإصلاحية وسجله الجنائي – المسمى “البطاقة عدد 3” – أن يغير مسار مستقبله ويدفعه إلى دائرة البطالة والسجن. ودون مستوى تعليم ثانوي (قال لي: “لقد درست، لكن لم يكن هناك شيء عالق في ذهني، لأن كل ما فكرت فيه هو كيفية مساعدة عائلتي ماليًا”) وسجله السيء الذي سيمنعه من التقدم للحصول على وظيفة رسمية، تُرك أشرف ليتبع خطى والده وينضم إلى السوق السوداء غير الرسمية.
أخبر مجلة “نيو لاينز”: “أبيع السجائر على طاولة صغيرة محمولة – معظمها سجائر مهربة من ليبيا” في أحياء للطبقة العاملة منتشرة حول أسوار المدينة العتيقة. وأضاف “أنا أبيع الألعاب للأطفال الصغار في محطة القطار المجاورة. إن التواجد حولهم يزيل ضغوطي. وقال، مبتسما لأول مرة بعد التحدث لمدة ساعة تقريبًا، “أعطي اللعب مجانا للأطفال الذين ليس لديهم نقود، أو الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة”.
منذ اعتقاله أول مرة، دخل أشرف السجن 13 مرة لجُنح مثل البيع دون رخصة. وفي كل مرة، كان يقضي ما بين شهرين و18 شهرًا خلف القضبان. قال إنه توسل إلى السلطات لتنظيف سجله حتى يتمكن من مزاولة عمل مشروع: “لا أعرف كم مرة طلبت من وزارة الداخلية ووالي تونس السماح لي بالعمل في أي وظيفة قانونية. لكنهم كانوا يتجاهلونني”.
سنة 2022، سجّلت وزارة الداخلية الإيطالية وصول 16.292 تونسيًا إلى الشواطئ الإيطالية – وهو معدل أعلى من السنوات الأربع السابقة
إن الأموال التي يجنيها من بيع بضاعته المهربة بالكاد تغطي احتياجاته اليومية الأساسية، ولم يتبق سوى القليل من أجل دفع ثمن دورة تدريب على الحلاقة لشقيقه تيتو. وتتمثل أكبر نفقات أشرف في جمع ثمن مقعد على قارب تهريب عبر البحر إلى إيطاليا. وأورد أشرف “لقد هاجرت بشكل غير قانوني تسع مرات” في محاولة للوصول إلى إيطاليا. لقد وصلت إلى لامبيدوزا وتراباني، لكن تم اعتقالي وترحيلي إلى تونس. وأنا في انتظار فرصة أخرى، وسأحاول الهجرة مرة أخرى”.
تُجسّد قصة أشرف مفارقة تجتاح تونس وهي أن شرطة البلاد التي تتلقى مبالغ طائلة من التمويل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وغيرها من الكيانات الأجنبية لقمع التطرف والسيطرة على الهجرة غير الشرعية، تساهم في مفاقمة هذه الظواهر التي تتلقى تمويلا لمعالجتها.
بعد تعرضهم للمضايقة والوحشية من قبل الشرطة بسبب مخالفات بسيطة عادة ما تصفها المحاكم والسجون بوصمة العار الإدارية والاجتماعية، ومنعهم من بناء مستقبل منتج أو مزدهر في تونس بشكل قانوني وآمن، يتم دفع الشباب مثل أشرف من أحياء الطبقة العاملة إلى التفكير في الهجرة بشكل غير قانوني إلى أوروبا.
في سنة 2022، سجّلت وزارة الداخلية الإيطالية وصول 16.292 تونسيًا إلى الشواطئ الإيطالية – وهو معدل أعلى من السنوات الأربع السابقة. لم يصل حوالي ضعف هذا العدد أبدًا إلى إيطاليا، حيث تم اعتراض حوالي 29.129 مهاجرًا من قبل السلطات التونسية بين كانون الثاني/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر 2022 على طول المياه الإقليمية التونسية لوسط البحر الأبيض المتوسط. ولقي ما لا يقل عن 544 تونسيًا حتفهم غرقًا على المعبر بين كانون الثاني/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر 2022 وحدهما عندما انقلبت بهم القوارب الرديئة التي كانوا يركبونها ولم تصل إليهم المساعدة أبدًا.
ارتفع عدد المهاجرين – من تونس وغرب إفريقيا وسوريا وبنغلاديش وأفغانستان، وغيرهم – الذين وصلوا إلى الشواطئ الإيطالية بشكل كبير في الأشهر الأولى من سنة 2023. وتظهر بيانات وزارة الداخلية وصول حوالي 31.300 مهاجر إلى إيطاليا منذ بداية السنة، مسجلة ارتفاعًا من حوالي 7900 في نفس الفترة من السنة الماضية. وفي الأسابيع الأخيرة، أعلنت الحكومة الإيطالية حالة الطوارئ لمواجهة تدفق قوارب المهاجرين الصغيرة.
تتعقب السلطات الإيطالية المهاجرين المسجلين فقط عند وصولهم إلى أوروبا – أولئك الذين يقبض عليهم خفر السواحل في البحر ويرسلونهم إلى مراكز استقبال المهاجرين. ويصل الكثير منهم سرًا، وينزلقون في مداخل صخرية في قوارب صغيرة ليلاً، دون أن يتم اكتشافهم.
مثل العديد من التونسيين الآخرين الذين يعيشون في ظروف مماثلة يرى أشرف أن الطريق الوحيد في العالم هو الخروج من تونس “إنه لأمر محزن، لكن الحرية التي أبحث عنها لا توجد إلا في الخارج. وأفضل شيء إذا كان لديك أوراق إقامة، فيمكنك العمل بشكل جيد. أريد أن أعمل”.
وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء التونسي، فإن ما يزيد قليلاً عن 16 بالمئة من البالغين التونسيين عاطلون عن العمل. ومن المحتمل أن يكون هذا العدد أقل من الواقع، حيث أن عددًا لا يحصى من التونسيين يعملون في وظائف غير نظامية -مثل أشرف – بدخل ضئيل في كثير من الأحيان ودون حماية وظيفية. وتشير التقديرات إلى أن البطالة في صفوف الشباب – أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة – قد تصل إلى 40 بالمئة.
حكومة قيس سعيّد جاءت بتشخيص شعبوي سطحي للغاية للمشاكل الهيكلية
يعتقد الخبير الاقتصادي التونسي فاضل قبوب، رئيس المعهد العالمي للازدهار المستدام، أن حالة الفقر التي تبدو مستعصية على الحل والتي يواجهها العديد من التونسيين هي نتيجة لنموذج تنموي يعود إلى الأيام الأولى للاستقلال عن فرنسا. فبعد فترة وجيزة من جهود إنهاء الاستعمار في الستينات، تم إغراء تونس مثل العديد من دول الجنوب العالمي بالعودة إلى نموذج التنمية الاقتصادية الاستخراجية الذي حاصر البلاد في دائرة من الديون للمقرضين الأجانب مثل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وغيرهم.
جاء هذا الدين مع شروط في شكل دفعة لفرض إجراءات التقشف إلى حد كبير – مما ساهم في خفض الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة مثل التعليم والمستشفيات والبنية التحتية وخفض دعم الغذاء والوقود. وقال قبوب إن هذه السياسات خلقت بدورها تهميشًا اجتماعيًا واقتصاديًا قلص الطبقة الوسطى وزاد من حدة الفقر.
رغم الخطاب الناري الذي ألقاه الرئيس التونسي حول الدفاع عن الفقراء والطبقة العاملة والوعود بتحقيق مطالب الثورة التونسية المتمثلة في “الحرية والعمل والكرامة”، استمر قيس سعيّد في المضي قدمًا بنفس النموذج الاقتصادي.
قال أشرف “لم أر أي شيء من هذا الرجل الجديد، في إشارة إلى سعيّد. لقد ولدت سنة 1993. هل تعتقد أنني يجب أن أنتظر خمس سنوات أو 10 سنوات أخرى حتى ينصلح حال هذا البلد؟ هل أنتظر حتى أبلغ من العمر 40 سنة حتى تتحسن الأمور؟ لا. وأضاف أشرف ملوحا بالرفض “إذا لم تتمكن من إصلاحها الآن، فالسلام عليكم – وداعًا”.
أوضح قبوب أن “حكومة قيس سعيّد جاءت بتشخيص شعبوي سطحي للغاية للمشاكل الهيكلية”، وغالبًا ما كانت تهاجم الفساد والتكتلات الاقتصادية في تونس باعتبارها العوائق الأساسية في المجتمع. لكن ما لا يفهمه سعيّد وحكومته أن الهياكل الاقتصادية الأساسية – الأجور المنخفضة، والديون الخارجية المتضخمة، والانخفاض المطرد في الإنفاق على الخدمات العامة والبنية التحتية – تعسفية واستخراجية مع أو دون فساد، وستستمر في توليد نفس النتائج الكارثية للشعب التونسي”.
تأتي هذه النتائج الكارثية التي تحدث عنها قبوب في شكلين: انعدام الاستقرار الاجتماعي وتعامل الحكومة مع سكان يائسين بشكل متزايد. وقد استمرت الاحتجاجات منذ ثورة 2011، حيث طالب الناس باتخاذ إجراءات حكومية بشأن قضايا مثل الحقوق الاقتصادية وتكاليف المعيشة والوظائف ودعم السلع الأساسية. لكن فإن الحكومة لا ترغب في تلبية هذه المطالب الشعبية لأنها تهدد سياسات التقشف التي تفرضها المديونية الخارجية المتزايدة. وبدلاً من ذلك، حولوا انتباههم وميزانيتهم إلى سلك الأمن المصمم لدحر الاضطرابات الاجتماعية ودعم أجزاء الحكومة التي تديم هذه السياسات.
في سنة 2015، تسبب هجومان إرهابيان بارزان – أحدهما على منتجع شاطئي في مدينة سوسة الساحلية، والآخر في متحف باردو الشهير – في إحداث صدمة في الديمقراطية الوليدة وأزعج العديد من الشركاء الخارجيين الذين كانوا يدعمون انتقال تونس بعيدا عن الحكم الاستبدادي لزين العابدين بن علي، الذي أطيح به في ثورة 2011.
قالت روزا ماريون، الباحثة في جامعة كارديف التي تركز على دور السياسة الأمنية في تونس، إن هذه الأحداث حوّلت التركيز من التحوّل الديمقراطي إلى الأمن وسمحت لقوات الأمن بالعودة إلى الممارسات والسياسات الوحشية التي كانت أساسية في عهد بن علي تحت راية كبح جماح التطرف. وأضافت ماريون أن الدولة التونسية تلقت تمويلًا بقيمة ملايين الدولارات واليورو من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لإنفاقها على عمليات التدريب والتجهيز وتقديم المشورة وتمويل عسكرة قوات الأمن التونسية.
أضافت ماريون أنه “بعد هجمات سنة 2015، بدت الجهات الفاعلة الخارجية وكأنها تحوّل تركيزها بعيدًا عن إضفاء الديمقراطية أو إصلاح قوى الأمن الداخلي إلى التركيز على المساعدة الأمنية”. ويتم تقسيم جزء كبير من التمويل الأجنبي بين أعمال مكافحة الإرهاب وتحصين حدود الاتحاد الأوروبي من الخارج، لكن المساعدة الأمنية لعبت دورًا في تعزيز وحشية الدولة التونسية بشكل كبير. وأشارت ماريون إلى أن “الاتحاد الأوروبي يُسعده أن يغض الطرف عن المزيد من الخدمات التي يمولها ويجهزها”.
عندما تراقب قوات الأمن التونسية وتسيطر بشدة على المجموعات المهمشة بالفعل – الشباب والعاملين الفقراء والعاطلين عن العمل – تحت غطاء أوسع من مكافحة الإرهاب أو الهجرة غير النظامية، فإنها في الواقع تغذي الظواهر ذاتها التي تم تمويلها للقضاء عليها.
تسعى خطة الإنفاق للسنة 2024 التي اقترحتها وزارة الخارجية الأمريكية إلى خفض مساعداتها الثنائية إلى تونس بنسبة 35 بالمئة، مما يخفض حزمة المساعدات من 106 ملايين دولار التي طلبوها في سنة 2023 إلى 68.3 مليون دولار فقط. وهدف هذه التخفيضات “الإشارة إلى مخاوف الولايات المتحدة المستمرة بشأن إضعاف المؤسسات الديمقراطية، مع السماح بتمويل كافٍ للمجتمع المدني والمواطنين والقدرة على الصمود في ظل تغير المناخ”، وذلك وفق ما صرح به متحدث باسم وزارة الخارجية لموقع “المونيتور” مؤخرًا.
لكن الأموال المخصصة للمساعدة الأمنية لن تنخفض إلا بنسبة 12 بالمئة، من 61 مليون دولار إلى 53.8 مليون دولار للسنة المقبلة، وستظل تشكل الجزء الأكبر من التمويل. وعلى الرغم من الانتهاكات الموثقة لقطاع الأمن بحق المواطنين التونسيين، فإن سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في “إعطاء الأولوية للأداء” – وهو شكل من أشكال بناء القدرات لجعل قوات الأمن أكثر كفاءة في القضاء على التهديدات المتصورة – قوضت الجهود المبذولة لإصلاح الأجهزة الأمنية.
يواكب التمويل الأجنبي ميزانية الدولة التونسية. وأشارت ياسمين أكرم، طالبة دكتوراه تونسية ومحللة أبحاث شمال إفريقيا في مركز بروكسل الدولي، إلى أن الحكومة التونسية تعطي الأولوية للإنفاق الأمني حتى مع تلاشي الخدمات العامة الحاسمة. وقالت إنه “إذا نظرت إلى قانون المالية لسنة 2022، فقد تم تخفيض ميزانيتي قطاع الصحة والتعليم بينما توسعت ميزانية وزارتي الدفاع والداخلية. وأعتقد أن الدولة تعلم أن الغضب الاجتماعي يتنامى وستكون هناك حاجة لوجود قوي للشرطة في الشوارع”.
لكن عندما تراقب قوات الأمن التونسية وتسيطر بشدة على المجموعات المهمشة بالفعل – الشباب والعاملين الفقراء والعاطلين عن العمل – تحت غطاء أوسع من مكافحة الإرهاب أو الهجرة غير النظامية، فإنها في الواقع تغذي الظواهر ذاتها التي تم تمويلها للقضاء عليها. تتزايد السلفية في السجون التونسية وفي أحياء الطبقة العاملة، حيث أصبح الأئمة المحافظون نقطة جذب للعديد من الشباب الذين تم رفضهم في أجزاء أخرى من المجتمع.
لقد قابلت أشرف مرة من قبل قبل حوالي سبعة أشهر. وفي تلك الأيام، كان يشوه صورة الدولة وينبذها – كما هو الحال الآن – ويحتقر الشرطة التي لطالما ضايقته. ولكن منذ ذلك الحين، ورغم ماضيه المتمرد ووشم المسدسين على خصره بدأ يعتقد أن الإسلام الأكثر تحفظًا هو السبيل الوحيد لتحقيق إحساس بالسلام والاستقرار في وضع لا يطاق. وقال “أنا بحاجة إلى التقرب من ديني. أريد أن أبدأ بالصلاة. فهذا سيجلب لي السكينة”.
التهميش الاقتصادي والهجرة واستغلال العمال – داخل تونس وخارجها – في صفوف السجناء السابقين هي نتاج دولة تعامل المحكوم عليهم بعنف وإهمال.
أخبرني أنه سيحاول مرة أخرى الهجرة إلى أوروبا. وفي المرة الثانية التي رأيته فيها، كان يدخر المال لمهرب ليتمكن من عبور البحر. وأخبرني أنه إذا تمكّن من الوصول إلى أوروبا والبقاء فيها، فسوف يساعد شقيقه في الوصول إلى أوروبا أيضًا، حيث يأمل أن يعمل حلاقًا هناك. وإذا لم يكن الأمر كذلك، قال أشرف إنه سيكرس نفسه لله.
قال منير العش، أستاذ القانون بجامعة المنار في تونس، إنه يبذل قصارى جهده لإعادة دمج المُدانين السابقين في سوق العمل، ومساعدتهم في العثور على عمل في الشركات الخاصة، أو المقاهي، أو المطاعم، أو من خلال فتح شركات صغيرة لبيع الفاكهة أو البضائع المنزلية. وحتى مع مناصرته، فإن مساعدة شخص لديه سجل أمني سيء في العثور على عمل يمثل تحديًا.
أخبر مجلة “نيولاينز”: “أنا أعاني من أجل الحصول على الحماية المناسبة للسجناء السابقين وإعادة دمجهم بنجاح في المجتمع، بما في ذلك التوظيف. أنا أسعى دائمًا للعثور على عمل لبعض السجناء السابقين، وغالبًا دون الكشف عن وضعهم كسجناء سابقين لرب العمل”. مقرا بأن “هذا العمل غالبًا ما يكون يوميًّا ومحفوفًا بالمخاطر”.
تعمل بعض منظمات المجتمع المدني على إعادة دمج المُدانين سابقا في المجتمع. ومن بينهم منظمة “فايس تونس” التي يسعى مشروعها “إبني” (“البناء”) إلى منع التطرف لدى السجناء السابقين وإعادة دمجهم من خلال التوجيه في العثور على عمل. وأخبرتني منظمة “فايس تونس” أنها دعمت ودربت 331 سجينًا سابقًا من بينهم 12 أنشأوا مشاريعهم الخاصة لريادة الأعمال بتمويل من برنامج “إبني”، كما وجد 12 آخرين وظائف رسمية وتم توظيف 20 آخرين من قبل الشركات. ورغم هذه النتائج الإيجابية، إلا أن النسب المئوية لا تزال ضئيلة لدرجة أنها لا تذكر.
أوضح العش أن التهميش الاقتصادي والهجرة واستغلال العمال – داخل تونس وخارجها – في صفوف السجناء السابقين هي نتاج دولة تعامل المحكوم عليهم بعنف وإهمال. وبالنسبة إلى العش، فإن تبنّي الدولة التونسية للقمع السياسي وتعاملها المتعمد مع السجناء والمُدانين السابقين “مثل الجراثيم” قد “جعل السجين السابق الذي يهاجر بطريقة غير شرعية قنبلة موقوتة”. إن التجربة التي يمر بها هؤلاء المهاجرون وعدم تأهيلهم تجعلهم غير قادرين على الاندماج في المجتمع الذي يهاجرون إليه. وتبقى مسألة الاستغلال من قبل أرباب العمل قائمة دائما”.
في تشرين الثاني/ نوفمبر، لاحظت منشورًا على فيسبوك من أشرف في الشهر السابق يتضمن بعض الأحاديث الإسلامية ولقطات يحيّي فيها أصدقاءه. لقد كان فيديو سيلفي له مرفقا بموسيقى تصويرية، وكان يقف أمام كاتدرائية ميلانو الشهيرة. حينها راسلته على الفور. ورد علي باللهجة التونسية “فراتيلو سام. لقد فعلتها. نجحت في ذلك. أنا في ليون الآن”.
أرسل لي أشرف مجموعة من الصور وفيديوهات “تيك توك” له وهو على متن قارب مع مهاجرين آخرين، ووثّق غروب الشمس على البحر الأبيض المتوسط فيما كان عمال الإنقاذ في سترات النجاة يتحدثون معهم. وفي أحد مقاطع الفيديو، كان يرتدي قبعة بيسبول بيضاء وبدا فخورا وجديا. ولوح المهاجرون الذين ملأوا القارب وابتسموا خلفه. ورفع علامة السلام، واعتلت ابتسامة مُحيّاه.
المصدر: مجلة نيولاينز