صباح السبت الموافق ال15 من أبريل/ نيسان الحاليّ، استيقظ السودانيون على موعد مع كابوس ثقيل، إذ اندلعت مواجهات عسكرية وحرب شوارع بمختلف أنواع الأسلحة في العاصمة الخرطوم لتمتد لاحقًا إلى عدة مدن في الولايات.
ربما لم يُفاجأ المراقبون للوضع في السودان باندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، رغم أن العلاقة كانت جيّدة “ظاهريًا على الأقل”، بين طرفي الحرب، قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، إذ عملا عن كثب لعدة فترات من بينها وحدة حرس الحدود، إذ كانت نقطة انطلاق مليشيات حميدتي الأولى عام 2003 بينما كان البرهان آنذاك مشرفًا على الحرس وتأمينه للحدود.
بعد ذلك أوكل الرئيس المخلوع عمر البشير للبرهان مهمة الإشراف على ملف الجنود السودانيين المشاركين في حرب اليمن، وكان معه حميدتي باعتبار أن المليشيا كان أفرادها الأكثر مشاركة في الحرب. ثم جاءت اللحظة الحاسمة، عندما انحازت اللجنة الأمنية بقيادة وزير الدفاع الأسبق عوض بن عوف للمحتجين الذين يطالبون بسقوط نظام البشير في إبريل/نيسان 2019، فكان أن تم تشكيل مجلس عسكري برئاسة ابن عوف، ما لبث أن سقط خلال ساعات بسبب رفض المحتجين له، تلا ذلك تشكيل مجلس عسكري آخر برئاسة الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه حميدتي.
الجدول الزمني للدمج يفجر الخلافات
منذ ذلك التاريخ ورغم توافق حميدتي والبرهان على مجزرة فض الاعتصام في يونيو/حزيران 2019 الذي صادف رمضان قبل 3 أعوام، واتفاقهما كذلك على انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين 2021، ظلّت العلاقة بينهما في حالة شك دائم، خاصة بعد أن استغلّ حميدتي الفترة الانتقالية قبل الانقلاب، فقام بمضاعفة عديد قواته وتضاعفت كذلك استثماراته في الذهب والعقارات والزراعة وغيرها، وفي المقابل، ظلّت مساعي البرهان لإخضاع الدعم السريع لسيطرته المباشرة، بوصفه القائد الأعلى للجيش مصدر شك دائم بالنسبة لحميدتي، وكان الصدام بانتظار الشرارة.
بعد فشل الانقلاب، أصبح حميدتي يرتدي ثوب الثائر المصلح أحيانًا، فقبل فترة، أعرب عن ندمه على المشاركة في الانقلاب على حكومة حمدوك في 2021، وقال إن النظام الحالي يعيد إنتاج نظام البشير، كما حرص محمد حمدان دقلو، كذلك، على تسويق نفسه أمام المسؤولين الغربيين في مظهر المنفتح على التغيير والانتقال الديمقراطي.
ودخل حميدتي في تحالف غير معلن مع قوى الحرية والتغيير، ينص الاتفاق على أن يقوم قائد الدعم السريع بدعمه للدستور الانتقالي الذي أعدته نقابة المحامين، بالمقابل منحت قوى الحرية في الدستور ذاته قوات الدعم السريع استقلاليةً عن الجيش السوداني، كما دعمت مقترح حميدتي بأن تكون فترة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة 10 أعوام، بينما كان البرهان وأعضاء المجلس العسكري يصرون على مقترح إدماج قوات حميدتي في سنتين فقط.
كان الجدول الزمني لإدماج قوات الدعم السريع في الجيش أحد أبرز النقاط التي فجّرت الخلاف بين الرجلين، مما جعل قادة الجيش يدخلون في حرب كلامية مع عائلة آل دقلو “حميدتي وشقيقه عبد الرحيم”، فمن المعروف أن قوات الدعم السريع مملوكة بالكامل لحميدتي وأشقائه.
لم تنجح كل الوساطات الداخلية والخارجية في ثني الطرفين عن مواقفهما، إذ تمسك كل منهما بمقترحه الخاص لفترة الدمج، وذلك ما أدى إلى زيادة التصعيد وخروج الخلافات إلى العلن بشكلٍ صارخٍ في الأسبوع الذي سبق الحرب، حيث أصدر الجيش السوداني، الخميس الماضي، بيانًا اتهم فيه قوات الدعم السريع بتحريك قوات في العاصمة والولايات دون إخطاره.
إنّ من شأن هذه التدخلات والدعم الإقليمي بالسلاح أن يفاقم معاناة السودانيين ويصعّب الوصول إلى حل سلميّ للصراع، خاصة في ظل إصرار البرهان وحميدتي على “الخيارات الصفرية” وتضاؤل نفوذ الولايات المتحدة وأوروبا
وجاء في البيان: “إن تحركات قوات الدعم السريع داخل العاصمة والولايات مخالفة لمهام ونظام عملها”، محذرًا من أن البلاد تمرّ بما وصفه بالمنعطف الخطير، وأن التحرك سيؤدي إلى مزيد من التوترات التي تقود لانفراط عقد الأمن في البلاد.
الجيش السوداني يحذر مما وصفه بـ”تحشيد قوات الدعم السريع والانفتاح داخل العاصمة وبعض المدن”. وقال ببيان إن تحركات القوات تشكل “تجاوزا واضحا للقانون”، وفق ما نقلت رويترز.
وفي وقت سابق، قالت قوات الدعم السريع إنها تنتشر في جميع أنحاء البلاد في إطار واجباتها العادية.#الحرة #السودان pic.twitter.com/LeLd5Kgdak
— قناة الحرة (@alhurranews) April 13, 2023
تلا ذلك التطور غير المسبوق، قيام قوات الدعم السريع باستجلاب مدرعات ثقيلة من دارفور غربي السودان إلى العاصمة الخرطوم. كان ذلك قبل 48 ساعة فقط من بدء المعارك.
? إنتشار لـ مدرعات الدعم السريع في شارع المطار ومناطق أخرى في الخرطوم .. pic.twitter.com/iT1mLIoFwg
— ذوالكــفـل ® (@HkZuk) April 13, 2023
التطورات الأخيرة ما قبل الاشتباك، دفعت كثيرين لترجيح صحة رواية القوات المسلحة، حيث قال بيان يوم السبت إن قوات الدعم السريع شنّت هجمات صباح السبت الماضي على مواقع للقوات المسلحة، من بينها مقر إقامة القائد العام ومطار الخرطوم إلى جانب مطار مروي العسكري.
الأخطر من ذلك ما ورد من اتهامات بثها الجيش السوداني وأكدها الفريق شمس الدين كباشي في مقابلة تلفزيونية بأن هناك قوى دولية قدمت وتقدم الأسلحة والذخائر لقوات الدعم السريع عبر الجو.
وقال الكباشي يوم الثلاثاء “لقد أكدنا معلومات تفيد بأن دولتين متجاورتين تقدمان الدعم لقوات الدعم السريع، أحدهما يقع الى الغرب”. pic.twitter.com/PtgC0H0rr3
— Facts Matter بالعربي (@Facts_Arabi) April 19, 2023
صواريخ Kornet-E الحرارية في قبضة الجيش
لمعرفة المزيد عن الموضوع، تحدثت “نون بوست” إلى المحلل العسكري السوداني ياسر مصطفى الذي رجّح بأن تكون الدولة المقصودة بتقديم المساعدات العسكرية هي الإمارات، لافتًا إلى أن ضباط وجنود الجيش السوداني استولوا خلال المعارك الأخيرة مع قوات الدعم السريع على صواريخ مضادة للدروع.
وأضاف مصطفى أن صاروخ Kornet-E الحراري لا يمكن أن يقدم إلى مليشيا بأي حال من الأحوال، مبدئيًا استغرابه من كيفية وصول هذا النوع من الصواريخ المضاد للدبابات والمدرعات، مرجحًا أن يكون قد وصل إلى قوات الدعم السريع عبر الإمارات.
Recorded 2 days in Jabra, Khartoum. Some may have seen it by now. But as a reminder, here’s some evidence that UAE has been sponsoring weapons & ammunition to the RSF. Here the SAF seizes their munitions. pic.twitter.com/odNERMLNkF
— Bashy (@ElbashirIdris_) April 19, 2023
وحول دور الاستخبارات العسكرية في تتبع تحركات حميدتي، قال مصطفى إن الاستخبارات العسكرية نجحت من قبل في إحباط صفقة طائرات مسيرة ومنظومة اعتراض كان يسعى لامتلاكها، ونفى أن تكون الاستخبارات العسكرية غافلة عن تحركات الدعم السريع الداخلية والخارجية، لافتًا إلى أنها كانت على دراية بتحركه للاستيلاء على السلطة.
حميدتي وحفتر يتبادلان الدعم
من جهتها، قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نقلًا عن مصادرها إن خليفة حفتر، قائد الفصيل الذي يسيطر على شرق ليبيا، أرسل طائرة واحدة على الأقل لنقل الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع شبه العسكرية، وأضافت أن مصر أرسلت في الوقت نفسه طائرات حربية وطيارين لدعم الجيش السوداني.
وقال مصادر الصحيفة إن حفتر، المدعوم من روسيا والإمارات العربية المتحدة، أرسل شحنة واحدة على الأقل من الذخيرة يوم الاثنين الماضي من ليبيا إلى السودان لتجديد الإمدادات للجنرال دقلو.
وذكرت وول ستريت جورنال، أن الجنرال دقلو وحفتر دعما بعضهما البعض من قبل، فقد أرسل حميدتي مقاتلين لمساعدة زعيم الميليشيا الليبية حين شنّ حفتر محاولة فاشلة للاستيلاء على العاصمة الليبية طرابلس من الحكومة المعترف بها دوليًا في عام 2019.
إنّ من شأن هذه التدخلات والدعم الإقليمي بالسلاح أن يفاقم معاناة السودانيين ويصعّب الوصول إلى حل سلميّ للصراع، خاصة في ظل إصرار البرهان وحميدتي على “الخيارات الصفرية” وتضاؤل نفوذ الولايات المتحدة وأوروبا، إذ لم تتمكن الوساطات حتى الآن من إقناع طرفي الصراع بضرورة الحوار وتهدئة الوضع في البلاد، حيث يؤمن كلًا من البرهان وحميدتي بأن هذا صراع وجودي ولا سبيل لحل وسط فيه.
يخشى كثيرون من تكرار السيناريو الليبي في السودان، وانتشار أعمال العنف على نطاق واسع، مع دمار حضري هائل وموجة كبيرة من اللاجئين، خاصة أن السودان دولة مؤثرة في محيطها بوسط أفريقيا والقرن الأفريقي وحتى الساحل.