انطلقت مبكرًا الحملات الدعائية للكتل والأحزاب السياسية المتنافسة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، المقررة 14 مايو/أيار المقبل، التي تصنف بحسب مراقبين في الداخل والخارج بأنها الأكثر أهمية وحساسية في البلاد خلال العقود الأخيرة.
وقبل أقل من 20 يومًا على الاستحقاق السياسي، تتباين آراء الناخبين بشأن الأسماء النهائية المرشحة لانتخابات رئاسة الجمهورية (الرئيس الحاليّ رجب طيب أردوغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو ورئيس حزب الوطن محرم إنجه والمرشح القومي المتشدد سنان أوغان) بالتزامن مع عدم وضوح المنافسة القوية في الانتخابات التشريعية التي يخوضها 36 حزبًا سياسيًا من إجمالي 125 حزبًا رسميًا لتمثيل الولايات التركية في البرلمان المقبل.
وخلال انتخابات 2023، يحق لأكثر من 64 مليون ناخب تركي الإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيس الجمهورية الجديد الذي يجمع – وفق نظام الرئاسة التنفيذية المعتمد منذ التعديل الدستوري عام 2017 – بين رئاسة الدولة والحكومة، لمدة 5 سنوات، ويتعين على الفائز في الانتخابات الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين (أكثر من النصف)، وفي حال عدم الحصول على النسبة القانونية، يخوض كلا المرشحين الأعلى حصولًا على الأصوات خلال الجولة الأولى معركة الإعادة، لتحديد الفائز بالرئاسة، وفي التوقيت نفسه، سيتم انتخاب 600 عضو من بين المرشحين لانتخابات الجمعية الوطنية الكبرى (البرلمان).
ويواجه الناخبون الأتراك مشهدًا سياسيًا فوضويًا، ومن واقع معظم استطلاعات الرأي واللقاءات الجماهيرية العامة والتفاعلات الفردية، لا يزال البعض مترددًا في اختيار الأنسب من بين المرشحين في كلا الاستحقاقين، نتيجة أجواء المنافسة الانتخابية المحتدمة والاستقطاب السياسي والاجتماعي، خاصة بين أكبر تكتلين سياسيين في تركيا: تحالف الشعب، الحاكم (أحزاب: العدالة والتنمية والحركة القومية والوحدة الكبرى، وكيانات أخرى كالرفاه من جديد والمحافظ وحزب هدى بار الكردي ذو التوجهات الإسلامية) وتحالف الأمة، المعارض (أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطية والتقدم والمستقبل والحزب الديمقراطي).
رهانات الدعاية
تتصدر الحملات الدعائية الانتخابية خطط التسويق السياسي للتيارات والأحزاب التركية المشاركة في انتخابات 2023، ليس فقط من أجل الحفاظ على الكتل التصويتية التقليدية، لكن لجذب وإقناع ما يسمى بشريحة “الناخبين المترددين” ذات الدور المهم في حسم الانتخابات.
وخلافًا لما قد يتبادر للذهن من أنها شريحة غير مبالية أو غير قادرة على الاختيار، فإنّ معظم من ينتمون لهذه الشريحة من الناخبين يمنحون أنفسهم الوقت الكافي لاتخاذ القرار المناسب، من خلال المفاضلة العقلانية بين المرشحين وبرامجهم وقدرتهم على الوفاء بالتعهدات المطروحة، على عكس شريحة “المصوتين محدودي المعلومات” التي تنحاز – حال مشاركتها في التصويت – للمرشح صاحب الكاريزما، بغض النظر عن برنامجه الانتخابي، وهم أكثر عرضة للخداع السياسي.
ومن واقع الاجتماعات الحزبية التي يتابعها “نون بوست” في معسكر السلطة سواء على مستوى الاجتماعات المركزية لتحالف الشعب أم على مستوى الأمانات الفرعية للأحزاب التابعة للتحالف نفسه في عموم الولايات التركية، يدرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحلفاؤه أن معركة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة ليست سهلة، ومن ثم، ضرورة الحفاظ على الناخبين التقليديين وتعزيزهم بشريحة من الأصوات المترددة، وذلك قبل موعد الإدلاء بالأصوات في الانتخابات المقبلة التي ستحدد نتائجها ملامح الدولة التركية وهي تبدأ القرن الثاني منذ تأسيس الجمهورية.
كما ستكشف نتائج الانتخابات عن طبيعة انحيازات الناخبين الأتراك سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ومستقبل الاصطفاف الوطني بعد كارثة الزلزال التي ضربت جنوب البلاد 6 فبراير/شباط الماضي، وأسفرت عن مصرع 48 ألف شخص، ونحو 115 ألفًا من المصابين والجرحى، وتضرر منها نحو 20 مليون شخص.
لاعبو المشهد
لا تتوقف الجهود الدعائية التي تستهدف جذب الناخبين عند حزب بعينه، بل أصبحت العنوان الرئيسي لتحركات جميع الأحزاب الـ36 المؤهلة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية (اتحاد العدل، العدالة، العدالة والتنمية، الوطن الأم، تركيا المستقلة، الاتحاد العظيم، تركيا العظمى، الشعب الجمهوري، الديمقراطية والتقدم، اليسار الديمقراطي، العمل، المستقبل، الشباب، الاتحاد القوي، الحقوق والحريات، التحرير الشعبي، الشعوب الديمقراطي، القضية الحرة، الجيد، الوطن، الأمة، الحركة القومية، الطريق الوطني، السعادة، اليسار، التغيير التركي، العمال التركي، الحركة الشيوعية، الحزب الشيوعي، وطن، الرفاه، الابتكار، تركيا الجديدة، الخضر ويسار المستقبل، النصر) من واقع القائمة التي أعلنها رئيس المجلس الأعلى للانتخابات التركية أحمد ينار.
وتتباين الحملات الدعائية التي تسبق الانتخابات، بحكم خريطة التحالفات السياسية المتنافسة (تحالف الشعب المهيمن على أكثر من نصف مقاعد البرلمان التركي، بعدما تأسس التحالف في 20 فبراير/شباط 2018، بين حزبي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية، وأحزاب أخرى، تحت مظلة واحدة تجمع بين تياراته – يمين الوسط والمحافظ المعتدل والتيار القومي – عنوانها تعزيز الهوية الثقافية التركية والإرث الإسلامي العثماني ومواجهة النزعات الانفصالية.. وتحالف الأمة الذي تأسس في فبراير/شباط 2022 ويضم 6 أحزاب.. وتحالف العمل والحرية، الكردي، الذي يتشكل من أحزاب سياسية ومنظمات مدنية كردية – أحزاب: الشعوب الديمقراطي، العمال التركي، الحركة العمالية، العمل، الحرية الاجتماعية، واتحاد المجالس الاشتراكية وتحالف “آتا” بقيادة رئيس حزب النصر القومي المتشدد أوميت أوزداغ المعادي للاجئين العرب عمومًا والسوريين على وجه الخصوص.
تكتيكات أردوغان
رغم حرص حزب العدالة والتنمية الحاكم على إعادة تسويق ما قدمته حكومات أردوغان خلال السنوات الماضية، عبر الحديث عن تراكم الإنجازات وضرورة استمرارها، يتبنى الحزب أسلوب الحملات الدعائية العملية من خلال تسريع خطط البناء والتنمية والتعامل مع ملف إيواء وإعادة إعمار وإحياء المدن المنكوبة بعد كارثة الزلزال، لا سيما أن نسبة كبيرة نسبيًا من الناخبين في 11 ولاية تركية تضررت من كارثة الجنوب، محسوبة على القواعد التصويتية للحزب الحاكم، ويتبدى هذا التوجه في تأكيدات أردوغان المتتابعة كما في جولته التفقدية في ولاية هاتاي، جنوبي البلاد بأن “كل إمكانات الدولة مكرسة لمنطقة الزلزال”.
وقد بدأت الحملة الدعائية – لا الانتخابية – منذ توقيع الرئيس التركي في 10 مارس/آذار 2023 مرسومًا بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 14 مايو/أيار، حيث حدد أردوغان ملامح الحملة الدعائية لتحالف الشعب في الخطاب نفسه، حتى تتوافق مع الشكل العام لأجواء الحداد على أرواح ضحايا الكارثة والتضامن مع المصابين والمتضررين منها، قائلًا: “سيكون شعارها، من أجل تركيا، وستكون دون موسيقى، لكنها ستركز أساسًا على جهود تضميد الجراح والتعويض عن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي سببها الزلزال، برنامجنا الانتخابي سيتضمن تضميد جراح المنكوبين، هدفنا إتمام بناء 319 ألف وحدة سكنية بمناطق الزلزال، خلال عام واحد، وتسليمها لمستحقيها، فورًا”.
وكتطوير لمصطلح “الجمهورية الثانية” الذي يتبناه الحزب الحاكم طوال السنوات السابقة، أعلن أردوغان رؤيته للقرن المقبل، تحت شعار “قرن تركيا”، وأن المئوية الأولى كانت للاستقلال، أما المئوية الثانية فستكون للمستقبل.. سنمضي قدمًا في تحقيق أهداف الجمهورية التركية وبناء رؤيتها الخاصة، مع تطبيق برامجها من أجل “قرن تركيا”، مبشرًا بعناوين عدة داخليًا وخارجيًا (الاستدامة، الهدوء، التنمية، القيم، القوة، النجاح، السلام، العلم، صاحب الحق، الفاعلية، الاستقرار، المحبة، الاتصال، الرقمية، الإنتاج، المستقبل).
وقد يكون “قرن تركيا” عنوانًا محتملًا للحملة الانتخابية لتحالف الشعب، وبحسب مدير مؤسسة “ميتروبول” للأبحاث واستطلاعات الرأي أوزر سانجر “ستكون هناك أجندة واضحة المعالم لعلاج المشكلات التي تعانيها البلاد، لا سيما الأزمة الاقتصادية، وسيتعهد أردوغان بإنجاز المزيد من مشروعات البنية التحتية الكبرى”، وقد يفاجئ المشهد السياسي المحلي بإعلان تعديل الدستور الحاليّ، بالتزامن مع ذكرى “مئوية الجمهورية” نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
“التغيير أولًا”
رغم اختلاف التوجهات والأفكار والبرامج في معسكر المعارضة التركية (تحالفات وأحزاب)، فإن القاسم المشترك في حملاتها الدعائية (خاصة تحالف الشعب بقيادة حزب الشعب الجمهوري) يعتمد على تسويق مفهوم “التغيير” كشعار رئيسي للمرحلة، بحجة أن أردوغان – والحزب الحاكم – قدم كل ما لديه خلال العقدين الماضيين وأنه يتحمل المسؤولية عن الإخفاقات التي تواجه البلاد حاليًّا، مع تحويل المناطق المنكوبة بزلزالي 6 فبراير/شباط جنوبي تركيا إلى ساحة للدعاية الانتخابية، بسبب تسابق المتنافسين في الانتخابات على الوجود فيها.
ورغم أن الكارثة تبدو أكبر من قدرة أي حكومة أو دولة على مواجهتها، تتبع الحملة الدعائية الانتخابية لتحالف الأمة المعارض أخطاء حكومة الحزب الحاكم في ملف الزلزال (تداعيات الكارثة وطبيعة التعاطي معها وتأثير ملف مخالفات البناء على تفاقم عدد الضحايا)، مع التشكيك في وعود الإنقاذ السريع التي تطرحها الحكومة في المناطق المتضررة جنوب البلاد، مع فتح ملف الاقتصاد وانخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي وارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم في البلاد.
وفي الملف السياسي، تتعدد عناوين الحملة الدعائية لتحالف “الأمة” (وضع دستور جديد للبلاد والعودة للنظام البرلماني المعزز وتكريس سيادة القانون وفتح المجال للحقوق والحريات العامة وإعادة النظر في السياسة الخارجية التركية)، ويعد البرنامج السياسي المشترك لأحزاب تحالف “الأمة” بمثابة المفتتح للحملة الدعائية للكيان، رغم تنوع توجهات أحزابه، إذ يتضمن البرنامج السياسي الكثير من المشاريع والتعهدات، وتعهد كمال كليجدار أوغلو (في حالة انتخابه رئيسًا للجمهورية) بـ”استيقاظ تركيا حرة صباح يوم 15 مايو/أيار.. سننشئ دولة ولا ينبغي لأحد أن يشك في ذلك”.
الحملة الدعائية لتحالف الأمة تعمل على مد الجسور مع الأكراد الذين ينتشرون في مناطق الشرق والجنوب الشرقي للبلاد، فضلًا عن شريحة كبيرة منهم بين الجالية التركية في الخارج، خاصة في أوروبا، وتحديدًا ألمانيا، ورغم تحفظاتهم على موقف حزب الجيد الشريك في تحالف الأمة، فإنهم يراهنون على دور ومكانة حزب الشعب الجمهوري داخل التحالف، ويعتبرون كليجدار أوغلو الخيار الأقرب لقضيتهم، فيما يعول التحالف على أصوات حزب الشعوب الديمقراطية وكيانات كردية أخرى تمثل نحو 10% من الأصوات في عموم البلاد.
معركة “الكاريزما”
هناك عامل آخر يجرى توظيفه في الحملات الدعائية خلال الانتخابات التركية، خاصة خلال المنافسة بين أردوغان وكليجدار أوغلو، يتمحور حول “الكاريزما”، كون الثقافة السياسية لمعظم الناخبين الأتراك تفضّل صورة الزعيم القوي القادر على الخطابة والقيادة والتأثير.
و”الكاريزما” (مصطلح يوناني يعني تفضيل صاحب الجاذبية الشخصية) قدرات شخصية تمكن صاحبها من التأثير في الآخرين وإيمانهم بقدراته، بحسب عالم الاجتماع الألماني “ماكس فيبر”، وتتبدى هذه السمات الشخصية في أداء أردوغان منذ رئاسته بلدية إسطنبول، ثم زعامته لحزب العدالة والتنمية الحاكم ولاحقًا رئاسة الحكومة ثم رئاسة الجمهورية، وجمعه بين المنصبين عبر ما يسمى “الرئاسة التنفيذية” مدعومًا بسلسلة إنجازات على الأرض.
من جانبه، يحاول كليجدار أوغلو التغلب على مشكلة “الكاريزما” عبر الاعتماد على فريق قوي من الخبراء (نحو 70 شخصًا من المتخصصين في السياسة والاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا) لوضع رؤية معبرة عن توجهاته، أشهرهم عالم الاقتصاد والاجتماع الأمريكي جيرمي ريفكين (Jeremy Rifkin) الذي قدم خدمات استشارية للاتحاد الأوروبي وللزعيمة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في الاقتصاد وتغير المناخ وأمن الطاقة، وهو من المؤيدين لتطبيق الفلسفة النيوليبرالية.
وفي ملف “الكاريزما” لا يمكن تناسي المعركة الانتخابية الكبيرة بين أردوغان وثالث أقوى المرشحين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، محرم إنجه، الذي فاجأ الجميع بقدرته على مخاطبة الجماهير وتحفيز الشباب، كمرشح معارض، ويراهن محرم إنجه على الأقل خلال الجولة الأولى للانتخابات على استقطاب فئة من الناخبين التقليديين لحزب الشعب الجمهوري (الفئة المعارضة لتوجهات كليجدار أوغلو) وأصوات قومية تعارض الشراكة مع حزب الشعوب الكردي، مع رهان إضافي على فئة الشباب (ما يقرب من 6 ملايين شاب) بما يمثلونه من قاعدة مهمة في عملية التصويت المرتقبة.
الجدول الزمني
تبدأ الحملات الدعائية الانتخابية من تاريخ إعلان القائمة النهائية للمرشحين، وتستمر حتى منتصف اليوم السابق للاقتراع، وفي حالة انتخابات الإعادة تبدأ من اليوم التالي لإعلان نتيجة الاقتراع في الجولة الأولى وحتى الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم السابق على التاريخ المحدد للاقتراع فى انتخابات الإعادة، ويحق لكل مرشح (رئاسي وبرلماني) ممارسة الدعاية الانتخابية القانونية لمخاطبة الناخبين، وإقناعهم ببرنامجه عبر الاجتماعات العامة والحوارات ونشر وتوزيع مواد الدعاية الانتخابية ووضع الملصقات واللافتات طبقًا للشروط واستخدام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة والإلكترونية، وغيرها.
تتم الحملات الدعائية الانتخابية بحرية تامة بكل الطرق، في إطار الضوابط والقواعد الواردة في الدستور والقانون وقرارات اللجنة العليا للانتخابات، خاصة عدم تجاوز الحد الأقصى للإنفاق على الدعاية، ويكون للمترشح الحق في استخدام وسائل الإعلام المملوكة للدولة، في حدود المتاح فعليًا من الإمكانات، وبما يحقق تكافؤ الفرص بين المترشحين وعدم التمييز بين المرشحين، مع مراعاة التزام المرشحين والقوائم بقواعد وضوابط الدعاية الانتخابية وإخطار اللجنة العليا للانتخابات بأي مخالفة من المترشحين لقواعد وضوابط الدعاية أولًا بأول لاتخاذ الإجراء المناسب وفقًا للقانون.
ويكون تمويل الدعاية الانتخابية للمترشح من أمواله الخاصة، مع أحقيته بتلقي تبرعات مقننة نقدية أو عينية في حدود النسبة التي تحددها اللوائح النظامية، مع المراقبة القانونية لقيمة تمويل الدعاية من خلال مبادرة المترشح بفتح حساب بالعملة المحلية في أحد البنوك المحددة توضع فيه أموال الحملة وتبرعاتها، مع موافقة المترشح للبنك على إبلاغ اللجنة العليا للانتخابات بالحصيلة ومصدرها وجميع التعاملات في توقيتها، كون القيمة النقدية للتبرعات يصعب رصدها، ويحظر تلقي أي مساهمات أو دعم نقدي أو عيني للإنفاق على الدعاية الانتخابية لمترشح أو للتأثير في اتجاهات الرأي العام لتوجيهه لإبداء الرأي على نحو معين، في موضوع مطروح للانتخاب، من شخص أجنبي، دولة أو جهة أجنبية أو منظمة دولية، كما يلتزم التحالف الانتخابي بتدوين مصادر التمويل ومصاريف الدعاية الانتخابية، مع الدور الذي تلعبه الجهات الرقابية بفحص جميع جوانب التمويل.
تستمر الدعاية في الأماكن المفتوحة حتى الموعد المحدد لما يسمى بـ”الصمت الانتخابي” وهي فترة يحددها القانون تسبق كل انتخابات رئاسية أو تشريعية، يُحظر فيها على المترشحين ممارسة الدعاية السياسية أو أي عملية تندرج ضمن الترويج والدعاية وكسب ود الناخبين في إطار حملتهم الانتخابية، كما تحيد وسائل الإعلام نفسها عن العملية الانتخابية، والغرض من “الصمت الانتخابي” هو الموازنة بين الأطراف المتنافسة وخلق مناخ هادئ يسمح للناخب باتخاذ القرار الصائب، بمعنى آخر، الحرص على عدم وقوع الناخب في حالة من الإرباك قبل ساعات من الاقتراع وأن يتخذ قراره بمعزل عن المؤثرات الخارجية.
إلى ذلك، تنتقد المعارضة عدم حياد التغطية الإعلامية وتتهم وسائل الإعلام الرسمية بالتحيز السياسي، عبر منح أردوغان وحزبه الحاكم (وتحالف الشعب عمومًا) تغطية موسعة، على حساب باقي الأحزاب والتحالفات، ما سيعيد للواجهة قانون مكافحة التضليل الإعلامي، وبدوره يرصد تحالف “الشعب” ما يقوم به مرشح تحالف “الأمة” كليجدار أوغلو، الذي يوظف العاطفة الدينية (السنية والشيعية والمتصوفة) واللغة الطائفية لتعزيز شعبية حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي أصبح أكثر استخدامًا للخطاب المتدين واستخدامه للرموز والمفردات الإسلامية، لكسب ملايين الأصوات من خلفيات عرقية وفكرية متباينة.
أخيرًا، نختتم تقريرنا هذا باقتباس من مقال لـ بروزو دراغي، مراسل صحيفة الإندبندنت في الشرق الأوسط: “أردوغان، كان دائمًا سيد الانتخابات، نادرًا ما يخسر تصويتًا، معتمدًا على مهارته في الأحاديث عن القومية الشعبوية لتعبئة أنصار حزب العدالة والتنمية، لكنه يحتاج إلى دعم يتجاوز قاعدته الانتخابية. التحدي الرئيسي، حاليًّا، هو إقناع عدد كافٍ من شريحة الناخبين المترددين، وشريحة الجدد، بأنه قادر على معالجة الكم الهائل من مشكلات تركيا”، ما يجعل كل الخيارات حاضرة خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.